بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفرقان
الدَّرس: العاشر
*** *** ***
– القارئ : عفا الله عنك، أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:61-67]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : الحمد لله، يقول تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) تقدّمَ افتتاح هذه السورة بهذا التعظيم والتنزيه: (تباركَ الَّذي نزَّلَ القرآنَ على عبدِهِ) تعالى وتقدَّس وكَثُرَ خيرُه وبِرُّهُ سبحانه وتعالى.
وفي هذهِ الآيةِ يُذكِّرُ ببعضِ آياتِه ونِعمهِ، (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) جعلَ في السماءِ هذهِ الكواكبَ السيَّارة المنيرة، وهي أجرامٌ عظيمةٌ كبيرةٌ، وفيها منافعُ الهدايةِ: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل:19]
وزيَّنَ السماءَ بها (تباركَ الّذي جعلَ في السماءِ بروجاً وجعلَ فيها سراجاً) وهي الشمسُ سراجاً وهَّاجاً، وقمراً مُنيراً آيتانِ من آياتِ اللهِ عظيمةٌ، يشاهدُهما البشرُ في الليلِ والنهارِ آيتانِ عظيمتان، ونعمتان هما آيتان دالَّتان على قدرته وحكمته ورحمته، وهما نعمتان عظيمتان على العبادِ.
(وهو الّذي جعلَ الليلَ والنهارَ خِلفةً) جعلَ الليلَ والنهارَ يتعاقبان يذهبُ هذا ويخلُفُه هذا، يتعاقبان (جعلَ الليلَ والنهارَ خِلفةً لمن أراد أن يَذَّكرَ أو أرادَ شكوراً) قالَ المفسِّرون لمن أرادَ أن يذَّكرَ أو أرادَ شكوراً، لمن أرادَ أن يتذكَّرَ ما أوجبَ اللهُ عليهِ ويستدركُ ما فاته، ما فاته بالليل يستدركُه بالنهار وما فاته بالنهار يستدركه باليل.
فالليالي والأيَّام من العمرِ فُرَصٌ لمن أراد لمن أراد أن يدركَ الفلاحَ والنجاحَ والنجاةَ، لمن أرادَ أن يكونَ من الشاكرين، لمن أرادَ أن يذَّكرَ أو أرادَ شكوراً.
فالليلُ والنهارُ هما زمنٌ، هما عمرُ الدُّنيا وعمرُ كلّ إنسان، عمره ليالي وأيّام معدودة أيّام الدنيا ولياليها معدودةٌ، وأيّامك أيّها الإنسان ولياليه ولياليك معدودةٌ، فعلى العبدِ أن يتدبَّرَ ويتفكَّرَ ويتذَّكرَ.
ثمّ ختمَ اللهُ السورةَ بذكرِ أوصافِ عبادِه المُخلَصين عباد الرحمنِ الصادقين، وصفهم بالعبوديَّة وهذه العبوديَّة هي مناطُ الشرفِ العبوديّة الخاصّة، وإلّا كلّ الناس كافرهم ومؤمنهم كلّهم عباد، عباد لله لكنَّ العبوديَّةَ العامّة الّتي ترجعُ إلى المُلكِ والقهرِ، أمّا هذهِ العبوديّة الخاصّة فترجعُ إلى الافتقارِ إلى اللهِ والانقيادِ لأمرِه وتحقيقِ عبادتِه، (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) إلى آخرِ السورةِ وهيَ سردٌ لصفاتِهم.
من صفاتهم أنّهم يمشون على الأرض هوناً سهلاً ليسَ فيه تجبُّرٌ ولا تكبُّرٌ، ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ [الإسراء:37]، بل يمشون متواضعين.
وإذا خاطبَهم الجاهلون لم يردُّوا عليهم بالمثلِ بل يقولون كلاماً حسناً سالماً ليسَ، بريء من الفُحشِ والبَذاءِ والعدوانِ، وإذا خاطبَهم الجاهلون قالُوا سلاماً.
ومن صفاتهم قيامُ الليلِ طويلاً، (يبيتون لربِّهم سُجَّداً وقياماً) أينَ هؤلاءِ ممَّن يبيتُ ليلَه على اللغوِ واللهوِ الباطلِ، لغو ولهو وغفلة، أو يبيتُ نائماً لا يذكرُ اللهَ ولا يقومُ لما فرضَ اللهُ عليه وما شرعَ له من فضائلِ الأعمالِ من صلاةٍ وتلاوة قرآنٍ وذكرٍ.
هؤلاء يبيتون لربِّهم سُجداً وقياماً، (تتجافى جنوبُهم عن المضاجع يدعون ربَّهم خوفاً وطمعاً) (كانوا قليلاً من الليلِ ما يهجعون وبالأسحارِ هم يستغفرون).
ومن أوصافِهم الخوفُ من النارِ واللجوءُ إلى اللهِ بطلب النجاة منه، (والّذين يقولون ربّنا اصرف) (ربَّنا اصرفْ عنَّا عذابَ جهنم إنَّ عذابَها كانَ غراماً إنَّها ساءت مُستقراً ومُقاماً) النار عذاب النار هو أعظم العذاب فمن صفات الصالحين المؤمنين عباد الرحمن أنّهم يخافون عذابَ اللهِ ويستجيرون بالله ويستعيذون بالله من عذابِه.
وقنا عذابَ النار، كم في آية بالقرآن: (ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ) (ربَّنا اغفرْ لنا ذنوبَنا وقِنا عذابَ النارِ) (ربَّنا ما خلقْتَ هذا باطلاً سبحانَكَ فقِنا عذابَ النارِ) وقد شرع لنا النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الاستعاذة بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر في كلِّ صلاة بعد التشهُّد.
والَّذين من صفاتهم الاقتصادُ في الإنفاقِ، فلا إسراف ولا تبذير ولا تقتير بل وسط، لا إفراط ولا تفريط إذا أنفقوا لم يُسرفوا، والإسرافُ والتبذيرُ وضعُ المالِ في غيرِ موضعِه في الحرامِ أو فيما لا خيرَ فيه ولا فائدةَ فيه، والتقتيرُ البخلُ بما أوجب الله من زكاة ونفقات وحقوق وكفَّارات، ولم يقتُروا وكان بين ذلك قواماً، كان إنفاقهم بين ذلك لا إسراف ولا تقتير.
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:
{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً……} الآيات، كرَّرَ تعالى في هذهِ السورةِ الكريمةِ قولَهُ: {تَبَارَكَ} ثلاثَ مرَّاتٍ؛ لأنَّ معناها كما تقدَّمَ أنَّها تدلُّ على عظمةِ الباري وكثرةِ أوصافِهِ، وكثرةِ خيراتِهِ وإحسانِهِ، وهذهِ السُّورةُ فيها مِن الاستدلالِ على عظمتِهِ وسَعَةِ سُلطانِهِ.
– الشيخ : لا إلهَ إلَّا الله.
– القارئ : ونفوذِ مشيئتِهِ وعمومِ علمِهِ وقدرتِهِ وإحاطةِ مُلكِهِ في الأحكامِ الأمريَّةِ والأحكامِ الجزائيَّةِ وكمالِ حكمتِهِ، وفيها ما يدلُّ على سَعَةِ رحمتِهِ، وواسعِ جودِهِ، وكثرةِ خيراتِهِ الدينيَّةِ والدنيويَّةِ، ما هوَ مُقتضٍ لتكرارِ هذا الوصفِ الحسنِ فقالَ: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} وهيَ النجومُ عمومُها أو منازلُ الشمسِ والقمرِ الَّتي تَنزِلُها منزلةً منزلةً وهيَ بمنزلةِ البروجِ والقلاعِ للمدنِ في حفظِها، كذلكَ النجومُ بمنزلةِ البروجِ المجعولةِ للحراسةِ فإنَّها رجومٌ للشياطينِ.
{وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} فيهِ النورُ والحرارةُ وهوَ الشمسُ، {وَقَمَرًا مُنِيرًا} فيهِ النورُ لا الحرارةُ وهذا مِن أدلَّةِ عظمتِهِ، وكثرةِ إحسانِهِ.
– الشيخ : لا إله إلَّا الله، نعم.
– القارئ : فإنَّ ما فيها مِن الخلقِ الباهرِ والتدبيرِ المنتظمِ والجمالِ العظيمِ دالٌّ على عظمةِ خالقِها في أوصافِهِ كلِّها، وما فيها مِن المصالحِ للخلقِ والمنافعِ دليلٌ على كثرةِ خيراتِهِ.
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً}.
– الشيخ : الله أكبر، ولكن يقولُ أهلُ العلمِ إنّه سببُ إعراضِ الناسِ عن التفكُّرِ في هذه الآيات واستشعارِ ما فيها من الدلالاتِ هو الإلْفُ والعادةُ.
فلمّا كانتْ الليل والنهار يتعاقبان أي عادي ما فيها، ما يفكّرون فيما في فيما تنطوي عليه هذه المخلوقاتُ من المعاني العظيمةِ، وكذلكَ الشمسُ والقمرُ ما تلفتُ ما يفكِّر الإنسان إلَّا بالشيء الَّذي يفاجئه الغريب [….]
الناس لما صُنِعَتْ هذه الآلات والسيارات يعني انبهروا يعني شيء غريب وشيء عجيب انبهروا من هذه الصناعة وما فيها من الفائدة و، فلمَّا صارت آنفاً يستعملونها في كلِّ وقت أصبحَت لا تلفت انتباههم ولا يشعرون بيعني بشأن صانعها وبما فيها من المنافع لا أصبحت عاديَّة.
وفريقٌ مِن الناسِ يقفُ عندَ السببِ القريبِ ينظرُ إلى هذهِ الصناعاتِ من جهةِ من جرتْ على يدِه ومن باشر صنعتَها ومن اخترعَها، ولا يفكرون بما وراء ذلك، من الّذي خلق موادَّها مواد هذه الآلات هذه الصناعات من المراكب ومن الطائرات ومن، المواد كلِّها ممَّا خلق الله للعباد في الأرض وفي السماء في الهواء آيات، كلّ هذا من البركات الّتي جعلها الله في الأرض من المعادن ومن المعادن الجامدةِ كالحديدِ وغيره والنحاسِ وأشباه ذلك، أو المعادن السائلة كالبترولِ كلُّ هذا بتدبير إلهيّ [….]
ثمّ من خلق هذه العقول الّتي وصلت إلى ما وصلت إليه؟ فيجبُ ردُّ هذه الأمور يجب ردُّها إلى يعني المُدبِّر الأوّل والخالق والصانع الأوّل يجبُ ردُّها إليه.
وهؤلاءِ بنو آدم إذا جرى على أيديهم شيء فما هم إلّا سببٌ، سببٌ من الأسباب والَّذي خلقهم وخلق لهم القوى من العقول والأسماع والأبصار والأيدي وخلق الأسباب الّتي يهتدون بها إلى تلك الأمور الدقيقة والأمور العجيبة.
أمّا يقف الإنسان في تفكيره إلى إلى السبب القريب ويُعظِّم هؤلاء ال أصحاب هذه الصناعة وأصحاب هذه الحضارة يُعظِّمهم ويُعجَب بهم، سبحان الله سبّح سبّح ربّك في كلّ ما تشاهد من آياته الكونيّة، الّتي لا صُنع لبني آدم فيها أو له صُنعٌ فيها، كلُّها مردودها إلى قدرة الله وإلى تدبير الله وإلى مشيئة الله، سبحان الله العظيم. قلْ: سبحانَ الَّذي خلقَ الإنسانَ وعلَّمَه سبحان الّذي علَّمَ الإنسان ما لم يعلمْ، سبِّح بحمدِ ربِّكَ.
