الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب المناسك من زاد المستقنع/كتاب المناسك (5) “باب الإحرام” قوله وقوله أفضل الأنساك التمتع – “باب محظورات الإحرام” قوله وهي تسعة

كتاب المناسك (5) “باب الإحرام” قوله وقوله أفضل الأنساك التمتع – “باب محظورات الإحرام” قوله وهي تسعة

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب المناسك)
– الدّرس: الخامس

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
(وأفضلُ الأنساكِ: التَّمتُّعُ)

– الشيخ:
يريدُ المؤلّفُ بالأنساكِ أنواعَ الإحرامِ، وهي ثلاثةٌ: إفرادٌ وقِرانٌ وتمتُّعٌ، وقد ثبتَ في الصحيحِ عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أنّها قالت: "خرجنا مع رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فمنّا من أهلَّ بحجٍّ، ومنّا من أهلَّ بحجٍّ وعمرةٍ، ومنَّا من أهلَّ بعمرةٍ"، وكانت هي ممن أهل َّ بعمرةٍ.
والصحيحُ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أحرمَ قارنًا، والرواياتُ في ذلك مختلفةٌ، ولكنَّ أرجحَ الأقوالِ أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أحرمَ بحجٍّ وعمرةٍ، وأنَّ عائشةَ أحرمتْ بعمرةٍ، ثمَّ إنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لما وصلَ مكةَ أمرَ الناسَ كلَّهم أن يجعلوا إحرامَهم بعمرةٍ، إلَّا من ساقَ الهديَ، يعني من أحرمَ قارنًا أو أحرمَ مفردًا تحلَّلَ، مثلَ من أحرمَ متمتّعًا، أمرَهُم جميعًا أن يُحلّوا، إذا طافوا بالبيتِ أو سَعَوا بين الصفا والمروةِ أن يُحلّوا، فحلُّوا جميعًا إلَّا من ساقَ الهديَ، وكان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ممّن ساقَ الهديَ، ولهذا قالت له حفصةُ رضي اللهُ عنها: "ما بالُ الناسِ حلّوا من عمرتِهم ولم تحلّل، قال: إني قلّدتُّ هديي، ولبّت رأسي  فلا أحلُّ حتى أنحرَ"
وقليلٌ من الصحابةِ ساقَ الهديَ، منهم عليٌّ رضي الله عنه أهلَّ بمثل ما أهلَّ به النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وقد أشركِهُ النبُّي في هديهِ فبقيَ على إحرامِهِ قادمًا من اليمنِ، وكذلك طلحةُ، أمّا جمهورُ الصحابةِ فحلّوا، واستعظمَ كثيرٌ منهم ذلك كما جاءَ في الرواياتِ، كيف يحلّون وهم في أشهرِ الحجِّ، فقال: "افعلوا ما آمُرُكُم به"، وطيّبَ نفوسَهم بقولِه: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما سُقتُ الهديَ ولا جعلتُها عمرةً"، فهذا المقصودُ من قولِ المؤلّفِ في الافتتاحِ "وأفضلُ الأنساكِ".
وتنازعَ الناسُ في أفضلِها؛ فمنهم من يقولُ: الإفرادُ أفضلُ؛ لأنَّه النُّسُكُ الذي أحرمَ به النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ومنهم من يقولُ: إنَّ الإقرانَ أفضلُ لأنَّه النُّسُكُ الذي أحرمَ به النبيُّ وهكذا. وأرجحُ الأقوالِ أنَّ التمتُّعَ أفضلُها لأنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمرَ به الناسَ كلَّهم، من أحرمَ مفردًا أو قارنًا أمرَهم جميعًا أن يحلّوا.
 
– القارئ: (وصفتُه: أنْ يُحْرمَ بالعمرةِ في أشهرِ الحجِ، ويَفْرُغَ منها، ثم يُحرمَ بالحجِّ في عامِه)
– الشيخ: 
هذه صفةُ التمتُّع، صفتُه أن يحرمَ بالعمرةِ في أشهرِ الحجِّ، لا قبلَها، أمَّا من أهلَّ بالعمرةِ من رمضانَ أو قبلَه فإنَّه لا يكونُ متمتعًا، بل يكملُ عمرتَه ولا يصيرُ متمتعًا. أن يحرمَ بالعمرةِ في أشهرِ الحجِّ فيفرغُ منها يحرمُ ويَقْدُمُ مكّةَ ويطوفُ ويسعى ويقصّرُ ويحلُّ، ثمَّ يحرمُ بالحجِّ في هذا العامِ نفسِهِ، هذه هي صفةِ التمتّعِ، وعلى المتمتّعِ هديٌ بنصِّ الآيةِ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196]، هذه هي صفةُ التمتّعِ كما جاءت.

– القارئ: (وعلى الأُفقي: دمٌ)
– الشيخ: 
يعني القادمَ من النواحي، كأنَّه احترازٌ ممّن يتمتعُ من مكَّةَ، يُحرمُ بالعمرةِ من أدنى الحِلِّ، ويفرغُ منها، ثمَّ يحرمُ بالحجِّ، وهذا لقولِهِ تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]
– مداخلة: هل يمكن لهم أن يتمتَّعوا؟
– الشيخ: هذه المسألةُ تتّصلُ بمسألةِ عمرةِ مكةَ، والظاهرُ عمليًا أنَّها لم تكن مشهورةً، لكن لا يُنهى عنها، كما أنَّه يصحُّ للمكيّ أن يخرجَ للعمرةِ، ولو تمتّعَ فإنَّه ليسَ عليه دمٌ لقولِه تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]
 
– القارئ: (وإنْ حاضت المرأةُ فخشيتْ فواتَ الحجِّ: أحرمتْ بهِ وصارتْ قارنةً)
– الشيخ: الآن يقولُ: إذا حاضتِ المتمتّعةُ التي أحرمت بعمرةٍ؛ حاضت ولم تتمكّن من إكمالِ عمرتِها، فإنَّها تُحرِمُ بالحجِّ وتُدْخِلُ الحجَّ على العمرةِ وتصيرُ قارنةً أسوةً بأمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضي اللهُ عنها فإنّها كانت معتمرةً فلمّا بلغت كذا -سَرِفَ- حاضت، الحمدُ للهِ حيضُها فيه خيرٌ للمسلمينَ، يكونُ سببًا لبيانِ الأحكامِ الشرعيةِ، "فدخلَ عليها النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ وهي تبكي فقال: لعلكِ نفستي؟ قالت: نعم، قال: افعلي ما يفعلُ الحاجُّ غيرَ ألَّا تطوفي بالبيتِ"، وفي رواياتٍ كثيرةٍ قال: "دعي عمرتَكِ ولبّي بالحجِّ"، وقال لها: "اغتسلي وانقضي شعركِ وامتشطي"
والمهمُّ أنَّه باتفاقِ المسلمينَ أهلّت بالحجِّ وفرغت كما فرغَ الناسُ وقال لها النبيُّ في آخرِ الأمرِ: "طوافكِ بالبيتِ وسعيكِ بين الصفا والمروةِ يكفيكِ لحجّكِ وعمرتكِ"، فعُلِمَ أنَّ القارنَ يكفيه طوافٌ وسعيٌ، فهذه هي سنَّةُ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ هكذا، كلُّ امرأةٍ أحرمتْ بالعمرةِ ثمَّ تحيضُ ولم تتمكَّن من إكمالِ عمرتِها هذا هو الحلُّ وللهِ الحمدُ.
قال: "إذا خشيتِ فواتَ الحجِّ"، يعني لو تطهرُ يومَ الترويةِ الحمدُ للهِ هناك فرصةٌ، تذهبُ وتطوفُ وتُحرِمُ بالحجِّ، لكن إذا وقفت بعرفةَ فلا معنى لذاهبِها، خلص شرعتْ بالحجِّ وباشرتْ بالحجِّ ووصلتْ إلى الركنِ الأعظمِ في الحجِّ.

