الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النور/(14) من قوله تعالى {ويقولون امنا بالله} الآية 47 إلى قوله تعالى {ومن يطع الله ورسوله} الآية 52
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(14) من قوله تعالى {ويقولون امنا بالله} الآية 47 إلى قوله تعالى {ومن يطع الله ورسوله} الآية 52

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النُّور

الدَّرس: الرَّابع عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ، أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرجيمِ:

وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:47-51]

– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، يخبرُ تعالى في هذهِ الآياتِ عن حالِ الفريقين من المنتسبين للإيمانِ، وهم: المنافقون والمؤمنون الصادقون كلُّهم يدّعي الإيمانَ، لكنَّ المنافقون يدَّعونَ ذلكَ كذِباً والمؤمنون يظهرون ذلكَ صِدقاً، (ويقولون آمنا) هذا أصلُ حالِ المنافقين الكاذبين، (ويقولون آمنا بالله وبالرّسولِ وأطعنا ثم يتولّى فريقٌ منهم من بعد ذلكَ وما أولئكَ بالمؤمنين) مثلُ قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة:8] (وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكمَ بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون) إذا دُعوا إلى حكمِ اللهِ ورسولهِ أعرضُوا: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [النساء:61]

قالَ اللهُ: (وإن يكنْ لهم الحقُّ يأتوا أليه مذعنين) إذا علموا أنّ الحكمَ سيكونُ لهم فإنّهم يأتون وينقادون، لأنّهم يعلمون من ظواهر الأمور أنّ الحقَّ لهم، وإن يكنْ لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين، قال الله: أفي قلوبِهم مرضٌ أم ارتابُوا، شكُّوا، أم يخافون أن يحيفَ اللهُ عليهم، أو يخافون أنّ اللهَ يجورُ عليهم والرسولَ، أم يخافون أن يحيفَ اللهُ عليهم ورسولِه بلْ أولئكَ هم الظالمون، لا إله إلا الله، هذا هوَ أصلُ حالِ المنافقين، يدَّعون الإيمانَ وهم كاذبون، ولهذا نفى اللهُ عنهم الإيمانَ، وما أولئك بالمؤمنين، ثمَّ ذكرَ بعضَ تصرفاتِهم، إذا دُعوا إلى حكمِ اللهِ ورسوله أعرضوا، وإذ كان لهم الحقّ جاؤُوا واستجابوا، لا رضىً بحكم الله ورسوله، لو كان الحكمُ عليهم لا لهم يعني لم يرضوا بحكمِ اللهِ، والواجبُ على المؤمن أن يرضى بحكم الله له أو عليه، ويتبيّنُ هذا بذكرِ الفريقِ الثاني المؤمنون، إنّما كان قولُ المؤمنين، المؤمنون الصادقون إذا دُعوا إلى حكمِ الله ورسوله أجابوا وانقادوا، (إنّما كانَ قولُ المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكمَ بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا)، (إذا دُعوا إلى حكم الله ورسوله استجابوا قالوا سمعنا وأطعنا)، يعلمون أنّ حكمَ الله ورسوله هو الحكم الحكم الحقّ، وأولئك هم المفلحون، (ومن يطعِ الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)، فذكرَ اللهُ تعالى حالَ المؤمنين الصادقين وذكرَ عاقبتَهم، وأنّ عاقبتَهم الفلاحُ الفوز العظيم،  العظيم، (إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون، ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)، فالطاعة لله والرسول، الطاعة لله ورسوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، والخشية والتقوى لله وحده، يعني لله حقوق وللرسول حقوق، فالأيمان يكون بالله وبالرسول والطاعة لله والرسول، والحكم لله والرسول، والخشية والتقوى والعبادة بأنواعها لله وحده.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديِّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: (ويقولوا آمنَّا باللهِ وبالرسولِ…) الآيات، يخبرُ تعالى عن حالةِ الظالمين..

– الشيخ : الظالمين؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : نعم؛ لأنّه قالَ "أولئكَ همُ الظالمين"

– القارئ : مِمَّن في قلبِهِ مرضٌ وضعفُ إيمانٍ، أو نفاقٌ ورَيبٌ وضعفُ علمٍ، أنَّهم يقولون بألسنتِهم، ويلتزمون الإيمانَ باللهِ والطاعةِ، ثمَّ لا يقومون بما قالُوا، ويتولّى فريقٌ منهم عن الطاعةِ تولّياً عظيماً..

