الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الفرقان/(5) مراجعة قوله تعالى {ويوم يعض الظالم على يديه} الآية 27 إلى قوله تعالى {الذين يحشرون على وجوههم} الآية 34

(5) مراجعة قوله تعالى {ويوم يعض الظالم على يديه} الآية 27 إلى قوله تعالى {الذين يحشرون على وجوههم} الآية 34

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفرقان

الدَّرس: الخامس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:27-34]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : الحمدُ لله، يقول تعالى: (ويومَ يعضُّ الظالمُ) أي يذكر ذلك اليوم العظيم، يوم القيامة، يعضُّ الظالم على يديه ندماً، يعضُّ الظالم على يديه، هذا من الأمور المُعتادة أنَّ الذي يندم على فعل فعله، فعلاً مذموماً وقبيحاً، يندم ويعضُّ على أصابعه، تارةً يعضُّ الإنسان ندماً، وتارةً يعضُّ على يديه حَنَقَاً، وإذا خلوا عضُّوا عليكم الأناملَ مِن الغيظِ، (ويومَ يعضُّ الظالمُ على يديه يقولُ يا ليتني اتخذتُ مع الرسولِ سبيلاً)

يتمنّى أنّه اتبع الرسول وسار على طريقه، الطريق الذي جاء به الرسول، يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا، فلان قرين السوء، قرناء السوء، يُضِلّون من يقارنهم، يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا، لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني، الصاحب إمّا أن يكون صاحب صاحب صالح، صاحبٌ صالح، أو صاحبٌ سيّئٌ، فمَن يصاحب الأخيارَ يسعدُ بصحبتِهم، ومَن يصاحب الأشرار يشقى بصحبتهم، (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الشيطان يَخْذُلُ قرينه، الشّيطان من الإنس أو الشيطان من الجنّ، الشياطين من الإنس والجن.

 هنا الشيطان يشمل، وقد يُراد بهذا الشيطان ذلك القرين، هذا القرين شيطان، قرين السوء الّذي يضلُّ أن يضلّ لابدّ أنّه شيطان، لو كان من الإنس، (كذلك جعلنا لكلِّ نبيّ من المجرمين عدواً شياطين الجن والإنس، يوحي بعضهم إلى بعض) ومن يقارن الشيطان يخذله، يخذله بإذلاله والصدِّ عن ذكر الله، أيُّ خذلان (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا) أعرضوا عنه وهجروه ولم يؤمنوا به، وهم أعداء الرسل، المجرمون المكذّبون هم أعداء الرسل، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) الهدى هدى الله، الهدى والنصر من الله، كفى به تعالى هادياً وكفى به نصيراً، حقٌّ على من آمن بالله أن يستهديَهْ، يستهديَهْ يطلب منه الهداية، وأن يستنصره، يا عبادي كلُّكم ضالُّ إلّا من هديته، فاستهدوني أهدِكم، إنْ ينصرُكم اللهُ فلا غالبَ لكم، وكفى بربك هادياً ونصيراً.

(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) أيضاً يعودُ الكلامُ إلى الخبر عن أقوال الكفار وتعنّتاتهم، وقال الذين لا يرجون لقاءَنا، وقالوا مال هذا الرسول، وقالوا وقالوا، وقال الذين كفروا لولا نُزِّل عليه القرآن.

 يقول: لماذا يأتيه القرآن يعني مفرّقاً بين وقتٍ وآخر تأتي آيات أو تأتي سورة؟ لماذا لم يُنزَّلْ عليه القرآنُ دفعةً واحدةً جملةً واحدةً؟ هذه من تعنُّتاتهم، اللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، قادر على أن ينزّله جملة أو ينزّله مفرَّقاً، وقد اقتضت حكمته سبحانه أن يُنزِّل القرآن على نبيِّه مفرَّقاً، (وقرآناً فرّقْناه لتقرأَهُ على الناس على مُكْثٍ ونزّلناه تنزيلاً) وقال هنا: (كذلكَ لنثبّتَ به فؤادَك) يعني فيها إشارة إلى شيء من الحكمة، حكمة إنزالِ القرآنِ مفرّقاً، وهو تثببيت قلبِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام، كذلك يعني أنزلناه كذلك لنثبّت به فؤادك، ورتّلناه ترتيلاً، (ولا يأتونك بمثلٍ إلّا جئناك بالحقِّ وأحسنَ تفسيراً)

 

– القارئ : بسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: (يومَ يعضُّ الظالمُ على يديهِ) الآياتُ:

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ} بشركِهِ وكفرِهِ وتكذيبِهِ للرُّسُلِ {عَلَى يَدَيْهِ} تأسُّفاً.

