الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب المناسك من زاد المستقنع/كتاب المناسك (3) “باب المواقيت” قوله المواقيت جمع ميقات وهو مأخوذ من الوقت

كتاب المناسك (3) “باب المواقيت” قوله المواقيت جمع ميقات وهو مأخوذ من الوقت

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب المناسك)
– الدّرس: الثّالث

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
[بابُ المواقيتِ]
– الشيخ: 
الحمدُ لله وصلّى الله وسلّم على عبده ورسوله، المواقيتُ: جمعُ "ميقات"، وفي علمِ التّصريفِ يقولون: مِيقاتٌ على وزنِ "مِفعال"، لأنّها من وَقَتَ، "فالياء" منقلبة عن "واو"، أصلها "موقات"، هذا في علم الصرف، وهو اسمٌ من زمانٍ مقدّرٍ لأمرٍ من الأمورِ، أو مكانٍ محددٍ، إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [النبأ:17] يومُ الفصلِ ميقاتٌ للخلقِ لجمعِهِم وحسابِهم. إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103] مفروضةٌ في أوقاتٍ، ولهذا عندنا مواقيتُ الصلاةِ، وهي زمانيّةٌ بيّنها النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بقولِه وفعلِهِ،
وأمَّا هنا في الحجِّ والعمرةِ فهي نوعان، مواقيتُ زمانيةٌ ومواقيتُ مكانيةٌ. فللحجِّ والعمرةِ أماكنُ معيّنةٌ للإحرامِ منها، وقد عيَّنها النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، ولهذا من أرادَ الحجَّ أو العمرةَ فعليه أن يُحرمَ منها، لا يحرمُ قبلَها ولا بعدَها، أمّا الإحرامُ قبلها فجمهورُ أهلِ العلمِ على جوازِهِ لأنَّه سيمرُّ بالميقاتِ محرمًا، وأمَّا بعدها فلا يجوزُ، ومن العلماءِ من قال: لا يجوزُ الإحرامُ قبلَها. وللحجِّ مواقيتٌ زمانيةٌ كذلك، وسيذكرُ المؤلفُ المواقيتَ المكانيةَ ثمّ المواقيتَ الزمانيةَ.

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "المواقيتُ": جمعُ ميقاتٍ وهو مأخوذٌ من الوقتِ.
– الشيخ: كأنَّ إطلاقَ الميقاتِ على الزمانِ المحدودِ هو الحقيقيُّ، والثاني يمكنُ أن يقالَ بالمجازِ.
– القارئ: وهو زمانيٌّ ومكانيٌّ، أي: قد يُرادُ بالميقاتِ الوقتُ الزمنيُّ، وقد يُرادُ به المكانيُّ، وهو هنا يُرادُ به الزمانُ، والمكانُ.
– الشيخ: لأنَّ الحجَّ والعمرةَ لهما مواقيتُ زمانيةٌ ومكانيةٌ.

– القارئ: قولُه: "وميقاتُ أهلِ المدينةِ ذو الحليفةِ": "ميقاتٌ" مبتدأٌ و "ذو" خبرٌ، و "الحليفةِ" تصغيرُ الحَلْفَاءِ، وهو شجرٌ بريٌّ معروفٌ، وسُمّيَ هذا المكانُ بهذا الاسمِ لكثرَتِهِ فيه، تبعدُ عن المدينةِ ستةُ أميالٍ أو سبعةٌ، وتبعدُ عن مكةَ عشرةُ أيامٍ، وعلى هذا فهي أبعدُ المواقيتِ عن مكةَ.
قولُه: "وأهلُ الشامِ ومصرِ والمغربِ الجحفةُ": أهلُ الشامِ يشملُ أهلَ فلسطينَ وسوريا ولبنانَ والأردنَ وجهاتِهم … والجحفةُ: قريةٌ قديمةٌ اجتحفَها السَّيلُ وجرفَها وزالت، وكذلك أيضًا حلَّ بها الوباءُ الذي دعا النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أن ينقلَهُ اللهُ من المدينةِ إلى الجحفةِ فقال: "اللهمَّ انقلْ حمَّاها ـ أي حمَّى المدينة إلى الجحفة"، لأنَّها كانت بلادُ كفرٍ.

– الشيخ: المدينةُ كانت فيها الحمَّى، لما هاجرَ المسلمونَ إلى المدينةِ أصابتهم الحمَّى بخلافِ المقيمينَ فيها فإنَّها لا تُصيبُهم نظرًا لأنَّهم صارَ عندهم مناعةٌ، أمَّا المهاجرونَ فقد أصابتهم الحمّى، فدعا النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أن ينقلَ اللهُ حمّى المدينةِ إلى الجُحفةِ، يقولُ الشيخُ: وهذا جوابٌ لأهلِ العلمِ أنَّ الرسولِ دعا بأن ينقلَ اللهُ حمّى المدينةِ إلى الجحفةِ لأنَّ أهلَ الجحفةِ آنذاك كانوا كفّارًا، يعني فيه نوعُ عقوبةٍ لهم، واللهُ أعلمُ بحكمةِ ذلك. تخصيصُ الجحفةِ بنقلِ المرضِ إليها أمرٌ غيبيٌّ لا يتيسّرُ الوصولُ إلى حكمةِ ذلك، لكن لا بدَّ أنَّ تكونَ هناك حكمةٌ.

– القارئ: ولما خَربتِ الجحفةُ وصارت مكانًا غير مناسبٍ للحجاجِ جعلَ الناسُ بدلها رابغًا، ولا يزالُ الآن ميقاتًا، وهو أبعدُ منها قليلًا عن مكةَ، وعلى هذا فمن أحرمَ من رابغَ فقد أحرمَ من الجحفةِ وزيادة. 
– الشيخ: 
يعني أحرمَ قبلَ الجحفةِ بقليلٍ، وقد علمنا أنَّه لا بأسَ أنْ يُحرِمَ الإنسانُ قبلَ الميقاتِ، ونُنبهُ هنا أنَّه من يسافرُ بالطائرةِ ينبغي له أن يُحرمَ قبلَ أن يُعلنَ عن محاذاةِ الميقاتِ، لأنَّه إذا انتظرَ الإعلانَ عن محاذاةِ الميقاتِ فقد يتعرّضُ إلى أن يفوته الميقاتُ وذلك لسرعةِ حركةِ الطائرةِ، فينبغي أن يحتاطَ المسلمُ لهذه الناحيةِ، وهذا كثيرًا ما يقعُ ويسألُ الناسُ عنه، ويقعونَ في حرجٍ، حتى وإن لم يكن معه ملابسُ الإحرامِ ماذا يصنعُ؟ أحرمْ، لبّي للحجِّ والعمرةِ حتّى وإن كانت عليك ثيابُك، أزل منها ما تقدرُ كغطاءِ الرأسِ بالنسبةِ للرجلِ، وإذا وصلَ جدّةَ يُحرمُ، ولا دمَ عليه، لأنَّ العلماءَ قالوا لبسُ المخيطِ نسيانًا، وهذا من جنسِهِ فهو نوعُ ضرورةٍ، لكن يخلعُ ما يستطيعُ خلعَه، أمَّا المرأةُ فأمرُها أوسعُ.

– القارئ: قولُه: "وأهلُ اليمنِ يَلَمْلَم": "يلملم": قيل إنَّه مكانٌ يُسمّى يلملم، وقيلَ: إنَّه جبلُ يلملم، والميقاتُ عند هذا الجبلِ، وأيًا كان فهو معروفٌ. قولُه: "وأهلُ نجدٍ قَرَن": هو قرنُ المنازلِ، وقيل: إنَّه يُقالُ له: قرنُ الثعالبِ، ولكنَّ الصحيحَ أنَّ قرنَ الثعالبِ غيرُ قرنِ المنازلِ. قولُه: "لأهلِ المشرقِ ذاتُ عِرق": وسُمّيَ هذا المكانُ بذاتِ عرقٍ؛ لأنَّ فيه عرقًا وهو الجبلُ الصغيرُ. وهذه الثلاثةُ: يلملم، وقرنُ المنازلِ، وذاتُ عرقٍ متقاربةٌ، وهي عن مكةَ نحو ليلتينِ.
– الشيخ: 
متقاربةٌ: من حيثُ البعدِ من مكةَ، وليست متقاربةٌ في نفسِها.

– القارئ: وذاتُ عرقٍ أبعدُ من قرنِ المنازلِ …
قولُه: "وهي": الضميرُ يعودُ على المواقيتِ.
– الشيخ: 
جاءَ هذا في حديثِ ابنِ عباس: "هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ"، هنَّ: أي المواقيتُ، لهنَّ: أي لتلكَ البلدانِ، ولمن أتى عليهنَّ: يعني أتى على هذه المواقيتِ، من غيرِ أهلهنَّ: أي من غيرِ أهلِ تلكَ البلادِ، فهي مواقيتٌ لكلِّ من مرَّ عليهنَّ ممَّن أرادَ الحجَّ أو العمرةَ.
 
– القارئ: (وهي لأهلِها ولمن مرَّ عليها من غيرِهم)
قولُه: "لأهلِها": أي أهلِ هذه الأماكنِ المذكورةِ: المدينةُ، والشامُ، واليمنُ، ونجدُ، والمشرقُ، هذه المواقيتُ لأهلِ هذه البلادِ…، قولُه: "ومن حجَّ من أهلِ مكةَ فمنها".
– الشيخ: 
لقولِه في الحديثِ: "حتّى أهلُ مكةَ من مكةَ"، حديثُ ابنُ عباسٍ هو الأصلُ وكذلك حديثُ ابنُ عمرَ، هما الأصلُ في هذا البابِ. قال: "ومن كان دونَ ذلك فمن حيثُ أنشأَ، حتَّى أهل مكةَ من مكةَ"، وهذا للحجّ وللعمرةِ وهذا ظاهرُ حديثِ ابنِ عباسٍ، ولكن خُصَّ من عمومِه الإهلالُ بالعمرةِ، فأهلُ مكةَ لا يُحرمونَ بالعمرةِ من مكةَ بل لا بدَّ أن يخرجوا إلى الحِلِّ لحديثِ عائشةَ في الصحيحِ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- "أمرَ أخاها عبدَ الرحمنِ أن يخرجَ بها إلى التنعيمِ لتحرمَ لمّا طلبتْ من النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ذلكَ، فشقَّ عليها أن تعودَ أزواجُ النبيِّ بحجٍّ وعمرةٍ وتعودُ بحجٍّ فقط"، أي: فيحرمُ من مكةَ، لقولِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حين وقّتَ المواقيتَ: "ومن كان دونَ ذلك فمن حيثُ أنشأَ، حتى أهلُ مكةَ من مكةَ".

– القارئ: قولُه: "ومن حجَّ من أهلِ مكةَ فمنها": أي فيحرمُ من مكةَ، لقولِ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حينَ وقّتَ المواقيتَ: "ومن كان دونَ ذلك فمن حيثُ أنشأَ، حتى أهلُ مكةَ من مكةَ"؛ ولأنَّ الصحابةَ ـ رضي اللهُ عنهم ـ الذين حلّوا من إحرامِهم مع الرسولِ صلّى اللهُ عليه وسلّم.
– الشيخ: يعني لما أمرهم النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أمرَ كلَّ من وصلَ مكةَ، من أحرمَ بحجٍّ، أو أحرمَ بحجٍّ وعمرةٍ، أمَّا من أحرمَ بعمرةٍ فأمرُهُ ظاهرٌ. أمرَ الجميعَ أن يحلّوا، إلّا من ساقَ الهديَ كالرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وبعضِ أصحابِه، لكنَّ جمهورَ الصحابةِ حلّوا بأمرِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فلمّا كان يومُ الترويةِ أحرموا بالحجِّ من مكةَ وهذا هو الشاهدُ، ومن وصلَ إلى مكةَ فحكمُهُ حكمُ أهلِ مكةَ من حيثُ الإحرامِ.

– القارئ: ولأنَّ الصحابةَ ـ رضي اللهُ عنهم ـ الذين حَلُّوا من إحرامِهم مع الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أحرموا من مكةَ من الأبطحِ، ونأخذُ من هذا الحديثِ أنَّ من كان دونَ هذه المواقيتِ، فإنَّه يحرمُ من مكانِه.
فمثلًا: أهلُ الشرائعِ في طريقِ أهلِ نجد، لا نقولُ لهم إذا أرادوا أن يُحرموا: ارجعوا إلى قرنِ المنازلِ فأحرموا منه، وإنَّما نقولُ: أحرموا من مكانِكم، وأهلُ جدةَ كذلك، لا حاجةَ أن يذهبوا إلى الجحفةِ ولا إلى ذي الحليفةِ. وانظرْ إلى هذا التعبيرِ النبويِّ حيثُ قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-:
"من حيثُ أنشأ"، ولم يقل: من بلدِه؛ لأنَّ بلدَه قد يكونُ دونَ المواقيتِ.
– الشيخ: 
المهمُّ أنَّ هذه المواقيتَ الخمسةَ لأهلِ الآفاقِ المعيّنةِ المسمّاةِ: المدينةُ، الشامُ، نجدُ، اليمنُ، المشرقُ أو العراقُ، ومن كان دونَها فإنَّه يُحرمُ من مكانِه، يعني المكانِ الذي نوى فيه أن يعتمرَ لقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "فمن كان دونَ ذلك فمن حيثُ أنشأَ، حتى أهلُ مكةَ من مكةَ" وهذا تأكيدٌ.

– القارئ: والمكيُّ إذا كان خارجَ مكةَ لغرضٍ، ثمَّ رجعَ إلى مكةَ في أيامِ الحجِّ وهو ينوي الحجَّ في هذه السنةِ فلا يلزمُهُ أن يدخلَ بعمرةٍ؛ لأنَّه رجعَ إلى بلدِهِ ولم يرجعْ لقصدِ العمرةِ.
وقولُ المؤلفِ: "ومن حجَّ من أهلِ مكةَ فمنها": ليس له مفهومٌ ـ أعني قولَه: "من أهلِ مكةَ"، فإنَّ من حجَّ من مكةَ من أهلِها وغيرِهم فإحرامُهُم من مكةَ، ولو كانت العبارة: "ومن حجَّ من مكةَ فمنها" لشملتْ أهلَ مكةَ وغيرَهم، لكنَّه ـ رحمهُ اللهُ ـ تَبِعَ غيرَه في العبارةِ فقال: "من حجَّ من أهلِ مكةَ فمنها".
– الشيخ: 
تَبِعَ غيرَه، ونقولُ تبعَ الحديثَ، لأنَّ الحديثَ فيه: "وحتى أهلُ مكةَ من مكةَ"، وفي حكمِ أهلِ مكةَ من قَدِمَ إلى مكةَ وأقامَ فيها، أو لبثَ فيها لوقتِ الحجِّ.

– مداخلة: جاءَ رجلٌ في أشهرِ الحجِّ، ودخلَ مكةَ لعملٍ واستقرَّ فيها وهو ناوٍ للحجِّ؟
– الشيخ: هذه مسألةٌ يكثرُ السؤالُ عنها، الذي يظهرُ من مُوجبِ الدليلِ إذا كان عازمًا على الحجِّ فعليه أن يُحرمَ، أمَّا إن كان احتمالٌ يعني إن سنحتْ له الفرصةُ فلا، أمَّا إذا كان قادمًا من هنا أو هناك لعملٍ لكنَّه عازمٌ على الحجِّ في سفرِهِ هذا فعليه أن يُحرمَ؛ لأنْ يصدقَ عليه أنَّه مريدٌ للحجِّ أو العمرةِ.
– مداخلة: إن كان مفردٌ هل يبقى على إحرامِه إلى أن يحجَّ؟
– الشيخ: نعم يبقى، لكن عندَه طريقُ التحلّل والحمدُ للهِ، يعني يتمتّعُ ويخلصُ من المشكلةِ.
– مداخلة: الشخصُ الذي دخلَ مكةَ من أجلِ عملٍ هل يخرجُ إلى الحِلّ؟
– الشيخ: لا، لا يخرجُ، ما دامَ أنَّه لم يكن ناويًا للحجِّ، أمَّا إذا كان عازمًا نقولُ له: أحرمْ من الميقاتِ.
– مداخلة: إذا كان شاميًّا، هل نقولُ له ارجع إلى ذي الحليفةِ، أم نقولُ له ابقى؟
– الشيخ: لا، بل يرجعُ إلى ميقاتِه، كلٌّ يرجعُ إلى ميقاتِه، ولهذا يتورّطُ بعضُ الناسِ يمرُّ بذي الحليفةِ، يعني لمن تسهّلت الأمورُ وصار هناك سياراتٌ واستعجالٌ، يفوّتونَ الميقاتَ وإذا وصلَ جدّةَ راحَ.
– مداخلة: ألا يقالُ له: اذهبْ إلى أقربِ ميقاتٍ؟
– الشيخ: لا، ميقاتُه، من جاءَ من الرياضِ إلى المدينةِ، ومشى من المدينةِ، أتى على ذي الحُليفةِ، فإذا تجاوزَ ذا الحُليفةِ فقد تجاوزُ الميقاتَ، فعليه أن يرجعَ.

– القارئ: قوله: "وعمرتُه من الحلِّ": أي عمرةُ من كان من أهلِ مكةَ من الحلِّ، أي: من أيِّ موضعٍ خارجِ الحرمِ..
– الشيخ: لحديثِ عائشةَ هذا هو الدليلُ، لأنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لمّا رغبت في العمرةِ كما تقدّم أمرَ أخاها عبدَ الرحمنِ فخرجَ بها، وهذا الحديثُ أخذَ به جميعُ أهلِ العلمِ على أنَّ من كان بمكةَ لا يحرمُ بالعمرةِ إلَّا من الحِلِّ، من أدناهُ كالتنعيمِ، أو من غيرِه كعرفةَ.

– القارئ: والحرمُ له حدودٌ معروفةٌ ـ والحمدُ للهِ ـ إلى الآن.
– الشيخ: الحمدُ للهِ معلَّمةٌ، وعليها أعلامٌ معروفةٌ ويعرفُها الناسُ في الطرقِ، وهي توقيفيةٌ ليست من عملِ الناسِ بل هي موروثةٌ من عهدِ إبراهيمَ عليه السلامُ، وهي الآن لها حدودٌ حتى في الجبالِ. وهذه الحدودُ، حدودُ الحرمِ يتعلّقُ بها أحكامُ الحرمِ من تحريمِ الصيدِ وقطعِ الشجرِ.

