الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشعراء/(10) من قوله تعالى {كذبت ثمود المرسلين} الآية 141 إلى قوله تعالى {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} الآية 159
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(10) من قوله تعالى {كذبت ثمود المرسلين} الآية 141 إلى قوله تعالى {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} الآية 159

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّعراء

الدَّرس: العاشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُون * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ * قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:141-159]

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، هذه القصَّةُ الثَّالثةُ من قصصِ الأنبياءِ في هذه السُّورةِ، بل هي الخامسةُ إذا عددْنا قصَّةَ موسى وهارون وقصَّةَ إبراهيمَ.

لكنْ هذه قصصٌ خمسٌ كثيرًا ما يذكرُها اللهُ تباعًا كما في سورةِ الأعرافِ وفي سورة هود، قصَّة نوح، هؤلاء الأنبياء الَّذين جاءَتْ رسالاتُهم مُتواليةً، نوحٌ فَهودٌ فصالحٌ فلوطٌ فشعيبٌ. يقولُ تعالى:

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} قبيلةٌ كانت في شمالِ الجزيرةِ بلادهم عُرِفَ الآن بديار ثمود أو مدائنِ صالح {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} القولُ فيها كالقولِ في الآياتِ السَّابقةِ {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} كذَّبُوا صالحًا نبيَّهم فكانوا بذلك مُكذِّبين بالرسل كلِّهم؛ لأنَّ دعوةَ الرُّسلِ واحدةٌ.

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} يعني: فكلمةُ الرُّسلِ واحدةٌ، كلمتُهم واحدةٌ، يدعون إلى عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ له، يدعون إلى تقوى اللهِ وطاعته وطاعةِ رسوله ويُعلمونهم بأنَّهم لا يسألونهم أجرًا إنَّما يرجون أجرَهم من ربِّهم {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}

ثمَّ قالَ سبحانه وتعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ} لن تُترَكوا، المعنى لن تُترَكوا، لا بدَّ من النَّقلةِ عن هذه الدُّنيا إلى الدَّار الآخرة؛ لتُجزَوا بأعمالكم.

{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ} بساتين {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} وكانوا من عادتهم أنَّهم أصحابُ قوَّةٍ وكانُوا ينحتون من الجبالِ مساكنَ يسكنون فيها وقد بقيَتْ هذه الآثارُ سبحان الله! الجبال {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} بفرهٍ وفرحٍ وغرورٍ واستكبارٍ.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ} اتَّقوا اللهَ خافوه، خافوا اللهَ احذروا عذابَه {وَأَطِيعُون} {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُون * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} {لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} المتجاوزين للحدودِ، المُسرفين على أنفسِهم بالكفرِ والفسوقِ والعصيان.

{قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} هذا هو الرَّدُّ {قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} خلاص هذه شنشنةٌ من كلِّ أعداءِ الرُّسل يطعنون فيهم ويعتذرون عن قبولِ دعوتهم؛ لأنَّهم بشرٌ مثلهم، {مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ} هاتِ آيةً تدلُّ على صدقك {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} فكانَت آيةُ صالحٍ -عليه السَّلامُ- ناقةً عظيمةً تشرب ماءَ البئر الَّتي تردها وفي اليوم الآخرِ يشربون من لبنِها لبنًا كثيرًا غزيرًا {لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَلا تَمَسُّوهَا} حذَّرَهم من العدوانِ عليها، وهذا المعنى جاءَ في القرآنِ في مواضعَ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس:11-13] احذروا ناقتَه {وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس:13-15]

{لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا} عقرُوا النَّاقةَ وهذا إصرارٌ منهم على الكفرِ والتَّكذيب، فعقروا النَّاقةَ، لا إله إلَّا الله {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} أخذَتْهم الصَّيحةُ {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:67] قال اللهُ في هذه الآياتِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} فخُتِمَتْ القصَّةُ بمثل ما خُتِمَتْ به نظائرُها من قبلُ ومن بعدُ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ): 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ…} إلى آخرِ القصَّةِ.

