بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفرقان
الدَّرس: السَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ
وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:35-44]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : لا إلهَ إلَّا الله، محمّد: اقرأ التفسير
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) الآيات:
أشارَ تعالى إلى هذهِ القصصِ وقد بسطَها في آياتٍ أُخَرٍ لِيحذِّرَ المُخاطبين مِن استمرارِهم على تكذيبِ رسولِهم فيصيبُهم ما أصابَ هؤلاءِ الأُممِ الَّذينَ كانُوا قريباً مِنهم ويعرفون قِصصَهم بما استفاضَ واشتهرَ عنهم.
ومنهم مَن يرونَ آثارَهُم عياناً كقومِ صالحٍ في الحِجرِ وكالقريةِ الَّتي أُمطِرَتْ مطرَ السُّوءِ بحجارةٍ مِن سجيلٍ يمرُّون عليهِم مُصبِحين وبالليلِ في أسفارِهم، فإنَّ أولئكَ الأُممَ ليسُوا شرَّاً مِنهم ورسلُهُم ليسُوا خيراً مِن رسولِ هؤلاءِ ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ﴾ [القمر:43] ولكنَّ الَّذي منعَ هؤلاءِ مِن الإيمانِ -معَ ما شاهدُوا مِن الآياتِ- أنَّهُم كانُوا لا يرجون بعثاً ولا نشوزاً، فلا يرجونَ لقاءَ ربِّهم ولا يخشونَ نكالَهُ فلذلكَ استمرُّوا على عنادِهِم.
– الشيخ : أسألُ الله العافيةَ، آمنْتُ باللهِ ورسولِهِ، أعوذُ باللهِ من الشيطانِ، أعوذُ باللهِ.
– القارئ : وإلَّا فقدْ جاءَهم مِن الآياتِ ما لا يبقى معَهُ شكٌّ ولا شُبهةٌ ولا إشكالٌ ولا ارتيابٌ.
قالَ اللهُ تعالى: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا) الآيات، أي: وإذا رأوكَ يا مُحمَّدُ، هؤلاءِ المكذِّبون لكَ المعاندون لآياتِ اللهِ المُستكبِرونَ في الأرضِ استهزَؤُوا بِكَ واحتقرُوكَ وقالُوا -على وجهِ الاحتقارِ والاستصغارِ- {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} أي: غيرُ مناسبٍ ولا لائقٍ أنْ يبعثَ اللهُ هذا الرجلَ، وهذا مِن شدَّةِ ظلمِهِم وعنادِهِم وقلبِهِم الحقائقَ فإنَّ كلامَهم هذا يُفهِمُ أنَّ الرسولَ -حاشاهُ- في غايةِ الخِسَّةِ والحقارةِ وأنَّهُ لو كانَتِ الرسالةُ لغيرِهِ لكانَ أنسبُ.
– الشيخ : يعني أيش ما يقولوا، (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، والعظمةُ عندَهم إنَّما تكونُ بالمالِ والرئاسةِ، هذا مناطُ العظمةِ عندَهم.
– القارئ : {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} فهذا الكلامُ لا يصدرُ إلَّا مِن أجهلِ الناسِ وأضلِّهم، أو مِن أعظمِهم عِناداً وهوَ مُتجاهِلٌ، قصدُهُ ترويجُ ما معَهُ مِن الباطلِ بالقَدْحِ بالحقِّ وبمَن جاءَ بهِ، وإلّا فمَن تدبَّرَ أحوالَ مُحمَّدٍ بنِ عبدِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وجدَهُ رجلَ العالمِ وهُمامَهُم ومُقدَّمَهُم في العقلِ والعلمِ والنُّبلِ والرزانةِ، ومكارمِ الأخلاقِ ومحاسنِ الشيمِ والعِفَّةِ والشجاعةِ والكرمِ وكلِّ خلقٍ فاضلٍ، وأنَّ المُحتقِرَ لهُ والشانِئَ لهُ قدْ جمعَ مِن السَّفهِ والجهلِ والضلالِ والتناقُضِ والظلمِ والعدوانِ ما لا يجمعُهُ غيرُهُ، وحسبُهُ جهلاً وضلالاً أنْ يَقْدَحَ بهذا الرسولِ العظيمِ والهُمامِ الكريمِ.
والقصدُ مِن قدحِهم فيهِ واستهزائِهم بهِ تصلُّبَهم على باطلِهم وغروراً لضعفاءِ العقولِ ولهذا قالُوا: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} هذا الرجلُ بأنْ يجعلَ الآلهةَ إلهاً واحداً {لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} لأضلَّنا زعمُوا -قبَّحَهم اللهُ- أنَّ الضَّلالَ هوَ التَّوحيدُ وأنَّ الهُدى ما هم عليهِ مِن الشِّركِ فلهذا تواصَوا بالصبرِ عليهِ.
﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ﴾ [ص:6]
وهنا قالُوا: {لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} والصبرُ يُحمَدُ في المواضعِ كلِّها، إلَّا في هذا الموضعِ فإنَّهُ صبرٌ على أسبابِ الغضبِ وعلى الاستكثارِ مِن حطبِ جهنمَ.
وأمَّا المؤمنون فهُم كما قالَ اللهُ عنهُم: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر:3]
كانَ هذا حكماً منهم بأنَّهم المُهتدون والرسولُ ضالٌّ وقدْ تقرَّرَ أنَّهم لا حيلةَ فيهم توعَّدَهم بالعذابِ وأخبرَ أنَّهم في ذلكَ الوقتِ {حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} يعلمونَ عِلماً حقيقيَّاً {مَنْ} هوَ {أَضَلُّ سَبِيلاً}.
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} الآيات.
وهلْ فوقَ ضلالِ مَن جعلَ إلهَهُ معبودَهُ هواهُ فما هَوْيَهُ فَعَلَهُ، فلهذا قالَ: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} ألا تعجبُ مِن حالِهِ وتنظرُ ما هوَ فيهِ مِن الضَّلالِ؟ وهوَ يحكمُ لنفسِه بالمنازلِ الرفيعةِ؟
{أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} أي: لسْتَ عليهِ بمُسيطِرٍ مُسلَّطٍ بلْ إنَّما أنتَ مُنذِرٌ، قدْ قمْتَ بوظيفتِكَ وحِسابُهُ على اللهِ.
ثمَّ سجَّلَ تعالى على ضلالِهم البليغِ بأنْ سلبَهُم العقولَ والأسماعَ وشبَّهَهُم في ضلالِهُم بالأنعامِ السَّائمةِ الَّتي لا تسمعُ إلَّا دعاءً ونداءً، صُمٌّ بكمٌ عميٌّ فهُم لا يعقلون بلْ هُم أضلُّ مِن الأنعامِ؛ لأنَّ الأنعامَ يهديها راعيها فتهتدي وتعرفُ طريقَ هلاكِها فتجتنبُهُ وهيَ أيضاً أسلمُ عاقبةً مِن هؤلاءِ، فتبيَّنَ بهذا أنَّ الراميَ للرسولِ بالضلالِ أحقُّ بهذا الوصفِ وأنَّ كلَّ حيوانٍ بهيمٍ فهوَ أهدى مِنهُ.
قالَ اللهُ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان:45]
– الشيخ : الى هنا
– القارئ : أحسنَ اللهُ إليك.