بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النُّور
الدَّرس: السَّابع عشر
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِنَ الشّيطانِ الرّجيمِ
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [النور:61]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : لا إله إلّا الله، محمّد، اقرأ (والقواعدُ من النساءِ)، لا إله إلّا الله، سبحان الله العظيم.
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديِّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:
(والقواعدُ منَ النساءِ الّلاتي لا يرجوْنَ نكاحاً) الآيات [النور:60]
الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ أي: الّلاتي قعدْنَ عن الاستمتاعِ والشّهوةِ {الّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} أي: لا يطمَعْنَ في النكاحِ، ولا يُطمَعُ فيهنَّ، وذلكَ لكونِها عجوزاً لا تُشتهَى، أو دميمةَ الخِلقةِ لا تُشتهَى ولا تَشتهي {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ} أي: حرجٌ وإثمٌ {أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} أي: الثيابُ الظاهرةُ، كالخمارِ ونحوِهِ، الّذي قالَ اللهُ فيهِ للنساءِ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور:31] فهؤلاءِ، يجوزُ لهُنَّ أنْ يَكشفْنَ وجوهَهُنَّ لآمنِ المحذورِ منها وعليها، ولمّا كانَ نفيُ الحرجِ عنهنّ في وضعِ الثيابِ، رُبَّما تُوهِّمَ منهُ جوازُ استعمالِها لكلِّ شيءٍ، دُفِعَ هذا الاحترازُ بقولِهِ: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} أي: غيرُ مظهراتٍ للناسِ زينةً، مِن تجمُّلٍ بثيابٍ ظاهرةٍ، وتسترُ وجهَها، ومِن ضربِ الأرضِ برجلِها، ليُعلمَ ما تُخفي من زينتِها؛ لأنّ مُجرّدَ الزينةِ على الأنثى، ولو معَ تستُّرِها، ولو كانَتْ لا تُشتهَى يُفتَنُ فيها، ويُوقِعُ الناظرُ إليها في الحرجِ.
– الشيخ : الله المستعان، النساء فتنة النساء فتنة سبحان الله العظيم ابتلاء عظيم المرأة، ابتُلي بها الرجال والشيطان يُغوي الرجال بهنَّ، وهُنَّ أيضاً يزينُ لهنَّ الشيطان يعني التعرُّض للشرّ والتعرّض للفتن، سبحان الله أعوذ بالله، تتبرّج كي تخرج للسوق وتذهب، تستعمل الزينة والتعطُّر، وقرْنَ في بيوتكن ولا تبرّجْنَ تبرُّج الجاهليّة الأولى، حتّى العجائز الّتي لا تُشتهى إذا تبرّجت صارت فتنة، تتعطّر تلبس ثياب قشيبة جميلة تصبح فتنة، ولهذا لا يخلو لا تجوز الخلوة بالمرأة ولو كانت عجوز، يعني أُبيح لها أن تضعَ ثيابها غير مُتبرِّجة، يعني تكشف وجهها أو شيئاً من بدنها، لكن بشرط ألّا تتبرَّج، وأن تستعفف وتلزم لبس الثياب المعتادة ذلك خير لها، وإن يستعففن خيرٌ لهنَّ، نسأل الله العافية، ولهذا صارت المرأة هي أداة الكفار، هي أداة الكفار في إفساد مجتمعات المسلمين، يُتوصَّل إليهنَّ يعني بالتعليم التعليم السقيم لا التعليم القويم الّذي يقوِّم الأخلاق ويحمل على المحافظة ولزوم الآداب الشرعيَّة لأ، التعليم الّذي تخرج به المرأة عن فطرتها وعن طبيعتها من الحياء، التعليم غير غير القويم الّذي جعل نساء المسلمين يتشبَّهنَ بالكافرات، بنساء الغرب فهذا من أعظم الشرور التي دخلت على المسلمين، ولهذا المرأة هي هي الوسيلة لترويج الإعلان، إعلان بِلا مرأة مالو قيمة عندهم، بلا مرأة المرأة لابدّ في التمثيل في قراءة الأخبار في الإعلانات، المرأة هي وسيلة ترويج يعني استجلاب المشاهدين كما يقولون واستجلاب المستمعين، نسأل الله العافية، نسأل الله العافية.
