الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب المناسك من زاد المستقنع/كتاب المناسك (4) “باب الإحرام” وقوله الإحرام: نية النسك.

كتاب المناسك (4) “باب الإحرام” وقوله الإحرام: نية النسك.

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب المناسك)
– الدّرس: الرّابع

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنَا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
[بابٌ في الإحرامِ والتلبيةِ وما يتعلَّقُ بهما]

– الشيخ: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، التناسبُ بين هذهِ الأبوابِ ظاهرةٌ، فبعدَ معرفةِ المواقيتِ يناسبُ معرفةُ ماذا على الحاجِّ والمعتمرِ إذا وصلَ الميقاتَ. الآن الميقاتُ مكانٌ لنسكٍ من الأنساكِ، أوّلُ مناسكِ الحجِّ أو العمرةِ إنّما يكونُ في الميقاتِ، وهذا النُّسكُ هو الإحرامُ، وهو الإهلالُ، يُهِلُّ أهلُ المدينةِ من ذي الحُليفة، يعني ممكن تقول يُحرمُ أهلُ المدينةِ من ذي الحُليفةِ. فالإهلالُ: رفعُ الصوتِ بالتلبيةِ، والإحرامُ: هو الدخولُ فيما يُوجِبُ تحريمًا، حتى أنَّه يُقالُ أحرمَ إذا دخلَ فيما يحرّم عليه أشياءً من زمانٍ أو مكانٍ، فالإحرامُ: هو نيّةُ الدخولِ في النُّسُكِ، ومكانُ هذا الإحرامِ هو الميقاتُ.
والنيةُ كما هو معلومٌ أنَّها شرطٌ في جميعِ العباداتِ لحديثِ: "إنَّما الأعمالُ بالنيّاتِ وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى"، فنيّةُ الدخولِ في النُّسكِ شرطٌ، ولكن كما سيأتينا إن شاءَ اللهُ فإنَّهم يُعبّرونَ عنها بركنٍ، فيقولون: أوَّلُ ركنٍ للحجِّ أو العمرةِ هو الإحرامُ. والشرطُ يسبقُ المشروطَ وهذا هو الأصلُ، لكن هنا كانت النيّةُ جزءًا من الحجِّ أو العمرةِ، مثلُ تكبيرةِ الإحرامِ، نيةُ الدخولِ في الصلاةِ يدّلُّ عليها تكبيرةُ الإحرامِ، لذلك كانت تكبيرةُ الإحرامِ ركنًا، لأنَّه يجبُ أن تكونَ النيّةُ مقارنةً لتكبيرةِ الإحرامِ في الصلاةِ.

– القارئ: (الإحرامُ: نيةُ النسكِ، سُنَّ لمريدهِ: غُسْلٌ، أو تَيممٌ لعدمٍ)
– الشيخ: 
سنَّ لمريدِ النُّسكِ حجًا أو عمرةً، يُستحبُّ أو يُسنُّ أي سنّةُ النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لمن أرادَ الإحرامَ، ولا يقولُ لمن دخلَ بالنُّسكِ أو أحرمَ، فلا يقالُ سُنَّ لمن أحرمَ، بل سُنَّ لمن أرادَ، والإرادةُ والنيةُ تسبقُ، فلهذا أولُ المناسكِ نيّةُ الدخولِ، وإلَّا فنيَّةُ الحجِّ تبدأُ من حينِ عزمِ الإنسانِ على الحجِّ من بلدِهِ. فيُسنُّ لمريدِ الإحرامِ، لمن يريدُ الدخولَ في النُّسكِ تجرّدٌ وغسلٌ؛ لأنَّه جاءَ في الحديثِ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- "تجرّد لإحرامِه واغتسلَ وأمرَ أسماءَ بنتِ عُميسٍ وقد ولدت في ذي الحُليفةِ أن تغتسلَ"، وهذ الغسلُ مستحبٌّ، وليس بشرطٍ ولا واجبٍ، بل يصحُّ الإحرامُ بدونِهِ، بل حتى يصحُّ الإحرامُ من محدثٍ، فليسَ من شرطِ الإحرامِ لا غسلٌ ولا وضوءٌ.
"أو تيممٌ لعدمٍ": إذا لم يجدْ ماءًا، أو كان يتضرّرُ بالغسلِ، "لعدمٍ": أو لضررٍ، كما هو معروفٌ في مسألةِ التيمّمِ فإنَّه يُشرعُ لأحدِ السببينِ.

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "أو تيمَّمَ لعدمٍ": "أو" هذه عاطفةٌ، على "غسل" أي: أو أنْ يتيمَّمَ لعدمِ الماءِ، أو تعذرِ استعمالِهِ للمرضِ ونحوِه، فيتيمَّمُ بدلًا عن الغُسلِ، وهذا ما ذهبَ إليه المؤلّفُ ـ رحمهُ اللهُ ـ بناءً على أنَّ التيمُّمَ يَحِلُّ محلَّ طهارةِ الماءِ الواجبةِ والمستحبةِ. وذهبَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ ـ رحمهُ اللهُ ـ: إلى أنَّ الطهارةَ المستحبّةَ إذا تعذَّرَ فيها استعمالُ الماءِ، فإنَّه لا يتيمَّمُ لها؛ لأنَّ اللهَ ـ عزّ وجلَّ ـ ذكرَ التيمُّمَ في طهارةِ الحدثِ فقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]
فإذا كان الشرعُ إنَّما جاءَ بالتيمُّمِ في الحدثِ، فلا يُقاسُ عليه غيرُ الحدثِ؛ لأنَّ العباداتِ لا قياسَ فيها، ولم يردْ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه تيمَّمَ للإحرامِ، وعليه فنقولُ: إنْ وجدَ الماءَ وأمكنَه استعمالُهُ فَعَلَ، وإن لم يمكنْهُ فلا تيمُّمَ على هذا القولِ، وهذا أقربُ للصوابِ.
وقولًه: "أو تيمَّمَ لعدمٍ": هذا فيه قصورٌ، ولو قال: "أو تيمَّمَ لعذرٍ" لكان أشملَ، فيشملُ من عَدِمَ الماءَ، ومن خافَ ضررًا باستعمالِهِ.

– الشيخ: أقولُ واللهُ تعالى أعلمُ إنَّما اختيارُ شيخِ الإسلامِ واختيارُ الشيخِ محمَّدٍ تبعًا له هو الظَّاهرُ وهو الأقربُ، ولا سيّما أنَ غُسلَ الإحرامِ هو مثلُ غُسلِ الجمعةِ، يعني المقصودُ منه النظافةُ، ولهذا في غسلِ الميّتِ الصحيحُ أنَّه لا يُشرَعُ أن يُّممَ؛ لأنَّ مقصودَ هذا الغسلِ هو النظافةُ، والتيمُّمُ لا يحصلُ به هذا المقصودُ، بخلافِ الوضوءِ لرفعِ حدثٍ فهو لرفعِ معنىً يمنعُ من الصلاةِ، فالأقربُ أنَّه لا يُشرَعُ التيمُّمُ لعدمِ الماءِ أو الخوفِ من الضررِ باستعمالِهِ.

القارئُ: (وتنظفٌ، وتطيبٌ، وتجردٌ عَنْ مخيطٍ، في إزارٍ ورداءٍ أبيضينِ)
– الشيخ: 
هذا كلُّهُ عطفٌ على "غسلٌ أو تيمُّمٌ لعدمٍ". "وتنظفٌ": من الأوساخِ والروائحِ الكريهةِ، ومن الشعورِ التي تُسنُّ إزالتُها كالعانةِ والإبطِ وقصِّ الشاربِ. يقولُ: يُسنُّ له ذلك، وهذا مسنونٌ لا يختصُّ بالإحرامِ، لكن قالوا من أجلِ ألَّا يحتاجوا إلى ذلك بعدَ الإحرامِ، ولا سيَّما أنَّ الإحرامَ في الماضي تطولُ مدَّتُه، فيحتاجُ الإنسانُ إلى إزالةِ مثلِ هذه الشعورِ. الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أحرمَ لخمسٍ بقينَ من ذي القعدةِ، وتحلَّلَ في العاشرِ من ذي الحجّةِ، إذًا: خمسةُ عشرَ يومًا وهو محرمٌ، لكن الآن لا أرى أنَّه يُستحبُّ له، عندَ الإحرامِ يغتسلُ وكفى لأنَّه بعدَ ساعةٍ أو ساعتين متحلّلٌ، لكن هم قالوا من أجلِ ألَّا يحتاجَ إلى ذلك وهو مُحرمٌ.
و "تطيبٌ": أي يُسنُّ له أن يتطيّبَ، وكلُّ هذا قبلَ الإحرامِ، أي لمريدِ الإحرامِ، إذًا هو يغتسلُ ويتجرّدُ من المخيطِ ويلبسُ الإزارَ والرداءَ، فالناسُ والعامةُ يفهمونَ أنَّه محرِمٌ، فعند الناسِ الإحرامُ يكونُ بلبسِ الإزارِ والرداءِ، وليسَ كذلك، بل هذه الهيئةُ المناسبةُ لمريدِ الإحرامِ، يعني كلُّ ما يفعلُهُ من غُسلٍ وتطيّبٍ وتجرّدٍ من مخيطٍ كلُّ هذا استعدادًا للدخولِ في النُّسكِ، كلُّ هذا مقدّمات.

– مداخلة: بالنسبةِ للتطيبِ هل هو للبدنِ أم الثيابِ؟ يعني لو طيّبَ الثيابَ قبلَ الإحرامِ يصحُّ هذا؟
– الشيخ: 
التطيّبُ وردَ في البدنِ، وعندهم أنَّه يُكرهُ التطيّبُ في الثيابِ، ولا سيَّما أنَّها تنزعُ وتلبسُ، وعندهم أنَّه إذا كان الإحرامُ فيه طيبٌ فإنَّه يستبقيهِ ويستديمُهُ، لكن إذا أزالَه لا يردُّهُ لأنَّ ردَّهُ إليه نوعُ تطيُّبٍ.
– مداخلة: الشيخُ محمَّدٌ رحمهُ اللهُ قال: لا يجوزُ، قال في الشرحِ:
وقال بعضُ العلماءِ: لا يجوزُ لُبسُهُ إذا طيَّبَهُ؛ لأنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال:
"لا تلبسوا ثوبًا مسَّهُ الزعفرانُ ولا الورسُ"، فنهى أن نلبسَ الثوبَ المطيَّبَ، وهذا هو الصحيحُ.
– الشيخ: 
حقٌ، هذا دليلٌ، لكنَّه في نفسِ الوقتِ هو نهيٌ عن التطيّبِ، فهذا الحديثُ: "لا تلبسوا ثوبًا مسَّهُ الزعفرانُ ولا الورسُ"، ثمَّ استدلّوا به على تحريمِ الطيبِ على المُحرمِ، كما استدلّوا بحديثِ الرجلِ الذي وقصتْهُ راحلتُهُ قال: "لا تخمّروا رأسَهُ ولا تقرّبوهُ طيبًا"، فالمعروفُ عندَ أهلِ العلمِ هو هذا.
– مداخلة: في الروضِ قال: وكُرِهَ أن يتطيّبَ في ثوبِهِ، فاقتصرَ على الكراهةِ؟
– الشيخ: عندي فيه الآن توقّفٌ، لأنَّ الحديثَ فيه: "ولا الزعفرانُ ولا الورسُ"، والنهيُ عن الزعفرانِ والورسِ له خصوصيَّةٌ، كما في قصةِ الرجلِ الذي جاءَ أحرمَ وعليه جُبّةٌ وقد تطيّبَ بخلوقٍ، فالنهيُ عن الزعفرانِ ليسَ بظاهرٍ وإن استُدلَّ به على تحريمِ الطيبِ، فلم يقلْ: ولا تمسُّوهُ طيبًا، بل خصَّ ذلك بالزعفرانِ والورسِ، فهذه تحتاجُ إلى مزيدِ بحثٍ.
– مداخلة: مثلًا تطيّبَ في بدنِهِ وساحَ الطّيبُ؟
– الشيخ: هم يقولون: إن ساحَ بفعلِهِ فلا يجوزُ، وإن ساحَ بسببِ الحرِّ والشمسِ فإنَّ هذا لا يضرُّ، لأنَّه ليسَ بفعلِهِ.
– مداخلة: ابنُ عبدِ البرِّ يقولُ: إنَّ حديثَ الجُبّةِ عامَ حُنينٍ سنةَ ثمانيةٍ، وحديثَ عائشةَ في حَجّةِ الوداعِ سنةَ عشرٍ؛ فهو ناسخٌ.
– الشيخ: ابنُ عبدِ البرِّ والمالكيةُ يُحرمونَ استدامةَ الطّيبِ، هم أشدُّ من غيرِهم، يُحرمونَ الاستدامةَ مطلقًا حتى في البدنِ، وقولُهم هذا مرجوحٌ، السيدةُ عائشةُ تقول: "كأنّي أنظرُ إلى وبيصِ المسكِ في مفارقِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-".
و"تجردٌ عن مخيطٍ": المخيطُ في اصطلاحِهِم كل ما يُلبَسُ على قدرِ البدنِ، أو على قدرِ العضوِ، فيدخلُ في ذلك القميصُ والفانيلةُ والقفّازُ والشُّرّابُ والسراويلُ، وليسَ المرادُ كما يظنُّ العوامُّ ما فيه خياطةٌ، فيمكنُ أن يكونَ الإزارُ من قطعتينِ مخيطٌ أحدُهما بالأخرى، والرداءُ كذلك.
"في إزارٍ ورداءٍ أبيضينِ": كلُّ هذا معطوفٌ على سُنَّ، يعني وسُنَّ الإحرامُ في إزارٍ ورداءٍ أبيضين. وبعضُ هذه الأحكامِ مشتركةٌ، الغسلُ مشتركٌ بين الرجلِ والمرأةِ، والتنظُّفِ والتطيّبِ كذلك لكن مع الفارقِ في نوعِ الطّيبِ، وأمَّا التجرّدُ والإحرامُ بإزارٍ ورداءٍ فهذا خاصٌّ بالرّجالِ.
– مداخلة: الشيخُ محمَّدٌ رحمهُ اللهُ قال في الشرحِ الممتعِ:
وقولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "ليحرمَ أحدُكُم في إزارٍ ورداءٍ"، يشملُ الإزارُ المخيطَ الذي خيطَ بعضُه ببعضٍ، والإزارُ المطلقُ الذي يُلَفُّ على البدنِ لفًا، كلاهُما جائزٌ، وعلى هذا فلو خاطَ المحرمُ الإزارَ فهو جائزٌ، ولو التفَّ به التفافًا فهو جائزٌ، ولو وضعَ فيه جيبًا للنفقةِ وغيرِها فهو جائزٌ.

– الشيخ: هذه مقولةٌ معروفةٌ وفيها إشكالٌ، ولا اشتهرَ هذا الأمرٌ إلَّا عنه رحمهُ اللهُ، وهو مجتهدٌ رحمهُ اللهُ.
– مداخلة: لكنَّ الشيخَ لا يقصدُ بكلامِهِ الإحرام الذي مثل "التنُّورةِ"، مثل… لكن ليسَ فيها أكمامٌ؟
– الشيخ: الظاهرُ أنَّه يريدُ هذا وهذا، هم الذي ناقشوهُ أو ردّوا عليه أرادوا التنُّورةَ، أمَّا مسألةُ الجيبِ من أجلِ النّفقةِ فهي سهلةٌ ولا تغيّرُ من حقيقتِهِ شيئًا.
و"أبيضين": هذا كلُّهُ مسنونٌ، والأبيضُ جاءَ فيه الحديثِ: "البسوا من ثيابِكِم البياضَ فإنَّها من خيرِ ثيابِكم"، ويجوزُ الإحرامُ بغيرِ الأبيضِ يعني من الألوانِ الجائزةِ للرجالِ.

– القارئ: (وإحرامٌ عَقِبَ ركعتينِ)
– الشيخ: يعني وسُنَّ الإحرامُ عقبَ ركعتين، أو بعدَ صلاةِ المكتوبةِ، وهذه أيضًا محلُّ خلافٍ واجتهادٍ، فإنَّ الذي وقعَ من النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه أحرمَ لمّا صلّى المكتوبةَ، صلّى صلاةَ الظهرِ، أهلَّ بحجٍّ وعمرةٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فمن العلماءِ من استنبطَ من ذلك استحبابَ الإحرامِ بعدَ صلاةٍ فريضةً كانت أم نافلةً كما قال المؤلِّفُ. ومن أهلِ العلمِ من قال لا، إن صادفتْ فريضةً أحرمَ بعدَها وإلَّا فليسَ للإحرامِ سنّةٌ، لكن لو كان من عادتِهِ أن يصليَ ركعتينِ بعدَ الوضوءِ يُصلّي ويجتمعُ له الأمرانِ، والأمرُ فيها واسعٌ ولا يُشدّدُ فيها، فمن صلّى أو تركَ فلا حرجَ عليه.
– مداخلة: النيةُ تكونُ للوضوءِ، أحسنَ اللهُ إليكم؟
– الشيخ: 
بحسبِ حالِهِ، من لا يرى سُنّيةَ الصلاةِ ركعتينِ ينوي نيّةً واحدةً، ومن جمعَ بينها مراعاةً للأمرينِ فلهُ ذلك.

– القارئ: (ونيتُه: شرطٌ)
– الشيخ: يقولُ: ونيّةُ النُّسُكِ شرطٌ، كما أنَّ النيةَ شرطٌ في كلِّ العباداتِ كالصلاةِ والزكاةِ. فنيّةُ النُّسُكِ شرطٌ، لكن هل هي شيءٌ غيرُ الإحرامِ؟ نيَّةُ الدخولِ في النُّسُكِ هي هي، وهم يعبرونَ عنها أي عن الإحرامِ بأنَّه ركنٌ، وأركانُ الحجِّ المنصوصةِ عنهم هي: الإحرامُ والوقوفُ بعرفةَ والطوافُ والسعيُ، أربعةُ أركانٍ.

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "ونيّتُهُ شرطٌ": أي نيَّةُ النُّسُكِ، أي: نيَّةُ الدخولِ في النُّسُكِ شرطٌ، فلا بدَّ أن ينويَ الدخولَ في النُّسُكِ، فلو لبَّى بدونِ نيَّةِ الدخولِ، فإنَّه لا يكونُ مُحرمًا بمجردِ التلبيةِ، ولو لبسَ ثيابَ الإحرامِ بدونِ نيَّةِ الدخولِ، فإنَّه لا يكونُ مُحرِمًا بلبسِ ثيابِ الإحرامِ، فإنَّ التلبيةَ تكونُ للحاجِّ وغيرِه، ولبسُ الإزارِ والرّداءِ يكونُ للمحرمِ وغيرِه. ودليلُ اشتراطِ النيّةِ قولُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "إنّما الأعمالُ بالنيّاتِ وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى"، والتلبيةُ قد تكونُ في غيرِ الحجِّ، فإنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان إذا رأى ما يُعجبُهُ من الدنيا قال: "لبَّيكَ إنَّ العيشَ عيشُ الآخرةِ".
– الشيخ: لكن هذه حالةٌ مخصوصةٌ، يعني لا نقولُ من الذِّكرِ المستحبِّ التلبيةُ، يعني واحدٌ جالسٌ في المسجدِ ويقولُ: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك، فهذا لا يدلُّ على مشروعيةِ التلبيةِ مطلقًا.
– مداخلة: قال: ولا تُكرهُ التلبيةُ لحلالٍ، قال ابنُ عثيمينَ تعليقًا على هذا القولِ: ووجّه في الفروعِ احتمالًا بالكراهةِ، قال ابنُ عثيمين: والصوابُ أنَّ التلبيةَ على هذه الصفةِ المعيّنةِ مكروهةٌ للحلالِ، وأمَّا قولُه لبَّيكَ وسعديكَ فليسَ بمكروهٍ، وكان -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذا رأى ما يُعجبُهُ من الدنيا قال: "لبيّكَ إنَّ العيشَ عيشُ الآخرةِ".
– الشيخ: بالكراهةِ وهو أظهرُ، نعم لا يُكرهُ قولُه "لبَّيكَ وسعديكَ" في موضعِهِ، ولا بأسَ بأن يقولَ: "لبَّيكَ إنَّ العيشَ عيشُ الآخرةِ"، لكن هي ليست بذكرٍ، لكنَّ التلبيةَ هي شعارُ الحجِّ. وتفصيلُ الشيخِ حسنٌ، وهي أنَّها لا تشرعُ بهذه الصفةِ "لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيكَ، لبَّيكَ لا شريكَ لك لبَّيكَ"، لكن لو قالها الإنسانُ في المواضعِ التي وردتْ بها السنّةُ فلا بأسَ.

– القارئ: فإذا رأيتم ما يعجبكم من الدنيا من قصورٍ، أو سياراتٍ، أو بنينَ، أو زوجاتٍ، أو غيرِها فقولوا: "لبَّيكَ إنَّ العيشَ عيشُ الآخرةِ"، انظر: كيفّ صدَّ الإنسانُ نفسَهُ بقولِ: لبَّيكَ، إجابةً للهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ حتى لا تذهبَ نفسُهُ مع الدنيا، ثمَّ قال: "إنّ العيشَ عيشُ الآخرةِ": يعني أنَّ هذا العيشَ الذي أمامي ليس بشيءٍ.
– الشيخ: الشيخُ محمَّدٌ لم يتعرّضْ لمسألةِ شرطٍ وركنٍ، ويمكنُ أنَّه سيتكلّمُ عنه في مسألةِ أركانِ الحجِّ كونهم عبّروا عن الإحرامِ بأنَّه ركنٌ، فنيَّةُ الدخولِ في النُّسُكِ هي ركنٌ وشرطٌ، مثلُ تكبيرةِ الإحرامِ سمّها ركنًا أو سمّها شرطًا، لكن هم في الغالبِ يُسمّونَ الأجزاءَ الداخلةَ في العبادةِ أركانًا، يعني الأجزاءُ التي تتوقّفُ عليها صحّةُ العبادةِ إذا كانت داخلَ العبادةِ فهي ركنٌ، وإذا  كانت خارجَ العبادةِ فهي شرطٌ، فالطهارةُ شرطٌ، وتكبيرةُ الإحرامِ يُسمونَها ركنًا وهي شرطٌ، لو شرعَ يصلّي بدونِ تكبيرة الإحرامِ لم تصحَّ صلاتُه، وكلُّ ركنٍ في الصلاةِ هو شرطٌ لصحَّتِها.

– القارئ: (ويُستحبُّ قولُه: "اللهمَّ إني أُريدُ نُسُكَ كذا فيسرهُ لي وإنْ حَبسني حابسٌ فمحلي حيثُ حبستني")
– الشيخ: ويستحبُّ أيضًا لمريدِهِ عند نيَّةِ الدخولِ في النُّسُكِ أن يقولَ: "اللهمَّ إني أريدُ نسكَ كذا، يعني الحجَّ مثلًا، أو أريدُ العمرةَ، فيسّرهُ لي وتقبّلهُ". ولعلَّ عبارتَهم دقيقةٌ فلم يقلْ: يُسنُّ كأنَّه احترازٌ، لأنَّه لم يردْ عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه قال: أريدُ الحجَّ، والذي وردَ أنَّه قال: "لبَّيكَ حجًا"، أو "أوجبتُ حجًا"، فنسألُ ما حكمُ التلفّظِ بالنيّةِ في الحجِّ والعمرةِ؟ نقولُ: إن أُريدَ إعلانُ النُّسُكِ الذي يريدُ الدخولَ فيه ضمنَ التلبيةِ فهذا سنّةٌ، يقولُ: لبّيكَ عمرةً أو حجًا، أو أوجبت حجًّا، أمَّا بهذهِ الصيغةِ فليس بسنّةٍ لأنَّه لا دليلَ عليه، لكنَّ الدعاءَ العامَّ: اللهمَّ يسِّر أمري في هذا الحجِّ، لكن كونَه يُستحبُّ عند الدخولِ في النُّسُكِ، اللهمَّ إنّي أريدُ نسكَ كذا؛ هذا شبيهٌ من حيثُ التلفّظِ بالنيّةِ، والذي وردت به السنّةُ التلفّظُ بما نوى لا بالنيّةِ، بما نوى من الأنساكِ، لبَّيكَ عمرةً، هل هذا تلفّظٌ بالنيّةِ؟ لا، هذا تلفّظٌ بالمنوي وهو الحجُّ أو العمرةُ.
 
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "ويُستحبُّ قولُ: اللهمَّ إنّي أريدُ نسكَ كذا فيسّرهُ لي": الاستحبابُ يحتاجُ إلى دليلٍ، ولا دليلَ على ذلك، ولم يكن الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذا أرادَ أن يُحرمَ بالحجِّ أو العمرةِ يقولُ: اللهمَّ إنّي أريدُ العمرةَ، أو اللهمَّ إنّي أريدُ الحجَّ، ومعلومٌ أنَّ العباداتِ مبناها على الاتباعِ وعلى الواردِ، فإذا كان الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- اعتمرَ أربعَ مراتٍ، وحجَّ مرَّةً، ولم يكن يقولُ هذا، ولا أرشدَ إليه فإنَّه ينبغي ألَّا يكونُ مستحبًا، ولهذا كان الصحيحُ في هذه المسألةِ أنَّ النُّطقَ بهذا القولِ كالنُّطقِ بقولِهِ: اللهمَّ إني أريدُ أن أصليَ فيسرْ لي الصلاةَ.

– الشيخ: يعني من قبيلِ التلفّظِ بالنيّةِ بالضبطِ التي نقولُ عنها بأنَّها بدعةً، لكن اشتبهت مع ما وردَ في التّلبيةِ من التصريحِ بالنُّسُكِ، فصارَ بعضُهم يقولُ: لا يجوزُ التلفّظُ بالنيّةِ إلَّا بالحجِّ. وهناك مواضعٌ يصرّحُ بشيءٍ ممّا نوى مثلَ في الذبحِ، هل يُشرعُ التلفُّظُ بالنيَّةِ عند ذبحِ الأضحيةِ بأن يقولَ: اللهمَّ إنّي أريدُ أن أضحّي؟ لا يجوزُ بل هي بدعةٌ، لكن يجوزُ التلفّظُ بما نوى لا بأصلِ النيّةِ، "اللهمَّ هذا منك ولك"، وهذا يشبِهُ ما وردَ في نيَّةِ الدخولِ في الحجِّ أو العمرةِ، يعني تلفَّظَ بقدرٍ ممّا نوى لا بأصلِ العبادةِ.

– القارئ: أو أن أتوضّأَ فيسرْ لي الوضوءَ، وهذا بدعةٌ، فكذلك في النُّسُكِ لا تقل هذا، قل ما أرشدَ إليه النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حين استفتَتْه ضباعةُ بنتُ الزبيِر ـ رضي اللهُ عنها ـ أنَّها تريدُ الحجَّ، وهي شاكيةٌ قال: "حُجّي واشترطِي، وقولي: اللهمَّ محلي حيثُ حبستني" ولم يقل: قولي: اللهمَّ إنّي أريدُ نسكَ كذا وكذا.
– الشيخ:
"وإنْ حَبسني حابسٌ فمحلي حيثُ حبستني": هذا يتعلّقُ بمسألةِ الشرطِ، ما هو حكمُ الاشتراطِ في النُّسُكِ، يعني الذي مشى عليه المؤلّفُ أنَّه يُستحبُّ أن يشترطَ عامًا لكلِّ أحدٍ، كلُّ من أردَ الحجَّ أو العمرةَ أن يشترطَ عند الإحرامِ. ومن أهلِ العلمِ من يقولُ أنَّه لا يُستحبُّ إلَّا لمن خافَ، يخافُ أن يُصدَّ أو أن يحصلَ له مانعٌ يمنعُهُ من إتمامِ نُسُكِهِ، وهذا هو الذي وردتْ به السنّةُ كما في حديثِ ضباعة قال: "حجّي واشترطي"، لما قالت: إنّي شاكيةٌ، يعني معناه أنَّها تخافُ ألّا تكمِلَ النُّسُكَ، ولم يأمرِ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الناسَ جميعًا أن يشترطوا، ولم يشترطِ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ في حجِّه وعمرِه، حتّى في عمرتِه التي كان يخافُ فيها أن يُصَدَّ وقد وقعَ وصُدَّ عن البيتِ في عمرةِ الحديبيةِ، فلم يرشدِ الناسَ إلى الاشتراطِ، لكن مع هذا نرجو أن يكونَ جائزًا مطلقًا، وأكثرُ الناسِ يخافونَ من العوائقِ التي قد تمنعُهم.

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "وإن حبسني حابسٌ فمحلّي حيثُ حبستني": أي إن منعني مانعٌ من إتمامِ نُسكي فإنّي أحلّ من إحرامي، حيثُ وُجدَ المانعُ، وظاهرُ كلامِ المؤلفِ أنَّ هذا القولَ عامٌّ يشملُ من كان خائفًا، ومن لم يكن خائفًا، أي: يشملُ من كان يخشى من عائقٍ يعوقُهُ عن إتمامِ نُسكِهِ من مرضٍ، أو ضياعِ نفقةٍ، أو انكسارِ مركوبٍ، أو خوفٍ على نفسِهِ، أو ما أشبهَ ذلك، ومن لم يخفْ ذلك، هذا كلامُ المؤلّفِ؛ لأنَّه لم يفصّلْ، فلم يقل: يقول إن حبسني حابسٌ إن خافَ أن يحبسَهُ حابسٌ.
وهذه المسألةُ فيها خلافٌ بين العلماءِ:

القولُ الأولُ: أنَّه سنّةٌ مطلقًا، أي: يُستحبُّ أن يقولَ: إن حبسني حابسٌ فمحلّي حيثُ حبستني على كلِّ حالٍ. القولُ الثاني: ليس بسنّةٍ مطلقًا. القولُ الثالثُ: أنَّه سنَّةٌ لمن كان يخافُ المانعَ من إتمامِ النُّسُكِ، غيرُ سنّةٍ لمن لم يخفْ، وهذا القولُ هو الصحيحُ، وهو الذي تجتمعُ به الأدلّةُ، فإنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أحرمَ بعُمَرِهِ كلِّها، حتى في الحديبيةِ أحرمَ، ولم يقل: إنْ حبسني حابسٌ، وحُبسَ، وكذلك في عمرةِ القضاءِ، وعمرةِ الجعرانةِ، وحجَّةِ الوداعِ، ولم يُنقَلْ عنه أنَّه قال: وإن حبسني حابسٌ، ولا أمرَ به أصحابَه أمرًا مطلقًا، بل أمرَ به من جاءت تستفتي؛ لأنّها مريضةٌ تخشى أن يشتدَّ بها المرضُ فلا تكملُ النُّسُكَ، فمن خافَ من مانعٍ يمنعُهُ من إتمامِ النُّسُكِ، قلنا له: اشترطْ استرشادًا بأمرِ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ومن لم يخفْ قلنا له: السنّةُ ألَّا تشترطَ، وهذا القولُ اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ ـ رحمهُ اللهُ ـ.

– الشيخ: لكن تبقى معنا في الحالةِ التي نقولُ لا يُسنُّ، هذه هي المسألةُ، هل ينفعُهُ الاشتراطُ؟ أرجو أنَّه ينفعُهُ.

– القارئ: فإن قال قائلٌ: الحوادثُ الآن كثيرةٌ، فكثيرًا ما يحدثُ اصطدامٌ وكثيرًا ما يحصلُ زحامٌ يموتُ به الإنسانُ، أفلا يكونُ هذا ممّا يقتضي مشروعيةَ هذا الشرطِ؟ قلنا: لا؛ لأنَّك لو أحصيتَ الحجيجَ، وأحصيتَ الحوادثَ التي تحدثُ لوجدتَّ النسبةَ قليلةً جدًا، وليست بشيءٍ بالنسبةِ لكثرةِ السياراتِ والناسِ، وفي عهدِ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حصلت حوادثُ، ففي عرفةَ وقصتْ ناقةٌ صاحبَها فسقطَ منها فماتَ، وهذا حادثُ ناقةٍ، يُشبهُ حادثَ السيارةِ، فالحوادثُ موجودةٌ في عهدِ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ومع هذا، لم يأمرْ أصحابَه أن يشترطوا أمرًا عامًا، فإن قالَ قائلٌ: ما فائدةُ هذا الاشتراطِ؟ قلنا: قال بعضُ العلماءِ: إنَّه لا فائدةَ منه، وإنّما هو لفظٌ يُتعبَّدُ به فقط، وهذا القولُ لا شكَّ أنَّه ضعيفٌ جدًا، والصوابُ أنَّ له فائدةً، وفائدتُهُ أنَّه إذا وجدَ المانعَ حلَّ من إحرامِه مجانًا، ومعنى قولنا "مجانًا": أي بلا هدي؛ لأنَّ من أُحصرَ عن إتمامِ النُّسُكِ فإنَّه يلزمُهُ هديٌ؛ لقولِهِ تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ آلهدْيِ [البقرة:196]
فإذا كان قد اشترطَ ووجدَ ما يمنعُهُ من إتمامِ النُّسُكِ، قلنا له: حُلَّ بلا شيءٍ مجانًا، ولو لم يشترطْ لم يحلَّ إلَّا إذا أحصرَ بعدوّ على رأي كثيرٍ من العلماءِ، فإن حُصرَ بمرضٍ، أو حادثٍ، أو ذهابِ نفقةٍ، أو ما أشبهَ ذلك فإنّه يبقى مُحرمًا ولا يحلُّ، لكن إن فاتَه الوقوفُ فله أن يتحلَّلَ بعمرةٍ، ثمَّ يحجُّ من العامِ القادمِ.
– الشيخ: 
يعني اشترطَ في العمرةِ وأحصرَ وقد اشترطَ فإنَّه يتحلّلُ مجانًا، يعني حتى الإحصارُ فيه اختلافٌ؛ منهم من يقولُ إنَّ الإحصارَ لا يكونُ إلَّا بالعدوّ، ومنهم من يُطلقُ ولعلَّ هذا أظهرُ.
مداخلة:
– الشيخ: 
يعني أنَّهم يذهبونَ إلى أنَّ الإحصارَ لا يختصُّ بالعدوّ، هذا هو مضمونُ كلامِهم.

– القارئ: وهنا عبارتان: العبارةُ الأولى: أن يقولَ: إن حبسني حابسٌ فمحلّي حيثُ حبستني، "محلي": أي مكانَ إحلالي من النُّسُكِ، أو وقتَ إحلالي منه. العبارةُ الثانيةُ: أن يقولَ: إن حبسني حابسٌ فلي أن أحلَّ.
والفرقُ بينهما: إذا قال: فمحلّي حيثُ حبستني، حلَّ بمجردِ وجودِ المانعِ؛ لأنَّه علَّقَ الحِلَّ على شرطٍ فوُجدَ الشرطُ، فإذا وُجدَ الشرطُ وُجدَ المشروطُ، وأمّا إذا قال: إن حبسني حابسٌ فلي أن أحلَّ، فإنّه إذا وجدَ المانعُ فهو بالخيارِ إن شاءَ أحلَّ، وإن شاءَ استمرَّ.

– الشيخ: هذا بالنسبةِ لمن يعرفُ دلالاتِ الكلامِ، أمَّا من لا يدري فالعبارتانِ حُكمهما واحدٌ، من يعرفُ معنى فمحِل، ويعرفُ معنى فلي أن أحِلَّ معناه أنَّ الأمرَ يرجعُ إلى رغبتي، فمن يعرفُ دلالاتِ الكلامِ واختارَ أحدَ اللفظين فلهُ ما نوى، وأمَّا من لا يعرفُ معنى هذا الكلامَ فأيُّ عبارةٍ يأتي بها الداخلُ في النُّسُكِ فنيّتُهُ أن يتحلّلَ، لأنَّ النصَّ الذي وردَ: "فمحلّي حيثُ حبستني" ليس المقصودُ منه التعبّدَ باللفظِ واللهُ أعلمُ.

– القارئ: فإن قيل: وهل من الخوفِ أن تخافَ الحاملُ من النّفاسِ، أو الطاهرُ من الحيضِ؟ فالجوابُ: نعم ولا شكَّ؛ لأنَّ المرأةَ إذا نفست لا تستطيعُ أن تؤدّي النُّسُكَ، ثمَّ إنَّ مدَّةَ النفاسِ تطولُ غالبًا، والحائضُ كذلك، إذا كان أهلُها أو رفقتُها لا يبقونَ معها حتى تطهرَ، فإنّها إذا كانت تتوقعُ حصولَ الحيضِ تشترطُ.
مسألةٌ: امرأةٌ لم يطرأ الحيضُ على بالها، لكن معها كسلٌ أو مرضٌ، وتخشى ألَّا تُتمَّ النُّسُكَ من أجلِ هذا المرضِ، فقالت: إن حبسني حابسٌ فمحلّي حيثُ حبستني، تريدُ المرضَ، لكنَّ المرضَ خفَّ عنها أو زالَ، وحدثَ الحيضُ، فهل نقولُ: إنَّ مقتضى حالها يُخصّصُ النيّةَ؟ أو نقول: إنَّ العمومَ يشملُ الحيضَ؟
الجوابُ: يحتملُ الأمرين، لكن من قال: يؤخذُ بالعمومِ "حبسني حابسٌ" قال بأنّها نكرةٌ في سياقِ الشرطِ فتعمّ، وهذا من الحوابسِ، فقد يكونُ في قلبِها في تلكَ الساعةِ المرضُ، ويحصلُ حابسٌ آخرُ كالحيضِ، والخوفِ، وفقدانِ النّفقةِ، وموتِ المحرمِ، وما أشبهَ ذلك، والأخذُ بالعمومِ أرجو ألّا يكونَ به بأسٌ، وإلّا فإنَّ الحالَ قد تخصّصُ العمومَ. فإن قال قائلٌ: إذا اشترطَ شخصٌ بدونِ احتمالِ المانعِ ـ على القولِ بأنَّه لا يُسنُّ الاشتراطُ إلّا إذا كان يخشى المانعَ ـ، فهل ينفعُهُ هذا الاشتراطُ؟ فالجوابُ: على قولين: القولُ الأولُ: ينفعُهُ؛ لأنَّ هذا وإن وردَ على سببٍ، فالعبرةُ بعمومِهِ. القولُ الثاني: لا ينفُعُه؛ لأنَّه اشتراطٌ غيرُ مشروعٍ، وغيرُ المشروعِ غيرُ متبوعٍ فلا ينفعُ. وهذا عندي أقربُ؛ لأنّنا إذا قلنا: بأنّه لا يُستحبُّ الاشتراطُ فإنَّه لا يكونُ مشروعًا، وغيُر المشروعِ غيرُ متبوعٍ، ولا يترتبُ عليه شيءٌ، وإذا قلنا: إنَّه يترتبُ عليه حكمٌ وهو غيرُ مشروعٍ، صارَ في هذا نوعٌ من المضادةِ للأحكامِ الشرعيةِ.
مسألةٌ: لو أنَّ رجلًا دخلَ في الإحرامِ، وقال: لبّيكَ اللهمَّ عمرةً، ولي أن أحلَّ متى شئتَ، فهل يصحُّ هذا الشرطُ؟ الجوابُ: لا يصحُّ؛ لأنَّه ينافي مُقتضى الإحرام، ومُقتضى الإحرامِ وجوبُ المضيِّ، وأنَّك غيرُ مخيّرٍ، فلستَ أنت الذي تُرتّبُ أحكامَ الشرعِ، المرتّبُ لأحكامِ الشرعِ هو اللهُ ـ عزّ وجلَّ ـ ورسولُهُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.

– مداخلة: يقولُ هنا: الإحرامُ نيّةُ النُّسُكِ؟
– الشيخ: الإحرامُ نيّةُ الدخولِ، أمَّا قولُهُ هنا فيه تجوّزٌ، وانظر في الروضِ المربعِ ماذا قال، قال: ترجمَها وشرحَها بقولِه: نيَّةُ الدخولِ.
– مداخلة: إذا اشترطَ وأحصرَ وكان معه هديٌ هل يلزمُهُ أن يذبحَ؟
– الشيخ: يذبحُ الهديَ، الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- والصحابةُ نحروا الهديَ في الحديبيةِ.
– مداخلة: الشرطُ ألّا يكونُ قبلَ العبادةِ، وهم يفرّقونَ الآن الحنفيةُ يعتبرونَ تكبيرةَ الإحرامِ شرطًا؟
– الشيخ: هذا هو المشهورُ، والمسألةُ اختلافٌ لفظيٌّ ولا تقفْ عندها، ونحن كذلك نقولُ: أنَّ تكبيرةَ الإحرامِ شرطٌ، وأنا قلت لكم أنَّها ركنٌ وشرطٌ، والركوعُ مثلًا هل هو شرطٌ أم ركنٌ، هو ركنٌ، لكن أنا أقولُ أنَّه شرطٌ أيضًا؛ لأنَّ صحةَ العبادةِ تتوقّفُ عليها، يلزمُ من عدمِه العدمُ، فيلزمُ من عدمِ الركوعِ أو تكبيرةِ الإحرامِ عدمُ صحَّةِ العبادةِ، فالمسألةُ لفظيَّةٌ.
 




 
الأسئلة:
س1: من تلبّسه المسُّ وهو مُحرمٌ، وقد وصلَ للحرمِ، هل له أن يفسخَ الإحرامَ بالحجِّ والعمرةِ وقد اشترطَ؟
ج: إي، إذا تلبَّسهُ مسٌّ ولم يستطع معه إتمامَ النُّسُكِ.
………………………………….
س2: هل الحذاءُ يُعدُّ من اللباسِ الذي يجبُ التجرّدُ عنه؟
ج: الحذاءُ الذي يسترُ الكعبينِ هذا منهيٌّ عنه كما سيأتي لقولِه: "ولا الخفافَ"، فالكنادرُ التي تغطّي الكعبين هذا ممّا يُنهى عنه المحرمُ الرجلُ، أمَّا الجواربُ فلا لأنَّ حكمَها حكمَ الخُفين.
………………………………….
س3: ما الدليلُ على استحبابِ الاشتراطِ للإحرامِ بقولِهِ: وإن حبسني حابسٌ؟
ج: حديثُ ضباعةَ لما ذكرت للنبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنّها تريدُ الحجَّ وهي شاكيةٌ، فقال: "حجّي واشترطي".
………………………………….
س4: ما الفرقُ بينَ قولِنا يُستحبُّ الأمرُ الفلانيُّ أو قولِنا يُسنُّ؟
ج: بعضُ أهلِ العلمِ يفرّقونَ؛ فالمستحبُّ ما وجدوا فيه مصلحةً كما مرَّ معنا، فقد تورّعوا عن قولِهم: يُسنُّ أن يقولَ، فقد احترزوا، فالمؤلفُ نهجَ على وجودِ الفرقِ بين المستحبِّ والمسنونِ، فعلى مذهبِهِ كلُّ مسنونٍ مستحبٌّ، وليسَ كلُّ مستحبٍّ يُسنُّ.
………………………………….
س5: وردَ في الروض: سُنَّ له أيضًا أن (يحرمَ في إزارٍ ورداءٍ أبيضين) نظيفين، ونعلين. وقال ايضًا: ولا يجوزُ له لبسُ السرموزةِ، والجمجمِ، قالَهُ في الفروعِ؟
ج: واللهِ هذه المصطلحاتِ لا أعرفُها، انظروا في حاشيةِ ابنِ قاسمٍ.
………………………………….
س6: يقولُ بعضُ طلبةِ العلمِ أنَّ التلبيةَ الإهلالُ بالعمرةِ ليسَ تلفظٌ بالنيّةِ كتكبيرةِ الإحرامِ في الصلاةِ نجهرُ بها، وهي ليست تلفظٌ بالنيةِ ولكن إعلانٌ بالدخولِ في العبادةِ؟
ج: ليسَ من قبيلِ التلفّظِ بالنيّةِ، التلبيةُ وهي قولُ المحرمِ: لبّيكَ اللهمَّ لبّيك، لبّيكَ عمرةً، أو لبّيكَ حجًّا ليسَ هو من التلفّظِ بالنيّةِ.
………………………………….
س7: هل يجوزُ بعد الإحرامِ أقولَ اللهمَّ إنّي أريدُ نُسُكَ كذا؟
ج: لا، يصبحُ لغوًا من اللغوِ، بعدَ أن يُحرمَ ويدخلَ في النُّسُكِ لا معنى لقولِه، كالذي شرعَ بالصيامِ فيقولُ: اللهمّ إنّي أريدُ صيامَ هذا اليومِ وهو قد صامَ، هذا عبث.
………………………………….
س8: من نوى العمرةَ أو الحجَّ، وتعدَّ الميقاتَ ولم يلبسْ هل حجُّهُ صحيحٌ؟
ج: الحجُّ صحيحٌ، لكن يقولُ الفقهاءُ: عليه دمٌ.
………………………………….
س9: ذكرَ المؤلّفُ: "وتجرّدٌ عن مخيطٍ"، كيفَ يذكرُ "وتجرّدٌ عن مخيطٍ" وهو واجبٌ وليسَ سنّةً؟
ج: هذا قبلَ الإحرامِ باركَ اللهُ فيك، قبلَ الإحرامِ يُسنُّ التجرّدُ، أمَّا بعد الإحرامِ فيجبُ التجرّدُ. يعني لو أنَّ إنسانًا في الميقاتِ نوى الدخولَ في النُّسُكِ وعليه ثيابُهُ العاديّةُ وجبَ عليه فورًا أن يخلعَ هذه الملابسَ ويستبدلها بما يباحُ من إزارٍ ورداءٍ، قالوا: ولا يلزمُهُ أن يشقَّ القميصَ حتى لا يغطّي رأسَهُ.
………………………………….
س10: ما حكمُ لبسُ الساعةِ، وهي مفصّلةٌ على ساعةِ اليدِ حالَ الإحرامِ، ولبسُ الجزمةِ للرجلِ؟
ج: الذي يظهرُ أنّها من نوعِ الخاتمِ، ولبسُ الجزمةِ هي الكندرةُ، والكندرةُ منها ما يُغطّي الكعبين وهذا ممنوعٌ ويُنهى عنه، وإن كانت أسفلَ الكعبينِ ففيه خلافٌ سيأتي الكلامُ عليه إن شاءَ اللهُ.
………………………………….
س11: التلفّظُ بالنيّةِ بدعةٌ، فما الفرقُ بين التلفّظِ بالنُّسُكِ وغيرِها من العباداتِ؟
ج: سبحانَ اللهِ، الفرقُ هو ما جاءت به السنّةُ، الذي شرعَ الشرائعَ هو الذي فرّقَ، مع أنَّنا لا نقولُ بأنَّ التلفّظَ بالنيَّةِ في الحجِّ سنّةٌ، فلا يقولُ: إني نويتُ أن أحجَّ؛ فهذه بدعةٌ، لكن إذا قال: لبَّيكَ عمرةً فهذا قد وردتْ به السنّةُ، فليس هذا من قبيلِ التلفّظِ بالنيّةِ، هذا من قبيلِ إعلانِ النُّسُكِ الذي شرعَ فيه.
………………………………….
س12: أشكلَ عليَّ المقصودُ بالدلالةِ الظاهرةِ في تفسيرِ القرآنِ، هل هي طرقُ التفسيرِ أم غيرُها؟
ج: الدلالةُ الظاهرةُ هي المعنى الذي يتبادرُ إلى صحيحِ الفهمِ الذي يعرفُ دلالةَ اللسانِ العربي، فهذا هو ظاهرُ الكلامِ.
…………………………………..
س13: ما تقولون في كتبِ أدعيةٍ انتشرت بين الناسِ أكثرُ ما فيها من مؤلّفِ الكتابِ، ويقولُ فيها: دعاءٌ للأبناءِ، دعاءٌ لحفظِ كذا؟
ج: لا ينبغي تداولُ هذا الكتابِ ولا نشرُهُ ولا طبعُهُ؛ لأنَّ هذا من جنسِ المؤلفاتِ في الأدعيةِ، وهذا يُوهِمُ الناسَ أنَّ هذه أدعيةٌ مشروعةٌ، وليست مشروعةَ.
………………………………….
س14: ما الحكمُ إذا أطلقَ رجلٌ بآلةِ صيدٍ حديثةٍ على أرنبٍ مثلًا، وسمّى على هذا الأرنبِ بعينِهِ، فلم يُصبْ هذا الأرنبَ الذي سمّى عليه وأصابَ أرنبًا آخرَ، وكذلك لو أطلقَ كلبَه؟
ج: لا يحلُّ له؛ لأنَّه لم يسمّ عليه، وكذلك الكلبُ.     
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله