بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفرقان
الدَّرس: الرَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا [الفرقان:21-31]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : الحمد لله، أيضاً يخبر سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن بعض تعنُّتات المشركين الكافرين المكذِّبين باليوم الآخر.
(وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا) يعني لا يومنون بلقاء الله لأنَّهم لا يؤمنون بالبعث والنشور والقيام من القبور. (قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا) (وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) يعني لو جاءَتْنا الملائكةُ تنذرُنا وتعلِّمنا وتبلغنا بدل رسول من البشر، كما تقدّم، يقول: (مالِ هذا الرسول الطعام ويمشي في الأسواق لولا أُنزل عليه مَلَكٌ) (لولا أُنزل) (لولا أُنزل إليه مَلَكٌ فيكون معه نذيراً)
وها هنا يقول: (وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أو نرى ربَّنا) أيضاً يطالبون يقولون: هل لنا هل لنا أن نرى ربّنا لماذا لا نرى ربّنا؟ فهم يقترحون أن تأتيهم الملائكة أو يقترحون أن يروا الله سبحانه وتعالى.
(أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا) يعني حملهم على الكفر والتعنُّت، وهذه الاقتراحات هو الكِبر (لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا)
(يوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى) إذا جاءت الملائكة جاء معهم العذاب. الله يرسل الملائكة بعذاب الكافرين والمكذّبين، كذلك إذا نزل بهم الموت ورأوا الملائكة فحينئذٍ لا بشرى لهم بل لهم الويل والثبور، (وَلَوْ تَرَى إذ يتوفّى)
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ ءاياتهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام:93]
إذا جاءتهم الملائكة جاؤوهم بالوعيد والعذاب الشديد، أخرجوا أنفسكم، (يوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)
فالله سبحانه وتعالى يُحبطُ أعمالَهم فلا يجدون منها لا يجدون شيئاً ممّا عملوا كما تقدّم ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور:39]
فاللهُ يمثّلُ أعمالَ الكافرين بالرمادِ الّذي طارتْ بهِ الريحُ الشديدُ.
﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾ [إبراهيم:18]
(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً). فالله يذكرُ دائماً الفريقين، فريقُ الكافرين الموعودين بنارِ جهنم والمؤمنين الّذين عملوا الصالحات. فمصيرُ الكافرين إلى عذابِ الجحيمِ ومصيرُ المؤمنين إلى جنّاتِ النعيمِ. (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)
ثمَّ قالَ تعالى: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا)، يومُ القيامةِ تتنزّلُ الملائكةُ كما قالَ تعالى: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:22]
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ) يومٌ عظيمٌ، يوم عظيم وهو يوم القيامة. (وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ) في ذلكَ اليوم ليسَ هنالك ملوك، الملكُ لله وحده، الملك.
اللهُ تعالى له الملكُ في الدنيا والآخرة له ملك السماوات والأرض ولكنْ يوم القيامة تذهبُ الأملاكُ والملوكُ يذهبون ولا يبقى إلّا مُلكُ مالكِ الملوكِ سبحانَه وتعالى.
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) هذا اليوم عسيرٌ على الكافرين لأنّهم ماذا ينتظرون؟ ينتظرون الشقاءَ والعذابَ الشديدَ فهو يوم عسيرٌ كما قال تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر:8]، أي والله إنّه لعسرٌ على الكافرين لكنّه يسيرٌ على المؤمنين.
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السِّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ: (وقالَ الّذينَ لا يرجونَ لقاءَنا) الآيات، أي: قالَ المكذِّبونَ للرسولِ المكذِّبون بوعدِ اللهِ ووعيدِهِ الَّذينَ ليسَ في قلوبِهم خوفُ الوعيدِ ولا رجاءُ لقاءِ الخالقِ، {لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا} أي: هلَّا نزلَتْ الملائكةُ تشهدُ لكَ بالرسالةِ وتؤيِّدُكَ عليها أو تنزلُ رُسلاً مستقلِّين، أو نرى ربَّنا فيكلِّمُنا ويقولُ: هذا رسولي فاتَّبعوهُ؟ وهذا معارضةٌ للرسولِ بما ليسَ بمُعارِضٍ بلْ بالتكبُّرِ والعلوِّ والعتوِّ.
{لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} حيثُ اقترحُوا هذا الاقتراحَ وتجرَّؤُوا هذهِ الجراءَةَ.
– الشيخ : نسأل الله العافية، هذا اسمه التعنُّت التعنُّت لمَ جاءت الملائكة؟ هلّا جاءت الملائكة؟
– القارئ : فمَن أنتم يا فقراءُ ويا مساكينُ حتَّى تطلبُوا رؤيةَ اللهِ وتزعمُوا أنَّ الرسالةَ مُتوقفٌ ثبوتُها على ذلكَ؟ وأيُّ كِبْرٍ أعظمُ مِن هذا؟
{وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} أي: قسَوا وصَلُبُوا عن الحقِّ قساوةً عظيمةً.
– الشيخ : عَتَوا عَتَوَّاً، العُتُوْ والقساوة التصلُّب والعناد، أي نعم، عَتَوا.
– القارئ : فقلوبُهم أشدُّ مِن الأحجارِ وأصلبُ مِن الحديدِ لا تلينُ للحقِّ، ولا تُصغي للناصحينَ فلذلكَ لم ينجعْ فيهم وعظٌ ولا تذكيرٌ ولا اتّبعُوا الحقَّ حينَ جاءَهُم النذيرُ، بل قابلُوا أصدقَ الخلقِ وأنصحَهم وآياتِ اللهِ البيِّناتِ بالإعراضِ والتكذيبِ والمعارضةِ، فأيُّ عتوٍّ أكبرُ مِن هذا العتوِّ؟ ولذلكَ بطلَتْ أعمالُهم واضمحلَّتْ، وخسرُوا أشدَّ الخُسرانِ.
{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} وذلكَ أنَّهم لا يروْنَها معَ استمرارِهِم على جرمِهم وعنادِهم إلَّا لعقوبتِهم وحلولِ البأسِ بهم، فأوَّلُ ذلكَ عندَ الموتِ إذا تنزَّلَتْ عليهِم الملائكةُ قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾[الأنعام:93]
ثمَّ في القبرِ حينَ يأتيهُم مُنكَرٌ ونكيرٌ فيسألُهم عن ربِّهم ونبيِّهم ودينِهم فلا يجيبونَ جواباً ينجيهم فيُحلُّون بهم النقمةَ، وتزولُ عنهم بهم الرحمةُ, ثمَّ يومَ القيامةِ حينَ تسوقُهم الملائكةُ إلى النارِ
– الشيخ : أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار
– القارئ : ثمَّ يسلمونَهُم لخزنةِ جهنمَ
– الشيخ : أعوذ بالله من الشقوة
– القارئ : الَّذينَ يتولَّون عذابَهم ويباشرونَ عقابَهم، فهذا الَّذي اقترحُوهُ وهذا الَّذي طلبُوهُ إنْ استمرُّوا على إجرامِهم لابدَّ أنْ يروهُ ويلقوهُ، وحينئذٍ يتعوَّذونَ مِن الملائكةِ ويفرُّون ولكنْ لا مفرَّ لهُم.
{وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ}
(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} أي: أعمالُهم الَّتي رجَوا أنْ تكونَ خيراً لهُم وتعبُوا فيها، {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي: باطلاً مُضمحِلَّاً قدْ خسرُوهُ وحُرِمُوا أجرَهُ وعُوقِبُوا عليهِ؛ وذلكَ لفقدِهِ الإيمانَ وصدورِهِ عن مُكذِّبٍ للهِ ورسلِهِ، فالعملُ الَّذي يقبلُهُ اللهُ، ما صدرَ مِن المُؤمنِ المُخلصِ المُصدِّقِ للرُّسلِ المُتَّبِعِ لهُم فيهِ.
{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}، أي: في ذلكَ اليومِ الهائلِ كثيرِ البلابلِ {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} الَّذينَ آمنُوا باللهِ وعملُوا صالحاً واتَّقَوا ربَّهم {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} مِن أهلِ النارِ {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} أي: مستقرُّهم في الجنَّةِ وراحتُهم الَّتي هيَ القيلولةُ، هوَ المُستقَرُّ النافعُ والراحةُ التامَّةُ لاشتمالِ ذلكَ على تمامِ النعيمِ الَّذي لا يوشبُهُ كَدَرٌ، بخلافِ أصحابِ النارِ فإنَّ جهنمَ مستقرُّهم، ساءَتْ مستقرَّاً ومقيلاً وهذا مِن بابِ استعمالِ أفعلِ التفضيلِ، فيما ليسَ في الطرفِ الآخرِ منهُ شيءٌ؛ لأنَّهُ لا خيرَ في مقيلِ أهلِ النارِ ومُستقرِّهم كقولِهِ: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}.
قالَ تعالى: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) الآيات.
يخبرُ تعالى عن عظمةِ يومِ القيامةِ وما فيهِ مِن الشدَّةِ والكروبِ، ومزعجاتِ القلوبِ فقالَ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} وذلكَ الغمامُ الَّذي يُنزِلُ اللهُ فيه، يُنزلُ مِن فوقِ السماواتِ.
– الشيخ : يُنزلُه الله، يظهر أنّه كذا، ذلك الغمام الَّذي يُنزِله الله فيه، أي في ذلك اليوم، نعم.
– القارئ : نعم، بزيادة "هاء" يعني؟
– الشيخ : نعم.
– القارئ : وذلكَ الغمامُ الَّذي يُنزِلُهُ اللهُ فيهِ، يَنزِلُ مِن فوقِ السماواتِ فتنفطرُ لهُ السماواتُ وتشقَّقُ, وتنزلُ ملائكةُ كلِّ سماءٍ فيقفونَ صفَّاً صفَّاً، إمَّا صفَّاً واحداً محيطاً بالخلائقِ، وإمَّا كلُّ سماءٍ يكونونَ صفَّاً ثمَّ السماءُ الَّتي تليها صفَّاً وهكذا.
القصدُ أنَّ الملائكةَ -على كثرتِهم وقوَّتِهم- ينزلونَ مُحيطينَ بالخلقِ مُذعِنينَ لأمرِ ربِّهم لا يتكلَّمُ منهم أحدٌ إلا بإذنٍ مِن اللهِ، فما ظنُّكَ بالآدميِّ الضعيفِ خصوصاً الَّذي بارزَ مالكَهُ بالعظائمِ، وأقدمَ على مساخطِهِ ثمَّ قَدِمَ عليهِ بذنوبٍ وخطايا لمْ يتبْ منها، فيحكمُ فيهِ الملكُ الخلَّاقُ بالحكمِ الَّذي لا يجورُ ولا يظلمُ مثقالَ ذرَّةٍ ولهذا قالَ: (وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) لصعوبتِهِ الشديدةِ وتعسُّرِ أمورِهِ عليهِ، بخلافِ المُؤمِنِ فإنَّهُ يسيرٌ عليهِ خفيفُ الحملِ.
﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم:85-86]
وقولُهُ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ} أي: يوم القيامة {الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} لا يبقى لأحدٍ مِن المخلوقين ملكٌ ولا صورةُ ملكٍ، كما كانُوا في الدُّنيا، بلْ قدْ تساوتْ الملوكُ ورعاياهم, والأحرارُ والعبيدُ، والأشرافُ وغيرُهم، وممَّا يرتاحُ لهُ القلبُ، وتطمئنُ بهِ النفسُ وينشرحُ لهُ الصدرُ أنْ أضافَ الملكَ في يومِ القيامةِ لاسمِهِ "الرَّحمن" الَّذي وسعَتْ رحمتُهُ كلَّ شيءٍ وعمَّتْ كلَّ حيٍّ وملأَتْ الكائناتَ وعمرَتْ بها الدُّنيا والآخرةَ، وتمَّ بها كلُّ ناقصٍ وزالَ بها كلُّ نقصٍ، وغلبَتْ الأسماءُ الدالَّةُ عليهِ الأسماءَ الدالَّةَ على الغضبِ وسبقَتْ رحمتُهُ غضبَهُ وغلبَتْهُ، فلها السبقُ والغلبةُ، وخلقُ هذا الآدميَّ الضعيفَ وشرَّفَهُ وكرَّمَهُ ليتمَّ عليهِ نعمتَهُ، وليتغمَّدَهُ برحمتِهِ، وقد حضرُوا في موقفِ الذُّلِّ والخضوعِ والاستكانةِ بينَ يديهِ ينتظرون ما يحكمُ فيهم وما يجري عليهم، وهوَ أرحمُ بهم مِن أنفسِهم ووالديهِم فما ظنُّكَ بما يعاملُهم بهِ، ولا يهلكُ على اللهِ إلَّا هالكٌ ولا يخرجُ مِن رحمتِهِ إلَّا مَن غلبَتْ عليهِ الشقاوةُ وحقَّتْ عليهِ كلمةُ العذابِ.
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ)
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ
– الشيخ : بارك الله فيك.
– طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، بالنسبة (ويومَ تشقَّقُ السماءُ بالغمامِ ونُزِّلَ الملائكةُ تنزيلاً) هذا إثبات لنزول الله سبحانه وتعالى؟
– الشيخ : نعم، نعم مقدِّمة، لا إله إلّا الله.