القارئُ: (وإذا استوى على راحلتِه قالَ: "لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والملكَ لا شريكَ لكَ)
– الشيخ: وقفَ هنا، يعني كان من المناسبِ أفضلُ الأنساكِ ذكرَهُ، لكنَّ الأنساكَ ثلاثةٌ وهذا أحدُها وهو التمتّعُ، وثانيها القِرانُ فما صفتُه؟ أنْ يُحرمَ بالحجِّ من الميقاتِ بالحجِّ والعمرةِ فيقولُ: لبّيكَ حجًّا وعمرةً، لبّيكَ عمرةً، ثمَّ يقولُ: لبيكَ حجًّا، يعني يُحرمُ بالحجِّ والعمرةِ دفعةً واحدةً، أوجبتُ حجًّا وعمرةً، أو عمرةً وحجًّا، أو أن يُحرمَ بالعمرةِ ثمَّ يبدو له فيُدخِلُ عليها الحجَّ فيصيرُ قارنًا، ثمَّ إذا قَدِمَ مكةَ طافَ للقدومِ، أمَّا الأولُ المتمتّعُ يطوفُ لماذا؟ للعمرةِ، أمَّا هنا القارنُ يطوفُ للقدومِ، ويسعى بين الصفا والمروةِ ويصيرُ هذا السعيُ هو سعيُ الحجِّ، فإن تحلّلَ فحكمُهُ حكمُ الأوّلِ، يعني صارَ متمتّعًا، وإن لم يتحلّل إمّا لأنّه رأى من مصلحتِهِ أن يبقى أو أنَّ معه هديٌ فإنَّه يُتمُّ النُّسُكَ ولا يتحلّلُ ويبقى ليومِ النحرِ، وإذا نحرَ هديَهُ بقيَ عليه الطوافُ وهو طوافُ الزيارةِ، وليس عليه سعيٌ هذه هي صفةُ التمتّعِ [القران]، ولكن عليه هديٌ كالمتمتعِ، قالوا لقولِه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]
والتمتّعُ في لسانِ الصحابةِ اسمٌ يشملُ هذا وهذا، يشملُ التمتّعَ الخاصَّ ويشملُ القِرانَ، فالقِرانُ فيه معنى التمتعِ، أيضًا فعليه هديٌ كالمتمتّعِ. إذًا ما هو الفرقُ بين القارنِ والمتمتّعِ؟ الفرقُ أولًا: في الإهلالِ هذا يُهِلُّ بعمرةٍ وهذا يُهِلُّ بحجٍّ وعمرةٍ، أو يُهِلُّ بعمرةٍ ثمَّ يُدخِلُ عليها الحجَّ، ثانيًا: أنَّه إذا قدمَ؛ المتمتّعُ يطوفُ للعمرةِ وهو ركنٌ، والقارنُ يطوفُ للقدومِ، ثمَّ السعيُ مشتركٌ، لكنَّ المتمتّعَ على الصحيحِ أنَّه إذا رجعَ من عرفةَ فإنَّه عليه طوافُ الإفاضةِ وعليه سعيٌ، فالسعيُ الأولُ عند المتمتّعِ للعمرةِ وعند القارنِ للحجِّ، هذه صفةُ القِرانِ.
والإفرادُ: تمامًا لا فرقَ؛ يعني أعمالُه لا فرقَ بينَهُ وبينَ القِرانِ، لكنَّه في البدايةِ يُحرمُ بالحجِّ مفردًا، ثمَّ إذا قدمَ مكةَ طافَ للقدومِ وسعى سعيَ الحجِّ، فإذا رجعَ من عرفةَ فإنَّه يطوفُ للإفاضةِ. إذًا طوافُ الإفاضةِ ركنٌ واجبٌ على الكلِّ المتمتّعِ والقارنِ والمفردِ. فبانَ على الصحيحِ أنَّ المفردَ ليسَ عليه إلّا سعيٌ واحدٌ، وكذلك القارنَ، والمتمتّعُ عليه سعيانِ على الصحيحِ، وطوافُ الإفاضةِ واجبٌ على الجميعِ، والطوافُ الأولُ للمتمتّعُ هو طوافُ العمرةِ، وبالنسبةِ للمفردِ والقارنِ طوافَ قدومٍ.
"وإذا استوى على راحلتِه قالَ: لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والملكَ لا شريكَ لكَ": فيه خلافٌ بينَ أهلِ العلمِ، وهو هل الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أهلَّ؟ والإهلالُ: هو رفعُ الصوتِ بالتلبيةِ، فمتى يهلُّ؟ فيه خلافٌ تبعًا للخلافِ فيما وقعَ من النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ففي بعضِ الرواياتِ أنَّه أهلَّ في مصلّاهُ لَمَّا فرغَ من الصلاةِ المكتوبةِ أهلَّ، وبعضُهم يقولُ: لمّا استوتْ به راحلتُه، يعني عندما ركبَ على راحلتِهِ واستوى عليها أهلَّ، وفي بعضِ الرواياتِ أنَّه عندما استوتْ به راحلتُهُ على البيداءِ، وهذه أمرُها سهلٌ، وقد جُمعَ بين هذه الرواياتِ كما جاءَ عن ابنِ عباسٍ أنَّه كلٌّ حكى ما سمعَ، فمنهم من سمعَ إهلالَه بعدَ الصلاةِ، ومنهم من سمعَهُ يُهِلُّ بعدما ركبَ، ومنهم من سمعَهُ يُهِلُّ، فإذا جمعنا بين الرواياتِ علمنا أنَّ أوَّلَ إهلالٍ الذي دخلَ به النُّسُكَ هو الإهلالُ بعدَ الصلاةِ المكتوبةِ، ثمَّ المحرمُ يلبّي، يعني يدخلُ في النُّسُكِ ويُهِلُّ في النُّسُكِ بعدما يُصلي إذا وافقَ الصلاةَ المكتوبةَ أو بعدما يصلي ركعتين على القولِ بذلك، عندَ من يقولُ باستحبابِ صلاةِ ركعتين، ويواصلُ يلبّي إذا ركبَ، ويلبّي إذا مشى وسارَ، فالتلبيةُ مستمرةٌ وهي شعارُ المحرمِ، وهذا النصُّ هو ما ثبتَ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في صفةِ التلبيةِ عن جابرٍ وعن ابنِ عمرَ: "لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والملكَ لا شريكَ لكَ".
ذكرَ جابرٌ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال لما استوت به راحلتُهُ على البيداءِ أهلَّ بالتوحيدِ، فهذه التلبيةُ تضمّنتِ التوحيدَ، توحيدَ الربوبيّةِ وتوحيدَ الإلهيّةِ، وكان المشركونَ يُلبّونَ هذه التلبيةَ لكنَّهم يُفسدونَها، كان أحدُهُم يقولُ: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيكَ، لبَّيكَ لا شريكَ لك إلَّا شريكًا هو لك تملِكُه وما مَلَكَ. سبحانَ اللهِ! وجاءَ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان إذا سمعهم يقولونَ: لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيكَ، لبَّيكَ لا شريكَ لك، كان يقولُ: قط قط، وكان يريدُ منهم أنَّ هنا وفقط لا تشركوا. فهذه التلبيةُ تشملُ على توحيدِ الربوبيةِ والألوهيةِ، ومعنى "لبَّيكَ": قالوا من ألبّ بالمكانِ إذا أقامَ، وهو لفظُ استجابةٍ، والتثنيةُ قالوا: تدلُّ على التكرارِ، يعني إجابةً لك بعدَ إجابةٍ، فالحاجُّ يجيبُ دعوةَ اللهِ على لسانِ إبراهيمَ ولسانِ محمّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وجاءَ في الحديثِ أنَّ الحجَّ هو: "العجُّ والثجُّ"، والعجُّ: هو التلبيةُ، والثجُّ: هو ذبحُ القرابين، وهذه التلبيةُ مشروعةٌ للحاجِّ والمعتمرِ المفردِ والقارنِ والمتمتّعِ.

