الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الفرقان/(3) من قوله تعالى {ويوم يحشرهم} الآية 17 إلى قوله تعالى {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام} الآية 20

(3) من قوله تعالى {ويوم يحشرهم} الآية 17 إلى قوله تعالى {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام} الآية 20

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفرقان

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا [الفرقان:17-20]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : الله المستعان، لا إله إلّا الله يقول تعالى (ويوم يحشرهم)، يعني واذكر يومَ يجمع الله المشركين وما يعبدون، يجمعُهم ومعبوداتِاهم، ولعلَّ المُرادَ بالمعبودين هنا الملائكة، الّذينَ يعبدُهم المشركون كما في آيةِ سبأ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ [سبأ:40-41]

 قال هنا: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا).

 وفي هذا خزيٌ للمشركين أنَّ ما كانوا يعبدون يتبرَّؤون منهم، ويُنزِّهون اللهَ عن أن يكونوا أن يرضَوا بعبادةِ بأن يُعبدوا من دونه سبحانه، (مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا).

(فقد كذَّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً، ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيراً)، فالمعبودون يكذِّبون المشركين ويتبرَّؤون منهم.

(وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلَّا إنَّهم ليأكلون الطعام)، هذا ردَّة على المشركين في مقولتهم السابقة، (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق)، فما نقول هذا شأن الرُّسل كلّهم كلّهم قد من سبقك يا محمّد من الرسل هذا شأنهم بشر، هم بشر رجال يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ويقضون حوائجهم؛ لأنَّهم بشرٌ من الناس.

(وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلّا إنّهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وجعلنا بعضكم لبعض فتنة)، ابتلاء ابتلى الله العباد بعضهم ببعض، ابتلى المؤمنين بالكفار وابتلى الكفَّار بالمؤمنين وابتلى.

(وجعلْنا بعضَكم لبعضٍ فتنةً أتصبرون وكانَ ربُّك بصيراً)، فالله بصيرٌ بعبادِه يعلمُ حقائقَهم وأسرارَهم، ويحكمُ فيهم بحكمِه سبحانه وتعالى.

ويجمعهم يوم القيامة ويسألُ الرسلَ والمرسل إليهم، (فلنسألنَّ الَّذين أُرسِلَ إليهم ولنسألَنَّ المرسلين)، نعم يا محمّد.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السعديِّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

(ويومَ يحشرُهم وما يعبدون مِن دونِ اللهِ) الآياتُ، يُخبرُ تعالى عن حالةِ المُشرِكين وشركائِهم يومَ القيامةِ وتبرِّيهم منهم وبُطلانِ سعيِهم فقالَ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} أي: المُكذِّبين المُشرِكين {وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فَيَقُولُ اللهُ: مُخاطِباً للمعبودين على وجهِ التقريعِ لمَن عبدَهم: {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} هلْ أمرْتُمُوهُم بعبادتِكم وزيَّنْتُم لهم ذلكَ أم ذلكَ مِن تِلقاءِ أنفسِهم؟

{قَالُوا سُبْحَانَكَ} نزَّهُوا اللهَ عن شركِ المُشرِكين به وبرَّؤُوا أنفسَهم مِن ذلكَ {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا} أي: لا يليقُ بنا ولا يحسنُ منَّا أنْ نتَّخذَ مِن دونِكَ مِن أولياءٍ نتولَّاهم ونعبدُهم وندعوهم فإذا كنَّا مُحتاجين ومُفتقرين إلى عبادتِك ومتبرِّئين مِن عبادةِ غيرِكَ فكيفَ نأمرُ أحداً بعبادتِنا؟ هذا لا يكونُ أو سبحانَك عن {أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} وهذا كقولِ المسيحِ عيسى بنِ مريمَ -عليهِ السلامُ-: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ [المائدة:116-117] الآية.

وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ:40-41]

﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف:6]

فلمّا نزَّهُوا أنفسَهم أنْ يدعوا لعبادةِ غيرِ اللهِ أو يكونُوا أضلُّوهم ذكرُوا السببَ المُوجِبَ لإضلالِ المُشركين فقالُوا: {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} في لذَّاتِ الدُّنيا وشهواتِها ومطالبِها النفسيَّةِ {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} اشتغالاً في لذَّاتِ الدُّنيا وانكباباً على شهواتِها فحافظُوا على دنياهم وضيَّعُوا دينَهم {وَكَانُوا قَوْماً بُوراً} أي: بائرين لا خيرَ فيهم ولا يصلحونَ لصالحٍ لا يصلحون إلَّا للهلاكِ والبوارِ. فذكرُوا المانعَ مِن اتِّباعِهم الهدى وهوَ التمتُّعُ في هذهِ الدُّنيا الَّذي صرفَهم عن الهدى وعدمِ المُقتضي للهدى وهو أنَّهم لا خيرَ فيهم فإذا عَدَمُ المُقتضي ووجدَ المانع

– الشيخ : عُدِمَ؟

– القارئ : فإذا عَدَمُ المُقتضي

– الشيخ : عندي ما هي بموجودة

– القارئ : نعم، ووُجِدَ المانعُ فلا تشاءُ مِن شرٍّ وهلاكٍ إلَّا وجدْتَهُ فيهم فلمَّا تبرؤُوا منهم قالَ اللهُ توبيخاً وتقريعاً للعابدين {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} إنَّهم أمرُوكُم بعبادتِهم ورضَوا فعلَكم وإنَّهم شفعاءٌ لكم عندَ ربِّكم كذَّبُوكم في ذلكَ الزعمِ وصارُوا مِن أكبرِ أعدائِكم فحقٌّ عليكم العذابُ {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا} للعذابِ عنكم بفعلِكم أو بفداءٍ أو غيرِ ذلكَ {وَلا نَصْرًا} لعجزِكم وعدمِ ناصرِكم، هذا حكمُ الضالِّين المُقلِّدين الجاهلين كما رأيْتَ أسوأُ حكمٍ وأشرُّ مصيرٍ.

وأمَّا المُعانِدُ منْهم الَّذي عرفَ الحقَّ وصدفَ عنهُ فقالَ في حقِّهِ: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ} بتركِ الحقِّ ظلماً وعناداً {نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} لا يقادِرُ قدرَهُ ولا يبلغُ أمرَهُ.

ثمَّ قالَ تعالى جواباً لقولِ المُكذِّبين: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان:7]

فما جعلْناهم جسداً لا يأكلون الطعامَ وما جعلْناهم ملائكةً فلكَ فيهِم أُسوةٌ وأمَّا الغنى والفقرُ فهو فتنةٌ وحكمةٌ مِن اللهِ تعالى كما قالَ: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} الرسولُ فتنةٌ للمُرسَلِ إليهم واختبارٌ للمُطيعين مِن العاصين والرُّسلُ فتنَّاهم بدعوةِ الخلقِ والغنيُّ فتنةٌ للفقيرِ والفقيرُ فتنةٌ للغنيِّ وهكذا سائرُ أصنافِ الخلقِ في هذهِ الدَّارِ دارُ الفِتنِ والابتلاءِ والاختبارِ.

والقصدُ مِن تلكَ الفتنةِ {أَتَصْبِرُونَ} فتقومون بما هوَ وظيفتُكم اللازمةُ الراتبةُ فيُثيبُكم مولاكم أم لا تصبرون فتستحقّون المُعاقبةَ.

{وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} يعلمُ أحوالَكم ويصطفي مَن يعلمُهُ يصلحُ لرسالتِهِ ويختصُّ بتفضيلِهِ، ويعلمُ أعمالَكم فيجازيكم عليها إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شرَّاً فشرٌّ.

قالَ اللهُ تعالى: وقالَ الَّذينَ

– الشيخ : إلى هنا

القارئ : أحسن الله إليكم