الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشعراء/(8) من قوله تعالى {كذبت قوم نوح المرسلين} الآية 105 إلى قوله تعالى {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} الآية 122

(8) من قوله تعالى {كذبت قوم نوح المرسلين} الآية 105 إلى قوله تعالى {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} الآية 122

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّعراء

الدَّرس: الثَّامن

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشُّعراء:105-122]

– الشيخ : أحسنت لا إله إلَّا الله.. لا إله إلَّا الله، يخبرُ سبحانه وتعالى عن عبدِه ورسولِه نوح الَّذي هو أوَّلُ الرُّسلِ إلى أهلِ الأرضِ، حينَ حدثَ في قومِه الشركُ باللهِ أرسلَ اللهُ إليهم نوح يدعوهم إلى عبادةِ الله وحده لا شريك له، ولكنَّهم كذَّبوه وآذَوه وقد بذلَ معهم يعني كلَّ طريق في دعوتهم، ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا(6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ [نوح:5-7]

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} قومُ نوحٍ ما جاءَهم إلّا واحد إلّا رسول واحد، فما معنى أنّهم كذَّبوا رسلاً، كذَّبوا المرسلين بل كذَّبوا الرسل كلَّهم؛ لأنَّ دعوة الرسل واحدة، فمن كذَّب رسولاً كان مكذِّباً للجميع، كلُّهم جاؤوا بالدعوة إلى الله إلى عبادته وحده لا شريك له،فمن كذَّب رسولاً كان مُكذِّباً لجميعهم؛ لأنّ الدعوة واحدة.

وقوم نوح لما كذَّبوا الرسل وقوم نوح لما كذَّبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية، وهنا يقول: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} أخوهم سمّى الرسولَ أخاهم أخ أخاً لقومه لقومه لأنَّه منهم، وهذه أخوَّة نسب وإلّا فهو يتبرَّأُ منهم وليسُوا منه في شيءٍ.

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ} وهذا يسمِّيهِ العلماءُ أسلوبَ عَرْضٍ فيه تلطُّفٌ معهم: ألا ألا تتقون، هل لك هل لك إلى إلى أن تزكَّى، أسلوب فيه لينٌ فيه رِفقٌ.

{أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} يخبرُ أنَّ أنَّه رسول رسول لا يدعو على نفسه، هو جاء رسولاً أرسله ربُّ العالمين، إنَّي لكم رسول أمين.

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} اتقوا الله هذه دعوة الرسل يدعون الناس إلى تقوى الله، وأوَّلُ التَّقوى وأعظمُ ما يجبُ من التقوى تركُ الشركِ بالله، اتقوا الله وأطيعونِ فالتقوى حقُّ الله العبادة والتقوى والغابة هي حقُّ الله، والطاعة حقٌّ لله ولرسوله: من يطعِ الرسولَ فقد أطاعَ اللهَ.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} ما جاءَ لينالَ مالاً ولا طمعاً، ويا قومُ لا أسألُكم عليه مالاً إن أجري إلَّا على الله، وما أسألكم عليه من أجرٍ إنْ أجري إلَّا على ربِّ العالمين، ربُّ العالمين خالقهم ومالِكهم وإلهههم، فاتقوا الله وأطيعون، كرَّرَ الدعوة كرَّرَ الدعوة إلى التقوى والطاعة، فاتقوا الله واطيعون.

فالردُّ: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} استتفهام استنكار واستبعاد كيف نتبعك وأنت يتَّبعك الأرذلون من الناس، الفقراء والضَعَفة والناس اللي الّذين ليس لهم شأن ولا جاه ولا لهم مال ولا، {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ}.

حتّى أنَّهم طلبوا منه أن يطردهم، وهكذا قال كُبراءُ قريشٍ والمشركين طلبُوا من الرسولِ أن يطردَ عنه الضَعَفةَ، ضعفةُ المؤممنين حتّى لأنّهم مستكبرون لا يريددون أن يجالسوا هؤلاء المستضعفين الفقراء.

فالطريق واحد، {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ، قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أنا لا علم لي بأعمالهم وحالهم ومآلهم، حسابهم على الله حسابهم على الله، {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ}.

{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} هذا يدلُّ على أنَّهم قد طلبُوا منه أن يطردَهم، {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} هذا هذه وظيفتي إن أنا ما أنا إلَّا نذيرٌ، أناجئت نذيراً أُنذِر الناس لا والله اُنذِرُهم بأس الله.

{إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ، قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} الآن جاء التهديد يعني ما وقفوا عند الامتناع من الإيمان لأ، لئن لم تنتهِ عن ماذا؟ عن الدعوة عن دعوتنا وعن تسفيهنا لأنّه سَفَّه أحلامهم وأعلن براءته منهم ومن آلهتهم، وأعلن أنّها آلهةٌ باطلةٌ.

{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} هددوه بأنّهم يرجمونه يرجمونه بالحجارة يرجمونه بالكلام الفاحش البذيء، {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}.

فلمَّا رأئ يعني وجد منهم هذا هذا العناد وهذا الإصرار وهذا التهديد توجَّهَ إلى ربِّه، {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} احكمْ بيني وبينَهم، {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أجابَ اللهُ دعاءَه وأمرَه بصنعِ السفينةِ، و ﴿أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [المؤمنون:27] الآيات.

فهنا قال: ونجيناه وأهله أجمعين، {وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ}  فلم ينجُ إلَّا أصحابُ السفينةِ إلَّا الَّذين كانوا في السفينة، الفُلك هو السفينة فُلك هو المركب البحريّ، ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ﴾ [الجاثية:12]

فهي أوَّلُ سفينةٍ هذا الفلكُ هو أوَّلُ فلكٍ يسيرُ على الماءِ.

لا إله إلّا الله، {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ} كلَّهم الباقي كلَّهم، {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ} قالَ اللهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} فخُتِمَتِ السورةُ بالاسمينِ الشريفينِ الدالّينِ على العزَّة والرحمة، فبعزّته وقوّته وقدرته أهلك المكذِّبين، وبرحمته نجَّى نبيَّه والمؤمنين.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} إلى آخرِ القصَّةِ يذكرُ تعالى تكذيبَ قومِ نوحٍ لرسولِهم نوحٍ، وما ردَّ عليهم وردُّوا عليهِ، وعاقبةَ الجميعِ. فقالَ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} جميعَهم؛ لأنَّ تكذيبَ نوحٍ كتكذيبِ جميعِ المُرسلينَ، لأنَّهم كلَّهم، اتَّفقوا على دعوةٍ واحدةٍ، وأخبارٍ واحدةٍ، فتكذيبُ أحدِهم، كتكذيبِ، بجميعِ ما جاؤُوا بهِ مِن الحقِّ.

كذّبُوهُ {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} في النسبِ {نُوحٌ} وإنَّما

– الشيخ : في النسب يعني لا هو بريءٌ منهم ليس اخاً لهم في الدِّين بل هو ضدُّهم وهو عدوهم وهم عدو له، لكنّه منهم.

– القارئ : وإنَّما ابتعثَ اللهُ الرُّسلَ، مِن نسبِ مَن أرسلَ إليهم

– الشيخ : من نسب من أُرسل إليهم، يعني يبعث الله ويختارُ مِن كلِّ قومٍ يعني من يكونُ من أشرافهم ومن وممّن هو رفيعُ النسبِ، كما بعثَ اللهُ محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- من أفضلِ الناسِ نسباً وهم قريشُ من العربِ من ذريّةِ إسماعيلَ.

 

– القارئ : لئلَّا يشمئزُوا مِن الانقيادِ لهُ، ولأنَّهم يعرفونَ حقيقتَهُ، فلا يحتاجونَ أنْ يبحثُوا عنهُ، فقالَ لهُم مُخاطباً بألطفِ خطابٍ كما هيَ طريقةُ الرُّسلِ -صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهم-: {أَلا تَتَّقُونَ} اللهَ تعالى، فتتركونَ ما أنتم مقيمونَ عليهِ، مِن عبادةِ الأوثانِ، وتخلصُوا العبادةَ للهِ وحدَهُ.

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} فكونُهُ رسولاً إليهم بالخصوصِ، يُوجبُ لهم تلقّي ما أُرسِلَ بهِ إليهم، والإيمانُ بهِ، وأنْ يشكرُوا اللهَ تعالى، على أنْ خصَّهم بهذا الرسولِ الكريمِ، وكونُهُ أميناً يقتضي أنَّهُ لا يقولُ على اللهِ، ولا يزيدُ في وحيهِ، ولا ينقصُ، وهذا يُوجبُ لهم التصديقُ بخبرِهِ والطاعةُ لأمرِهِ.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} فيما أمرَكم بهِ، ونهاكم عنهُ.

– الشيخ : آمرُكم، وأطيعون فيما آمركم كِذا عندكم؟

– القارئ : فيما أمرَكم، هذا المكتوب.

– الشيخ : طيب فيما أمركم المناسب ما قال فيما أعد أعد أعد فاتقوا الله.

– القارئ : نعم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} فيما أمرَكم بهِ، ونهاكم عنهُ.

فإنَّ هذا هوَ الَّذي يترتَّبُ على كونِهِ رسولاً إليهِم، أميناً، فلذلكَ رتَّبَهُ بالفاءِ الدالَّةِ على السببِ، فذكرَ السببَ المُوجِبَ، ثمَّ ذكرَ انتفاءَ المانعِ فقالَ: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ}.

فتتكلَّفُوا مِن المَغْرَمِ الثقيلِ، {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} أرجو بذلكَ القُربَ مِنهُ، والثوابَ الجزيلَ، وأمَّا أنتم فمُنيتي، ومُنتهى إرادتي منكُم، النصحُ لكُم، وسلوكُكم الصراطَ المستقيمَ.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} كرَّرَ ذلكَ عليهِ السلامُ، لتكريرِ دعوةِ قومِهِ، وطولِ مكثِهِ في ذلكَ، كما قالَ تعالى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ [العنكبوت:14]

– الشيخ : كما قال تعالى أيش؟

– القارئ : عندي كذا: فلبثَ في قومِهِ

– الشيخ : … آية تقول فيهم، {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف} نعم.

– القارئ : نعم، كما قالَ تعالى {فَلَبِثَ فِيهِمْ}

– الشيخ : ألف سنةٍ

– القارئ : قومِهِ { ألفَ}

هو الشيخ أضافَ قومَهُ، {أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} وقالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ [نوح:5-6] الآيات.

فقالُوا ردَّاً لدعوتِهِ، ومعارضةً لهُ بما ليسَ يصلحُ للمعارضةِ: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ} أي: كيفَ نتَّبعُكَ ونحنُ لا نرى أتباعَكَ إلَّا أسافلَ الناسِ، وأراذلِهم، وبهذا يُعرَفُ تكبُّرُهم عن الحقِّ، وجهلُهم بالحقائقِ، وإنَّهم لو كانَ قصدُهم الحقَّ، لقالُوا – إنْ كانَ عندَهم إشكالٌ وشكٌّ في دعوتِهِ – بيّنْ لنا صحَّةَ ما جئْتَ بهِ بالطرقِ المُوصِلةِ إلى ذلكَ، ولو تأمَّلُوا حقَّ التأمُّلِ، لعلمُوا أنَّ أتباعَهُ، هم الأعلونَ، خيارُ الخلقِ، أهلُ العقولِ.

– الشيخ : بس هم أرذلون من حيثُ منظار بمنظارِ من ينظرُ إلى يقيسُ الامورَ ويقيسُ الناسَ بحظوظ الدنيا، وإلّا هم خيرٌ منهم في أخلاقهم وفي عقولهم خيرٌ منهم، لكن هم يقيسون بالدنيا فهم عندهم مُستضعفون مُسترذلون محتقرون عندهم، ما نراكَ اتبعكَ إلّا الّذينَ هم أراذلُنا باديَ الرأي.

 

– القارئ : خيارُ الخلقِ، أهلُ العقولِ الرزينةِ، والأخلاقِ الفاضلةِ، وأنَّ الأرذلَ، مَن سلبَ خاصيَّةَ عقلِهِ، فاستحسنَ عبادةَ الأحجارِ، ورضيَ أنْ يسجدَ لها، ويدعوها، وأبى الانقيادَ لدعوةِ الرُّسلِ الكُمَّلِ. وبمجرَّدِ ما يتكلَّمُ أحدُ الخصمينِ في الكلامِ الباطلِ، يعرفُ فساد ما عندَهُ بقطعِ النظرِ عن صحَّةِ دعوى خصمِهِ، فقومُ نوحٍ، لمَّا سمعْنا عنهم، أنَّهم قالُوا في ردِّهم دعوةَ نوحٍ: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ} فبنَوا على هذا الأصلِ، الَّذي كلُّ أحدٍ يعرفُ فسادَهُ، ردَّ دعوتِهِ عرفْنا أنَّهم ضالُّونَ مخطئونَ، ولو لم نشاهدْ مِن آياتِ نوحٍ ودعوتِهِ العظيمةِ، ما يفيدُ الجزمَ واليقينَ، بصدقِهِ وصحَّةِ ما جاءَ بهِ.

فقالَ نوحٌ -عليهِ السلامُ-: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} أي: أعمالُهم وحسابُهم على اللهِ إنَّما عليَّ التبليغُ وأنتم دعوهم عنكُم إنْ كانَ ما جئْتُكُم بهِ الحقُّ فانقادُوا لهُ وكلٌّ لهُ عملُهُ.

{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} كأنَّهم – قبَّحَهم اللهُ – طلبُوا منهُ أنْ يطردَهم عنهُ تكبُّراً وتجبُّراً ليؤمنُوا فقالَ {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} فإنَّهم لا يستحقُّونَ الطردَ والإهانةَ وإنَّما يستحقُّونَ الإكرامَ القوليَّ والفعليَّ كما قالَ تعالى ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾[الأنعام:54]

{إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي: ما أنا إلَّا مُنذِرٌ ومُبلِّغٌ عن اللهِ ومُجتهدٌ في نصحِ العبادِ وليسَ لي مِن الأمرِ شيءٌ إنْ الأمرُ إلَّا للهِ.

فاستمرَّ نوحٌ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- على دعوتِهم ليلاً ونهاراً سرَّاً وجهاراً فلم يزدادُوا إلَّا نفوراً و {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ} مِن دعوتِكَ إيَّانا إلى اللهِ وحدَهُ {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} أي: لنقتلَنَّكَ شرَّ قِتلةٍ بالرمي بالحجارةِ كما يُقتَلُ الكلبُ فتبّاً لهم ما أقبحَ هذهِ المقابلةِ يقابلونَ الناصحَ الأمينَ الَّذي هوَ أشفقُ عليهم مِن أنفسِهم بشرِّ مقابلةٍ لا جرمَ لمَّا انتهى ظلمُهم واشتدَّ كفرُهم دعا عليهم نوحٌ بدعوةٍ أحاطَتْ بهم فقالَ ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح:26] الآيات.

وهنا {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا} أي: أهلكْ الباغيَ منّا وهوَ يعلمُ أنَّهم البغاةُ الظلمةُ ولهذا قالَ {وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ} أي: السفينةِ {الْمَشْحُونِ} مِن الخلقِ والحيواناتِ {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ} أي: بعدَ نوحٍ ومَن معَهُ مِن المؤمنينَ {الْبَاقِينَ} أي: جميعَ قومِهِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: نجاةَ نوحٍ وأتباعِهِ وإهلاكَ مَن كذَّبَهُ {لآيَةً} دالَّةً على صدقِ رسلِنا وصحَّةِ ما جاؤُوا بهِ وبُطلانِ ما عليهِ أعداؤُهم المُكذِّبونَ بهم.

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} الَّذي قهرَ بعزِّهِ أعداءَهُ فأغرقَهم بالطوفانِ {الرَّحِيمُ} بأوليائِهِ حيثُ نجَّى نوحاً ومَن معَهُ مِن أهلِ الإيمانِ.

{كذَّبَتْ عادٌ المرسلينَ}

– الشيخ : نعم بعدك .