الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشعراء/(4) من قوله تعالى {قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم} الآية 34 إلى قوله تعالى {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} الآية 51
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) من قوله تعالى {قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم} الآية 34 إلى قوله تعالى {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} الآية 51

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّعراء

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ :  قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ [الشُّعراء:34-51].

– الشيخ : إلى هنا، لما، الحمدُ لله ربِّ العالمين، لما رأى أو أرى موسى فرعونَ الآياتِ، الآيتين العظيمتين، العصا واليد، {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ، قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين، فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ}.

لما رأى هاتينِ الآيتينِ انبهرَ وأُسقِطَ في يدِهِ، يلتفتُ إلى إلى وزرائِهِ إلى الملأِ من قومِه، قالَ لهم {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ} الملأ ُكانوا حولَه شاهدُوا ما شاهدَ من الثعبان المبينِ واليدِ، قَالَ لِلْمَلَإِ {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} اعترف لكنَّه رماه بالسحرِ {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}، يعني ما جاءَ به السحر، لكنَّه سحر، سحر لا كسحرهم، لا كسحرِ سحرته، {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}.

قالَ لمن حوله: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}.

ماذا تشيرونَ به هوَ الآنَ يستشيرهم، قالَوا أخرّه {أَرْجِهْ}، {أَرْجِهْ} أخِّرْ، يعني: الكلام فيه والحكم عليه الَّذي ستفعله به مثلاً، {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} هارون، وأرسل {وَابْعَثْ} وفي الآية الأخرى {وَأرْسِلْ} والمعنى واحد، {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} يجمعون يجمعون السحرة، الآن، يقول: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ}، {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ}، {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}، {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} جُمِعوا يعني نفَّذ الرأي الّذي أُشير به عليه، نفَّذ وأرسلَ من يجمع السحرة من هنا، من نواحي مصر، وهذا يدلُّ على كثرةِ السحرِ في ذلك الوقت وانتشاره، يدلُّ على يعني كثرة سحرة كثيرون.

{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ} فلما جُمع السحرة لميقات، جمعوهم وعيَّنوا وقت لمقابلة موسى ومقابلتهم ومقابلة موسى وهارون بما معهم من السحر.

{لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} هذا هو الميقات {فاجعلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى}، {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} كما تقدَّم في سورة طه.

{وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ} يعني دعوا الناس دعوة عامة لحضور المشهد لحضور النزال بين الحقِّ والباطل {هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ}.

{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} وهذا يدلُّ عل أنَّهم كانوا يشعرون بالضعف {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}، لما يقولوا: فإنهم غالبون، لا لا عندهم ريب، (لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) جاء السحرة {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}

المسألة كلُّها تدور على المال والمادَّة {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} يعرفون أنّهم إن هُزِموا فلا يستحقون شيئاً، إنّما يطمعون في الأجر إذا كانت لهم الغَلَبة {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}.

فقال لهم: نعم لكم أجر وفي شيء آخر {وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أعظم من الأجر عندهم يكونون من المقربين إلى فرعون الكفور الطاغية {نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}

فلمَّا حضروا {قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} ومن قبل كانوا يقولون كانوا يقول السحرة قالوا: {إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين}، فقَالَ لهم موسى: {أَلْقَوْاْ فَلَمَّا أَلْقُوْاْ سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم}

قال لهم موسى: {قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ}

سحرهم مرتبط بحبال وعصيّ، وجاء في الآية، القرآن يُفسِّرُ بعضه بعضاً، وما أُجْمِلَ في موضع فصَّلَهُ اللهُ في موضع آخر، {فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ} وظهر في في مشهد الناس ومنظرهم أنّ هذه الحبال وهذه العصيَّ تتحرَّك تتحرَّك وتسعى كما في الآية الأخرى {فَخُيِّلَ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى} وجاء في الآية الأخرى أنّهم أنَّ سحرهم يتعلَّقَ بالأبصار بعيون الناس، إذاً هو سحرٌ تخييليّ، إذاً هو سحرٌ تخييليٌّ.

سحروا أعين الناس وجاؤوا بسحرٍ عظيم.

{وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ} هذا قسم يقولون: {بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ} يعني هنا صار عندهم يعني طمع ان بالغلبة {وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ} يُقْسِمون، يُقْسِمون بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ.

{وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ} فجاء الحقّ وزهق الباطل {فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ} ألقى موسى العصا فصارت ثعبان عظيماً عظيماً.

{فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ} تلتهم هذه الحبال والعصي الهائلة التي أهالت الناس، {فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ}.

فلمَّا رأى السحرة ما جرى وأنَّ سحرهم قد اضمحلَّ، هذا السحر العظيم، سحرٌ عظيمٌ، جاؤوا بسحرٍ عظيمٍ، لما رأوا أن هذا السحر العظيم الكثير، سحرٌ قام به جمع من السحرة، سحرةٌ كثيرون.

لما رأوا أن أنَّ عصا موسى التهمت كلَّ ما هنالك خضعوا وعرفوا وأبصروا أن هذا ليسَ بسحرٍ فسجدُوا للهِ {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ، قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ، رَبِّ مُوسى وَهارُونَ}، سبحانَ الله، في أوّلِ المعركة ِكانوا جنوداً لفرعونَ وكانوا سحرةً وفي آخرِ وفي آخرِ ذلكَ المــُلتقَى سجدُوا للهِ وآمنوا باللهِ وأعلنُوها، فآمنُوا قولاً وفِعلاً، سجدُوا سجدوا وقالُوا: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ} ربُّ جميعِ العالمين، وخصَّوا موسى وهارون للتنبيهِ على إيمانهم بهما {رَبِّ مُوسى وَهارُونَ}.

فبُهِتَ الَّذي كفر بُهِتَ، بُهِتَ فرعونُ {قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} يعني لا يزالُ يطالبُ بحقِّه بسلطانِه آمَنْتُمْ قَبْلَ أَنْ آذَنَ، يحتاجُ ترخيص، يحتاجون في الإيمانِ أنْ يأذنَ لهم.

{آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} يعني معناه آمَنْتُمْ لَهُ؛ لأنَّكم أنتم أصلاً متعلِّمون منه، أنتم {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ}.

ثمَّ بدأ يهدِّدُ ويُرعدُ ويُزبدُ {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ}، {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.

{قالُوا لا ضَيْرَ} لا يضرُّنا هذا شيئاً، قالُوا في الآيةِ الأخرى: {اقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ}، افعلْ ما تشاءُ {اقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا} الآيات.

{قالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ}.

لا إله إلَّا الله، يُضلُّ من يشاءُ ويهدي من يشاءُ، وإنَّ قصّةَ هؤلاءِ السحرةِ لمن آياتِ الله، سبحان الله.

هداية، وهذا راجعٌ إلى أنَّه تعالى مُقَلِّبُ القلوبِ، مُقَلِّبُ القلوبِ، يُقيمها إذا شاءَ ويُزيغها إذا شاءَ. لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديُّ – رحمَهُ اللهُ تعالى – في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} الآيات.

– الشيخ : قبلها قبلها {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ}، ولا ما في؟ يمكن الشيخ أحياناً.

– القارئ : {قَالَ} فرعونُ {لِلْمَلإ حَوْلَهُ} مُعارِضاً للحقِّ، ومَن جاءَ بهِ: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} موَّهَ عليهِم لعلمِهِ بضعفِ عقولِهم، أنَّ هذا مِن جنسِ ما يأتي بهِ السحرةُ، لأنَّهُ مِن المُتقرِّرِ عندَهُم، أنَّ السحرةَ يأتونَ مِن العجائبِ، بما لا يقدرُ عليهِ الناسِ، وخوفَهم أنَّ قصدَهُ بهذا السحرِ، التوصُّلُ إلى إخراجِهم مِن وطنِهم، ليجدُّوا ويجتهدُوا في معاداةِ مَن يريدُ إجلاءَهم عن أولادِهم وديارِهم، {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} أنْ نفعلَ بهِ؟

{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} أي: أخِّرْهما {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} جامعينَ للناسِ.

{يَأْتُوكَ} أولئكَ الحاشرونَ {بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} أي: ابعثْ في جميعِ مدنِكَ، الَّتي هيَ مقرُّ العلمِ، ومعدنُ السحرِ، مَن يجمعُ لكَ كلَّ ساحرٍ ماهرٍ، عليمٍ في سحرِهِ فإنَّ الساحرَ يُقابَلُ بسحرٍ مِن جنسِ سحرِهِ.

