الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشعراء/(6) من قوله تعالى {واتل عليهم نبأ إبراهيم} الآية 69 إلى قوله تعالى {إلا من أتى الله بقلب سليم} الآية 89
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(6) من قوله تعالى {واتل عليهم نبأ إبراهيم} الآية 69 إلى قوله تعالى {إلا من أتى الله بقلب سليم} الآية 89

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّعراء

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشُّعراء:69-89]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : سبحان الله سبحان الله سبحان الله، يأمرُ اللهُ نبيَّهُ بأنْ يقُصَّ على الناسِ على قومِهِ وعلى غيرِهم خبرَ إبراهيمَ مع أبيه وقومه، واتلُ عليهم واتلُ عليهم، اقرأْ عليهم نبأ إبراهيم النبيِّ الكريمِ خليلِ اللهِ الخليل، إذْ قالَ لأبيهِ وقومهِ، اتلُ عليهم خبرَ إبراهيمَ إذْ حينَ قالَ لأبيه وقومِه ما تعبدون؟ هذا استفهامُ إنكارٍ، ما هذهِ المعبوداتِ الَّتي تعبدونها ما تعبدون، أنتم وآباؤكم الأقدمون.

{مَا تَعْبُدُونَ، قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} ما أعظمَ هذا الجهل جهلٌ وسفهٌ عظيمٌ، أصنامٌ تماثيلٌ جماداتٌ لا إله إلَّا الله، نظلُّ لها عاكفينَ يعكفونَ عندها، وفي الآية الأخرى: {ما هذهِ التماثيلُ} سمَّاها تماثيل هي تماثيل، {ما هذه التماثيل الّتي أنتم لها عاكفون}.

{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} يعني كانَ المناسبُ يعني الجوابُ المعقولُ أن يقولوا: نعم تسمعُ أو يقولوا لا تسمعُ، أو يقولوا تنفعُ تنفعنا أو يقولون لا تنفعنا، لكنّهم حادوا عنها ولم يُجيبوا الجواب المطابق.

{هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} هذه شُبهتُهم: {إنَّا وجدْنا آباءَنا على أمَّةٍ وإنَّا على آثارِهم مُقتدون} {قالُوا بلْ وجدْنا آباءَنا كذلكَ يفعلونَ} إذاً إذاً هذهِ المعبوداتُ لا تسمعُ ولا تبصرُ ولا تنفعُ ولا تضرُّ.

{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُون، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} هذهِ معبوداتُكم هي عدوٌّ لي وأنا أُعاديها وأنا بريءٌ منها، هذا يشهدُ لهُ قولُهُ تعالى: قدْ كانَ لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيمَ، قدْ كانَ لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيمَ إذْ قالَ، أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيمَ إذْ قالَ، قد كانَ لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيمَ إذْ قالَ لقومِه، نعم ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا﴾ [الممتحنة:4]

العداوة والبغضاء، فهذا يعني من هذا المعنى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}.

لا إله إلا الله، ثم ذكر يعني نعم الله عليه وشيئاً من معاني ربوبيتِه، إلَّا ربَّ العالمين، {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} هذا هو الربُّ المستحقُّ للعبادةِ، هذا الَّذي ينفعُ ويضرُّ ينفعُ من يشاءُ ويضرُّ من يشاءُ ويحيي ويميت ويُمرِضُ ويشفي ويميتُ ويحيي، الّذي خلقَني، {يا أيُّها الناسُ اعبدُوا ربَّكم الَّذي خلقَكم والَّذينَ مِن قبلِكم، أفمَن يخلقُ كمَن لا يخلقُ}.

{خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} يُطعمُ العبادَ بما يخلقُ لهم من أنواعِ الطعامِ ويسقيهم الشراب، {أفرأيْتُم الماءَ الَّذي تشربونَ أأنتم أنزلْتُموهُ مِن المُزْنِ أم نحنُ المُنزلون} سبحان الله العظيم.

{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} هو الَّذي يشفي العباد، لا شفاء إلا شفاء لا شفاء إلّا ش إلّا شفاؤه سبحانه وتعالى، هو الشافي هو الشافي سبحانه وتعالى، لا يشفي غيره الأطباء إنّما يفعلون الأسباب، الطبيب ليس هو الشافي الطبيب يعني يُشخِّص الدواء الداء بحسب علمه قد يُهدى وقد لا يُهدى ويعين ويَصِف الدواء، أمّا الحقيقة حصول النتيجة و[…..] فهذه إلى الله، {وما رميْتَ إذْ رميْتَ ولكنَّ اللهَ رمى} فما يفعله العباد من هذه إنّما هي أسباب والنتائج إلى الله.

{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} هو الَّذي يحيي ويميت، خلقني فهو يهدين والَّذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضْتُ فهو يشفين والَّذي يميتني ثمَّ يحيين والَّذي اطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، هو يتوجَّه إلى ربِّه برجاء المغفرة وهذا من هذا وهو إبراهيم هذا هو إبراهيم الخليل يستغفر ربَّه يستغفره يطلب منه المغفرة يطمع من ربِّه يقول: أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين.

الرسول عليه الصلاة والسلام كان كثيراً ما يستغفر، يقول: اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم، اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر، فالاستغفار دأب الأنبياء الاستغفار دأب الأنبياء، يسألون الله المغفرة.

 {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} هذا كله يذكره ب على وجه الثناء على وجه الثناء على ربه يُثني على ربِّه بأفعاله العظيمة، وإحسانه وفضله وكرمه، ثمّ يتوجّه إليه بالدعاء: والّذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ربِّ هبْ لي حكماً وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخِرين، وقد جعل الله له لسانَ صدقٍ وهو عليه السلام إمامُ الحُنفاءِ والَّذي لم يزلْ يدعو إلى التوحيد يدعو قومه إلى توحيد الله إلى عبادته ويُنكِر عليهم الشِرك.

وقد أثنى اللهُ عليه بمفاصلةِ المشركين وبتجنُّبِ الشِركِ وأثنى عليهِ بدعاءِ: {واجنبني وبنيَّ أن نعبدَ الأصنامَ ربِّ إنَّهن أضللْنَ كثيراً مِن الناسِ}.

{وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ، وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} أبوه كان مشركاً كافراً معانداً لم يزل إبراهيم يدعوه ويتلطَّف معه ولكنّه أصرَّ على، واغفر لأبي إنَّه كان من الضالين، ولم يزل يستغفر لأبيه حتّى تبيَّن أنّه عدوٌّ لله فتبرَّأ منه.

لا إله إلَّا الله، {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ، وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وقد أخبرَ الله بأنّه بأنّ إبراهيمَ جاءَ ربَّه بقلبٍ سليمٍ في سورةِ الصافَّات: {وإنَّ من شيعته لإبراهيم} من شيعة نوح يعني من شيعة نوح، {وإنَّ مِن شيعتِه لإبراهيمَ إذْ جاءَ ربَّهُ بقلبٍ سليمٍ} عليهم الصلاة والسلام.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ}

إلى آخرِ هذهِ القصَّة.

– الشيخ : الله أكبر، لا إله إلَّا الله، نعم.

– القارئ : أي: واتلُ يا محمَّدُ على الناسِ، نبأَ إبراهيمَ الخليلِ، وخبرِهِ الجليلِ، في هذهِ الحالةِ بخصوصِها، وإلَّا فلَهُ أنباءٌ كثيرةٌ، ولكنْ مِن أعجبِ أنبائِهِ، وأفضلِها، هذا النبأُ المتضمِّنُ لرسالتِهِ، ودعوتِهِ قومَهُ، ومحاجَّتِهِ إيَّاهُم، وإبطالِهِ ما هم عليهِ، ولذلكَ قيَّدَهُ بالظرفِ فقالَ: {إِذْ قَالَ لأبِيهِ}.

– الشيخ : إذ قال إذ هذا ظرف يعني ادعُ يعني اتلُ على الناس نبأ إبراهيم نبأه حين قال لأبيه وقومه ما تعبدون نعم … بالظرف نعم.

– القارئ : {إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا} متبجِّحينَ بعبادتِهم: {نَعْبُدُ أَصْنَامًا} ننحتُها ونعملُها بأيدينا، {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} أي: مقيمينَ على عبادتِها في كثيرٍ مِن أوقاتِنا، فقالَ لهم إبراهيمُ، مبيِّناً لعدمِ استحقاقِها للعبادةِ: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} فيستجيبونَ دعاءَكم، ويفرِّجونَ كربَكم، ويزيلونَ عنكُم كلَّ مكروهٍ؟

{أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} فأقرُّوا أنَّ ذلكَ كلَّهُ، غيرُ موجودٍ فيها.

– الشيخ : أقرُّوا بقولهم: بل، فقولهم بل وجدنا فيه إدغام يعني يتضمَّن ألَّا، ليسَ شيءٌ مِن ذلكَ فيها، ليس شيءٌ من ذلك فيها، نعم بلْ وجدْنا آباءَنا نعم، الحاملُ لهم هو أنَّ آباءَهم كانُوا على ذلك.

 

– القارئ : فلا تسمعُ دعاءً، ولا تنفعُ، ولا تضرُّ، ولهذا لمَّا كسَّرَها وقالَ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} قالُوا لهُ: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} أي: هذا أمرٌ متقررٌ مِن حالِها، لا يقبلُ الإشكالَ والشكَّ.

فلجؤُوا إلى تقليدِ آبائِهم الضالِّينَ، فقالُوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.

– الشيخ : نسأل الله العافية نسأل الله العافية، اتِّباع الآباء إنْ كانوا على الحقِّ كانَ محموداً وإن كانوا على الباطل المُناقض للفِطَر والعقول والشرائع فهو، اتِّباعهم حقّ اتِّباع الآباء مثل ما قال إبراهيم مُتَّبِعاً يوسف عليه السلام قال: واتبعْتُ آبائي واتبعْتُ آبائي إبراهيم وإسحاقَ ويعقوب ما كان لنا أن نُشرِك به شيئا، واتبعت آبائي.

– الطلاب: ملَّةَ آبائي

– الشيخ : {واتبعْتُ ملَّةَ آبائي إبراهيمَ وإسحقَ ويعقوبَ ما كانَ لنا أنْ نُشركَ باللهِ}.

– القارئ : فقالُوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} فتبعْناهم على ذلكَ، وسلكْنا سبيلَهم، وحافظْنا على عاداتِهم، فقالَ لهم إبراهيمُ: أنتم وآباؤُكم، كلّكم خصومٌ في الأمرِ، والكلامُ معَ الجميعِ واحدٌ.

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} فليضرُّوني بأدنى شيءٍ مِن الضررِ، وليكيدوني، فلا يقدرونَ.

{إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} هوَ المُنفرِدُ بنعمةِ الخلقِ، ونعمةِ الهدايةِ للمصالحِ الدينيَّةِ والدنيويَّةِ.

ثمَّ خصّصَ منها بعضَ الضرورياتِ فقالَ: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} فهذا هوَ وحدُهُ المُنفردُ بذلكَ، فيجبُ أنْ يُفْرَدَ بالعبادةِ والطاعةِ، وتُترَكُ هذهِ الأصنامَ، الَّتي لا تخلقُ، ولا تهدي، ولا تُمرِضُ، ولا تُشفي، ولا تُطعِمُ ولا تسقي، ولا تُميتُ، ولا تُحيي، ولا تنفعُ عابديها، بكشفِ الكروبِ، ولا مغفرةِ الذنوبِ.

فهذا دليلٌ قاطعٌ، وحجَّةٌ باهرةٌ، لا تقدرونَ أنتم وآباؤُكم على معارضتِها، فدلَّ على اشتراكِكُم في الضلالِ، وتركِكم طريقَ الهدى والرشدِ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ…} الآياتِ.

ثمَّ دعا عليهِ السلامُ ربَّهُ فقالَ: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا} أي: علماً كثيراً، أعرفُ بهِ الأحكامَ، والحلالَ والحرامَ، وأحكمُ بهِ بينَ الأنامِ، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} مِن إخوانِهِ الأنبياءِ والمرسلينَ.

{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} أي: اجعلْ لي ثناءً مُستمرَّاً إلى آخرِ الدهرِ، فاستجابَ اللهُ دعاءَهُ، فوهبَ لهُ مِن العلمِ والحُكمِ، ما كانَ بهِ مِن أفضلِ المُرسلينَ، وألحقَهُ بإخوانِهِ المُرسلينَ، وجعلَهُ محبوباً مقبولاً معظَّماً مُثنَىً عليهِ، في جميعِ المللِ، في كلِّ الأوقاتِ.

قالَ تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصّافّات:108-111]

{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} أي: مِن أهلِ الجنَّةِ، الَّتي يورثُهم اللهُ إيَّاها، فأجابَ اللهُ دعاءَهُ، فرفعَ منزلتَهُ في جنَّاتِ النعيمِ.

{وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} وهذا الدعاءُ، بسببِ الوعدِ الَّذي قالَ لأبيهِ: ﴿سأستغفرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم:47]

 قالَ تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لحليمٌ أوَّاهٌ}.

– الشيخ : لأوَّاه

– القارئ : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لحليمٌ

– الشيخ : لأوَّاه، ما هي بآية؟

– الطلاب: آية آية

– الشيخ : لأوَّاهٌ حليم

– القارئ : مكتوب عندي كذا.

– الشيخ : لا خطأ هذي الثانية في "هود"، نعم؛ لأوَّاهٌ حليم.

– القارئ : "إنَّ إبراهيمَ لأوَّاهٌ مُنيبٌ ولا تُخزني يومَ".

– الشيخ : حليم حليم.

– القارئ : إنَّ إبراهيمَ لأوَّاهٌ.

– الشيخ : حليم.

– القارئ : حليم {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} أي: بالتوبيخِ على بعضِ الذنوبِ، والعقوبةِ عليها والفضيحةِ، بلْ أسعدْني في ذلكَ اليومِ الَّذي {لا يَنْفَعُ} فيهِ {مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} فهذا الَّذي ينفعُهُ عندَكَ وهذا الَّذي ينجو مِن العقابِ ويستحقُّ جزيلَ الثوابِ.

والقلبُ السليمُ معناهُ الَّذي سَلِمَ مِن الشركِ والشكِّ ومحبَّةِ الشرِّ والإصرارِ على البِدعةِ والذنوبِ.

– الشيخ : أعوذ بالله.

– القارئ : ويلزمُ مِن سلامتِهِ ممَّا ذُكِرَ اتَّصافُهُ بأضدادِها مِن الإخلاصِ والعلمِ واليقينِ ومحبَّةِ الخيرِ وتزيينِهِ في قلبِهِ وأنْ تكونَ إرادتُهُ ومحبَّتُهُ تابعةً لمحبَّةِ اللهِ وهواهُ تبعاً لِما جاءَ عن اللهِ.

ثمَّ ذكرَ مِن صفاتِ ذلكَ اليومِ العظيمِ وما فيهِ مِن الثوابِ والعقابِ فقالَ: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ}.

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ.