الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الفرقان/(9) من قوله تعالى {وهو الذي مرج البحرين} الآية 53 إلى قوله تعالى {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن} الآية 60
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(9) من قوله تعالى {وهو الذي مرج البحرين} الآية 53 إلى قوله تعالى {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن} الآية 60

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفرقان

الدَّرس: التَّاسع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان:53-60]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله, الحمدُ للهِ، وكذلكَ يُذكِّرُ اللهُ سبحانَه وتعالى في هذهِ الآياتِ ببعض آياتِه الكونيَّةِ, المتضمِّة الدالَّة على قدرتِه وعلى رحمتِه وحكمتِه, (وهو الّذي مرجَ البحرين) العذب والمالح, (هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أُجاجٌ) شديدُ الملوحةِ، الله أكبر.

أرسلَهما مرجَ البحرين هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاجٌ وجعلَ بينَهما برزخاً, حاجزاً يمنعُ اختلاطهما, كما في الآيةِ الأخرى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن:19-20]

لا يبغي أحدُهما على الآخرِ, مرجَ البحرينِ يلتقيان من أهلِ العلمِ من يُفسِّرُ البرزخَ بالحاجزِ من الأرضِ, فهذا يجري على ظهرِ الأرضِ وهذا وهذا في موضعِه الَّذي جعلَه الله له البحر المالح.

وهذه الأنهارُ الجاريةُ العذبةُ تأتي من مصادِرها ومنابعِها, وتسيرُ وتجري على ظهرِ الأرضِ حتّى تصبُّ في بعض البحارِ المالحةِ, وكلٌّ منهما فيهِ منافعٌ, ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:14]

(وهو الَّذي مرجَ البحرين هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاجٌ وجعلَ بينَهما برزخاً وحِجراً محجوراً), ومن آياتِه العظيمة خلقُ الإنسانِ, وهو الَّذي خلقَ وهو الَّذي خلقَ أيش الآية؟ وهو الَّذي خلق؟

– القارئ : "من الماء بشراً"

– الشيخ : (وهو الَّذي خلقَ مِن الماءِ بشراً), (مِن الماءِ بشراً فجعلَهُ نسباً وصِهراً وكانَ ربُّكَ قديراً), وهذا كثيراً ما يُذكِّرُ اللهُ بهِ, يذكِّرُ اللهُ بخلقِ الإنسانِ مِن ترابٍ أوَّلاً ثمَّ مِن ماءٍ مهينٍ, (وهوَ الَّذي خلقَ مِن الماءِ بشراً فجعلَهُ نسباً وصهراً), بين بينَ البشر سببان يصلُ بينهم وهما راجعان إلى خِلقتهما و, فالعلاقة الأولى النسب وأصله الولادة, والثانية الصهر وأصلُه النِّكاحُ الّذي يكونُ بينَ القبائلِ بينَ الأُسرِ, (جعلَهُ نسباً وصهراً).

وجعلَ لكلٍّ مِن النسبِ والصهرِ أحكامٌ, فهناكَ مُحرَّماتٌ بالنسبِ وهناك مُحرَّماتٌ بالمصاهرةِ, (وكانَ ربُّكَ قديراً) سبحانه وتعالى كلُّ ذلك دالٌّ على قدرته.

ثمَّ يذكر الله تعالى حال المشركين الّذين كفروا بالله وأعرضوا عن آياته, فعبدوا معَه غيره: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا, قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا, وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا), فهم يشركونَ بالله ويعبدون معَه ما لا ينفعُهم ولا يضرُّهم, والله أرسلَ الرسلَ وأنزلَ الكتبَ لدعوةِ الخلق إلى التوحيد إلى عبادة الله وحده, والنهي عن الشرك به, وأمرَ رسولَه بالتوكُّل عليه, وهو أعلمُ بأحوال عباده وهو خبير بذنوبهم, (وكفى بربِّك بذنوبِ عبادِهِ خبيراً).

ومن أنواعِ كفرِ المشركين أنَّهم يكفرون باسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ, باسمه الرحمن وهذا كثير بالقرآن يذكرُ اللهُ كفرَهم باسمِه الرحمن, ولهذا كَثُرَ كَثُرَ كَثُرَ ذكرُ هذا الاسمِ في بعض السورِ المكيَّةِ, وهم يكفرون بالرحمن ﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ [الرعد:30]

وهنا يقولُ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا).

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) الآية، أي: وهوَ وحدَهُ الَّذي مرجَ البحرينِ يلتقيانِ، البحرُ العَذْبُ وهيَ الأنهارُ السّارحةُ على وجهِ الأرضِ والبحرُ المِلْحُ وجعلَ منفعةَ كلِّ واحدٍ منهما مصلحةً للعبادِ، وجعلَ منفعةَ كلِّ واحدٍ منهما مصلحةً للعبادِ، {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} أي: حاجزاً يحجزُ مِن اختلاطِ أحدِهما بالآخرِ فتذهبُ المنفعةُ المقصودةُ منها {وَحِجْرًا مَحْجُورًا} أي: حاجزاً حصيناً.

قالَ اللهُ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} الآية، أي: وهوَ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ الَّذي خلقَ الآدميَّ مِن ماءٍ مهينٍ، ثمَّ نشرَ منهُ ذرية ًكثيرةً وجعلَهُم أنساباً وأصهاراً متفرِّقين ومجتمعين، والمادَّةُ كلُّها مِن ذلكَ الماءِ المهينِ، فهذا يدلُّ على كمالِ اقتدارِهِ لقولِهِ: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} ويدلُّ على أنَّ عبادتَهُ هيَ الحقُّ وعبادةُ غيرِهِ باطلةٌ لقولِهِ:

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا}.

– الشيخ : فكأنَّ المعنى لمّا ذكرَ اللهُ آياتِ ربوبيتِه ذكرِ البحرين وذكرِ خلقِ الإنسان المعنى، ومع ذلك يعبدُ المشركون غيرَه ممّا لا ينفعُهم ولا يضرُّهم، فيتضمَّن السياق ذكر الدلائل على ربوبيته وإلهيته والإنكار و على المشركين، حيثُ عدلُوا عن عبادةِ الخالق المدبِّر القدير، إلى الّذي بيده الملك بيده الخير عدلوا عن عبادة الخالق الرازق المدبِّر إلى من لا ينفعُ ولا يضرُّ، هذا من هذا أسفهِ السفهِ، هذا أسفه السفه وأجهل وأعظم الجهل، (أفمن يخلقُ كمن لا يخلقُ أفلا يتذكرون).

(ويعبدون مِن دونِ اللهِ ما لا ينفعُهم ولا يضرُّهم وكانَ الكافرُ على ربِّهِ ظهيراً، وما أرسلْناك إلَّا مُبشِّراً ونذيراً)، واللهُ أرسلَ الرسول وهكذا الرسل كلُّهم أرسلَهم اللهُ مبشِّرين ومنذرين، يبشِّرون من أطاعهم وآمن بهم بالخير والشهادة في الدنيا والآخرة، وينذرون من عصاهم وخالفهم بالشرِّ والشقاء العاجل والآجل.

 

– القارئ : أي: يعبدون أصناماً وأمواتاً لا تضرُّ ولا تنفعُ.

– الشيخ : سبحان الله، سبحان الله، لا إله إلّا الله، سبحان الله، الحمد لله، الحمد لله على نعمة الإسلام، نسألُ اللهَ الثباتَ.

– القارئ : ويجعلونَها أنداداً لمالكِ النفعِ والضُّرِّ والعطاءِ والمنعِ معَ أنَّ الواجبَ عليهم أنْ يكونُوا مقتدينَ بإرشاداتِ ربِّهِم ذابِّينَ عن دينِهِ، ولكنَّهم عكسُوا القضيةَ.

{وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} فالباطلُ الَّذي هوَ الأوثانُ والأندادُ أعداءٌ للهِ، فالكافرُ عاونَها وظاهرَها على ربِّها وصارَ عدوَّاً لربِّهِ مُبارِزاً لهُ في العداوةِ والحربِ، هذا هوَ الَّذي خلقَهُ ورزقَهُ وأنعمَ عليهِ بالنعمِ الظاهرةِ والباطنةِ، وليسَ يخرجُ عن ملكِهِ وسلطانِهِ وقبضتِهِ واللهُ لم يقطعْ عنهُ إحسانَهُ وبِرَّهُ وهوَ -بجهلِهِ- مُستمِرٌّ على هذهِ المعاداةِ والمُبارزةِ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} الآيات، يخبرُ تعالى: أنَّهُ ما أرسلَ محمَّداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.

– الشيخ : لا إله إلّا الله، الحقيقة الأصنام الَّتي هيَ جماداتٌ لا تُتصوَّرُ منها عداوةٌ هيَ جماداتٌ لا تسمعُ ولا تبصرُ ولا تتكلَّمُ، ولا تنفعُ ولا تضرُّ ولا شيء، لكنْ على الموحِّد أن أن يُبغضَها ويعاديَها يعاديها وذلك بالكفرِ بها، ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ﴾ [الممتحنة:4]

عداوةٌ بينَ الحزبين بينَ حزبِ الرحمنِ وحزبِ الشيطانِ.

بينَنا وبينَكم العداوةُ والبغضاء، وبدا بينَنا وبينَكم العداوةُ والبغضاءُ أبداً حتّى تؤمنوا باللهِ وحدَهُ، فوصفَ الاصنامَ بأنّ بأنّها عدوٌّ راجعٌ إلى ما يجبُ على الموحِّدِ من بُغضِها والكفرِ بها.

لكنَّ الشياطين من الجنِّ أو من الإنسِ هؤلاءِ لا شكَّ أنّهم أعداءٌ للهِ ولرسلِهِ، ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:98]

 

– القارئ : يخبرُ تعالى: أنَّهُ ما أرسلَ رسولَهُ محمَّداً -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- مُسيطراً على الخلقِ ولا جعلَهُ ملكاً ولا عندَهُ خزائنُ الأشياءِ، وإنَّما أرسلَهُ {مُبَشِّرًا} يُبشِّرُ مَن أطاعَ اللهَ بالثوابِ العاجلِ والآجلِ، {وَنَذِيرًا} يُنذرُ مَن عصى اللهَ بالعقابِ العاجلِ والآجلِ، وذلكَ مُستلزِمٌ لتبيينِ ما بهِ البشارةُ، وما تحصلُ بهِ النذارةُ مِن الأوامرِ والنواهي، وإنَّك -يا محمَّدُ- لا تسألُهم على إبلاغِهم القرآنَ والهدى أجراً حتَّى يمنعَهم ذلكَ مِن اتباعِكَ ويتكلَّفونَ مِن الغرامةِ، {إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} أي: إلَّا مَن شاءَ أنْ يُنفقَ نفقةً في مرضاةِ ربِّهِ وسبيلِهِ، فهذا وإنَّ رغَّبْتُكُم فيهِ فلسْتُ أجبرُكم عليهِ، وليسَ أيضاً أجراً لي عليكُم، وإنَّما هوَ راجعٌ لمصلحتِكم وسلوكِكم للسبيلِ المُوصِلةِ إلى ربِّكم، ثمَّ أمرَهُ أنْ يتوكَّلَ عليهِ ويستعينَ بهِ فقالَ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ} الَّذي لهُ الحياةُ الكاملةُ المُطلَقةُ {الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} أي: اعبدْهُ وتوكَّلْ عليهِ في الأمورِ المُتعلِّقةِ بكَ والمُتعلِّقةِ بالخلقِ. {وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} يعلمُها ويُجازي عليها.

فأنتَ ليسَ عليكَ مِن هُداهُم شيءٌ وليسَ عليكَ حفظُ أعمالِهم، وإنَّما ذلكَ كلُّه بيدِ اللهِ {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى} بعدَ ذلكَ {عَلَى الْعَرْشِ} الَّذي هوَ سقفُ المخلوقاتِ وأعلاها وأوسعُها وأجملُها {الرَّحْمَنُ} استوى على عرشِهِ الَّذي وَسِعَ السماواتِ والأرضَ باسمِهِ (الرحمنُ) الَّذي وسعَتْ.

– الشيخ : وش يقول؟ [….] وأكبرها وأعظمها وأوسعها أيش بعدها؟

– القارئ : {الرَّحْمَنُ} استوى على عرشِهِ الَّذي وَسِعَ السماواتِ والأرضَ باسمِهِ (الرحمنُ) الَّذي وسعَتْ رحمتُهُ كلَّ شيءٍ فاستوى على أوسعِ المخلوقاتِ، بأوسعِ الصفاتِ، فأثبتَ بهذهِ الآيةِ خلقَهُ للمخلوقاتِ واطِّلاعَهُ على ظاهرِهم وباطنِهم وعلوَّهُ فوقَ العرشِ ومُباينتَهُ إيَّاهُم.

{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} يعني بذلكَ نفسَهُ الكريمةَ، فهوَ الَّذي يعلمُ أوصافَهُ وعظمتَهُ وجلالَهُ، وقدْ أخبرَكم بذلكَ وأبانَ لكم مِن عظمتِهِ ما تسعدونَ بهِ.

– الشيخ : لا إله إلّا الله، لا إله إلا الله، هو أعلمُ بنفسه والعباد لا يعلمون إلّا ما علّمهم، (ولا يحيطون بشيءٍ من علمِه إلّا بما شاءَ)، العباد لا يعلمون من شأنه تعالى من أسمائه وصفاته إلّا ما علّمهم.

ولهذا لا يجوز للعباد أن يصِفوا الله إلّا بما وصف به نفسه، أو وصفه به الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يسمّونه إلّا بما سمّى به نفسه أو سمّاه به الرسول. فيقفون عند ما جاء الوحي به.

 

– القارئ : فعرفَهُ العارفونَ وخضعُوا لجلالِهِ، واستكبرَ عن عبادتِهِ الكافرون واستنكفُوا عن ذلكَ ولهذا قالَ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} أي: وحدَهُ الَّذي أنعمَ عليكم بسائرِ النعمِ ودفعَ عنكم جميعَ النقمِ، {قَالُوا} جُحداً وكُفراً {وَمَا الرَّحْمَنُ} بزعمِهم الفاسدِ أنَّهم لا يعرفون الرحمنَ، وجعلُوا مِن جملةِ قوادحِهم في الرسولِ أنْ قالُوا: ينهانا عن اتِّخاذِ آلهةٍ معَ اللهِ وهوَ يدعو معَهُ آلهةً أُخرى يقولُ: "يا رحمنُ" ونحوَ ذلكَ كما قالَ تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء:110]

 فأسماؤُهُ تعالى كثيرةٌ لكثرةِ أوصافِهِ وتعدُّدِ كمالِهِ، فكلُّ واحدٍ منها دلَّ على صفةِ كمالٍ، {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} أي: لمُجرَّدِ أمرِكَ إيَّانا، وهذا مبنيٌّ منهم على التكذيبِ بالرسولِ واستكبارِهم عن طاعتِهِ، {وَزَادَهُمْ} دعوتُهم إلى السجودِ للرحمنِ {نُفُورًا} هرباً مِن الحقِّ إلى الباطلِ وزيادةَ كفرٍ وشقاءٍ، تباركَ الَّذي جعلَ في السماءِ.

– الشيخ : إلى هنا إلى هنا.