وهذا مِن لطفِ اللهِ أنْ يرى العبادَ، بطلانَ ما موَّهَ بهِ فرعونُ الجاهلُ الضالُّ، المُضِلُّ أنَّ ما جاءَ بهِ موسى سحرٌ، قيَّضَهم أنْ جمعُوا أهلَ المهارةِ بالسحرِ، لينعقدَ المجلسُ عن حضرةِ الخلقِ العظيمِ، فيظهرُ الحقُّ على الباطلِ، ويقرُّ أهلُ العلمِ وأهلُ الصناعةِ، بصحَّةِ ما جاءَ بهِ موسى، وأنَّهُ ليسَ بسحرٍ، فعملَ فرعونُ برأيِهم، فأرسلْ في المدائنِ، مَن يجمعُ السحرةَ، واجتهدَ في ذلكَ، وجدَّ.

{فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} قدْ واعدَهم إيَّاهُ موسى، وهوَ يومُ الزينةِ، الَّذي يتفرَّغونَ فيهِ مِن أشغالِهم.

{وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ} أي: نُودِيَ بعمومِ الناسِ بالاجتماعِ في ذلكَ اليومِ الموعودِ.

{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} أي: قالُوا للناسِ: اجتمعُوا لتنظرُوا غلبةَ السحرةِ لموسى، وأنَّهم ماهرونَ في صناعتِهم، فنتَّبعُهم، ونعظِّمُهم، ونعرفُ فضيلةَ علمِ السحرِ، فلو وفقُوا للحقِّ، لقالُوا: لعلَّنا نتَّبعُ المُحقَّ منهم، ولنعرفَ الصوابَ، فلذلكَ ما أفادَ فيهم ذلكَ، إلَّا قيامَ الحجَّةِ عليهم.

{فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ} ووصلُوا لفرعونَ قالُوا لهُ: {أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} لموسى؟

{قَالَ نَعَمْ} لكم أجرٌ وثوابٌ {وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} عندي، وعدَهم الأجرَ والقُربةَ منهُ، ليزدادَ نشاطُهم، ويأتوا بكلِّ مقدورِهم في معارضةِ ما جاءَ بهِ موسى.

فلمَّا اجتمعُوا للموعدِ، هم وموسى، وأهلُ مصرَ، وعظَهم موسى وذكَّرَهم وقالَ: {وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} فتنازعُوا وتخاصمُوا ثمَّ شجَّعَهم فرعونُ، وشجَّعَ بعضَهم بعضاً.

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} أي: ألقَوا كلَّ ما في خواطرِكُم إلقاؤُهُ، ولم يقيِّدْهم بشيءٍ دونَ شيءٍ، لجزمِهِ ببطلانِ ما جاؤُوا بهِ.

– الشيخ : يعني هاتوا كلَّ ما عندَكم، لا تتركوا شيئا من قُدَرِكُم.

– القارئ : لجزمِهِ ببطلانِ ما جاؤُوا بهِ مِن معارضةِ الحقِّ.

{فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ} فإذا هيَ حيَّاتٌ تسعى، وسحرُوا بذلكَ عيونَ الناسِ، {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} فاستعانُوا بعزَّةِ عبدٍ ضعيفٍ، عاجزٍ مِن كلِّ وجهٍ، إلَّا أنَّهُ قد تجبَّرَ، وحصلَ لهُ صورةُ ملكٍ وجنودٍ، فغرَّتْهم تلكَ الأبَّهةُ، ولم تنفذْ بصائرَهم إلى حقيقةِ الأمرِ، أو أنَّ هذا قسمٌ منهم.

– الشيخ : أيش؟

– القارئ : أو أنَّ هذا قسمٌ منهم.

– الشيخ : هذا هو أظهر، والله أعلم.

– القارئ : بعزَّةِ فرعونَ والمُقسَمُ عليهِ، أنَّهم غالبونَ.

{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} تبتلعُ وتأخذُ {مَا يَأْفِكُونَ} فالتقفَتْ جميعَ ما ألقَوا مِن الحبالِ والعصيِّ، لأنَّها إفكٌ، وكذبٌ، وزورٌ، وذلكَ كلُّهُ باطلٌ لا يُقاوَمُ بالحقِّ، ولا يقاومُهُ.

فلمَّا رأى السحرةُ هذهِ الآيةَ العظيمةَ، تيقَّنُوا – لعلمِهم – أنَّ هذا ليسَ بسحرٍ، وإنَّما هوَ آيةٌ مِن آياتِ اللهِ، ومعجزةٌ تُنبِئُ بصدقِ موسى، وصحَّةِ ما جاءَ بِهِ.

{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} لربِّهم.

{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} وانقمعَ الباطلُ، في ذلكَ المجمعِ، وأقرَّ رؤساؤُهُ،

– الشيخ : {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ}، انتهت المعركة بهذا بهذا الأمر العظيم، {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ}.

 

– القارئ : وأقرَّ رؤساؤُهُ، ببطلانِهِ، ووضحَ الحقُّ، وظهرَ حتَّى رأى ذلكَ الناظرونَ بأبصارِهم، ولكنْ أبى فرعونُ، إلَّا عتوَّاً وضلالاً وتمادياً في غيِّهِ وعناداً، فقالَ للسحرةِ: {آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}.

يتعجَّبُ ويعجبُ قومَهُ مِن جراءَتِهم عليهِ، وإقدامِهم على الإيمانِ مِن غيرِ إذنِهِ ومؤامرتِهِ.

{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} هذا، وهوَ الَّذي جمعَ السحرةَ، وملأَهُ، الَّذين أشارُوا عليهِ بجمعِهم مِن مدائنِهم، وقد علمُوا أنَّهم ما اجتمعُوا بموسى، ولا رأوهُ قبلَ ذلكَ، وأنَّهم جاؤُوا مِن السحرِ، بما يُحيِّرُ الناظرينَ ويهيلُهم، ومعَ ذلكَ، فراجَ عليهم هذا القولُ، الَّذي هم بأنفسِهم، وقفُوا على بطلانِهِ، فلا يُستنكَرُ على أهلِ هذهِ العقولِ، أنْ لا يؤمنُوا بالحقِّ الواضحِ، والآياتِ الباهرةِ، لأنَّهم لو قالَ لهم فرعونُ عن أيِّ شيءٍ كانَ، إنَّهُ على خلافِ حقيقتِهِ، صدّقُوهُ.

ثمَّ توعَّدَ السحرةَ فقالَ: {لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ} أي: اليدُ اليُمنى، والرجلُ اليُسرى، كما يُفعَلُ بالمفسدِ في الأرضِ، {وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} لتختزئُوا، وتذلُّوا.

 فقالَ السحرةُ – حينَ وجدُوا حلاوةَ الإيمانِ وذاقُوا لذَّتَهُ -: {لا ضَيْرَ} أي: لا نبالي بما توعدْتَنا بهِ {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا} مِن الكفرِ والسحرِ، وغيرِهما {أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} بموسى، مِن هؤلاءِ الجنودِ، فثبَّتَهم اللهُ وصبَّرَهم.

فُيحْتَمَلُ أنَّ فرعونَ فعلَ بهم ما توعَّدَهم بهِ، لسلطانِهِ، واقتدارِهِ إذْ ذاكَ ويُحْتَمَلُ، أنَّ اللهَ منعَهُ منهم، ثمَّ.

– الشيخ : الله أعلم، يُحْتَمَلُ ويُحْتَمَلُ، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله، الله أعلم.

الأظهرُ أنَّه فعلَ بهم، لأنَّه حَنِقٌ حَنَقَاً عظيماً، {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}.

 

– القارئ : ثمَّ لم يزلْ فرعونُ وقومُهُ، مستمرِّينَ على كفرِهم، يأتيهم موسى بالآياتِ البيِّناتِ، وكلَّما جاءَتْهم آيةٌ، وبلغَتْ منهم كلَّ مبلغٍ، وعدُوا موسى، وعاهدُوهُ لئنْ كشفَ اللهُ عنهم، ليؤمنَنَّ بهِ، وليرسلَنَّ معَهُ بني إسرائيلَ، فيكشفُهُ اللهُ، ثمَّ ينكثُون، فلمَّا يئِسَ موسى مِن إيمانِهم، وحقَّتْ عليهم كلمةُ العذابِ، وآنَ لبني إسرائيلَ أنْ ينجيَهم مِن أسرِهم، ويمكِّنَ لهم في الأرضِ، أوحى اللهُ إلى موسى: {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي}.

أي: اخرجْ ببني إسرائيلَ أوَّلَ الليلِ، ليتمادُوا ويتمهَّلُوا في ذهابِهم، {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}.

– الشيخ : إلى هنا، إلى هنا، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}.