– الشيخ : الظلم ما هو.. ليس خاصّاً بالناس في دمائِهم وأموالِهم وأعراضِهم هذا من الظلم العظيم، لكن الظلم أظلمُ الظلمِ الشرك والكفر، الكافرون هم الظالمون، لئن أشركت ولا تدعُ من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرُّك فإن فعلت فإنّك إذاً من الظالمين، إنّ الشركَ لظلمٌ عظيمٌ.

– القارئ : {على يديهِ} تأسُّفاً وتحسُّراً وحُزناً وأسفاً {يقولُ يا ليتني اتخذْتُ معَ الرسولِ سبيلاً} أي: طريقاً بالإيمانِ بهِ وتصديقِهِ واتّباعِهِ.

{يا ويلتى ليتَني لمْ أتّخذْ فلاناً} وهوَ الشَّيطانُ الإنسيُّ أو الجنيُّ، {خليلاً} أي: حبيباً مُصافياً.

– الشيخ : الله أعلم إنَّه الإنسيّ، الله أعلم إنّه الإنسيّ فلان، يذكره باسمه، يذكره باسمه وهو يعرفه، شيطانٌ ظاهرٌ.

– القارئ : عاديْتُ أنصحَ الناسِ لي، وأبرَّهم بي، وأرفقَهم بي، وواليْتُ أعدى عدوٍّ لي الّذي لمْ تفدْني ولايتُهُ إلّا الشقاءَ والخسارَ والخزيَ والبوارَ.

{لقدْ أضلَّني عنِ الذكرِ بعدَ إذْ جاءَني} حيثُ زيَّنَ لهُ ما هوَ عليهِ مِن الضَّلالِ بخُدعِهِ وتسويلِهِ.

{وكانَ الشَّيطانُ للإنسانِ خذولاً} يزيّنُ لهُ الباطلَ ويقبِّحُ لهُ الحقَّ، ويعدُهُ الأماني ثمَّ يتخلَّى عنهُ ويتبرَّأُ منهُ كما قالَ لجميعِ أتباعِهِ حينَ قُضِيَ الأمرُ، وفرغَ اللهُ مِن حسابِ الخلقِ {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} الآية.

فلينظرِ العبدُ لنفسِهِ وقتَ الإمكانِ وليتداركَ المُمكنَ قبلَ ألَّا يُمكنَ، وليوالِ مَن ولايتُهُ فيها سعادتُهُ ويعادي مَن تنفعُهُ عداوتُهُ وتضرُّهُ صداقتُهُ. واللهُ الموفِّقُ.

قالَ اللهُ تعالى: {وقالَ الرسولُ يا ربِّ إنَّ قومي اتَّخذُوا هذا القرآنَ مهجوراً…} الآيات، {وقالَ الرسولُ} مُنادياً لربِّهِ وشاكياً عليهِ إعراضَ قومِهِ عمَّا جاءَ بهِ، ومُتأسِّفاً على ذلكَ منهم: {يا ربِّ إنَّ قومي} الَّذي أرسلْتَني.

– الشيخ : إنَّ قومي؟

– القارئ : الّذي

– الشيخ : الّذينَ

– طالب: الذينَ

– القارئ : إلي عندي "الّذي"

– الشيخ : لا، "الّذين"

– القارئ : {يا ربِّ إنَّ قومي} الَّذينَ أرسلْتَني لهدايتِهم وتبليغِهم، {اتَّخذُوا هذا القرآنَ مهجوراً} أي: قد أعرضُوا عنهُ وهجرُوهُ وتركُوهُ معَ أنَّ الواجبَ عليهم الانقيادُ لحُكمِهِ والإقبالُ على أحكامِهِ.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله.

– القارئ : والمشيُ خلفَهُ، قالَ اللهُ مُسلّياً لرسولِهِ ومُخبِراً أنَّ هؤلاءِ الخلقَ لهم سلفٌ صنعُوا كصنيعِهم فقالَ: {وكذلكَ جعلْنا لكلِّ نبيٍّ عدواً مِن المجرمين} أي: مِن الَّذينَ لا يصلحون للخيرِ ولا يزكون عليهِ يعارضونَهم ويردُّون عليهم ويجادلُونهم بالباطلِ، مِن بعضِ فوائدِ ذلكَ أنْ يعلوَ الحقُّ على الباطلِ وأن يتبيَّنَ الحقُّ ويتَّضحَ اتِّضاحاً عظيماً؛ لأنَّ معارضةَ الباطلِ للحقِّ ممَّا تزيدُهُ وضوحاً وبياناً وكمالَ استدلالٍ، وأنْ نتبيَّنَ ما يفعلُ اللهُ بأهلِ الحقِّ مِن الكرامةِ وبأهلِ الباطلِ مِن العقوبةِ، فلا تحزنْ عليهم.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لله الحِكَمُ في كلِّ ما يجري ويُقال، ويُقال في هذا الوجود، وقوع وجود الأعداء أعداء الرُّسُل هذا يجعلُ أتباعَ الرُّسلِ يجاهدون بأنواعِ الجهادِ، يجاهدونهم بأنواعِ الجهادِ، فيبيِّنون الحقَّ ويذبّون عنه بكلِّ ما يستطيعون، فيظهرُ الحقُّ ويتبيّنُ ويتَّضحُ لمن كانَ جاهلاً به، وهذا يشهدُ به الواقعُ، قديماً وحديثاً، كم من المؤلفاتِ ألَّفَها العلماءُ ردًّاً ردود على المبتدعين وعلى الملحدين وعلى المفسدين من المنافقين و غيرهم.

فدوَّنُوا في هذه الكتب الأدلَّة الشرعيَّة والعقليَّة على الحقِّ، والأدلَّة الشرعيَّة والعقليَّة على بُطلان من خالفَه وعارضَه وهكذا، ويمكنُ أنْ نستشهدَ من بعضِ الوجوهِ ما حدثَ في جدَّةَ في الأسابيعِ الماضيةِ، من المُنكرِ المشتمل على الاختلاط وعلى أنواعٍ من الباطلِ ومشاركةِ الكفَّارِ، أثار أثار هذا الحدثُ أثارَ الغيورين على الإسلام وشرائعه وأخلاقه، فصدعوا وتكلّموا واستنكروا، وكانَ وحصلَ بذلكَ خير، حصل بذلك خيرٌ كثيرٌ، وأذلَّ اللهُ المنافقين وأهلَ الباطل، المقصود إنَّ اللهَ تعالى جعلَ العبادَ فريقين، مؤمنين وكفار وطائعين وعصاة، وابتلى البعضُ بالبعضِ، وكذلك فتنَّا بعضَهم ببعضٍ، ابتلاء ولله الحكمةُ البالغةُ، فالناسُ حزبان حزبُ أهلِ حزب الحقِّ أتباع الرُّسل وحزبُ الباطلِ، والصراعُ جاري، يقول ابنُ القيّم في النونيّةِ:

والحقُّ منصورٌ ومُمتحَنٌ فلا تعجبْ فهذهِ سُنةُ الرحمنِ وبذاك يظهرُ حزبُه من حربِه، يتبيّن من هو من المنحاز إلى الرُّسل وأتباعِهم، ومن يكون مُنحازاً إلى الباطل وأهله، وبذاك يظهر حزبه من حربه، ولأجلِ ذاك الناسُ طائفتان، ولأجلِ ذاك الحربُ بين الرُّسل والكفّار مذ قام الورى [….] صراع، هذا أمرٌ معلوم قديماً وحديثاً، صراع بين الحقّ والباطل، والموفق من يكون من يكون في حزب الله، ذكر كان الله الحزبين في سورة المجادلة، ذكر المنافقين وقال: (أولئكَ حزبُ الشيطانِ ألا إنَّ حزبَ الشيطانِ هم الخاسرون) ثم ذكر في آخر السورة: (لا تجدْ قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ يوادّونَ مَن حادَّ اللهَ ورسولَه ولو كانُوا آباءَهم) إلى آخرِ السورة، قال: (أولئكَ حزبُ اللهِ ألا إنَّ حزبَ اللهِ هم المفلحون).

 

– القارئ : أحسن اللهُ إليكَ، ولا تذهبْ نفسكَ عليهم حسراتٍ {وكفى بربِّكَ هادياً} يهديكَ فيحصلُ لكَ المطلوبُ ومصالحُ دينِكَ ودنياكَ، {ونصيراً} ينصرُكَ على أعدائِكَ ويدفعُ عنكَ كلَّ مكروهٍ في أمرِ الدِّينِ والدُّنيا فاكتفِ بهِ وتوكَّل عليهِ.

وقالَ الَّذينَ كفرُوا..

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، طيب إلى هنا.