وهكذا ما يُقام من من احتفالات من مناسبات أو غير مناسبات المرأة لابدّ منها، المرأة لابدّ منها، ويتضمّن ذلك الاختلاط بين الرجال والنساء، أعوذ بالله، وهذا من أعظم أبواب الزنا، الاختلاط بين الرجال والنساء، وتترتّب عليه الخلوة وتترتّب عليه يعني المقاربة والنظر والحديث والكلام، وما يسمّونه بالتحرُّش، التحرُّش يعني أنو أنّ الرجلَ يعني يلمس المرأة ويقترب منها، إذا كان التحرُّش وهذا ما تُقِرُّونه فلماذا يعني تُتاح فُرص الاختلاط بين الرجال، فالاختلاط هو طريق التحرُّش، اختلاط بِلا تحرش لا ما يكون، فمع الاختلاط لابد يكون في تحرُّش، والتحرُّش ليس هو مُنكَرٌ في ذاتِه عندهم، عند القوم عند المُستغربين ليس بمُنكر، لكنّه إذا لم يكن برضى الطرف الآخر نعم، فإذا اشتكت المرأة من أحد أنّه يتحرّش بها ممكن أنو يعني يتّخذون إجراء ضدّ الفاعل، أمّا إذا كان في توافُق وتراضي فالشّيطان قد أصلح بينهما، سبحان الله، سبحان الله، سورة النور من أوّلها إلى آخرها في شأن الحرمات والأعراض، استهلال السور من أوّلها:
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور:2]
﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ [النور:3]
وهكذا إلى أن جاء في آخر السورة هذا التشريع القويم، في أوّل السّورة: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور:31]
وفي آخرها تخصيص: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ﴾ [النور:60]
الله المستعان، وبهذه البلاد المباركة بلاد الحرمين التي هي أطهر البلاد مقصودة بالفساد، مقصودة من أعداء الإسلام من اليهود والنصارى ومن المنافقين في الداخل، المنافقون هم جرثومة الفساد في كلّ الأوساط، (وإذا قيل لهم لا تُفسِدوا في الأرض قالوا إنّما نخن مصلحون)، يُسمّون إفسادهم إصلاح سبحان الله، قلب للحقائق يُسمَّون الإفساد إصلاحاً، ومن ذلك هيئة الترفيه في هذه البلاد هي مُؤسَّسة على نشر الاختلاط، نشر الاحتفالات المُختلِطة المُشتمِلة على أنواع من المُنكَرات، ولهذا لمّا أُقيم الحفل الّذي في جِدّة، وجُلِب له من فِرقِ الفُجور، يعني ساء الغيورين والمحتسبين من الرجال والنساء ساءهم ذلك واستنكروه، حتّى الناس الّذين ليسوا من ممّن يعرفون يعني بالتديُّن والصلاح الظاهر لكنّهم معهم أصل الغيرة على الأعراض، أصل الغيرة على الأعراض والغيرة على الدين، فاستنكروا هذا استنكاراً عظيماً، ولله الحمد والمنّة، ونحن من هذا المكان نستنكره ونحمل التَبِعة القائمين على هذا الحفل وعلى هذا الاحتفال، ومن ورائهم ومن ورائهم من الداعمين بالمال والمنظّمين والمهيئين لهذه الاحتفالات الأثيمة، هذه الاحتفالات هي برامج لغير كما يقولون هويّة البلد، هويّة البلد هي العِفّة والطُهر والاستقامة والحياء حياء النساء هذه هويّة البلد، البلد على آثار صلاح وآثار استقامة؛ لأنّ هذه البلاد قد سلَّمها الله لاحتلال النصارى، فكان وقامت فيها دعوة الإصلاح، فكانت خير بلاد المسلمين عقيدة خير بلاد المسلمين عقيدة وسلوكاً، ولهذا كانت هدفاً لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمنافقين والمبتدعين من الرافضة وأشباههم، فعلى الجميع التعاون على مقاومة هذا التوجُّه الأثيم، على المسلمين أن يحفظوا أوّلاً يحافظوا على بيوتهم ويسدّوا أبواب الشرّ عليها بقدر الاستطاعة، وإن كانت يعني تعسَّر الآن الإنكار بسبب ما تهيّأ من وسائل التواصل، لكن على المسلم أن يبذل جهده في إصلاح نفسه أوّلاً على كلّ مسلم أن يجتهد في إصلاح نفسه، وإصلاح من تحت يده من أهل وولد، نسأل الله أن يلطف بنا وبالمسلمين جميعاً في كل البلاد وأن يحفظ هذه البلاد المباركة وأن يرُدَّ كيد كلّ من يريد بها شرّاً، من الداخل أو الخارج اللّهم أصلح بلادنا وبلاد المسلمين، اللّهم الطف بنا أجمعين اللّهم احفظ علينا ديننا ودنيانا أمْننا وأيماننا أمننا وأيماننا، وصلّى الله على نبيّنا محمّد، الله المستعان، كمّل يا محمّد الآية بس [فقط].
– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكم، قالَ رحمَهُ اللهُ: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ}، والاستعفافُ: طلبُ العِفّةِ، بفعلِ الأسبابِ المُقتضية لذلكَ، مِن تزوُّجٍ وتركٍ لما يُخشَى منه الفتنةُ، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ} لجميعِ الأصواتِ {عَلِيمٌ} بالنيّاتِ والمقاصدِ، فليحذرْنَ مِن كلِّ قولٍ وقصدٍ فاسدٍ، ويعلمْنَ أنَّ اللهَ يُجازي على ذلكَ. ليسَ على الأعمى، انتهى.
– الشيخ : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، اقرأ
– القارئ : قالَ تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ} الآيات
يُخبِرُ تعالى عن منّتِهِ على عبادِهِ، وأنَّهُ لمْ يجعلْ عليهم في الدينِ مِن حرجٍ بلْ يسّرَهُ غايةَ التيسيرِ.
– الشيخ : الحمد لله، (يريدُ اللهُ بكم اليسرَ ولا يريدُ بكم العسرَ)، (ما جعلَ عليكم في الدينِ من حرجٍ).
– القارئ : فقالَ: {لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} أي: ليسَ على هؤلاءِ جُناحٌ، في تركِ الأمورِ الواجبةِ، الّتي تتوقّفُ على واحدٍ منها، وذلك َكالجهادِ ونحوِهِ.
– الشيخ : "تتوقّف على واحد"، التي تتوقّف على واحدٍ منها، يعني من البصرِ والسلامةِ من المرضِ والعرجِ، ليسَ على هؤلاء حَرجٌ في ترك ما يجب في ترك الواجبات الّتي تتوقّف على واحد من هذه الأمور، فالأعمى ليس عليه حرج في ترك الجهاد، وكذلك الأعرج وكذلك المريض، نعم الّتي تتوقّف على واحد منها، واحد منها أضداد هذه الأمور يعني تتوقّف على [….]، ليس على ليس عليهم حرج يعني في ترك ما يجب بسببِ واحدٍ منها، نعم كأنَّ العبارة ماهي بـــــ قوله تتوقّف على واحد، عند تتوقّف على واحد منها؟
– القارئ : نعم.
– الشيخ : على واحد من العمى؟! لا، تتعذّرُ أيش؟
– طالب: …
– الشيخ : أي بس تتوقّف على واحد منها، هنا ما ما هي واضحة العبارة، نعم كمّل.
– القارئ : وذلكَ كالجهادِ ونحوِهِ ممّا يتوقّفُ على بصرِ الأعمى أو سلامةِ الأعرجِ، أو صِحّةِ المريضِ، ولهذا المعنى العامِّ الّذي ذكرْناهُ، أطلقَ الكلامَ في ذلكَ، ولمْ يُقيّدْ، كما قيّدَ قولَهُ: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي: حرجٌ {أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} أي: بيوتُ أولادِكُم، وهذا مُوافِقٌ للحديثِ الثابتِ: "أنتَ ومالُكَ لأبيكَ" والحديثُ الآخرِ: " إنّ أطيبَ ما أكلْتُم من كسبِكُم، وإنَّ أولادَكُم مِن كسبِكُم " وليس المُرادُ مِن قولِهِ: {مِنْ بُيُوتِكُمْ} بيتُ الإنسانِ نفسَهُ، فإنَّ هذا مِن بابِ تحصيلِ الحاصلِ، الّذي يُنزَّهُ عنهُ كلامُ اللهِ.
– الشيخ : يعني قوله تعالى: (أن تأكلوا من بيوتكم) أولادكم يعني، فبيت الولد بيت لأبيه.
– القارئ : ولأنَّهُ نفى الحَرَجَ عمَّا يُظَنُّ أو يُتوَهَّمُ فيهِ الإثمُ مِن هؤلاءِ المذكورين، وأمَّا بيتُ الإنسانِ نفسُهُ فليسَ فيهِ أدنى توهُّمٍ.
{أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ} وهؤلاءِ معروفون، {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} أي: البيوتُ الّتي أنتم مُتصرِّفون فيها بوكالةٍ، أو ولايةٍ ونحوِ ذلكَ، وأمّا تفسيرُها بالمملوكِ، فليسَ بوجيهٍ، لوجهين: أحدُهما: أنَّ المَملوكَ لا يُقالُ فيهِ "ملكَتْ مفاتحَهُ" بلْ يُقالُ: "ما ملكْتُموهُ" أو "ما ملكَتْ أيمانُكم" لأنَّهم مالكون لهُ جُملةً، لا لمفاتحَهُ فقطْ.
والثاني: أنَّ بيوتَ المماليكِ، غيرُ خارجةٍ عنْ بيتِ الإنسانِ نفسِهِ؛ لأنَّ المملوكَ وما ملكَهُ لسيِّدِهِ، فلا وجهَ لنفيِ الحرجِ عنْهُ.
{أَوْ صَدِيقِكُمْ} وهذا الحرجُ المنفيُّ عن الأكلِ مِن هذهِ البيوتِ كلُّ ذلكَ، إذا كانَ بدونِ إذنٍ، والحكمةُ فيه مَعلومةٌ من السَّياقِ، فإنَّ هؤلاءِ المُسمَّين قدْ جرَتِ العادةُ والعرفُ، بالمُسامَحةِ في الأكلِ مِنها، لأجلِ القرابةِ القريبةِ، أو التّصرُّفِ التّامِّ، أو الصداقةِ، فلو قُدِّرَ في أحدٍ مِن هؤلاءِ عدمُ المُسامَحةِ والشُّحُّ في الأكلِ المذكورِ، لمْ يجزِ الأكلُ، ولمْ يرتفعِ الحرجُ، نظراً للحكمةِ والمعنى.
وقولُهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}.
– الشيخ : الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله، يعني كأنّ الشيخ يقول: إنّها نزلت يعني مناسبة للعرف السائد في ذلك الوقت، يعني كان هنا تتسامح وسماحة وطيب نفس، فلا يعني لا يُمانع أحد من هؤلاء يعني أن يأكل أحد من قرابته من بيته، يأكل الإنسان من بيت عمه أو عمته أو.. والذي يظهر أنّ بيت العمّة وبيت الخالة بيتها الّتي تملكه وتستقلّ به أمّا إذا ما كانت في بيت زوجها فليس البيت لها، بيت الزوج.
– القارئ : وقولُهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} فكلُّ ذلكَ جائزٌ، أكلُ أهلِ البيتِ الواحدِ جميعاً، أو أكلُ كلِّ واحدٍ منهم وحدَهُ، وهذا نفيٌ للحَرَجِ، لا نفيٌ للفضيلةِ وإلّا فالأفضلُ الاجتماعُ على الطعامِ.
{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} نكرةٌ في سياقِ الشرطِ، يشملُ بيتَ الإنسانِ وبيتِ غيرِهِ، سواءٌ كانَ في البيتِ ساكنٌ أمْ لا فإذا دخلَها الإنسانُ {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي: فليسلّمْ بعضُكم على بعضٍ؛ لأنَّ المسلمين كأنَّهم شخصٌ واحدٌ، مِن توادِّهم، وتراحُمِهم.
– الشيخ : نعم "وإذا دخلتم بيوتاً" أيش؟
– القارئ : نعم، {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} نكرةٌ في سياقِ الشرطِ.
– الشيخ : … نعم.
– القارئ : لأنّ المسلمين كأنَّهم شخصٌ واحدٌ، من توادِّهم، وتراحُمِهم، وتعاطُفِهم، فالسلامُ مشروعٌ لدخولِ سائرِ البيوتِ، مِن غيرِ فرقٍ بينَ بيتٍ وبيتٍ، والاستئذانُ تقدّمَ أنَّ فيهِ تفصيلاً في أحكامِهِ، ثمَّ مدحَ هذا السلامَ فقالَ: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}، أي: سلامُكم بقولِكم: "السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ" أو "السلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين" إذْ تدخلون البيوتَ، {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي: قدْ شرعَها لكُم، وجعلَها تحيتَكم، {مُبَارَكَةً} لاشتمالِها على السّلامةِ من النقصِ، وحصولِ الرحمةِ والبركةِ والنماءِ والزيادةِ، {طَيِّبَةً} لأنَّها من الكَلِمِ الطيبِ المحبوبِ عندَ اللهِ، الّذي فيهِ طيبُ نفسٍ للمحيا، ومحبَّةٌ وجلبُ مودةٍ.
لمّا بيّنَ لنا هذهِ الأحكامُ الجليلةُ قالَ: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ} الدالّاتُ على أحكامِهِ الشرعيّةِ وحُكمِها، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} عنهُ فتفهمونَها، وتعقِلونَها بقلوبِكم، ولتكونوا مِن أهلِ العقولِ والألبابِ الرزينةِ، فإنَّ معرفةَ أحكامِهِ الشرعيّةِ على وجهِها، يزيدُ في العقلِ، وينمو به اللبُّ، لكونِ معانيها أجلَّ المعاني، وآدابُها أجلُّ الآدابِ، ولأنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ، فكما استعملَ عقلَهُ للعقلِ عن ربَّهِ، وللتفكُّرِ في آياتِهِ الّتي دعاهُ إليها، زادَه مِنْ ذلكَ.
وفي هذهِ الآياتِ دليلٌ على قاعدةٍ عامّةٍ كُليّةٍ وهيَ: أنَّ "العُرفَ والعادةَ مُخصِّصٌ للألفاظِ، كتخصيصِ اللفظِ للفظِ " فإنَّ الأصلَ، أنَّ الإنسانَ ممنوعٌ من تناوُلِ طعامِ غيرِهِ، معَ أنَّ اللهَ أباحَ الأكلَ من بيوتِ هؤلاءِ، للعُرفِ والعادةِ، فكلُّ مسألةٍ تتوقَّفُ على الإذنِ من مالكِ الشّيءِ، إذا عُلِمَ إذنُهُ بالقولِ أو العُرفِ، جازَ الإقدامُ عليهِ.
وفيها دليلٌ على أنَّ الأبَ يجوزُ لهُ أنْ يأخذَ ويتملَّكَ مِن مالِ ولدِهِ ما لا يضرُّهُ؛ لأنّ اللهَ سمَّى بيتَهُ بيتاً للإنسانِ.
وفيها دليلَّ على أنَّ المُتصرِّفَ في بيتِ الإنسانِ، كزوجتِهِ، وأختِهِ ونحوِهما، يجوزُ لهما الأكلُ عادةً، وإطعامُ السائلِ المُعتادِ.
وفيها دليلٌ، على جوازِ المُشاركةِ في الطعامِ، سواءٌ أكلُوا مُجتمعين، أو مُتفرِّقين، ولو أفضى ذلكَ إلى أنْ يأكلَ بعضُهم أكثرُ مِن بعضٍ.
انتهى.