– الشيخ : ويتولَّى فريق منهم من بعد ذلك وهم معرضون

– القارئ : بدليل قوله: {وَهُمْ مُعْرِضُونَ}

– الشيخ : ثم َّيتولّى فريق منهم، ثم يتولى فريق منهم، نعم، نعم بعده

– القارئ : فإنَّ المتوليَ قد يكونُ لهُ نيّةُ عودٍ ورجوعٍ إلى ما تولَّى عنه، وهذا المتولّي مُعرِضٌ، لا التفاتَ لهُ، ولا نظرَ لما تولّى عنهُ، وتجدُ هذهِ الحالةَ مطابقةً لحالِ كثيرٍ ممّن يدّعي الإيمانَ والطاعةَ للهِ وهوَ ضعيفُ الإيمانِ، وتجدُهُ لا يقومُ بكثيرٍ مِن العباداتِ، خصوصاً: العباداتُ الّتي تشقُّ على كثيرٍ من النفوسِ، كالزكواتِ، والنفقاتِ الواجبةِ والمُستحَبّةِ.

– الشيخ : والصلاة، قبل ذلك الصلاة، هذول [هؤلاء] ممّن يدّعي الإيمان سبحان الله.. هذا الفرائض ثقيلة عليه، إمّا أنّه لا يؤدّيها أصلاً.. أو أنّه يقصّر في واجباتها، من جهة الوقت ومن جهة الجماعة ومن حيث صفة الأداء.

 

– القارئ : والجهادِ في سبيلِ اللهِ، ونحوِ ذلكَ.

{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} أي: إذا صارَ بينَهم وبينَ أحدٍ حكومةٌ، ودُعوا إلى حُكمِ اللهِ ورسولِهِ {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} يريدون أحكامَ الجاهليّةِ، ويفضّلون أحكامَ القوانين غيرَ الشرعيّةِ على الأحكامِ الشرعيّةِ، لعلمِهم أنّ الحقَّ عليهم، وأنَّ الشرعَ لا يحكمُ إلّا بما يطابقُ الواقعَ، {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ} أي: إلى حكمِ الشرعِ {مُذْعِنِينَ} وليسَ ذلكَ لأجلِ أنّه حكمٌ شرعيٌّ، وإنّما ذلكَ لأجلِ موافقةِ أهوائِهم، فليسُوا ممدوحين في هذهِ الحالِ، ولو أتوا إليهِ مُذعنين، لأنّ العبدَ حقيقةً، مَن يتبعُ الحقَّ فيما يحبُّ ويكرهُ.

– الشيخ : هذا هو الواجب الواجب على العبد، أن يرضى بشرع الله وبحكم الله، سواءً وافق هواه أو خالف هواه، بل عليه أن يدور في حبّه وبغضه وفعله وتركه مع مواد الله، فيحبُّ ما يحبُّه الله ويبغض ما يبغضه لله ويرضى بما يرضى الله به، ويفعل ما أمره الله به، ويترك ما نهاه الله، هذا هو برهان الإيمان الصادق.

 

– القارئ : وفيما يسرُّهُ ويُحزنُهُ، وأمّا الّذي يتّبعُ الشرعَ عندَ موافقةِ هواهُ، وينبذُهُ عندَ مخالفتِهِ، ويُقدِّمُ الهوى على الشرعِ، فليسَ بعبدٍ على الحقيقةِ، قالَ اللهُ في لومِهم على الإعراضِ عن الحُكمِ الشرعيِّ: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي: علّةٌ، أخرجَتِ القلبَ عن صحتِهِ وأزالتْ حاسّتَهُ، فصارَ بمنزلةِ المريضِ، الذي يُعْرِض الّذي يُعرِضُ عمّا ينفعُهُ، ويُقبِلُ على ما يضرُّهُ،

{أَمِ ارْتَابُوا} أي: شكّوا، وقلقَتْ قلوبُهم من حكمِ اللهِ ورسولِهِ، واتّهموهُ أنّهُ لا يحكمُ بالحقِّ، {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} أي: يحكمُ عليهم حكماً ظالماً جائراً، وإنّما هذا وصفُهم {بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

وأمّا حُكمُ اللهِ ورسولِهِ، ففي غايةِ العدالةِ والقسطِ، وموافقةِ الحكمةِ. {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وفي هذهِ الآياتِ، دليلٌ على أنَّ الإيمانَ، ليسَ هوَ مُجرّدُ القولِ حتّى يقترنَ بهِ العملُ

– الشيخ : القول نعم نعم، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم

– القارئ : حتّى يقترنَ به العملُ، ولهذا نفى الإيمانَ عمّن تولّى عن الطاعةِ، ووجوبِ الانقيادِ لحكمِ اللهِ ورسولِهِ في كلِّ حالٍ، وأنّ مَن لم ينقدْ لهُ دلَّ على مرضٍ في قلبِهِ، وريبٍ في إيمانِه، وأنَّهُ يَحرُمُ إساءةُ الظنِّ بأحكامِ الشريعةِ، وأن يظنَّ بها خلافَ العدلِ والحكمةِ.

ولمّا ذكرَ حالةَ المعرضين عن الحكمِ الشرعيِّ، ذكرَ حالةَ المؤمنين الممدوحين، فقالَ: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِه….) الآياتِ، أي: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ} حقيقةَ، الّذينَ صدّقُوا إيمانَهم بأعمالِهم إذا دُعوا إلى اللهِ ورسولِهِ ليحكمَ بينَهم، سواءٌ وافقَ أهواءَهم أو خالفَها، {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أي: سمعْنا حُكمَ اللهِ ورسولِهِ، وأجبْنا مَن دعانا إليهِ، وأطعْنا طاعةً تامّةً، سالمةً مِن الحرجِ.

{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} حصرَ الفلاحَ فيهِم، لأنّ الفلاحَ: الفوزُ بالمطلوبِ، والنجاةِ من المكروهِ، ولا يُفلحُ إلّا من حكّمَ اللهَ ورسولَهُ، وأطاعَ اللهَ ورسولَهُ. ولمّا ذكرَ فضلَ الطاعةِ في الحكمِ خصوصاً، ذكرَ فضلِها عموماً، في جميعِ الأحوالِ، فقالَ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فيصدّقُ خبرِهما ويمتثلُ أمرَهما، {وَيَخْشَ اللَّهَ} أي: يخافُهُ خوفاً مقروناً بمعرفةِ، فيتركُ ما نهى عنهُ، ويكفُّ نفسَه عمّا تهوى، ولهذا قالَ: {وَيَتَّقْهِ} بتركِ المحظورِ، لأنّ التقوى -عندَ الإطلاقِ- يدخلُ فيها، فعلُ المأمورِ، وتركُ المنهيِّ عنهُ، وعندَ اقترانِها بالبرِّ أو الطاعةِ -كما في هذا الموضعِ- تُفسَّرُ بتوقّي عذابِ اللهِ، بتركِ معاصيهِ.

{فَأُولَئِكَ} الذينَ جمعُوا بينَ طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولِهِ، وخشيةِ اللهِ وتقواهُ، {هُمُ الْفَائِزُونَ} بنجاتِهم من العذابِ، لتركِهم أسبابَهُ، ووصولِهم إلى الثوابِ، لفعلِهم أسبابَهُ، فالفوزُ محصورٌ فيهم، وأمّا مَن لمْ يتّصفْ بوصفِهم، فإنّه يفوتُهُ من الفوزِ بحسبِ ما قَصُرَ عنهُ من هذهِ الأوصافِ الحميدةِ، واشتملَتْ هذهِ الآيةُ، على الحقِّ المُشترَكِ بينَ اللهِ وبينَ رسولِهِ، وهوَ: الطاعةُ المُستلزِمةُ للإيمانِ، والحقُّ المُختَصُّ باللهِ، وهوَ: الخشيةُ والتقوى، وبقيَ الحقُّ الثالثُ المُختَصُّ بالرسولِ، وهوَ التعزيرُ والتوقيرُ، كما جمعَ بينَ الحقوقِ الثلاثةِ في سورة ِالفتحِ في قولِهِ: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح:9]

 قالَ اللهُ تعالى: وأقسمُوا باللهِ

– الشيخ : إلى هنا، أوقف.

– طالب: أحسن الله إليكم ورضي الله عنكم يا شيخنا، قوله تعالى: ويقولون بالله وأطعنا ثم يتولى، هل هؤلاء صنف واحد يُحكم عليهم بالكفر أم أصناف؟

– الشيخ : قال الله لهم أصناف، يعني كما قلنا أنو المنتسبون للأيمان منهم المنافق ومنهم مريض القلب الذي لم يتمكّن الإيمان من قلبه.