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} القبيلةً المعروفةُ في مدائنِ الحجرِ {الْمُرْسَلِينَ}

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، بلادُهم تسمَّى الحِجر {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر:80]

– القارئ : {الْمُرْسَلِينَ} كذَّبُوا صالحًا -عليهِ السَّلامُ-، الَّذي جاءَ بالتَّوحيدِ، الَّذي دعَتْ إليهِ المرسلونَ، فكانَ تكذيبُهم لهُ تكذيبًا للجميعِ.

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ} في النَّسبِ، برفقٍ ولينٍ: {أَلا تَتَّقُونَ} اللهَ تعالى، وتدعونَ الشِّركَ والمعاصي.

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ} مِن اللهِ ربِّكم، أرسلَني إليكم، لطفًا بكم ورحمةً، فتلقوا رحمتَهُ بالقبولِ، وقابلوها بالإذعانِ، {أَمِينٌ} تعرفونَ ذلكَ منِّي، وذلكَ يوجبُ عليكم أنْ تؤمنُوا بي، وبما جئْتُ بهِ.

{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} فتقولونَ: يمنعُنا مِن اتِّباعِكَ، أنَّكَ تريدُ أخذَ أموالِنا، {إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: لا أطلبُ الثَّوابَ إلَّا منهُ.

{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} أي: نضيدٌ كثيرٌ، أي: أتحسبونَ أنَّكم تُترَكونَ في هذهِ الخيراتِ والنِّعمِ سدىً تتنعَّمونَ وتتمتَّعونَ كما تتمتَّعُ الأنعامُ وتُترَكونَ سدىً لا تؤمرونَ ولا تنهونَ وتستعينونَ بهذهِ النِّعمِ على معاصي اللهِ.

{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} أي: بلغَتْ بكم الفراهةُ والحذقُ إلى أنْ اتَّخذْتُم بيوتًا مِن الجبالِ الصُّمِّ الصِّلابِ.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} الَّذينَ تجاوزُوا الحدَّ.

{الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} أي: الَّذين وصفُهم ودأبُهم الإفسادُ في الأرضِ بعملِ المعاصي والدَّعوةِ إليها إفسادًا لا إصلاحَ فيهِ وهذا أضرُّ ما يكونُ؛ لأنَّهُ شرٌّ محضٌ وكأنَّ أناسًا عندَهم مستعدَّونَ لمعارضةِ نبيِّهم موضعونَ في الدَّعوةِ لسبيلِ الغيِّ فنهاهم صالحُ عن الاغترارِ بهم ولعلَّهم الَّذين قالَ اللهُ فيهم {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} فلم يفدْ فيهم هذا النَّهيُ والوعظُ شيئًا فقالُوا لصالحٍ {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} أي: قد سُحِرْتَ فأنتَ تهذي بما لا معنى لهُ.

و{مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ}. لا لا. "ما" مو [ليستْ] من الآيةِ، من كلامِ الشَّيخ

و{مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} فأيُّ فضيلةٍ فُقْتَنا بها [ملحوظة: يوجدُ نقصٌ في الصَّوت لعلَّ فيه: "حتَّى تدعونا إلى اتِّباعِكَ؟"] {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} هذا معَ أنَّ مجرَّدَ اعتبارِ حالتِهِ وحالةِ ما دعا إليهِ مِن أكبرِ الآياتِ البيِّناتِ على صحَّةِ ما جاءَ بهِ وصدقِهِ ولكنَّهم مِن قسوتِهم سألُوا آياتِ الاقتراحِ الَّتي في الغالبِ لا يفلحُ مَن طلبَها لكونِ طلبِهِ مبنيًّا على التَّعنُّتِ لا على الاسترشادِ.

فقالَ صالحٌ: {هَذِهِ نَاقَةُ} تخرجُ مِن صخرةٍ صمَّاءَ ملساءَ، تابعْنا في هذا كثيرًا مِن المُفسِّرينَ.

– الشيخ : يعني الشَّيخ يقول: القولُ بأنَّ النَّاقةَ أنَّه انفلقَتْ عنها صخرةٌ هذا ما جاءَ في القرآنِ ولا فيه خبر عن الرسول -عليه الصلاة والسلامُ- بحيثُ يصير أمرًا مُتيقَّنًا أنَّه انفلقت عنه الصَّخرةُ، لكن يقول: إنَّي قلتُ هذا مُتابعةً لما ذكره المُفسِّرون كابنِ جريرٍ وابنِ كثيرٍ يذكرون هذا، واللهُ أعلمُ. لكن ما نجزمُ بأنَّه هكذا؛ لأنَّ هذا من أخبار الغيبِ الَّتي لا بدَّ فيها لإثباتها والقطع بوجودها من دليلٍ يعني يجبُ الأخذُ به، واعتقادُ ما دلَّ عليه.

 

– القارئ : تابعْنا في هذا كثيرًا مِن المُفسِّرين ولا مانعَ مِن ذلكَ.

– الشيخ : ولا مانعَ بس [لكن] ممكن، ولا مانعَ يعني ممكن لكن كونه ممكن لا يوجبُ أنَّه واقعٌ فعلًا، اللهُ أعلمُ، هذهِ حقيقةٌ، أنَّها ناقةٌ، لكن من أين الناقة متولِّدة من أمِّها أم هي ناقةٌ خلقَها اللهُ على غير العادةِ كما قيل انفلقتْ عنها صخرةٌ؟ ويذكرون أنَّها كانتْ حاملًا ووضعتْ فصيلًا عظيمًا وأنَّهم عقروا النَّاقة وقتلوا ولدَها، فيه يعني رواياتٌ إسرائيليَّةٌ.

 – القارئ : ترونَها وتشاهدونَها بأجمعِكم {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} أي: تشربُ ماءَ البئرِ يومًا وأنتم تشربونَ لبنَها ثمَّ تصدرُ عنكم اليومَ الآخرَ وتشربونَ أنتم ماءَ البئرِ.

{وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} بعقرٍ أو غيرِهِ {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فخرجَتْ واستمرَّتْ عندَهم بتلكَ الحالِ فلم يؤمنُوا واستمرُّوا على طغيانِهم.

{فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} وهيَ صيحةٌ نزلَتْ عليهم، فدمَّرَتْهم أجمعينَ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} على صدقِ ما جاءَتْ بهِ رسلُنا، وبطلانِ قولِ معارضيهم، {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}. انتهى.

– الشيخ : في ابن كثير ذكرَ بعضَ الآياتِ هذه.. لا إله إلا الله. {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}

– القارئ : قالَ الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ تعالى: وهذا إخبارٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ

– الشيخ : يعني قولُه: {كَذَّبَتْ} {كَذَّبَتْ عاد الْمُرْسَلِينَ} {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} خبرٌ، اللهُ يخبرُ عن تكذيب هذه الأممِ لرسل الله

– القارئ : عن عبدِهِ ورسولِهِ صالح -عليهِ السَّلامُ-: أنَّهُ بعثَهُ إلى قومِ ثمودٍ، وكانُوا عربًا يسكنونَ مدينةَ الحجْرِ، الَّتي بينَ وادي القُرَى وبلادِ الشَّامِ، ومساكنُهم معروفةٌ مشهورةٌ.

– الشيخ : اللهُ أكبرُ

– القارئ : وقد قدَّمْنا في "سورةِ الأعرافِ" الأحاديثَ المرويَّةَ في مرورِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بهم حينَ أرادَ غَزْوَ الشَّامِ، فوصلَ إلى تَبُوكٍ، ثمَّ عادَ إلى المدينةِ؛ ليتأهَّبَ لذلكَ. وقد كانُوا بعدَ عادٍ وقبلَ الخليلِ عليهِ السَّلامُ.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، كانَ المناسبُ أن قبلَ عاد وبعد قوم لوطٍ لكن لوطًا -عليه السَّلامُ- كانت دعوتُه في عهد إبراهيمَ، ولوط أيضًا تابعٌ لإبراهيم؛ لأنَّه ممَّن آمنَ به {فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت:26] فلهذا لعلَّ الشَّيخَ -رحمه اللهُ- آثرَ أن يجعلَ قصَّةَ إبراهيم هي الأصلُ، أمَّا في سياق القرآنِ فإنَّه تعالى يسوقُ هذه القصَّةَ هكذا نوح فهود فصالح فلوط فشعيب في ثلاثِ سورٍ من القرآن جاءتْ هكذا.

 

– القارئ : فدعاهم نبيُّهم صالحٌ إلى اللهِ، عزَّ وجلَّ، أنْ يعبدوهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأنْ يطيعوهُ فيما بلَّغَهم مِن الرِّسالةِ، فأبَوا عليهِ وكذَّبُوهُ وخالفُوهُ. فأخبرَهم أنَّهُ لا يبتغي بدعوتِهم أجرًا منهم، وإنَّما يطلبُ ثوابَ ذلكَ مِن اللهِ، عزَّ وجلَّ، ثمَّ ذكَّرَهم آلاءَ اللهِ عليهم فقالَ: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ}. يقولُ لهم واعظًا لهم ومحذِّرًا إيَّاهم نقمَ اللهِ أنْ تحلَّ بهم، ومذكِّرًا بأنعمِ اللهِ عليهم فيما رزقَهم مِن الأرزاقِ الدَّارَّةِ، وجعلَهم في أمنٍ مِن المحذوراتِ. وأنبتَ لهم مِن الجنَّاتِ، وأنبعَ لهم مِن العيونِ الجارياتِ، وأخرجَ لهم مِن الزُّروعِ والثَّمراتِ؛ ولهذا قالَ: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}. قالَ العوفيُّ، عن ابنِ عبَّاسٍ: أينعَ

– الشيخ : سبحان الله! تركَ تفسير {أَتُتْرَكُونَ}

– القارئ : أينعَ، فهوَ هضيمٌ.

وقالَ عليٌّ بنُ أبي طلحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} يقولُ: مُعشبةٌ.

قالَ إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ، عن عمروِ بنِ أبي عمروٍ -وقد أدركَ الصَّحابةَ- عن ابنِ عبَّاسٍ، في قولِهِ: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قالَ: إذا رطبَ واسترخى. رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ، قالَ: ورُوِيَ عن أبي صالحٍ نحوَ هذا.

وقالَ أبو إسحاقَ، عن أبي العلاءِ: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}

– الشيخ : العلاء ولَّا [أم] العالية؟

– القارئ : لا، العلاءِ

{وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قالَ: هوَ المُذنَّبُ مِن الرُّطبِ، وقالَ مجاهدٌ: هوَ الَّذي إذا كُبِسَ تهشَّمَ

– الشيخ : يعني: لينٌ، طلعُها هضيمٌ يعني: لينٌ، إذا وضعتَه في يدِك وضغطْتَ عليه يعني هربَ من يدِك يعني ليسَ باليابسِ أو البلحِ الشّادّ، لا، إذا ترطَّبَ وأدركَ يصبحُ تمرًا ليَّنًا رطبًا رطب … رقيق

– القارئ : إذا كُبِسَ تهشَّمَ وتفتَّتَ وتناثرَ.

وقالَ ابنُ جريجٍ: سمعْتُ عبدَ الكريمِ أبا أميَّةَ، سمعْتُ مجاهدًا يقولُ: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قالَ: حينَ يطلعُ تقبضُ عليهِ فتهضَمَهُ، فهوَ مِن الرُّطبِ الهضيمِ، ومِن اليابسِ الهشيمِ، تقبضُ عليهِ فتهشِّمَهُ.

وقالَ عكرمةُ: وقتادةُ، الهضيمُ: الرُّطبُ اللَّيِّنُ.

– الشيخ : اللَّذيذُ

– القارئ : الهضيمُ: الرُّطبُ اللَّيِّنُ.

– الشيخ : الليِّن، صحّ، توافقت أقوالُهم.

– القارئ : وقالَ الضَّحَّاكُ: إذا كثرَ حملُ الثَّمرةِ، وركبَ بعضُهُ بعضًا، فهوَ هضيمٌ.

وقالَ مرَّةً: هوَ الطَّلْعُ حينَ يتفرَّقُ ويخضرُّ.

وقالَ الحسنُ البصريُّ: هوَ الَّذي لا نوى لهُ.

– الشيخ : هذا ليسَ بجيِّدٍ؛ لأنَّ التَّمرَ الَّذي لا نوى له يكونُ قليلًا، نعم الأكثرُ على أنَّ المرادَ التَّمرُ اللَّيِّن الرطبُ

– القارئ : وقالَ أبو صخرٍ: ما رأيْتُ الطَّلعَ حينَ يُشَقُّ عنهُ الكمُّ، فترى الطَّلعَ قد لصقَ بعضَهُ ببعضٍ، فهوَ الهضيمُ.

وقولُهُ: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} قالَ ابنُ عبَّاسٍ، وغيرُ واحدٍ: يعني: حاذقينَ. وفي روايةٍ حاذقينَ

– الشيخ : فارهينَ حاذقين

– القارئ : وفي روايةٍ عنهُ: شرهينَ

– الشيخ : شرهين فرهين

– القارئ : وهوَ اختيارُ مجاهدٍ وجماعةٍ. ولا منافاةَ بينَهما؛ فإنَّهم كانُوا يتَّخذونَ تلكَ البيوتَ المنحوتةَ في الجبالِ أشرًا وبطرًا وعبثًا، مِن غيرِ حاجةٍ

– الشيخ : لا لا، شوف، قل: "شَرِهِين" لشوف

– القارئ : وفي روايةٍ عنهُ: شرهينَ

– الشيخ : "شرهين" ولَّا [أم] "أشِرِين" ؟

– القارئ : وفي روايةٍ عنهُ: شرهِينَ أشرينَ

– الشيخ : إي "أشِرِين" جيِّد، الفرهُ فيه أشرٌ وبطرٌ: شَرِهين أَشِرِين.

– القارئ : وهوَ اختيارُ مجاهدٍ وجماعةٍ. ولا منافاةَ بينَهما؛ فإنَّهم كانُوا يتَّخذونَ تلكَ البيوتَ المنحوتةَ في الجبالِ أشرًا وبطرًا وعبثًا، مِن غيرِ حاجةٍ إلى سكناها، وكانُوا حاذقينَ متقنينَ

– الشيخ : ما أدري نوعٌ من.. يعني يمكن يُشبَّهون بمن يبني المباني العظيمةَ أشرًا وبطرًا مثل من يبني هؤلاء الَّذين يبنون الأبراجَ الطَّويلةَ ما هو كلّه من حاجةٍ… يستطيعون يبنون مباني قريبةً سهلةً لكنَّهم يبنونها أشرًا وبطرًا يسمّونها في بلادِ الغربِ والكفرِ يسمَّونها "ناطحات السَّحاب"، ناطحات، وصارَ بعضُ المسلمين يُقلِّدونهم في هذا يَبنون العماير الطويلةَ عشرات الأدوار، ليسَ هذا كلّه…، هذا كلُّه فخرٌ، هذه المباني العظيمةُ الطويلةُ لو انحسرتْ هذه الحضارةُ وتوقَّفت هذه الأسبابُ العجيبةُ كالكهرباءِ أصبحت هذه العمائر مهجورةً؛ لأنَّه لا يقدرُ أحدٌ على سكناها والصُّعود إليها، وليس ذلكَ على الله بعزيزٍ.

 

– القارئ : وكانُوا حاذقينَ متقنينَ لنحتِها ونقشِها، كما هوَ المُشاهَدُ من حالِهم لمن رأى منازلَهم؛ ولهذا قالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} أي: أي: أقبِلُوا على عَمَلِ ما يعودُ نفُعُهُ عليكم في الدُّنيا والآخرةِ، مِن عبادةِ ربِّكم الَّذي خلقَكم ورزقَكم لتوحِّدُوهُ وتعبدوهُ وتسبِّحوهُ بكرةً وأصيلًا.

{وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} الآياتَ يعني.

– الشيخ : بعدها {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ} {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ}

– القارئ : نعم قالَ: يقولُ تعالى مخبرًا عن ثمودٍ في جوابِهم لنبيِّهم صالحٍ -عليهِ السَّلامُ- حينَ دعاهم إلى عبادةِ ربِّهم {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}

– الشيخ : بعده {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ}

– القارئ : ثمَّ إنَّهم اقترحُوا عليهِ آيةً يأتيهم بها، ليعلموا صدقَهُ بما جاءَهم بهِ مِن ربِّهم

– الشيخ : {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}

– القارئ : فطلبُوا منهُ -وقد اجتمعَ ملؤُهم -أنْ يخرجَ لهم

– الشيخ : اجتمعوا شو يقول

– القارئ : ثمَّ إنَّهم اقترحُوا عليهِ آيةً يأتيهم بها، ليعلمُوا صدقَهُ بما جاءَهم بهِ مِن ربِّهم فطلبُوا منهُ -وقد اجتمعَ ملؤُهم -أنْ يخرجَ لهم الآنَ مِن هذهِ الصَّخرةِ -وأشارُوا إلى صخرةٍ عندَهم -ناقةً عُشْراءَ

– الشيخ : يعني: حَامِل

– القارئ : مِن صفتِها كذا وكذا. فعندَ ذلكَ أخذَ عليهم نبيُّ اللهِ صالحٌ العهودَ والمواثيقَ، لئنْ أجابَهم إلى ما سألُوا لَيُؤمنَنَّ بهِ، [وليصدقَنَّهُ]، وليتبعَنَّهُ، فأنعمُوا بذلكَ. فقامَ نبيُّ اللهِ صالحٌ -عليهِ السَّلامُ- فصلَّى، ثمَّ دعا اللهَ، عزَّ وجلَّ، أنْ يجيبَهم إلى سؤالِهم

– الشيخ : هذا كما قالَ الشَّيخ هذا ممكن لكن هذه رواياتٌ اسرائيليَّةٌ ممكن أنَّه كذلك لكن لا نصدِّقها بمعنى نعتقد أنَّها هكذا وقعت ولا نُكذِّبها، لا تُصدِّقوهم ولا تُكذِّبوهم، ليس هذا ببعيدٍ، واللهُ أعلمُ.

– القارئ : فانفطرَتْ تلكَ الصَّخرةُ

– الشيخ : فانفطرتْ يعني: انشقَّت

– القارئ : الَّتي أشارُوا إليها عن ناقةٍ عُشَراء، على الصِّفةِ الَّتي وصفُوها. فآمنَ بعضُهم وكفرَ أكثرُهم، {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} يعني: تردُ ماءَكم يومًا، ويومًا تردونَهُ أنتم، {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فحذَّرَهم نقمةَ اللهِ إنْ أصابُوها بسوءٍ، فمكثَتْ النَّاقةُ بينَ أظهرِهم حينًا مِن الدَّهرِ تردُ الماءَ، وتأكلُ الورقَ والمرعى. وينتفعونَ بلبنِها، يحتلبونَ منها ما يكفيهم شربًا وريًّا، فلمَّا طالَ عليهم الأمدُ وحضرَ شقاؤُهم

– الشيخ : نعم شقاؤُهم كلُّهم

– القارئ : تمالؤُوا على قتلِها وعقرِها.

{فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ}

– الشيخ : … بس [لكن] نعوذُ بالله من الغرورِ والطغيان، ولَّا هذه ناقةٌ فيها منفعةٌ لهم، فماذا يضيرهم لماذا عقروها؟ عنادًا ومراغمةً لنبيِّهم؛ لأنَّه حذَّرَهم أن يمسّوها فهم عنادًا له وتماديًا في مُخالفته.

– القارئ : وهوَ أنَّ أرضَهم زُلزِلَتْ زلزالًا شديدًا، وجاءَتْهم صيحةٌ عظيمةٌ اقتلعَتْ القلوبَ عن محالِها، وأتاهم مِن الأمرِ ما لم يكونُوا يحتسبونَ، فأصبحُوا في ديارِهم جاثمينَ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}

– الشيخ : إلى هنا نعم بعدك .