– القارئ: وتختلفُ قربًا وبعدًا من الكعبةِ، فبعضُها قريبٌ من الكعبةِ، وبعضُها بعيدٌ من الكعبةِ، وأقربُها من الكعبِة التنعيمِ، وأبعدُها من جهةِ جدةَ ومن جهةِ عرفةَ أيضًا، بعضُها تسعةُ أميالٍ، ومنها أحد عشر ميلًا. وهذه الحدودُ توقيفيةٌ ـ ليس للرأي فيها مجالٌ، فلا يقالُ: لماذا بعدت حدودُ الحرمِ من هذه الجهةِ دونَ هذه الجهةِ.
وقولُه: "وعمرتُه من الحلِّ": يشملُ الحلَّ القريبَ والبعيدَ، فلو قال قائلٌ: أنا لا أريدُ أن أحرمَ من التنعيمِ، وأريدُ أن أحرمَ من طريقِ جدَّةَ وهو بعيدٌ ـ حوالي عشرةَ أميالٍ ـ فلهُ أن يفعلَ. وهل الأفضلُ أن يختارَ الأبعدَ، أو أن يختارَ الأقربَ، أو أن يختارَ الأسهلَ؟ …

– الشيخ:  يختارُ الأسهلَ، والرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أرشدَ عائشةَ إلى ذلك، "ما خُيّرَ الرسولُ بين أمرين إلَّا اختارَ أيسرَهُما ما لم يكن إثمًا"، لا تتعمَّدِ المشقَّة.

– القارئ: وقولُ المؤلفِ: "وعمرتُه من الحلّ"، هذا الذي عليه جمهورُ أهلِ العلمِ أنَّ من كان في مكةَ، وأرادَ العمرةَ، فإنَّه يحرمُ من الحلّ، ودليلُ هذا أنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لما طلبت منه عائشةُ ـ رضي الله عنها ـ أن تعتمرَ أمرَ أخاها عبدَ الرحمنِ ـ رضي اللهُ عنه ـ وقال: "اخرجْ بأختكِ من الحرمِ، فلتهل بعمرةٍ من الحل"، فدلَّ ذلك على أنَّ الحرمَ ليس ميقاتًا للعمرةِ، ولو كان ميقاتًا للعمرةِ، لم يأمرِ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عبدَ الرحمنِ بن أبي بكرٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أن يخرجَ بأختِهِ، ويتجشمَ المصاعبَ في تلك الليلةِ لتحرمَ من الحلِّ؛ لأنَّه من المعلومِ أنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يتبعُ ما هو أسهلُ ما لم يمنعْهُ منه الشرعُ، فلو كان من الجائزِ أن يحرمَ بالعمرةِ من الحرمِ لقالَ لها: أحرمي من مكانِكِ.
فإن قال قائلٌ: ماذا تقولونَ في قولِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-:
"يُهلُّ أهلُ المدينةِ من ذي الحليفة"، ثمَّ ذكرَ المواقيتَ وقال: "من كان دونَ ذلك فمن حيثُ أنشأ حتى أهلُ مكةَ من مكةَ"، مع أنَّه قال في الحديث: "ممن أرادَ الحجَّ أو العمرةَ"، فظاهرُ العمومِ أنَّ العمرةَ لأهلِ مكةَ تكونُ من مكةَ؟ قلنا: هذا الظاهرِ يعارضُه حديثُ عائشةَ ـ رضي الله عنها ـ: أنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "أمرَ أخاها أن يخرجَ بها لتحرمَ من التنعيمِ".
– الشيخ: 
يعني حديثُ عائشةَ مُخصصٌ لحديثِ ابنِ عباسٍ، حديثُ عائشةَ وهو أمرُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أخاها أن يخرجَ بها إلى التنعيمِ لتعتمرَ وتُهلُّ من هناك من الحِلّ وهذا مخصصٌ لقولِه: "حتّى أهلُ مكةَ من مكةَ"، وهذا عليه جماهيرِ أهلِ العلمِ، حتّى حكى الإجماعَ غيرُ واحدٍ.

– القارئ: فإن قالَ قائلٌ: عائشةُ ليست من أهلِ مكةَ، فأُمرت أن تخرجَ إلى الحلِّ لتحرمَ منه؟
– الشيخ: هذا تقدّمَ، حكمُ المقيمِ بمكةَ حكمُ أهلِها.
– القارئ: قلنا: ليسَ المانعُ من إحرامِ الآفاقي بالعمرةِ من مكةَ هو أنَّه ليسَ من أهلِ مكةَ؛ بدليلِ أنَّ الآفاقي يحرمُ بالحجِّ من مكةَ، فلو كانت مكةُ ميقاتًا للإحرامِ بالعمرةِ، لكانت ميقاتًا لأهلِ مكةَ وللآفاقيين الذين هم ليسوا من أهلها، وهذا واضحٌ.
– الشيخ: يقول: أنَّ هذا هو الحكمُ المستقرُّ المعروفُ أنَّ أهلَ مكةَ ومن كان في مكةَ يُحرمُ بالحجِّ من مكةَ، والعمرةُ من خارجِ مكةَ.
– القارئ: مسألةٌ: إذا مرَّ الإنسانُ بهذه المواقيتِ فهل يلزمُه أن يحرمَ؟ الجوابُ: إن كان يريدُ الحجَّ أو العمرةَ، أو كان الحجُّ أو العمرةُ فرضًا عليه: أي لم يؤدِّ الفريضةَ من قبل، فإنَّه يلزمُهُ أن يُحرمَ.
– الشيخ: 
الآن ما حكمُ الإحرامِ من هذه المواقيتِ؟ نقولُ واجبٌ على من أرادَ الحجَّ أو العمرةَ لحديثِ ابنِ عباس، وحديثِ ابنِ عمرَ: "يُهلُّ أهلُ المدينةِ من ذي الحُليفةِ، وأهلُ الشامِ من الجحفةِ".
وكلمةُ "يهل": بمعنى لِيُهِلَّ، فهو خبرٌ بمعنى الأمرِ، والشيخُ يريدُ يقول: إنَّه يجبُ الإحرامُ من هذه المواقيتِ على من أرادَ الحجَّ أو العمرةَ ولو كان تطوّعًا، ويجبُ أن يُهِلَّ من هذه المواقيتِ من قَدِمَ لغيرِ الحجّ، ولكنَّه لم يحجَّ، فإنَّه يجبُ عليه أن يُحرمَ لأنَّ الحجَّ فرضٌ عليه وهو لم يحجّ، والحجُّ يجبُ على الفورِ، فالآنَ هو قادمٌ ووصلَ إلى الميقاتِ ويقصدُ مكةَ والحجُّ فرضٌ عليه في ذمّتِهِ، فهو قادرٌ ومستطيعٌ للحجِّ، هذا هو توجيهُ كلامِ الشيخِ.

– القارئ: ودليلُ اللزومِ حديثُ ابنُ عمرَ ـ رضي اللهُ عنهما ـ قال: "يهلُّ أهلُ المدينةِ من ذي الحليفةِ"، وكلمةُ "يهلُّ": خبرٌ بمعنى الأمرِ، بدليلِ اللفظِ الآخرِ في الحديثِ: "أمرَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أن يُهلَّ أهلُ المدينةِ من ذي الحليفةِ"، فلا بدَّ أن يحرمَ من هذه المواقيتِ، فإذا كان يريدُ الحجَّ أو العمرةَ فواضحٌ؛ لأنَّ لفظَ الحديثِ: "ممن يريدُ الحجَّ أو العمرةَ"، ولكن إذا كان النُّسكُ فرضًا، وهو لا يريدُ أن يحجَّ، أو لا يريدُ أن يعتمرَ، فنقولُ: يلزمُهُ الإحرامُ من الميقاتِ؛ لأنَّ الحجَّ والعمرةَ واجبان على الفورِ، وقد وصلَ الآن فلا يجوزُ أن يؤخّرَ ولا بدَّ أن يحرمَ بالحجِّ والعمرةِ.
– الشيخ: 
هذا بالنسبةِ للحجِّ فيما يظهرُ إذا كان في وقتِ الحجِّ كما سيأتي، لكن هو قدمَ مكةَ الآن في رجبٍ أو في جمادى وهو لا يريدُ حجًا، وهو لم يحجَّ الفرضَ، فكلامُ الشيخِ لا بدَّ أن نحملُهُ على من قدمَ لمكةَ في وقتِ الحجِّ وفي أشهرِ الحجِّ، فالآنَ هذا هو وقتُ الإحرامِ بالحجّ، ولا بدَّ من مراعاةِ الشروطِ السابقةِ، قضيةُ الاستطاعةِ، قد يكونُ مستطيعًا لكن ما يستطيعُ بقيةَ المناسكِ، لكنَّ شرطَ الاستطاعةِ باقٍ، إذا كان مُستطيعًا فعليه أن يُحرمَ بالحجِّ لأنَّ الحجَّ فرضٌ عليه، وهو الآنَ وصلَ، فيجبُ عليه أن يحرمَ بالحجّ.
– مداخلة: … هل تجبُ عليه العمرةُ إذا جاءَ في غيرِ أشهرِ الحجِّ، أم يحرمُ للعمرةِ؟
– الشيخ: 
أولًا: العمرةُ ليس لها وقتٌ معينٌ، والثاني: على القولِ بوجوبِ العمرةِ.

– القارئ: أمَّا إذا كنتَ قد أديتَ الفريضةَ ومررتَ بهذه المواقيت ولا تريدُ الحجَّ ولا العمرةَ، فليس عليك إحرامٌ…
– الشيخ: 
هذا على قولِ الجمهورِ، ومن أهلِ العلمِ كالحنابلةِ يقولونَ: من قدمَ إلى مكةَ ولو لم يردْ حجًا، ولو لتجارةٍ أو زيارةٍ، فإنَّه يجبُ عليه أن يحرمَ بعمرةٍ؛ لأثرٍ جاءَ عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنه.

– القارئ: (وأشهرُ الحجّ: شوالُ، وذو القعدةِ، وعشرٌ من ذي الحجةِ).
– الشيخ: 
هذه مواقيتُ الحجِّ الزمانيةِ، قال اللهُ تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] وجاءَ عن ابنِ عباسٍ تفسيرُ أشهرِ الحجِّ بشوالٍ وذي القعدةِ وعشرٍ من ذي الحجةِ، ومعناها الوقتُ الذي ينعقدُ فيه الإحرامُ بالحجِّ، وعلى هذا لا ينعقدُ الإحرامُ بالحجِّ قبل وقتِهِ كما في رمضانَ، فلا يُحرمُ بالحجِّ في رمضانَ، وهذه مسائلُ خلافٍ، لكن هذه هي الأشهرُ والزمانُ الذي ينعقدُ فيه الحجُّ بالإجماعِ. ولماذا قلنا: عشرَ من ذي الحجةِ؟ لأنَّه بعدَ عشرٍ من ذي الحجةِ لا يمكنُ الإحرامٌ بالحجِّ؛ لأنَّه ينتهي بطلوعِ فجرِ يومِ النحرِ ينتهي وقتُ الإحرامِ بالحجِّ، فمن لم يصلْ عرفةَ قبلَ طلوعِ الفجرِ فاتَه الحجُّ كما سيأتي، فهذه هي مواقيتُ الحجِّ الزمانيّةُ. ومن أهلِ العلمِ من يدرجُ شهرَ ذي الحجةِ كاملًا لأنَّه وقتٌ للمناسكِ كأيامِ التشريقِ، وهذا له وجهٌ، ولكنَّ قولَه: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ [البقرة:197] كأنَّه يُرجِّحُ القولَ بالتفسيرِ الأولِ وهو المأثورُ عن ابنِ عمرِ.
 
– القارئ: أشهرُ الحجِّ على كلامِ المؤلفِ شهرانِ وبعضِ الثالثِ، وهي شوالُ وذو القعدةِ وعشرُ ذي الحجّةِ. يُقالُ: ذو القَعدةِ، وذو القِعدةِ، ويقالُ: ذو الحَجةِ وذو الحِجةِ، والأفصحُ الفتحُ في الأولِ "ذو القَعدة"، والكسرُ في الثاني "ذو الحِجةِ".
وقولُه: "وعشرٌ من ذي الحجةِ": هذا المشهورُ عند الإمامِ أحمدَ ـ رحمهُ اللهُ ـ وبَه أخذَ أصحابُه، ولكن يردُ على هذا القولِ أنَّ اللهَ قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] وأشهرُ جمع فتكونُ ثلاثةً، ولو قال: في أشهرٍ صارت الأشهرُ الثلاثةُ ظرفًا، والمظروفُ لا يلزمُ أن يملأَ الظرفَ، فيصدقُ بشهرينِ وبعضِ الثالثِ، ولكنَّه قال: أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، والمشهورُ في اللغةِ العربيةِ أن أقلَّ الجمعِ ثلاثةٌ، وعلى هذا فتكونُ أشهرُ الحجِّ ثلاثةٌ، وهذا مذهبُ الإمامِ مالكٍ ـ رحمهُ اللهُ ـ وهو أقربُ إلى الصحّةِ ممَّا قالَه المؤلّفُ لموافقتِهِ لظاهرِ الآيةِ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ
فإنْ قال قائلٌ: إذًا هل تجيزونَ أنْ يقفَ الناسُ في الخامسِ عشرَ من ذي الحجةِ؟ نقولُ: لا نجيزُ ذلك، كما أنَّه لا يجوزُ أن يقفَ الناسُ في العاشرِ من شوالَ، فهذه الأشهرُ لا يلزمُ أن يكونَ الحجُّ جائزًا في كلِّ يومٍ من أيامِها. ويدلُّ على ضعفِ كلامِ المؤلفِ، أنَّ من أيامِ الحجِّ اليومُ الحادي عشرَ، واليومُ الثاني عشرَ، واليومُ الثالثُ عشرَ، يُفعلُ فيها من أعمالِ الحجِّ: الرميُ، والمبيتُ.

– الشيخ: لكنَّه لا يفرضُ فيها الحجُّ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ [البقرة:197] هل يمكنُ فرضُ الحجِّ في اليومِ العاشرِ والحادي عشرَ والثاني عشرَ، يمكنُ الإحرامُ بالحجِّ؟ فاتَ الحجُّ.
– مداخلة: طيّب عشرةٌ من ذي الحجّةِ فيها العشرُ؟
– الشيخ: فيها تغليبٌ، يعني يخرجُ يومَ العيدِ عن حكمِ العشرِ في أمورِ كثيرةٍ.
 
– القارئ: فكيفَ نُخرجُها من أشهرِ الحجِّ وهي أوقاتٌ لأعمالِ الحجِّ؟! ولو أنَّ الإنسانَ قال: أريدُ أن أرميَ الجمارَ الثلاثَ، وجمرةَ العقبةِ في يومِ العيدِ لم يمكنْهُ ذلك، فلا بدَّ أن يكونَ رميُ الجمراتِ في الأيامِ الثلاثةِ، وهي خارجةٌ عن الحدِّ الذي قالَهُ المؤلفُ؛ لأنَّ المؤلفَ قال: "عشرٌ من ذي الحجةِ"، وبعضُ العلماءِ قال: تسعٌ من ذي الحجةِ؛ لأنَّ الحجَّ عرفةُ، وعرفةُ ينتهي في التاسعِ، ولكنَّ هذا القولَ أضعفُ ممّا قالَه المؤلفُ؛ لأنَّ اللهَ قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] وقال: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3] وعلى قولِ من يقولُ: إنّها تسعةٌ، يخرجُ هذا اليومُ الذي سماهُ اللهُ يومَ الحجِّ الأكبرِ.
فالصوابُ ما ذهبَ إليه الإمامُ مالكٌ ـ رحمهُ اللهُ ـ من أنَّ أشهرَ الحجِّ ثلاثةٌ، كما هو ظاهرُ القرآنِ: شوالُ، وذو القعدةِ، وذو الحجةِ. فإن قال قائلٌ: هل يترتبُ على هذا الخلافِ شيءٌ؟ قلنا: نعم، يترتَّبُ عليه أشياءٌ …
مسألةٌ: هل يجوزُ للإنسانِ أن يُحرمَ بالحجِّ قبلَ الميقاتِ المكانيّ، أو الزمانيّ، أو بالعمرةِ قبلَ الميقاتِ المكاني؟ الجوابُ: الصحيحُ أنَّه لا يجوزُ أن يحرمَ قبلَ الميقاتِ الزماني، وأنَّه لو أحرمَ بالحجِّ قبلَ دخولِ شهرِ شوالَ صارَ الإحرامُ عمرةً لا حجًا؛ لأنَّ اللهَ قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] وهذا أحرمَ قبلَ دخولِ أشهرِ الحجِّ، فيكونُ إحرامُه عمرةً، كما لو صلَّى الظهرَ قبلَ الزوالِ فينعقدُ نفلًا، أو نقولُ بأنَّه فاسدٌ لا ينعقدُ. وقال بعضُ العلماءِ: ينعقدُ الإحرامُ لكن يُكرهُ، فينعقدُ الإحرامُ؛ لأنَّه لبّى اللهَ، لكن يُكرهُ لمخالفتِه لظاهرِ الآية: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، وكذلك في المواقيتِ المكانيةِ.
فالقولُ الثاني في المسألةِ أنَّه يُكرهُ أن يُحرمَ قبلَ الميقاتِ، لكن لو أحرمَ صحَّ إحرامُه وانعقدَ، فمثلًا لو أحرمَ إنسانٌ من أهلِ المدينةِ من المدينةِ نفسِها قلنا: هذا مكروهٌ وينعقدُ، وهذا رأيُ الجمهورِ.
والمرادُ بالإحرامِ النيةُ دونَ الاغتسالِ ولبس ثيابِ الإحرامِ، وأكثرُ العامةِ يحملونَ معنى الإحرامِ على لبسِ ثيابِ الإحرامِ وليس كذلك، والإحرامُ سيأتينا ـ إن شاءَ اللهُ ـ في البابِ الذي يلي هذا الباب.

– مداخلة: قال ابنُ كثيرٍ رحمهُ اللهُ:
قولُه تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: [تَقْدِيرُهُ] الْحَجُّ حَجُّ أَشْهَرٍ مَعْلُومَاتٍ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهَا أَكْمَلُ مِنَ الْإِحْرَامِ بِهِ فِيمَا عَدَاهَا، وَإِنْ كَانَ ذَاكَ صَحِيحًا، وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي جَمِيعِ السّنَةِ مذهبُ مالكٍ، وأبي حنيفةَ، وأحمدَ بن حنبلٍ، وإسحاقِ بن رَاهويه، وَبِهِ يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ النخَعي، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. واحْتَجّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [الْبَقَرَةِ:189] وَبِأَنَّهُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ، فَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ كَالْعُمْرَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِهِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ إِحْرَامُهُ بِهِ، وَهَلْ يَنْعَقِدُ عُمْرة؟ فِيهِ قَوْلَانِ عَنْهُ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِهِ مَرْويّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَبِهِ يَقُولُ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، وَظَاهِرُهُ التَّقْدِيرُ الْآخَرُ الذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ النُّحَاةُ، وَهُوَ أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ أَشْهَرٌ مَعْلُومات، فَخَصَّصَهُ بِهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ شُهُورِ السَّنَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْلَهَا، كَمِيقَاتِ الصَّلَاةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُمَر بْنُ عَطَاء، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِم بِالْحَجِّ إِلَّا فِي شُهُورِ الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ السُّوسِيِّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدويه فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيبة عَنْ مقْسَم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ: مِنَ السُّنَّة أَلَّا يُحْرِمَ [بِالْحَجِّ] إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مقْسَم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: "مِنَ السُّنَّةِ كَذَا" فِي حَكَمِ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَلَا سِيَّمَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرًا لِلْقُرْآنِ، وَهُوَ تُرْجُمَانُهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ…
وَقَوْلُهُ: أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: هِيَ شَوَّالٌ، وَذُو القَعْدة، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهَذَا الذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ رَوَاهُ ابْنُ جرير موصولا حدثنا أحمد بن حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزة حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ قَالَ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي مُسْتَدْرَكِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -فَذَكَرَهُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. قُلْتُ: وَهُوَ مَرْويّ عَنْ عُمَر، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَمَكْحُولٍ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيّان. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي ثَوْر، رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
– الشيخ: يبدو أنَّه صارَ عندنا فيما يبدو روايتانِ للإمامِ أحمدَ، وأنَّ الحجَّ يصحُّ في أيِّ شهرٍ وينعقدُ، والقولُ الآخرُ: أنَّ أشهرَ الحجِّ هي ما ذكرناه.
 
القارئُ يكملُ من تفسيرِ ابنِ كثيرٍ:
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: وَصَحَّ إِطْلَاقُ الْجَمْعِ عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ لِلتَّغْلِيبِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: "زُرْتُهُ الْعَامَ، وَرَأَيْتُهُ الْيَوْمَ". وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعَامِ وَالْيَوْمِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [الْبَقَرَةِ:203] وَإِنَّمَا تَعَجَّلَ فِي يَوْمٍ وَنِصْفٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَن ابْنِ عُمَر أَيْضًا؛ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لَنَافِعٍ: أَسْمَعْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَر يُسَمِّي شُهُورَ الْحَجِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُسَمِّي: شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ شُهاب، وَعَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَدْ حُكي هَذَا أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ.
– الشيخ: 
إذًا أشهرُ الحجِّ أقولُ: كأنَّ الأمرَ، يعني الخلافُ أصبحَ ليسَ له كثيرُ أثرٍ، يعني كلُّهم يتفقون إلَّا في شيٍء واحدٍ وهو طوافُ الإفاضةِ، فعند مالكٍ لا يجوزُ تأخيرُهُ عن ذي الحجّةِ، وإلَّا فكلّهم يتَّفقونَ أنَّ ذي الحجةِ وقتٌ لكثيرٍ من مناسكِ الحجِّ، إذًا فأثرُ ابنُ عمرَ مراعًا فيه زمنُ الإحرامِ بالحجِّ، وعلى الروايةِ الثانيةِ أنَّه مراعًا فيه سائرُ المناسكِ.
– مداخلة: الذي عليه ثلاثةُ أيامٍ في الحجِّ يصومُها بعدَ يومِ العيدِ إذا قلنا ذي الحجةَ كاملًا من أشهرِ الحجِّ؟
– الشيخ: ليسَ هناك خلافٌ بينهم في هذا، وأخَّرها هذه فيه نصٌّ خاصٌّ أنَّه لا يؤخّرُها، يصومُها في هذه الأيامِ المخصوصةِ إلّا لمن لم يجدِ، الهديَ وقد فرغَ من الحجِّ، يصومُها في الحجِّ.
 




 
الأسئلة:
س1: بالنسبةِ لأهلِ مكةَ هل الأفضلُ لهم أن يعتمروا أم يكتفوا بالطوافِ فقط؟
ج: بالطوافِ فقط، لم يكن معروفًا أنَّهم يخرجونَ من مكةَ، والمقصودُ من العمرةِ هو الطوافُ فقط فإنّه مقصودُها الأعظمُ.
…………………………………..
س2: هل الأفضلُ أن يعتمرَ في رمضانَ أم في شوّالَ؟
ج: في رمضانَ، للحديثِ الصحيحِ، فلا عدولَ عنه.
…………………………………..
س3: حججتُ الفريضةَ والحمدُ للهِ، فما هو الأفضلً أن أحجَّ عن الأجدادِ والجداتِ الذين ماتوا ولم يحجّوا، أو أن اتنفّلَ؟
ج: تنفَّل، اللهمَّ إلَّا والديك، أمَّا تتبعُ كلَّ من ماتَ منهم فتحجَّ عنهم ففيه نظرٌ واللهُ أعلمُ بالصوابِ، لكن ادعُ لهم كثيرًا.
…………………………………..
س4: هل المتردّدُ في النيةِ عند دخولِه جِدّةَ يجبُ عليه الرجوعُ إلى الميقاتِ، أم يكفيهِ إحرامُه من مَحِله؟
ج: ما دامَ أنَّه لم يكن عازمًا على العمرةِ فيكفيهِ أن يحرمَ من جدّةَ.
…………………………………..
س5: ماذا يترتبُ على الخلافِ بين العلماءِ بدخولِ شهرِ ذي الحجةِ بأكملِهِ في أشهرِ الحجِّ، أم فقط العشرُ والتسعُ الأوائلُ منه؟
ج: يترتّبُ عليه ما سبقتِ الإشارةُ إليه، من يرى أنَّ ذي الحجّةِ من أشهرِ الحجّ فإنَّه يقولُ: لا يجوزُ تأخيرُ طوافِ الإفاضةِ عن شهرِ ذي الحجةِ، ومن أخَّرهُ فعليه دمٌ، هذا قولٌ مشهورٌ عن الإمامِ مالكٍ. أمَّا الجمهورُ فعندهم طوافُ الإفاضةِ في الحقيقةِ وقتُه الفاضلُ هو يومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ، وما بعدَ ذلك إلى آخرِ العمرِ، يعني ليس له وقتٌ محدودٌ، إلّا أنَّ الحجَّ لا يتمُّ إلَّا به، لكن يصحُّ أدائُه ولو في محرَّمٍ ولو في صفرٍ، والذي ينبغي عدمُ تأخيرِهِ عن أيامِ التشريقِ أيضًا، إلّا لعذرٍ كالحائضِ ونحوِها، لكن لا ينبغي تأخيرُهُ عن أيامِ الحجِّ.
…………………………………..
س6: نحن نسافرُ في طائرةٍ خاصّةٍ بالزيّ العسكريِّ الرسمي، وأكونُ ناويًا للعمرةِ من الرياضِ ولا أستطيعُ التغييرَ في الطائرةِ، فماذا أفعلُ؟ وماذا عليّ إذا تجاوزتُ الميقاتَ بهذا الزي؟
ج: أحرمْ بالعمرةِ بالنيّةِ، وهذه مرّت علينا، وإذا استطعتَ أن تلبسَ ملابسَ الإحرامِ فالبسها، وهل عليك فديةٌ؟ هذا محلُّ نظرٍ؛ لأنَّ هذا وقعَ منك اضطرارًا بأنَّك لا تستطيعُ أن تلبسَ ملابسَ الإحرامِ، وإن فعلتَ ما يقولُ الفقهاءُ من أنَّك تصومُ ثلاثةَ أيامٍ أو تطعمُ ستةَ مساكينَ لِلُبسكَ المخيطَ، لكنَّ المهمَّ أن تلبي بالعمرةِ إذا كنتَ عازمًا عليها، ولا تفوّتْ الميقاتَ، فتفويتُ الميقاتِ أشدُّ من لُبسكَ المخيطَ.
…………………………………..
س7: هل يجوزُ قطعُ العمرةِ إذا كان للضرورةِ؟
ج: ما هي الضرورةُ، هذا يتَّصلُ بمسألةِ الإحصارِ إذا كان بدرجةِ الإحصارِ، فمن اشترطَ فله التحلّلُ للضرورةِ، ومن لم يشترطْ فعليه دمٌ.
…………………………………..
س8: نحن مجموعةٌ من بريطانيا سنأتي إلى العمرةِ، لكن سننزلُ إلى جدّةَ ثمَّ نأخذُ حافلةً مباشرةً إلى المدينةِ نجلسُ مدّةَ أسبوعٍ ثمَّ نعتمرُ إلى مكةَ، من أينَ نحرمُ؟
ج: من ذي الحليفة.
…………………………………..
س9: نويتُ وأحرمتُ لأداءِ العمرةِ قبلَ أن أصعدَ إلى الطائرةِ، فلمّا مرَّتْ الطائرةُ بالميقاتِ كنتُ نائمًا، فلم أجدّدْ نيّتي إلَّا بعدَ أن جاوزتِ الطائرةُ الميقاتَ؟
ج: لا ندري ما هي نيَّتُكَ الأولى هل لبّيتَ بالعمرةِ، إن كان لبّيتَ بالعمرةِ ونويتَ الدخولَ في النُّسُكِ فلا عليكَ شيءٌ، وإن كنتَ لم تدخلْ في النُّسكِ ولم تلبّي، فقد تجاوزتَ الميقاتَ بلا إحرامٍ، ولهذا قلتُ: ينبغي لمن يسافرُ بالطائرةِ أن يحتاطَ لنفسِهِ وأن يحرمَ ولو قبلَ الميقاتِ ولو في المطارِ.
– مداخلة: تكفي النيّةُ عن التلبيةِ؟
– الشيخ: هذا فيه خلافٌ ولا يصلحُ، لا بدَّ من نيَّةِ الدخولِ في النُّسكِ بتلبيةٍ، ولا بدَّ من فعلِ أمرٍ يدلُّ على دخولِكَ في النُّسُكِ، أمَّا مجردُ نيّةِ أنَّك تعتمرُ فلا.
…………………………………..
س10: ما حكمُ الإحرامِ قبلَ الميقاتِ؟
ج: يمكنُ أن نقولَ أنَّه مكروهٌ، لكنَّه يصحُّ لا سيّما مع الحاجةِ كما ذكرنا ولا كراهةَ، نقولُ: يحرمُ قبلَ الميقاتِ خشيةَ أن يفوتَ عليه الميقاتُ.
…………………………………..
س11: ما حكمُ التلفّظِ في النيّةِ بالحجِّ والعمرةِ؟
ج: التلفظُ بالنيّةِ إن أردتَّ به قولَك لبّيكَ اللهمَّ لبَّيك، لبَّيكَ عمرةً: فهذا سنّةٌ، أو نويتَ عمرةً فهذا مشروعٌ. أمَّا أن تقولَ اللهمَّ إني أريدُ الحجَّ أو العمرةَ فهذا يذكرُهُ الفقهاءُ، والأفضلُ العملُ بالسنّةِ، لكنَّه يجوزُ التلفظُ بالنيّةِ في الحجِّ والعمرةِ بخلافِ سائرِ العباداتِ، فتقولُ: اللهمَّ نويتُ عمرةً، اللهمَّ إني نويتُ عمرةً، اللهمَّ إنّي أوجبتُ عمرةً، واللهُ أعلمُ.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله