بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفرقان
الدَّرس: الأوَّل
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا[الفرقان:1-6]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنك
– الشيخ : لا إله إلّا الله، لا إله إلَّا الله، هذه سورة الفرقان، وهي سورةٌ مكيّةٌ، لا إله إلّا الله، يقول سبحانه وتعالى: تبارك (تباركَ الّذي نزَّل الفرقانَ)، يعني تبارك الله؛ لأنَّه هو الَّذي نزَّل الفرقان، تبارك يعني تعالى وتقدَّسَ تعالى و تقدَّسَ والبركةُ كثرةُ الخيرِ وهو سبحانه تعالى بيدِه الخيرُ، بيده الخيرُ كلُّه والبركة منه، يُبارِكُ لمن شاءَ وفيمن شاءَ، فالعبدُ يكونُ مباركاً واللهُ هو الَّذي يباركُ فيه، وتبارك لا تضاف هذا الفعل تبارك لا يضاف إلَّا إلى الله، أو اسم من أسمائه، تبارك اسم ربِّك، ولا يضاف للمخلوق لا يقال فلان تبارك، فما يجري على ألسن بعض الناس يقولون يافلان باركت علينا لا، لا تقل تبارك هذا الشيء يقول تبارك لا، قول هذا الشيء مبارك، هذا جعل الله فيه بركة، قال عيسى عليه السلام: (وجعلني مباركاً)، تبارك الذي نزَّل الفرقان وهو سبحانه وتعالى يتمدَّح بصفات كماله وبإنعامه، والفرقان هو القرآن؛ لأنّه مُشتمِلٌ على الفرقان بين الحقِّ والباطل والخير والشرِّ والهدى من الضلال، فرقان ونزَّل الفرقان فالفرقان اسم من أسماء القرآن، تبارك الّذي نزَّل الفرقان سبحانه وتعالى، أنزلَه على عبدِه محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- لينذر به قال وأنرل عليك يقول سبحانه وتعالى: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأُنذركم به، وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به، ويقول سبحانه: (فذكِّر بالقرآن)، فذكر بالقرآن، يتلوه على الناس يقول تعالى: (ليكونَ للعالمين نذيراً)، للعالمين كلِّهم، وهذا يدلُّ على عموم رسالته وأنّه رسول الله إلى جميع الناس، كما قال سبحانه: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، كلُّ نبيٍّ يُبعَثُ إلى قومه أمَّا -محمَّدٌ -صلَّى الله عليه وسلّم- خاتم النبيين، فقد بعثَه اللهُ إلى جميعِ الناسِ، (وما أرسلْناك إلَّا كافةً للناسِ بشيراً ونذيراً لكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون).
ثمَّ أثنى على نفسِه سبحانه وتعالى: (الَّذي له ملكُ السماواتِ والأرضِ) له الملك كلُّه له ملكُ السماواتِ والأرضِ؛ لأنَّه خالقها، وهو مدبرها فهي ملكه، لا إله إلَّا الله الَّذي له ملكُ السماوات والأرض، ولم يتَّخد ولداً، فيه ردٌّ على المشركين الَّذين يقولون الملائكة بنات الله، اليهود والنصارى الّذين قالوا: عزيرٌ ابنُ الله والمسيحُ ابنُ الله، (ولم يتَّخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك)، ردٌّ عل المشركين الَّذين جعلوا معه إلهاً آخر، لم يكن له شريك في الملك، فهو رب كل شيء هو تعالى رب كل شيء ومليكه، لا يملك هذه المعهودات لا تملكون ولا مثقال ذرة، ولا جزء من ذرة، قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير، هما من شرككي السماوات والأرض الذين زعمتم من دون الله علوا معه إلهاً آخر, لم يكن له شريك في الملك, فهو رب كل شيء, لأنهوخلق كل شيء خلق كل شيء وكل ماسواه مخلوق وهو خالقهم، (وخلقَ كلَّ شيءٍ فقدَّرَه تقديراً) جعل له قدراً وجعل لهه مقداراً، جعل لكل شيء قدراً، فهو تعالى قدَّر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم هو تعالى يخلقها يخلق ما قدَّره على وفْقِ تقديره، لا يختلف عن تتقديره السابق، فما قدَّره في اللوح المحفوظ، يجري في الوجود على وفق ذلك التقدير.
(واتَّخذوا من دونه) اتّخذ المشركون اتّخذوا من دونه آلهة معبودة، اتَّخذوا من دونه آلهة يعني معبودات متعددة، أجعل يقولون: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً) لأ الآلهة عندهم عدد تنوّعت، إنَّ الَّذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً كلُّ حزب بما لديهم فرحون، ولا تكونوا من المشركين الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم، ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، وهذه الآية لا تخلق شيئاً، لكنَّها هي مخلوقة فهي مخلوقة وهي لا تخلق شيئاً، سبحان الله العظيم سبحان الله سبحان الله، نعوذ بالله، هذه المعبودات التي يعبدون إمَّا أصنام منحوتة كما كان قوم ابراهيم، أو أشجار أو أحجار أو أموات سبحان الله سبحان الله أيُّ سَفَهٍ هذا؟ هذا أعظم سفه تأليه هذه المخلوقات هو أعظم السفه، (اتّخذوا من دونه آلهه لا يخلقون شيئاً وهم يُخلَقون، ولا يملكون موتاً ولا حياة)، اتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يُخلَقون، ولا يملكون لهم أيش تقول الآية؟
– القارئ : "ضرَّاً ولا نفعاً"
– الشيخ : (ولا يملكون لهم ضرَّاً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً وولا حياةً ولا نشوراً)، يعني ليس لها من التصرُّف شيء، يعبدونها وهي لا تنفع ولا تضرُّ، لكنَّها تضرُّ بعبادتهم؛ لأنّها تكون ضرراً عليهم، ثم ذكر سبحانه وتعالى بعض أقوال المشركين في الرسول وما جاء به، وقال الّذين كفروا وقال الذين كفروا وقالوا وقال الذين كفروا إن هذا إلّا إفك افتراه، يعني [….] هذا القرآن الذي نزَّله ربُّ العالمين على عبدِه ليكونَ للعالمين نذيراً، قال الكفار والمشركون ماهذا إلا إفكٌ، كذبٌ افتراه محمّد (إن هذا إلا إفكٌ افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤا ظلماً وزوراً)، ومن مقالاتهم: (قالوا أساطير الاولين اكتتبَها فهي تُملى عليه بكرةً وأصيلاً) تارةً يقولون افتراهُ وتارةً يقولون أملاها عليه قومٌ آخرون، وتارةً يقولون هذه أساطيرٌ، أساطيرُ الأولين يعني قصصُ الأساطيرِ: هي الحكايات والقصص الَّتي مالها أصل، خيالات يخترعُها بعضُ الناسِ، (قلْ أنزلَه الّذي يعلمُ السرَّ)، وهذا فيه ردٌّ على أولئك الظالمين المفترين، (قلْ أنزلَه الَّذي يعلمُ السرَّ في السماواتِ والأرضِ إنَّه كانَ غفوراً رحيماً) نعم يا محمد.
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السعديِّ رحمَهُ اللهُ تعالى
– الشيخ : رحمه الله ورحِمَنا وأيّاه
– القارئ : تفسيرُ سورةِ الفرقانِ وهيَ مكيَّةٌ عندَ الجمهورِ.
– الشيخ : هي عند الجمهور وما فيها ما يقتضي أن تكون مدنيَّةً، مافيها مافيها شي كلُّها من أوَّلها إلى آخرها فيها يعني علامات القرآن المكيِّ، فيها علامات كلَّها في شأن النبوَّة وفي شأن البعث والتوحيد هذه أصول هذه أصول الايمان التوحيد والنبوَّة والبعث، السورة دائرة على هذا كلِّه، من أوَّلها إلى آخرها.
– القارئ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ…)الآيات، هذا بيانٌ لعظمتِهِ الكاملةِ
– الشيخ : سبحانه وتعالى
– القارئ : وتفرُّدِهِ [بالوحدانيَّةِ] من كلِّ وجهٍ وكثرةِ خيراتِه وإحسانِه فقالَ: {تَبَارَكَ} أي: تعاظمَ وكملَتْ أوصافُه وكثرَتْ خيراتُه الَّذي مِن أعظمِ خيراتِه ونعمِه أنْ نزَّلَ هذا القرآنَ الفارقَ بينَ الحلالِ والحرامِ والهدى والضلالِ وأهلِ السعادةِ مِن أهلِ الشقاوةِ، {عَلَى عَبْدِهِ} محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الَّذي كمَّلَ مراتبَ العبوديَّةِ وفاقَ جميعَ المُرسلين.
– الشيخ : اللَّهم صلِّ وسلِّمْ على محمَّدٍ، اللَّهم صلِّ وسلِّمْ على محمَّدٍ، آمنْتُ باللهِ ورسولِهِ، أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ.
– القارئ : {لِيَكُونَ} ذلكَ الإنزالُ للفُرقانِ على عبدِهِ {لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} ينذرُهم بأسَ اللهِ ونقمِهِ ويبيِّنُ لهم مواقعَ رضى اللهِ مِن سخطِهِ، حتّى إنَّ مَنْ قَبِلَ نِذارتَهُ وعملَ بها كانَ مِن الناجين في الدنيا والآخرةِ الّذينَ حصلَتْ لهم السعادةُ الأبديَّةُ
– الشيخ : الله أكبر
– القارئ : والملكُ السرمديُّ، فهلْ فوقَ هذهِ النعمةِ وهذا الفضلِ والإحسانِ شيءٌ؟ فتباركَ الَّذي هذا بعضُ إحسانِهِ وبركاتِهِ.
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: لهُ التصرُّفُ فيهما وحدَهُ، وجميعُ مَن فيها مماليكٌ وعبيدٌ لهُ مُذعِنون لعظمتِهِ خاضعون لربوبيتِهِ، فقراءُ إلى رحمتِهِ الَّذي {لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} وكيفَ يكونُ لهُ ولدٌ أو شريكٌ وهوَ المالكُ وغيرُهُ مملوكٌ، وهوَ القاهرُ وغيرُهُ مقهورٌ، وهوَ الغنيُّ بذاتِهِ مِن جميعِ الوجوهِ، والمخلوقون مفتقرون إليهِ فقراءٌ مِن جميعِ الوجوهِ؟
وكيفَ يكونُ لهُ شريكٌ في الملكِ ونواصي العبادِ كلِّهم بيديهِ؟ فلا يتحرَّكون أو يسكنون ولا يتصرَّفون إلَّا بإذنِهِ (فتعالى اللهُ عن ذلكَ علوَّاً كبيراً)، فلمْ يقدِّرْهُ حقَّ قدرِهِ مَن قالَ فيهِ ذلكَ ولهذا قالَ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} شملَ العالمَ العلويَّ والعالمَ السفليَّ.
– الشيخ : لا إله إلَّا الله لا إله إلّا الله، سبحان الله سبحان الله سبحان الله سبحان الله، خلق كلَّ شيءٍ لا إله إلَّا الله، كلُّ شيءٍ عموم.
– القارئ : مِن حيواناتِهِ ونباتاتِهِ وجماداتِهِ، {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} أي: أعطى كلَّ مخلوقٍ منها ما يليقُ بهِ ويناسبُهُ مِن الخلقِ وما تقتضيهِ حكمتُهُ مِن ذلكَ، بحيثُ صارَ كلُّ مخلوقٍ لا يتصوَّرُ العقلَ الصَّحيحَ أن يكونَ بخلافِ شكلِهِ وصورتِهِ المشاهدةِ، بلْ كلُّ جزءٍ وعضوٍ مِن المخلوقِ الواحدِ لا يناسبُه غيرُ محلِّهِ الَّذي هوَ فيهِ.
قالَ تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى:1-3]
وقال تعالى: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه:50]
ولمَّا بيّنَ كمالَهُ وعظمتَهُ وكثرةَ إحسانِهِ كانَ ذلكَ مُقتضياً لأنْ يكونَ وحدَهُ المحبوبُ المألوهُ المُعظَّمُ المفردُ بالإخلاصِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ناسبَ أنْ يذكرَ بطلانَ عبادةِ ما سواهُ فقالَ: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) الآية، أي: مِن أعجبِ العجائبِ وأدلِّ الدليلِ على سَفَهِهم ونقصِ عقولِهم، بلْ أدلُّ على ظلمِهم وجراءَتِهم على ربِّهم أنْ اتَّخذوا آلهةً بهذهِ الصفةِ، وبلغَ مِن عجزِها أنَّها لا تقدرُ على خلقِ شيءٍ بلْ هم مخلوقون، بلْ بعضُهم ممَّا عملَتْهُ أيديَهم. {وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا}.
– الشيخ : سبحان الله سبحان الله، إنّه لعجبٌ، الحمدُ لله الحمدُ لله، نسأل الله العافية نسأل الله العافية، أعوذ بالله، لا إله إلّا الله، نسألُ اللهَ العافيةَ الحمدُ للهِ، الإنسانُ إذا علمَ بحالِ المشركين عليه أنْ يتوجَّهَ إلى ربِّهِ ويسألُه الثباتَ يسألُه العافيةَ، هؤلاء المشركون لهم يعني لهم عقول يدركون بها ويتصرَّفون، لكنَّهم والعياذُ بالله عُميٌ عُميٌ، هؤلاءِ الكَفَرة الآن بلغَ بلغُوا من الذكاء في في المادَّة، الذكاء والقدرة العجيبة الهائلة في أمرِ وسائلِ الحياة وأسبابِ الحياة، وفي طبائعِ ومعرفةِ طبائعِ الأشياء، وما تنطوي وما تنطوي عليه من الأسرارِ، ومع ذلكَ إمَّا إنَّهم مشركون من جنسِ الأولين يعبدون ما يعبدون من الجمادات أو الحيوانات، أو أنّهم ملاحدةٌ جاحدون لا يدينون بدين، لا يدينون بدين، لا يؤمنون بمبدأٍ ولا معادٍ ولا بشيءٍ، يعبدون أهواءَهم نسألُ اللهَ العافيةَ نعوذُ باللهِ.
– القارئ : أي: لا قليلاً ولا كثيراً؛ لأنَّه نكرةٌ في سياقِ النفيِ
– الشيخ : أيش قلت؟ وش الآية؟
– القارئ : ولا يملكون لأنفسِهم ضرَّاً ولا نفعاً
– الشيخ : ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً، نعم
– القارئ : {وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا} أي: بعثاً بعدَ الموتِ، فأعظمُ أحكامِ العقلِ بطلانُ إلهيتِها وفسادِها وفسادِ عقلِ مَن اتَّخذها آلهةً وشركاءً للخالقِ لسائرِ المخلوقاتِ.
– الشيخ : أفمَن يخلقُ كمَن لا يخلق؟ دائماً الله يذكر هذا المعنى، أفمن يخلق كمن لا يخلق؟ من يسوّي بين من يخلق ومن لا يخلق فهو من أسفه وأجهل وأضلِّ الناسِ، كمَن يسوَّي بينَ الحيِّ والميِّتِ والأعمى والبصيرِ والسميعِ والأصمِّ.
– القارئ : مِن غيرِ مُشاركةٍ لهُ في ذلكَ، الَّذي بيدِهِ النفعُ والضرُّ والعطاءُ والمنعُ الَّذي يُحيي ويُميتُ ويبعثُ مَن في القبورِ ويجمعُهم يومَ النشورِ، وقد جعلَ لهم دارين دارُ الشقاءِ والخزيِ والنكالِ لِمن اتَّخذ معَه آلهةً أُخرى، ودارُ الفوزِ والسعادةِ والنعيمِ المُقيم لِمَن اتَّخذَهُ وحدَهُ معبوداً.
ولمَّا قرَّرَ بالدليلِ القاطعِ الواضحِ صِحَّةَ التوحيدِ وبُطلانَ ضدِّهِ قرَّرَ صِحَّةَ الرسالةِ وبطلانَ قولِ مَن عارضَها واعترضَها فقالَ: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ) الآيات، أي: وقالَ الكافرون باللهِ الَّذي أوجبَ لهم كُفرُهم أنْ قالُوا في القرآنِ والرسولِ: إنَّ هذا القرآنَ كذبٌ كذبَهُ محمَّدٌ وإفكٌ افتراهُ على اللهِ وأعانَهُ على ذلكَ قومٌ آخرون.
فردَّ اللهُ عليهم ذلكَ بأنَّ هذا مُكابرةٌ مِنهم، وإقدامٌ على الظلمِ والزورِ، الَّذي لا يمكنُ أنْ يدخلَ عقلَ أحدٍ، وهم أشدُّ الناسِ معرفةً بحالةِ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وكمالِ صدقِهِ وأمانتِهِ وبرِّهِ التامِّ، وأنَّه لا يمكنُهُ لا هوَ ولا سائرُ الخلقِ أنْ يأتوا بهذا القرآنَ الَّذي هوَ أجلُّ الكلامِ وأعلاهُ، وأنَّهُ لمْ يجتمعْ بأحدٍ يعينُه على ذلكَ، فقد جاؤُوا بهذا القولِ ظلماً وزوراً.
ومِنْ جُملةِ أقاويلِهم فيهِ أنْ قالُوا: هذا الّذي جاءَ بهِ محمَّدٌ {أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} أي: هذا قصصُ الأوَّلين وأساطيرِهم الَّتي تتلقاها الأفواهُ وينقُلُها كلُّ أحدٍ استنسخَها محمَّدٌ {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا} وهذا القولُ منهم فيهِ عدةُ عظائمَ:
منها: رميُهم الرسولَ الَّذي هوَ أبرُّ الناسِ وأصدقُهم بالكذبِ والجراءةِ العظيمةِ.
ومنها: إخبارُهم عن هذا القرآنِ الَّذي هوَ أصدقُ الكلامِ وأعظمه وأجلُّه بأنَّه كذبٌ وافتراءٌ.
ومنها: أنَّ في ضمنِ ذلكَ أنَّهم قادرون أنْ يأتوا بمثلِهِ وأنْ يُضاهيَ المخلوقُ الناقصُ مِن كلِّ وجهٍ الخالقَ الكاملَ مِن كلِّ وجهٍ بصفةٍ مِن صفاتِه، وهيَ الكلامُ.
ومنها: أنَّ الرسولَ قد عُلِمَتْ حالُهُ وهم أشدُّ الناسِ علماً بها، أنَّهُ لا يكتبُ ولا يجتمعُ بمَن يكتبُ لهُ وهم قد زعمُوا ذلكَ.
فلذلكَ ردَّ عليهِم ذلكَ بقولِهِ: {قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: أنزلَهُ مَن أحاطَ علمُه بما في السماواتِ وما في الأرضِ، مِن الغيبِ والشَّهادةِ والجهرِ والسِّرِّ كقولِهِ: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ}.
ووجهُ إقامةِ الحُجَّةِ عليهم أنَّ الَّذي أنزلَهُ، هوَ المحيطُ علمُهُ بكلِّ شيءٍ، فيستحيلُ ويمتنعُ أنْ يقولَ مخلوقٌ ويتقوَّلَ عليهِ هذا القرآنَ، ويقولُ: هوَ مِن عندِ اللهِ وما هوَ من عندَهُ ويستحلُّ دماءَ مَن خالفَهُ وأموالَهم، ويزعمُ أنَّ اللهَ قالَ لهُ ذلكَ، واللهُ يعلمُ كلَّ شيءٍ ومعَ ذلكَ فهوَ يؤيدُهُ وينصرُهُ على أعدائِهِ، ويمكِّنُهُ مِن رقابِهم وبلادِهم فلا يمكنُ أحداً أنْ ينكرَ هذا القرآنَ، إلَّا بعدَ إنكارِ علمِ اللهِ، وهذا لا يقولُ بهِ طائفةٌ مِن بني آدمَ سوى الفلاسفةِ الدهريَّةِ.
وأيضاً فإنَّ ذِكرَ علمِهِ تعالى العامَّ ينبِّهُهم: ويحضُّهم على تدبُّرِ القرآنِ، وأنَّهم لو تدبَّرُوا لرأَوا فيهِ مِن علمِهِ وأحكامِهِ ما يدلُّ دلالةً قاطعةً على أنَّه لا يكونُ إلَّا مِن عالِمِ الغيبِ والشهادةِ، ومعَ إنكارِهم للتوحيدِ والرسالةِ مِن لُطفِ اللهِ بهم، أنَّه لم يدعْهم وظلمَهم بلْ دعاهم إلى التوبةِ والإنابةِ إليهِ ووعدَهم بالمغفرةِ والرحمةِ، إنْ هم تابُوا ورجعُوا فقالَ: {إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا} أي: وصفُهُ المغفرةُ لأهلِ الجرائمِ والذنوبِ، إذا فعلُوا أسبابَ المغفرةِ وهيَ الرجوعُ عن معاصيهِ والتوبةُ مِنها.
{رَحِيمًا} بهم حيثُ لم يعاجلْهم بالعقوبةِ وقد فعلُوا مقتضاها، وحيثُ قَبِلَ توبتَهم بعدَ المعاصي وحيثُ محى ما سلفَ مِن سيِّئاتِهم وحيثُ قَبِلَ حسناتِهم وحيثُ أعادَ الراجعَ إليهِ بعدَ شرودِهِ والمُقبِلَ عليهِ بعدَ إعراضِهِ إلى حالةِ المُطيعين المُنيبين إليهِ.
وقالُوا ما لِهذا الرسولِ؟
– الشيخ : أحسنت.