– القارئ : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} أي: يُذهِبُ أحدُهما فيخلُفُهُ الآخرُ، هكذا أبداً لا يجتمعانِ ولا يرتفعانِ، {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} أي: لمَن أرادَ أنْ يتذكَّرَ بهما ويعتبِرَ ويستدلَّ بهما على كثيرٍ مِن المطالبِ الإلهيَّةِ ويشكرَ اللهَ على ذلكَ، ولمَن أرادَ أنْ يذكرَ اللهَ ويشكرَهُ ولهُ وِرْدٌ مِن الليلِ أو النهارِ، فمن فاتَهُ وِرْدُهُ مِن أحدِهما أدركَهُ في الآخرِ، وأيضاً فإنَّ القلوبَ تتقلَّبُ وتنتقلُ في ساعاتِ الليلِ والنهارِ فيحدثُ لها النشاطُ والكسلُ والذكرُ والغفلةُ والقبضُ والبسطُ والإقبالُ والإعراضُ، فجعلَ اللهُ الليلَ والنهارَ يتواليانِ على العبادِ ويتكرَّرانِ ليحدثَ لهم الذكرُ والنشاطُ والشكرُ للهِ في وقتٍ آخرَ؛ ولأنَّ أوقاتَ العباداتِ تتكرَّرُ بتكرُّرِ الليلِ والنهارِ، فكلَّما تكرَّرَتْ الأوقاتُ أحدثَ للعبدِ همَّةً غيرَ همَّتَهُ الَّتي كسلَتْ في الوقتِ المُتقدِّمِ فزادَ في تذكُّرِها وشكرِها، فوظائفُ الطاعاتِ بمنزلةِ سقيِ الإيمانِ الَّذي يمدُّهُ فلولا ذلكَ؛ لذوى غرسُ الإيمانِ ويبسَ، فللَّهِ أتمُّ حمدٍ وأكملُهُ على ذلكَ.
ثمَّ ذكرَ مِن جملةِ كثرةِ خيرِهِ منَّتَهُ على عبادِهِ الصالحين وتوفيقِهم للأعمالِ الصالحاتِ الَّتي أكسبَتْهُم المنازلَ العالياتِ في غُرفِ الجنَّاتِ فقالَ:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا} الآيات، إلى آخرِ السورةِ الكريمةِ.
العبوديَّةُ للهِ نوعانِ: عبوديَّةٌ لربوبيتِهِ فهذهِ يشتركُ فيها سائرُ الخلقِ مسلمُهم وكافرُهم، برِّهم وفاجرُهم، فكُلُّهم عبيدٌ للهِ مربوبونَ مُدبَّرونَ ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم:93]
وعبوديَّةٌ لأُلوهيتِهِ وعبادتِهِ ورحمتِهِ وهيَ عبوديَّةُ أنبيائِهِ وأوليائِهِ وهيَ المُرادُ هُنا ولهذا أضافَها إلى اسمِهِ "الرحمن" إشارةً إلى أنَّهم إنَّما وصلُوا إلى هذهِ الحالِ بسببِ رحمتِهِ، فذكرَ أنَّ صفاتَهم أكملُ الصِّفاتِ ونعوتَهم أفضلُ النعوتِ، فوصفَهم بأنَّهم {يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا} أي: ساكنينَ مُتواضِعينَ للهِ وللخلقِ فهذا وصفٌ لهم بالوقارِ والسكينةِ والتواضعِ للهِ ولعبادِهِ.
{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} أي: خطابُ جهلٍ بدليلِ إضافةِ الفعلِ وإسنادِهِ لهذا الوصفِ، {قَالُوا سَلامًا} أي: خاطبُوهم خطاباً يسلمونَ فيهِ مِن الإثمِ ويسلمونَ مِن مقابلةِ الجاهلِ بجهلِهِ.
وهذا مدحٌ لهم، بالحلمِ الكثيرِ ومقابلةُ المسيءِ بالإحسانِ والعفوِ عن الجاهلِ ورزانةِ العقلِ الَّذي أوصلَهم إلى هذهِ الحالِ.
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} أي: يُكثرونَ مِن صلاةِ الليلِ.
– الشيخ : الله أكبر
– القارئ : مُخلصينَ فيها لربِّهم مُتذلِّلينَ لهُ كما قالَ تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ}.
– الشيخ : مخلصين لربّهم أخذاً من قوله: (يبيتون لربّهم) يبيتون لربّهم يعني يصلون ويبيتون سُجداّ وقياماً تقرُّباً إلى الله وابتغاء مرضاته، (يبيتون لربّهم سُجداً وقياماً).
– القارئ : كما قالَ تعالى، نعم، أي: يُكثرونَ مِن صلاةِ الليلِ مُخلِصينَ فيها لربِّهم مُتذلِّلين لهُ كما قالَ تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة:16-17]
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} أي: ادفعْهُ عنَّا بالعصمةِ مِن أسبابِهِ ومغفرةِ ما وقعَ منَّا ممَّا هوَ مُقتضٍ للعذابِ.
{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} أي: ملازماً لأهلِها بمنزلةِ ملازمةِ الغريمِ لغريمِهِ.
{إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} وهذا مِنهم على وجهِ التضرُّعِ لربِّهم، وبيانِ شدَّةِ حاجتِهم إليهِ وأنَّهم.
– الشيخ : ربَّنا اصرفْ عنّا عذاب جهنم ربَّنا اصرفْ، دعاء عظيم ينبغي أن يدعو به المسلم، هذا خبر عن أولئك الصالحين وفي نفس الوقت هو تعليم لنا أن نقتدي بهم في تلك الأخلاق الكريمة من الأقوال والأفعال.
– القارئ : وأنَّهم ليسَ في طاقتِهم احتمالُ هذا العذابِ، وليتذكَّرُوا مِنَّةَ اللهِ عليهِم، فإنَّ صرفَ الشدَّةِ بحسبِ شدَّتِها وفظاعتِها يعظمُ وقعُها ويشتدُّ الفرحُ بصرفِها.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا} النفقاتُ الواجبةُ والمُستحَبَّةُ {لَمْ يُسْرِفُوا} بأنْ يزيدُوا على الحدِّ فيدخلُوا في قسمِ التبذيرِ، {وَلَمْ يَقْتُرُوا} فيدخلُوا في بابِ البُخلِ والشُحِّ وإهمالِ الحقوقِ الواجبةِ، {وَكَانَ} إنفاقُهم {بَيْنَ ذَلِكَ} بينَ الإسرافِ والتقتيرِ {قَوَامًا} يبذلُون في الواجباتِ مِن الزكواتِ والكفَّاراتِ والنفقاتِ الواجبةِ، وفيما ينبغي على الوجهِ الَّذي ينبغي مِن غيرِ ضررٍ ولا ضِرارٍ وهذا مِن عدلِهم واقتصادِهم.
{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}.
– الشيخ : إلى هنا إلى هنا.
– طالب: [….]
– الشيخ : لا يقول أهل العلم لا، تبارك يدلّ على البركة الذاتيّة، لأ العبد بركته مِنحة العبد ما فيه من بركة هي عطاء، وجعلني مباركاً فالعبد مبارك مبارك فيه نقول: بارك الله فيك بارك عليك، أمّا تبارك يعني يقتضي أن بركته ذاتيّة فلا تُضاف إلّا إلى الله أو اسم من أسمائه، تبارك اسم ربِّك، تبارك اسم ربِّك ذي الجلال والإكرام.