بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفرقان
الدَّرس: السَّادس
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَا مَعَهُۥٓ أَخَاهُ هَٰرُونَ وَزِيرٗا (٣٥) فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَآ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا فَدَمَّرۡنَٰهُمۡ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا 40 وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:36-44]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله، يُخبرُ تعالى في هذهِ الآياتِ عن بعضِ الأممِ المُكذِّبة، التي عَصَتْ رسلَ اللهِ وكفروا بالله، مثل فرعون وقومه، وعاد وثمود مثل قوم لوط.
(ولقد آتينا موسى الكتاب) وهو التوراة، (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارونَ وزيراً)، لما أرسلَ اللهُ موسى إلى فرعون طلبَ من ربِّه أن يعينه بأخيه هارون، أن يرسلَه معه، (قالَ ربِّ إنِّي أخافُ أنْ يكذِّبون ويضيقُ صدري ولا ينطلقُ لساني فأرسلْ إلى هارونَ، ووهبْنا لهُ من رحمتِنا أخاهُ هارونَ نبياً)
(ولقدْ آتيْنا موسى الكتابَ وجعلْنا معَه أخاهُ هارونَ وزيراً، فقلْنا اذهبا إلى القومِ الَّذين كذَّبوا بآياتِنا، فدمَّرْناهُم تدميراً)، يعني أرسلَه اللهُ إلى فرعونَ وقومِه، الَّذين سبقَ أنْ قصَّ اللهُ علينا في سورٍ أخرى سبقَ أنْ قصَّ اللهُ على على الناسِ وعلى الكفَّارِ من قريشٍ وغيرِهم قصَّ علينا خبرَ فرعونَ وقومِه وأنَّهم كذَّبوا بآياتِ اللهِ وأنَّ اللهَ أهلكَهم وأغرقَهم دمَّرَهم.
فاللهُ أرسلَ أرسلَ اللهُ موسى وهارونَ إلى أولئكَ القومِ الَّذينَ عرفْنا من قبلُ أنَّهم كذّبوا بآياتِ اللهِ وأنَّ اللهَ دمَّرَهم تدميراً.
ومن قبلُ قومُ نوحٍ عليهِ السلامُ، وقومُ نوح مِن قبلُ، فدمَّرْناهم تدميراً وقومُ نوحٍ لمَّا كذَّبُوا الرُّسلَ، ما جاءَهم إلَّا نوحٌ، ولكنْ مَن كذَّبَ واحداً من الرُّسل فهو مُكَذِّبٌ لجميعِهم؛ لأنَّ دعوةَ الرُّسلِ واحدةٌ.
(وقومُ نوحٍ لمّا كذَّبوا) كقوله: (كذَّبَتْ قومُ نوحٍ المرسلين)، (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا، وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا)، يعني قرونٌ وأُممٌ لم يقُصَّ اللهُ علينا أخبارَهم، كما قالَ تعالى: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ [النساء:164]
فهناكَ أممٌ ورسلٌ لم يَقُصَّ اللّهُ علينا أخبارَهم، ولكنْ أشار إليهم إجمالاً كما في هذه الآية: (وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) ثمَّ قالَ تعالى: (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ)، يعني الكفار من قريش وغيرهم من العرب كانوا يمرون بديار قوم لوط.
(وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ)، القريةُ الَّتي أُمطرَتْ مطرَ السَّوءِ هيَ قريةُ قومِ لوطٍ، (أمطرْنا عليهم مطراً فساءَ مطرُ المُنذَرين)، أمطرَ اللّهُ عليهِم حجارةً مِن سجيلٍ.
ولقد أتوا على القرية التي أُمطرتْ مطرَ السَوءِ أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشوراً، (وإذا رأوك إنْ يتخذونك)، هؤلاءِ الكفَّار والمشركين مِن قريشٍ ومَن تبعَهم وسارَ سيرتَهم.
(وإذا رأوكَ إنْ يتخذونكَ إلَّا هُزُواً أهذا الَّذي بعثَ اللهُ رسولاً)، يسخرون هذا الَّذي بعثَ اللهُ رسولاً؟ (إنْ كادَ ليُضِلُنا عن آلهتِنا)، يعني يعني يتواصون ويحذِّرُ بعضُهم بعضاً، أنْ يطيعوا هذا الرسول ويتركوا عبادة آلهتِهم.
(إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا).
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: (وقالَ الَّذين كفرُوا) الآيات، هذا مِن جُملةِ مُقترحاتِ الكفَّارِ الَّذي توحيهِ إليهم أنفسَهم فقالُوا: {لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} أي: كما أُنزِلَتْ الكتبُ قبلَهُ، وأيُّ محذورٍ مِن نزولِهِ على هذا الوجهِ؟ بلْ نزولُهُ على هذا الوجهِ أكملُ وأحسنُ، ولهذا قالَ: {كَذَلِكَ أنزلْناهُ مُتفرِّقاً لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} لأنَّهُ كلَّما نزلَ عليهِ شيءٌ مِن القرآنِ ازدادَ طمأنينةً وثباتاً وخصوصاً عندَ ورودِ أسبابِ القلقِ فإنَّ نزولَ القرآنِ عندَ حدوثِهِ يكونُ لهُ موقعٌ عظيمٌ وتثبيتٌ كثيرٌ أبلغُ ممَّا لو كانَ نازلاً قبلَ ذلكَ ثمَّ تذكرُهُ عندَ حلولِ سببِهِ.
{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} أي: مهَّلْناهُ ودرَّجْناكَ فيهِ تدريجاً، وهذا كلُّهُ يدلُّ على اعتناءِ اللهِ بكتابِهِ القرآنِ وبرسولِهِ مُحمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- حيثُ جعلَ إنزالَ كتابِهِ جارياً على أحوالِ الرسولِ ومصالحِهِ الدينيَّةِ.
ولهذا قالَ: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} يعارضون بهِ الحقَّ ويدفعون بهِ رسالتَكَ، {إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} أي: أنزلْناهُ عليكَ قرآناً جامعاً للحقِّ في معانيهِ والوضوحِ والبيانِ التامِّ في ألفاظِهِ، فمعانيهِ كلُّها حقٌّ وصدقٌ لا يشوبُها باطلٌ ولا شُبهةٌ بوجهٍ مِن الوجوهِ، وألفاظُهُ وحدودُهُ للأشياءِ أوضحُ ألفاظٍ وأحسنُ تفسيراً مُبيِّنٌ للمعاني بياناً كاملاً.
وفي هذهِ الآيةِ دليلٌ على أنَّهُ ينبغي للمُتكلِّمِ في العلمِ مِن مُحدِّثٍ ومُعلِّمٍ وواعظٍ، أنْ يقتدي بربِّهِ في تدبيرِهِ حالَ رسولِهِ، كذلكَ العالِمُ يُدبِّرُ أمرَ الخلقِ فكلَّما حدثَ مُوجِبٌ أو حصلَ موسمٌ، أتى بما يناسبُ ذلكَ مِن الآياتِ القرآنيَّةِ والأحاديثِ النبويَّةِ والمواعظِ المُوافقةِ لذلكَ.
وفيهِ ردٌّ على المتكلِّفين مِن الجهميَّةِ ونحوِهم ممَّن يرى أنَّ كثيراً مِن نصوصِ القرآنِ محمولةٌ على غيرِ ظاهرِها
– الشيخ : أعوذ بالله.
– القارئ : ولها معانٍ غيرُ ما يُفهَمُ منها.
– الشيخ : هذا من أقبحِ الأقوال والعياذ بالله، أهلُ التأويلِ وأهلُ التفويضِ يعني جعلوا القرآن يعني قولهم يقتضي أنَّ القرآن ليس هُدى، ولا بيان ولا شفاء والعياذ بالله.
لأنَّ القول بالتفويض النصوص تفويض معانيها معنى التفويض تفويض معانيها يعني أنّ معانيها لا يعلمها الناس، لا يعلمُها ولا الرسول؛ ولهذا يسمَّي أنو ابن تيمية يسمي أهل التفويض يسميهم أهل التجهيل، لأنّهم يُجَهِّلون الرسول.
يقولون أنَّ الرسول يتلو كلاماً هو لا يعلم معناه، ومن باب أولى الصحابة فهم يقرؤون ويتلون القرآن وهم لا يعقِلون له معنى، هذا موجَب قول أهل التفويض نسأل الله العافية.
وكذلك أهل التأويل يقولون له معاني خلاف الظاهر، فكلّهم يعني جَنَوا على القرآن وطعنوا فيه أي طعن، فالكلام الذي يفهم منه المخاطَب، أو لا يعلم المخاطَب مُراد المتكلّم، فلا يفهم له معنى أو يفهم له معنى هو خلاف ظاهره، إذا تكلّم المتكلّم بما يفهم منه السامع [….] فهو مُلبِّسٌ، وهذا بلاءٌ عظيمٌ.
فالواجبُ إجراءُ النصوصِ على ظاهرِها والإيمان بها وإن حصل إشكالٌ أو تعارُضٌ فإنَّه يُجمع بين الدليلين المتعارضين في الظاهر، وإلّا فلا تعارُض في الحقيقة.
– القارئ : فإذاً -على قولِهم- لا يكونُ القرآنُ أحسنُ تفسيراً مِن غيرِهِ، وإنَّما التفسيرُ الأحسنُ -على زعمِهم- تفسيرُهم الَّذي حرَّفُوا لهُ المعاني تحريفاً.
قالَ اللهُ تعالى: (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ) الآيةُ، يُخبِرُ تعالى عن حالِ المشركين الَّذينَ كذَّبُوا رسولَهُ وسوءَ مآلِهم
– الشيخ : أعوذ بالله
– القارئ : وأنَّهم {يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ} في أشنعِ مرأىً، وأفظعِ منظرٍ
– الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ
– القارئ : تسحبُهم ملائكةُ العذابِ ويجرُّونهم {إِلَى جَهَنَّمَ} الجامعةِ لكلِّ عذابٍ وعقوبةٍ
– الشيخ : أعوذُ باللهِ، أعوذ باللهِ
– القارئ : {أُولَئِكَ} الَّذينَ بهذهِ الحالِ {شَرٌّ مَكَانًا} ممَّن آمنَ باللهِ وصدَّقَ رسلَهُ، {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} وهذا مِن بابِ استعمالِ أَفعلِ التفضيلِ فيما ليسَ في الطرفِ الآخرِ مِنهُ شيءٌ، فإنَّ المؤمنين حسنَ مكانُهم ومستقرُّهم، واهتدُوا في الدنيا إلى الصراطِ المستقيمِ، وفي الآخرةِ إلى الوصولِ إلى جنَّاتِ النعيمِ.
قالَ اللهُ تعالى: (ولقدْ آتيْنا)
– الشيخ : ولقدْ أرسلْنا [….] وأحسن تفسيراً الَّذين يُحشرون على وجوههم إلى جهنمَ أولئكَ شرٌّ مكاناً وأضلُّ، نعم بعده.
– القارئ : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) الآياتُ، أشارَ تعالى إلى هذهِ القصصِ وقد بسطَها في آياتٍ أُخَرٍ لِيحذِّرَ المخاطبين مِن استمرارِهم على تكذيبِ.
– الشيخ : قف على هذا المقطع فصل طويل لأنه.