– القارئ: (يُصوِّتُ بها الرجلُ)
– الشيخ: جاءَ في الحديثِ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: "إنَّ اللهَ أمرني أن آمرَ أصحابي أن يرفعوا أصواتَهم بالتلبيةِ"، فكانوا يرفعونَ أصواتَهم حتى تبحَّ حلوقُهُم.
– القارئ: (وتُخفِيهَا المرأةُ)
– الشيخ: 
قالوا: تُسمعُ أختَها، وهذا طيبٌ.
– مداخلة: إذا لم يكن فيه رجالٌ؟
– الشيخ: 
ما أدري، من مقاصدِ الشريعةِ أن تسترَ المرأةُ صوتَها، لكن إن لم يكن حولَها رجالٌ فلها أن ترفعَ صوتَها دونَ الصراخِ بحيثُ أنَّه لا يسمعُها الرجالُ.

– القارئ:
هناك تعليقٌ للشيخِ البليهي:
"قولُه: تُخفيه المرأةُ": وبه قال الثلاثةُ، بل حكى ابنُ رشدٍ وابنُ المنذرِ الإجماعَ على ذلك، لأنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال:
"التسبيحُ للرجالِ والتصفيقُ للنساءِ"، ولقولِ عبدِ اللهِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما: "لا تصعدِ المرأةُ فوقَ الصفا والمروةِ، ولا ترفعُ صوتَها بالتلبيةِ" رواهُ البيهقيُّ.
– الشيخ: 
المقصودُ من رفعِ الصوتِ الذي يُشبهُ الأذانَ، لأنَّهم كانوا يرفعونَ أصواتَهم كثيرًا.
 
– القارئ: [بابُ محظوراتِ الإحرامِ]
– الشيخ: المحظوراتُ: جمعُ محظورٍ، ومحظورٌ: اسمُ مفعولٍ، من الحظرِ بمعنى المنعِ، يعني الممنوعاتُ في الإحرامِ، وإضافةُ المحظوراتِ إلى الإحرامِ من إضافةِ الشيءِ إلى سببِهِ، هذه المحظوراتُ والممنوعاتُ ما هو سببُها؟ هو الإحرامُ، فإنَّها لا تحرمُ عليه في كلِّ الأحوالِ والأوقاتِ، بل تحرمُ عليه حالَ إحرامِه. والفقهاءُ سبحانَ اللهِ لهم ملحوظاتٌ جميلةٌ وأظنُّ أنَّه سبقَ التنبيهُ على بعضِها، يُسمّونَ مفسداتِ الوضوءِ نواقضَ، ومفسداتِ الصيامِ مفسداتٌ، ومفسداتِ الصلاةِ مبطلاتٌ، والممنوعاتِ في الإحرامِ محظوراتٌ. هل يصحُّ أن يقولوا في محظوراتِ الإحرامِ مفسداتُ الإحرامِ؟ لا، إلَّا واحدةً كما سيأتي وهي الجماعُ. وهذه المحظوراتُ مستمدّةٌ من الأحاديثِ، وكلُّ محظورٍ له دليلُهُ إمَّا بالنصِّ، أو القياسِ عند القائلينَ به، لكنَّ المهمَّ: ما من محظورٍ إلَّا ولهُ دليلُهُ.
 
– القارئ: (وهي: تسعةٌ)
– الشيخ: هي تسعةٌ بالاستقراءِ والتتبّعِ، يعني نظرنا في الأدلةِ، ومجموعُ الأدلّةِ أنَّ هذه التسعةَ محظورةٌ، عرفناها بالتّتبّعِ والنظرِ في الأدلّةِ.
– القارئ: (حلقُ الشعرِ، وتقليمُ الأظفار، فمنْ حلقَ أو قلمَ ثلاثةً: فعليهِ دمٌ)
– الشيخ: فحلقُ الشعرِ هو الأوّلُ، وتقليمُ الأظفارِ هو الثاني، أمَّا حلقُ الشعرِ فالدليلُ عليه قولُه سبحانَهُ: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، فهذا دليلُ المحظورِ الأوّلِ، فالنصُّ دلَّ على تحريمِ حلقِ الرأسِ، ولكنَّ العلماءَ لملاحظاتٍ اعتبروها؛ قالوا: هذه الآيةُ هي نصٌّ في النهي عن حلقِ الرأسِ وما سوى ذلك من الشعورِ التي في البدنِ مثل قصِّ الشاربِ وحلقِ العانةِ وغيرها هذه كلُّها عندَ الجمهورِ مُلحقٌ بتحريمِ حلقِ الرأسِ، قالوا: لأنَّ العلةَ في النهي عن حلقِ الرأسِ هو ما فيه من الترفُّهِ، وتحسينِ الصورةِ.
وما دامَ النصُّ صريحًا في شعرِ الرأسِ فالأظهرُ هو الاقتصارُ على هذا، وما سواهُ لا يكونُ محظورًا، لكن نظرًا لإطباقِ جماهيرِ أهلِ العلمِ على ذلك ووجودِ شيءٍ من المعنى في حلقِ الرأسِ ينبغي تجنّبُ ذلك، لكنَّ القولَ بوجوبِ هديٍ، بوجوبِ الفديةِ على من حلقَ شيئًا من شعرِ بدنِهِ هذا هو محلُّ نظرٍ.
كذلك المحظورُ الثاني وهو تقليمُ الأظفارِ ما هو دليلُهُ؟ هو نفسُهُ الدليلُ الأوّلُ، فالأظفارُ هي ممّا ينمو في البدنِ وإزالتُهُ نوعُ رفاهةٍ وتنظّفٍ، فتقليمُ الأظفارِ من جنسِ حلقِ شعرِ سائرِ البدنِ، تقليمُ الأظفارِ هو في سننِ الفطرةِ قرينٌ لقصِّ الشاربِ ونتفِ الإبطِ، وحلقِ العانةِ، فألحقوا بحلقِ الشعرِ أيضًا تقليمَ الأظفارِ.
قالوا: "من حلقَ أو قلّمَ ثلاثةً": يعني ثلاثَ شعراتٍ أو ثلاثةَ أظفارٍ فعليه دمٌ، هذا التعبيرُ غيرُ دقيقٍ، ولهذا الشارحُ عندكم صرفَ العبارةَ فقالَ: عليه دمٌ؛ يعني نُسُكٌ وهو شاةٌ، فالتعبيرُ الدقيقُ أنْ يقالَ: عليه الفديةُ، والفديةُ: هي أحدُ ثلاثةِ أشياءٍ، أمَّا إذا قالَ: عليه دمٌ معناه أنَّه ألزمَهُ بالذبحِ، يعني عليه أنْ يُنْسكَ، لكنَّ التعبيرَ الدقيقَ: "فدى"، إذًا من حلقَ أو قلَّمَ ثلاثةً فعليه دمٌ، فالمناسبُ في التعبيرِ عليه الفديةُ، وهي المذكورةُ في الآية وهي: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، لكن قالوا: من حلقَ شعرةً أو قلّمَ ظفرًا واحدًا تصدّقَ بصدقةٍ وهي إطعامُ مسكينٍ، ومن حلقَ شعرتينِ أو ظفرينِ فكذلكَ يتصدّقُ، وهذا يفتقرُ إلى الدليلِ، وما هذا إلّا محضُ اجتهادٍ.

– القارئ: قال الشيخ البليهي:
"وتقليمُ الأظفارِ": لمفهومِ ما روى البيهقيُّ عن ابنِ عباسٍ أنَّه قال: المحرِمُ إذا انكسرَ ظفرُهُ طرحَهُ، ويقولُ: أميطوا عنكمُ الأذى، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يصنعُ بأذاكُمْ شيئًا، قد أجمعَ العلماءُ على أنَّ المحرمَ ممنوعٌ من تقليمِ أظافِرِهِ. قوله "من حلقَ أو قلّمَ ثلاثًا": وبه قال الشافعيُّ وكثيرٌ من العلماءِ، وروى البيهقيُّ عن عطاءٍ أنَّه قال: في الشعرةِ مُدٌّ، وفي الشعرتينِ مُدّانِ، وفي الثلاثةِ فصاعدًا دمٌ، ثمَّ قال البيهقيُّ: روينا عن الحسنِ البصري وعطاءٍ أنّهما قالا: في ثلاثِ شعراتٍ دمٌ، الناسي والمتعمدُ فيها سواءٌ، وذكرَ الوزيرُ في الإفصاحِ عن أبي حنيفةَ: إن حلقَ ربعَ رأسِهِ، وإن كان أقلَّ من ذلك فعليه صدقةٌ، ولم يعتبرْ مالكٌ العددَ، بل يجبُ الدمُ بما يحصلُ به الترفُّهُ، وما يحصلُ بزوالِهِ إماطةُ الأذى، قال محرّرُهُ: والنفسُ تميلُ إلى قولِ الإمامِ مالكٍ رحمهُ اللهُ تعالى.
– الشيخ: 
أقوالٌ، لكنَّ المقصودَ أنَّ الموجبَ للدمِ هو حلقُ الرأسِ، هذا هو النصُّ الموجبُ يعني للفديةِ، ولكن كما نبّهَ الشيخُ محمّدٌ عندكم أنَّه ليسَ معنى هذا أنَّه يحلُّ للإنسانِ أنَّه يحلقُ ما شاءَ من شعرِهِ، أو أن يحلقَ من رأسِهِ ما شاءَ؛ لقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "ما نهيتُكُم عنه فاجتنبوه"، فإذا جاءَ النهيُ عن حلقِ الرأسِ فإنَّه يحرمُ حلقُ شيءٍ من الرأسِ ولو شعرةً لأنَّه جزءٌ من المنهيِّ عنه، ففرقٌ بين ما يُوجبُ الهديَ وبينَ مُطلقِ التحريمِ، فنقولُ: يحرمُ حلقُ شعرةٍ أو شعرتين أو ثلاثٍ، لكن لا يلزمُ من هذا أنَّه من حلقَ ثلاثَ شعراتٍ أن نقولَ بوجوبِ الهديِ عليه لذلك، واللهُ أعلم.
– مداخلة: هل التقصيرُ يخرجُ منه؟
– الشيخ: 
حكمُ التقصيرِ هو حكمُ الحلقِ.
 
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله