الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشعراء/(9) من قوله تعالى {كذبت عاد المرسلين} الآية 123 إلى قوله تعالى {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} الآية 140
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(9) من قوله تعالى {كذبت عاد المرسلين} الآية 123 إلى قوله تعالى {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} الآية 140

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّعراء

الدَّرس: التَّاسع

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشُّعراء:123-140]

– الشيخ : كذلك يُخبرُ تعالى عن عادٍ قومِ هودٍ، الأمَّة العاتية المُستكبِرة.

كَذَّبَتْ يخبرُ اللهُ تعالى أنَّها كَذَّبَتْ، كَذَّبَتْ نبيَّها هود عليهِ السلامُ، وقالَ تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} القولُ في ذلكَ كالقولِ فيما تقدَّمَ، فتكذيبَهم لهودٍ تكذيبٌ لكلِّ الرسلِ؛ لأنَّ دعوةَ الرسلِ واحدةٌ، كلُّهم يدعون إلى عبادةِ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، يدعون إلى تقوى اللهِ، وطاعتِه وطاعةِ رسلِه {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} لأنَّه منهم أخوهم منهم، فهي أخوَّةُ نسبٍ، وإلّا فهو بريءٌ منهم، {أَلَا تَتَّقُونَ} تقدَّمَ أن هذا أسلوبُ تلطُّف معهم، ألا، ثمّ في النحو في اللغة هذا عرض {أَلَا تَتَّقُونَ  إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ  فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذه نفسُ الكلماتِ الَّتي أخبرَ الله بها عن عن نوح، وهكذا ما سيأتي من خبرِ ثمودٍ ونبيِّهم، وقوم لوط وقوم شُعيب.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}

ثمَّ أنكرَ عليهم بعضَ أعمالِهم الَّتي هي من ضروبِ العبثِ {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} فهم جبابرةٌ عُتاةٌ طغاةٌ.

{وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} أيضاً أعادَ الكرَّةَ للأمرِ بالتقوى والطاعةِ {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}

{وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ}، {اتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ}، {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فهو يُذكِّرُهم بنعمِ اللهِ عليهم من الزروعِ والبساتينِ والبنينِ {بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}

فالرسلُ يدعون أممَهم إلى توحيدِ اللهِ وطاعتِه؛ خوفاً عليهم، يخافون عليهم عذابَ اللهِ {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}

فأجابوا بهذا الجوابِ الخبيثِ {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} يعني لا نبالي بك ولا نطيعُ أمرَك، ولا نتبعُك، سواءٌ عندنا سواءٌ وعظتَ أو ام تعظ، سِيَّان.

{إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ فَكَذَّبُوهُ} هذه النتيجةُ، النتيجةُ أنَّهم كذَّبُوه {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ} فَكَذَّبُوهُ بعدَ هذه النُذُرِ وهذه المواعظِ وهذا التذكيرِ، كَذَّبُوهُ فكانَ عاقبتُهم الهلاكِ فقومُ نوحٍ أهلكَهم اللهُ بالغرقِ، وقومُ هودٍ أهلكَهم اللهُ بالريحِ العاتيةِ {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا}

{فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} يعني قصّتُهم فيها آيةٌ للمعتبرين، ماذا فعل الله بهم! {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديُّ رحمَهُ اللهُ تعالى:

{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} إلى آخرِ القصَّةِ.

أي: كذَّبَتْ القبيلةُ المُسمَّاةُ عاداً، رسولَهم هوداً، وتكذيبُهم لهُ تكذيبٌ لغيرِهِ، لاتِّفاقِ الدعوةِ.

– الشيخ : لاتِّفاق الدعوة، لأنّ دعوة الرسل واحدةٌ.

– القارئ : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} في النسبِ {هُودٌ} بلطفٍ وحُسنِ خطابٍ: {أَلا تَتَّقُونَ} اللهَ، فتتركُوا الشركَ.

– الشيخ : {أَلا تَتَّقُونَ} اللهَ، يعني {أَلا تَتَّقُونَ} اللهَ.

– القارئ : فتتركُوا الشركَ وعبادةَ غيرِهِ.

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} أي: أرسلَني اللهُ إليكم، رحمةً بكم، واعتناءً بكم، وأنا أمينٌ، تعرفونَ ذلكَ مني، رتَّبَ على ذلكَ قولُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}

أي: أدَّوا حقَّ اللهِ تعالى، وهوَ التَّقوى، وأدَّوا حقِّي، بطاعتي فيما آمرُكم بهِ، وأنهاكُم عنهُ فهذا مُوجِبٌ، لأنْ تتبعوني وتطيعوني وليسَ ثَمَّ مانعٌ يمنعُكم مِن الإيمانِ، فلسْتُ أسألُكم على تبليغي إيَّاكم ونُصحي لكم أجراً، حتَّى تستثقلُوا ذلكَ المَغْرَمَ.

{إِنْ أَجْرِيَ إِلّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} الَّذي ربَّاهُم بنعمِهِ، وأدرَّ عليهم فضلَهُ وكرمَهُ، خصوصاً ما ربَّى بهِ أولياءَهُ وأنبياءَهُ.

{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ} أي: مدخل بينَ الجبالِ {آيَةً} أي: علامةً.

– الشيخ : يُفَسِّرُ الشيخ الرِيع بأنَّه الطريق بين الجبلين، طريق بين الجبلين، رِيْع، وإلى الآن يُعرف بهذا الاسم رِيْع.

– القارئ : {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ} أي: مدخلٍ بينَ الجبالِ {آيَةً} أي: علامةً {تَعْبَثُونَ} أي: تفعلونَ ذلكَ عبثاً لغيرِ فائدةٍ تعودُ بمصالحِ دينِكُم ودنياكُم.

– الشيخ : يتَّخذون علامات من غيرِ حاجةٍ، أمّا تُوضَعُ يعني علامات منارات يعني مبانٍ يعني تُرشِدُ إلى الطريق، فهذا فيه مصلحة ظاهرة، لكن يظهرُ أنّهم يضعون شيء من هذا النوع من غير حاجةٍ، طريق واضح [….] طريق بين جبلين مُشاهَد، فلا معنى لوضعِ علامةٍ، لكنّهم يتّخذون هذه العلامات عبثاً. وإلّا العلاماتُ الإرشاديّةُ واللافتاتُ الإرشاديّةُ الّتي يعني يحتاجُ الناسُ إليها هذه يعني من الأعمالِ المفيدةِ.

 

– القارئ : {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} أي: بركاً ومجابيَ للمياهِ {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} والحالُ.

– الشيخ : هذه تُسمَّى عندَ الفقهاءِ وغيرِهم، يُسمّونها مصانع يعني بِرَكٌ إذا جاءَ المطرُ تنصبُّ الشِّعابُ إليها فتمتلئُ فيستقي منها الناسُ، وهكذا كانَ طريقُ الحجِّ من العراقِ إلى مكّةَ ومن، قد بُنيَ فيه بِرَك وينتفعُ بها الحجاجُ. ونبيُّ اللهِ ينكرُ عليهم لأنّه كأنّها، كأنّهم يفعلونها من غير، من غير حاجة كذلك عبث، نعم (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ).

 

– القارئ : {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} والحالُ أنَّهُ لا سبيلَ إلى الخلودِ.

– الشيخ : أبو أيوب، شوف ابن كثير على مصانع وش يقول؟ نعم.

– القارئ : والحالُ أنَّهُ لا سبيلَ إلى الخلودِ لأحدٍ.

{وَإِذَا بَطَشْتُمْ} بالخلقِ {بَطَشْتُمْ.

– الشيخ : يقول: (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) أيش قال؟

– القارئ : {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} أي: بِرَكَاً ومجابيَ للمياهِ.

{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} والحالُ أنَّهُ لا سبيلَ إلى الخلودِ لأحدٍ.

{وَإِذَا بَطَشْتُمْ} بالخلقِ

– الشيخ : لا إله إلّا الله، بعضُهم يقولُ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} كأنّكم مُخلَّدون، كأنَّكم تَخْلُدون.

وعملُ كثيرٍ مِن الناسِ بلا تفكيرٍ كأنَّهم مُعمَّرون ومُخلَّدون يعني بما يفعلونَه من يعني المباني والقصور والأعمال الكبيرة، يعني لا يفكِّرون في حقيقةِ هذه الدُّنيا وسرعةِ انقضائِها، ولا يعتبرون بالماضي ممّن مضى، ملوكٌ وأممٌ ذهبتْ، تعيشُ على هذهِ الأرضِ مُدّةً إلى أجلٍ (ولكلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) لها أجلٌ، تعيشُ مدّةً ثمّ تنقضي تخلفُها أمّةٌ أُخرى، هكذا شأن الملوكِ وشأنُ أصحابِ الحظوظ وأصحاب كلّها.

ما خلق الله هذه الحياة ليبقى الناس فيها بل هي مثل الطريق معبر، سبحان الله العظيم.

واللهُ ندبَنا إلى التفكُّرِ في الدُّنيا والآخرةِ {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ في الدُّنيا والآخرة} فكِّرْ في الدنيا وأحوالهِا وما فيها من النغصِ، نغصِ العيشِ ونكدِ العيشِ، ثمّ تنتهي إلى الذهابِ، إمّا أن تَذهبَ بسببٍ من أسبابِ الفناءِ وأسبابِ الهلاكِ، أو يرحلُ صاحبها عنها ويتركها لمن وراءه، نعم سبحان الله العظيم.

 

– القارئ : {وَإِذَا بَطَشْتُمْ} بالخلقِ {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} قتلاً وضرباً، وأخذَ أموالٍ، وكانَ اللهُ تعالى قدْ أعطاهُم قوَّةً عظيمةً، وكانَ الواجبُ عليهم أنْ يستعينُوا بقوَّتِهم على طاعةِ اللهِ، ولكنَّهم فخرُوا، واستكبرُوا، وقالُوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} واستعملُوا قوَّتَهم في معاصي اللهِ، وفي العبثِ والسَّفَهِ، فلذلكَ نهاهُم نبيُّهم عن ذلكَ.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ} واتركُوا شركَكم وبطرَكم {وَأَطِيعُونِ} حيثُ علمْتُم أنَّي رسولُ اللهِ إليكم، أمينٌ ناصحٌ.

{وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ} أي: أعطاكُم {بِمَا تَعْلَمُونَ} أي: أمدَّكُم بما لا يُجهَلُ ولا يُنكَرُ مِن الأنعامِ.

{أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ} مِن إبلٍ وبقرٍ وغنمٍ {وَبَنِينَ} أي: وكثرةِ نسلٍ، كثَّرَ أموالَكم، وكثَّرَ أولادَكُم، خصوصاً الذكورُ، أفضلُ القسمينِ.

هذا تذكيرُهم بالنعمِ، ثمَّ ذكَّرَهم حلولَ عذابِ اللهِ فقالَ: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}

أي: إنِّي -مِن شفقتي عليكُم وبرِّي بكُم- أخافُ أنْ ينزلَ بكم عذابٌ عظيمٌ، إذا نزلَ لا يُردُّ، إنْ استمررْتُم على كفرِكم وبغيِكُم.

فقالُوا معاندينَ للحقِّ مكذِّبينَ لنبيِّهم: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} أي: الجميعُ على حدٍ سواءٌ، وهذا غايةُ العتوِّ، فإنَّ قوماً بلغَتْ بهم الحالُ إلى أنْ صارَتْ مواعظُ اللهِ، الّتي تُذيبُ الجبالَ الصمَّ الصِّلابَ، وتتصدَّعُ لها أفئدةُ أولي الألبابِ، وجودُها وعدمُها -عندَهم- على حدٍ سواءٌ، لقومٍ انتهى ظلمُهم، واشتدَّ شقاؤُهم، وانقطعَ الرجاءُ مِن هدايتِهم، ولهذا قالُوا:

{إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ}

أي: هذهِ الأحوالُ والنعمُ، ونحو ذلكَ، عادةُ الأوَّلينَ، تارةً يستغنونَ، وتارةً يفتقرونَ، وهذهِ أحوالُ الدهرِ، لأنَّ هذهِ محنٌ ومنحٌ مِن اللهِ تعالى.

– الشيخ : عادةُ الأوّلين يعني: يعني شي عادي كما إن صحَّ يُقال: روتيني، هذا شي معتاد، يجي رخاء وشدّة، ويجي صحّة ومرض، وأمن وخوف، بس يعني ما هي، ما هو، ليست عن تدبيرٍ، عن تدبيرِ مُدبِّرٍ.

– القارئ : تارةً يستغنونَ، وتارةً يفتقرونَ، وهذهِ أحوالُ الدهرِ.

– الشيخ : هذي كلامهم، كلّه كلامهم، نعم.

– القارئ : لأنَّها

– الشيخ : "لا أنّها" اقراها كذا يا أخي

– طالب: لا أنَّها

– القارئ : الي عندي "لأنَّها"

– الشيخ : اترك الي عندك

– القارئ : لا أنَّ هذهِ محنٌ ومنحٌ مِن اللهِ تعالى

– الشيخ : هذا كلامهم، هم ينفون ذلك، عندكم كلّكم "لأنّها"؟

– طالب: لا يا شيخ، لا أنّ

– الشيخ : خلاص

– طالب: لأن هذه

– الشيخ : لا يا أخي غلط

– طالب: هكذا عندي؛ لا أنّ

– الشيخ : عندك، لا أنَّها؟

– طالب: لا أنَّ هذه

– الشيخ : خلاص كما ذكرتُ لك

– طالب: نعم هكذا عندي

– الشيخ : خلاص صوِّبها كذا "لا أنَّها"

– القارئ : {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} وهذا إنكارٌ منهم للبعثِ، أو تنزُّلٌ معَ نبيِّهم وتهكُّمٌ بهِ، إنَّنا على فرضِ أنَّنا نُبعَثُ، فإنَّنا كما أَدرْتَ علينا النعمُ في الدُّنيا، كذلكَ لا تزالُ مستمرَّةً علينا إذا بُعِثْنا.

– الشيخ : اصبر، اصبر، إن هذا إلّا خلق، (وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)

– القارئ : {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} وهذا إنكارٌ منهم للبعثِ، أو تنزُّلٌ معَ نبيِّهم وتهكُّمٌ بهِ، إنَّنا على فرضِ أنَّنا نُبعَثُ، فإنَّنا كما أُدِرَّتْ علينا النعمُ في الدُّنيا، كذلكَ لا تزالُ مستمرَّةً علينا إذا بُعِثْنا.

{فَكَذَّبُوهُ} أي: صارَ التكذيبُ سجيَّةً لهم وخلقاً، لا يردعُهم عنهُ رادعٌ، {فَأَهْلَكْنَاهُمْ}

– الشيخ : (فَكَذَّبُوهُ) هذهِ النتيجةُ النهائيّةُ، النتيجةُ النهائيّةُ بعدَ هذا الحوارِ، التكذيبُ، والعاقبةُ: (فَأَهْلَكْنَاهُمْ)، كلمتين (فَكَذَّبُوهُ) هذا إجمالٌ للحوارِ السابقِ (فَأَهْلَكْنَاهُمْ) هذه الثمرةُ.

 

– القارئ : {فَأَهْلَكْنَاهُمْ} {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} على صدقِ نبيِّنا هودٍ -عليهِ السلامُ- وصحَّةِ ما جاءَ بهِ وبطلانِ ما عليهِ قومُهُ مِن الشركِ والجبروتِ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} معَ وجودِ الآياتِ المُقتضيةِ للإيمانِ.

– الشيخ : آمنْتُ بالله، نسألُ الله العافية، نعوذُ بالله من الخِذلان، أعوذُ بالله من الخِذلان.

– القارئ : {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} الَّذي أهلكَ بقدرتِهِ قومَ هودٍ على قوَّتِهم وبطشِهم.

{الرَّحِيمُ} بنبيِّهِ هودٍ حيثُ نجَّاهُ ومَن معَهُ مِن المؤمنينَ.

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}

– الشيخ : انتهى؟

– القارئ : انتهى

– الشيخ : وش قال يا (مصانع).

– القارئ : قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَصَانِعُ: الْبُرُوجُ الْمُشَيَّدَةُ

– الشيخ : شوف سبحان الله عكس، ابن كثير فسَّرها بالمعروف عند الفقهاء، يسمُّونها مصانع بِرَك الّتي يجتمع فيها ماء، وهذا يقول مجاهد إنَّها الْبُرُوجُ.

– القارئ : الْمُشَيَّدَةُ

– الشيخ : بُرُوج الْمُشَيَّدَةُ، نعم

– القارئ : وَالْبُنْيَانُ الْمُخَلَّدُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: بروجُ الحمامِ.

– الشيخ : يسوون للحمام بروج عبث، يعني سفه، يعني مثل كأنّها لعب أطفال، يبنون، شي يقول؟ وفي رواية عنه.

– القارئ : وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: بروجُ الحمامِ.

قَالَ قَتَادَةُ:

– الشيخ : قال لهم؟

– القارئ : لا

– الشيخ : قَالَ قَتَادَةُ، أيش قال؟

– القارئ : وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَأْخَذُ الْمَاءِ.

– الشيخ : هذا الي هو موافق لتفسير السعديّ، نعم، مَأْخَذُ الْمَاءِ.

– القارئ : قَالَ قَتَادَةُ: وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ}

– الشيخ : كَأَنَّكُمْ {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لعلّكم} يقول أيش؟ وقرأ.

– القارئ : وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ

– الشيخ : أي قراءة شاذَّة هذه

– القارئ : وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ.

وَفِي الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أَيْ: لِكَيْ تُقِيمُوا فِيهَا أَبَدًا.

– الشيخ : لَعَلَّكُمْ يعني راجين ذلك، راجين أن تُخلَّدوا وتبقوا وتعيشوا أبداً وهذا مُجرَّد يعني لسانُ الحالِ وإلَّا فهم ما، لا أحد ينكر الموت، ما فيه، ما في يقول: يعتقد أنَّه باقٍ، في هذه الحياة.

لكن التصرُّفات كأن الواحد مُخلَّد، كأنَّه يعتقد البقاء، ولكن لا أحد يعتقد البقاء، لأنّ الموت والارتحال أمر محسوس مشاهد. انتهى؟ نعم.

– القارئ : أَيْ: لِكَيْ تُقِيمُوا فِيهَا أَبَدًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَاصِلٍ لَكُمْ بَلْ زَائِلٌ عَنْكُمْ، كَمَا زَالَ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلان، حَدَّثَنِي عَوْن بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا رَأَى مَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُونَ فِي الغُوطة مِنَ الْبُنْيَانِ.

– الشيخ : أيه، الغوطة في بلد الشام معروفة إلى اليوم اسمها الغوطة، لما رَأَى أبو الدرداء.

– القارئ : لَمَّا رَأَى مَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُونَ فِي الغُوطة مِنَ الْبُنْيَانِ وَنَصْبِ الشَّجَرِ.

– الشيخ : وَنَصْبِ الشَّجَرِ، الآن كما ترون غرس الأشجار في الشوارع، هذا في شيء من العبث، وإنفاق الأموال فيما لا، ليس كبير نفع، من المال العام أو الخاص، الله أكبر.

الشجر ينفع يُغرَس من أجل الثمر، من أجل المنافع، الله المستعان، نعم غرس الشجر، وَنَصْبِ الشَّجَرِ.

– القارئ : وَنَصْبِ الشَّجَرِ، قَامَ فِي مَسْجِدِهِمْ فَنَادَى: يَا أَهْلَ دِمَشْقَ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ! تَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ، وَتَبْنُونَ مَا لَا تَسْكُنُونَ، وَتَأْمُلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ، إِنَّهُ كَانَتْ قَبْلَكُمْ قُرُونٌ، يَجْمَعُونَ فَيُرْعَونَ، فَيُرْعُونَ

– الشيخ : فيوعون

– القارئ : عندنا هكذا

– الشيخ : عندكم "يوعون"؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : يوعون ماشي يجمعون ويوعون.

– القارئ : وَيَبْنُونَ فَيُوثِقُونَ، وَيَأْمُلُونَ فَيُطِيلُونَ

– الشيخ : يُطِيلُونَ الأمل يعني.

– القارئ : فَأَصْبَحَ أَمَلُهُمْ غُرُورًا، وَأَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُورًا وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا، أَلَا إِنَّ عَادًا مَلَكَتْ مَا بَيْنَ عَدَنَ وَعُمَانَ خيْالًا وَرِكَابًا، فَمَنْ يَشْتَرِي مِنِّي مِيرَاثَ عَادٍ بِدِرْهَمَيْنِ؟

– الشيخ : لا إله إلا الله، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله، الله المستعان.

النوويّ ضمَّنَ مقدمة كتابه الجميل الجليل "رياض الصالحين" ذكر فيه، عن أهل الزهد في الدنيا:

إِنَّ للهِ عِبَـــاداً فُطَنـا     طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَـا

نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا      أَنَّهَا لَيْسَــتْ لِحَيٍّ وَطَنَــا

جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَـذُوا      صَالِحَ الأعمال فيها سُفُنَا