الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشعراء/(12) من قوله تعالى {كذب أصحاب الأيكة المرسلين} الآية 176 إلى قوله تعالى {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} الآية 191
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(12) من قوله تعالى {كذب أصحاب الأيكة المرسلين} الآية 176 إلى قوله تعالى {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} الآية 191

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّعراء

الدَّرس: الثَّاني عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشُّعراء:176-191]

– الشيخ : لا إله إلّا اللّه، لا إله إلّا اللّه، هذه القصّة الخامسة من قصص الأنبياء الّذين يُثنّى تثنّى في القرآن وتُذكَرُ مرَّات، لا إله إلّا اللّه، والغالب أنّ هذه هذه قصّة شُعيب –عليه السلام- والغالب أنَّهم يُذكَرون باسم القبيلة أصحاب مدين {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}، أخوهم منهم لكن في هذا الموضع قال: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ}.

لم يقل كذّب مدين أو أصحاب مدين والأيكة ذكر المفسِّرون أنّها شجرةٌ كبيرةٌ عظيمةٌ يعني يعظِّمونها ويعبدونها فذكرهم ونسبهم إلى هذه الشجرة ولهذا لم يقل في هذه الآيات لم يذكر في هذه القصّة في هذا الموضع لم ينسبه إليهم ولم يقل أخاهم {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ}، لم يقل أخوهم، لأنّه نسبهم إلى ما يعبدونه من دون اللّه، فهنا لا أخوّة بينهم لا أخوّة لكن إذا قال أصحاب مدين وإلى مدين فهو منهم يقول {إذ قالَ لهم أخوهم}، هنا لم يقل أخوهم بل قال: { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}، كما قال سائر الرسل.

وأصحاب مدين أصحاب الأيكة كان من مع الشرك باللّه كانت لهم أنّهم يظلمون الناس في أموالهم ببخس المكيال والميزان {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ، وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، فدعاهم إلى عبادة اللّه وده لا شريكَ له ونهاهم وأمرهم بإيفاءِ الكيل والوزن ونهاهم عن تطفيف عن التطفيف {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، { قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}، الردّ واحد كلُّهم كلمة الرسل واحدة دعوة إلى عبادة اللّه، دعوة إلى طاعة اللّه، دعوة إلى تقوى اللّه، وردُّ الكفَّار واحد كلُّهم تكذيب {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ، وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}، ويسخرون {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، تحدّي {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ، فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ}، عذابهم كان فيما ذُكِرَ أنَّ اللّهَ ظلَّلَهم بسحابةٍ أمطرتهم ناراً فهلكوا بها فأخذهم عذاب يوم الظلَّة يوم الظُلَّة مع صاعقة لأنه جاء في الآيات الأخرى أنَّ اللّه أنَّه أخذتهم الصيحة.

وإذا كان أصحاب مدين غير أصحاب الأيكة فقد يُقالُ أنَّهم اشتركوا في المعصية في تطفيف المكيال والميزان واختلفت عقوبتهم وأصحاب مدين أخذتهم الصيحة مصبحين أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين وأمَّا أصحاب الأيكة {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}، فخُتِمَتْ القصَّة بمثل ما خُتِمَتْ به نظائرها فيما سبق ففي خبر هذه الأمَّة في خبر كلِّ أمّة آية، في خبر كلِّ أمّةٍ آيةٌ.

 

– القارئ : أحسنَ اللَّهُ إليكَ، بسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السعديُّ –رحمَهُ اللَّهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللَّهِ تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} إلى آخرِ القصّةِ.

 {أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} أي: البساتينِ المُلتفَّةِ أشجارُها، وهم أصحابُ مدينٍ، فكذَّبُوا نبيَّهم شعيباً الَّذي جاءَ بما جاءَ بهِ المُرسلونَ.

– الشيخ : اللّه المستعان اللّه المستعان، لا إله إلّا اللّه، لا إله إلّا اللّه، لا إله إلّا اللّه.

– القارئ : {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ} اللَّهَ تعالى، فتتركوا ما يُسخطُهُ ويغضبُهُ مِن الكفرِ والمعاصي {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} يترتَّبُ على ذلكَ أنْ تتقوا اللَّهَ وتطيعوني، وكانُوا على شركِهم يبخسونَ المكاييلَ والموازينَ ولذلكَ قالَ لهم: {أَوْفُوا الْكَيْلَ} أي: أتمُّوهُ وأكملُوهُ {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} الّذينَ يُنقِصونَ الناسَ أموالَهم ويسلبونها ببخسِ المكيالِ والميزانِ {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} أي: بالميزانِ العادلِ الّذي لا يميلُ.

{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} أي: الخليقةَ الأوَّلينَ فكما أنفردَ بخلقِكم وخلقِ مَن قبلَكم مِن غيرِ مُشاركةٍ لهُ في ذلكَ، فأفردوهُ بالعبادةِ والتوحيدِ، وكما أنعمَ عليكم بالإيجادِ والإمدادِ بالنعمِ فقابلوهُ يشُكرِهِ، قالُوا لهُ مُكذِّبينَ لهُ رادِّينَ لقولِهِ {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} فأنتَ تهذي وتتكلَّمُ كلامَ مسحورٍ الَّذي غايتُهُ ألَّا يُؤاخَذَ بهِ {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} فليسَ فيكَ فضيلةٌ اختصصْتَ بها علينا حتَّى تدعُنا إلى اتِّباعِكَ وهذا مثلُ قولِ مَن قبلَهم ومَن بعدَهم ممّن عارضُوا الرُّسلَ بهذهِ الشُّبهةِ الّتي.

– الشيخ : يعني كلّ أعداء الرسل يعتذرون بأنَّ الرسول بشر.

– القارئ : الّتي لم يزالوا يدلونَ بها ويصولونَ ويتّفقونَ عليها لاتِّفاقِهم على الكفرِ وتشابُهِ قلوبِهم وقد أجابتْ عنها الرُّسلُ بقولِهم: إنْ نحنُ إلَّا بشرٌ مثلُكم ولكنَّ اللَّهَ يمنُّ على مَن يشاءُ مِن عبادِهِ.      

{وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} وهذا جراءَةٌ منهم وظلمٌ وقولُ زورٍ وقد انطوى على خلافِهِ، فإنَّهُ ما من رسولٍ مِن الرُّسلِ وجَّهَ قومَهُ ودعاهم وجادلَهم وجادلُوهُ إلَّا وقد أظهر اللّهُ على يديهِ مِن الآياتِ ما بهِ يتيقنونَ صدقَهُ وأمانتَهُ، خصوصاً شعيباً –عليهِ السلامُ- الَّذي يُسمَّى خطيبُ الأنبياءِ لِحُسنِ مراجعتِهِ قومَهُ ومجادلتِهم بالَّتي هيَ أحسنُ، فإنَّ قومَهُ قد تيقَّنُوا صدقَهُ وأنَّ ما جاءَ بهِ حقٌّ ولكن إخبارُهم عن ظنِّ كذبِهِ كذبٌ منهم.

{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} أي: قطعَ عذابٍ تستأصلُنا، {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} كقولِ إخوانِهم وإذْ قالَ اللَّهم إنْ كانَ هذا هوَ الحقُّ مِن عندِكَ، فأمطرْ علينا حجارةً مِن السَّماءِ، أو أئتِنا بعذابٍ أليمٍ، أو أنَّهم طلبُوا بعضَ آياتِ الاقتراحِ الَّتي لا يلزمُ تتميمُ مطلوبِ مَن سألَها.

{قالَ} شعيبٌ –عليهِ السلامُ- {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي: نزولِ العذابِ، ووقوعِ آياتِ الاقتراحِ لسْتُ أنا الّذي آتي بها وأنزلُها بكم وليسَ عليَّ إلّا تبليغُكم ونصحُكم وقد فعلْتُ وإنَّما الَّذي يأتي بها ربِّي العالمُ بأعمالِكم وأحوالِكم الَّذي يجازيكم ويحاسبُكم.

 {فَكَذَّبُوهُ} أي: فصارَ التكذيبُ لهم وصفاً، والكفرُ لهم ديدناً، بحيثُ لا تفيدهم الآياتُ، وليسَ بهم حيلةٌ إلَّا نزولَ العذابِ {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} أظلَّتْهم سحابةٌ فاجتمعُوا تحتَها مُستظلِّينَ لظلِّها غيرِ الظليلِ فأحرقَتْهم بالعذابِ فظلُّوا تحتَها خامدينَ، ولديارِهم مُفارِقينَ، ولدارِ الشقاءِ والعذابِ نازلينَ،{إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} لا كُرهَ لهم إلى الدُّنيا فيستأنفُ العملَ، ولا يُفتَّرُ عنهم العذابُ ساعةً ولا هم يُنظَرونَ.

– الشيخ : آمنْتُ باللّه ورسوله، أعوذُ باللّه

– القارئ : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً} دالَّةً على صدقِ شُعيبٍ وصحَّةِ ما دعا إليهِ وبُطلانِ ردِّ قومِهِ عليهِ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} معَ رؤيتِهم الآيات؛ لأنَّهم لا زكاءَ فيهم، ولا خيرَ لديهم وما أكثرُ الناسِ ولو حرصتَ بمؤمنينَ.

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} الّذي امتنعَ بقوَّتِهِ عن إدراكِ أحدٍ، وقهرِ كلِّ مخلوقٍ، {الرَّحِيمُ} الّذي الرحمةُ وصفُهُ ومِن آثارِها جميعُ الخيراتِ في الدُّنيا والآخرةِ مِن حينِ أوجدَ اللَّهُ العالمَ إلى ما لا نهايةَ لهُ ومِن عزَّتِهِ أنْ أهلكَ أعداءَهُ حينَ كذَّبوا رسلَهُ، ومِن رحمتِهِ أنْ نجَّى أولياءَهُ ومَن اتَّبعَهم مِن المُؤمنينَ، انتهى.

– الشيخ : شوف ابن كثير -اللّه يهديك- ابن كثير على هذه القصَّة، لا إله إلّا اللّه.

– القارئ : أقرأ من أوّل الآيات؟

– الشيخ : إي إي

– القارئ : قالَ رحمَهُ اللَّهُ: فهؤلاءِ أعني أصحابَ الأيكةِ.

– الشيخ : كذا بدأ؟

– القارئ : نعم هكذا بدأ

– الشيخ : يعني جاب الآيات أوَّل

– القارئ : نعم جاب [أحضر] الآيات أوَّل الآيات إلي.؟

– الشيخ : الآيات كلها إلى آخر القصّة والا بعضها.

– القارئ : نعم إلى آخر القصَّة.. نعم أوردها كلَّها إلى آخر القصَّة.

– الشيخ : ثمَّ قال

– القارئ : قالَ: فهؤلاءِ -أعني أصحابَ الأيكةِ- هم أهلُ مدينَ على الصحيحِ

– الشيخ : هم أهلُ مدينَ على الصحيحِ.. يعني إذاً فليس هناكَ قصّتانِ لشعيب، يعني قصّة مع أصحاب مدين، وقصّة مع أصحابِ الأيكة، بل القوم هم يعني شيء واحد، أصحاب مدين وأصحابِ الأيكة، كلُّهم أمّة واحدة وطائفة واحدة، وكأنّه يشير إلى أنّ المسألة فيها قول آخر، إنّ أصحاب الأيكة غير أصحاب مدين، يقول على الصحيح.

 

– القارئ : فهؤلاءِ -أعني أصحابَ الأيكةِ- هم أهلُ مدينَ على الصحيحِ، وكانَ نبيُّ اللَّهِ شعيبٌ مِن أنفسِهم.

– الشيخ : يعني من أنفسهم يعني منهم من نسب من عنصرهم ومن نسبهم.

– القارئ : وإنَّما لم يقلْ هنا أخوهم شعيبٌ؛ لأنَّهم نُسِبُوا إلى عبادةِ ذلكَ، وهيَ شجرةٌ، وقيلَ: شجرٌ مُلتفٌّ كالغيظةِ كانُوا يعبدونَها؛ ولهذا لمَّا قالَ: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} لم يقلْ: إذْ قالَ لهم أخوهم شعيبٌ، وإنَّما قالَ: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} فقطعَ نسبةَ الأخوَّةِ بينَهم للمعنى الَّذي نُسِبُوا إليهِ، فإنْ كانَ.

– الشيخ : نُسِبُوا إلى مظهر شركهم، إلى مظهر الشرك، وهو الأيكة، فلمَّا نُسِبُوا إلى مظهر الشرك لم يضفه إليهم بالأخوَّة، فإنَّه لا أخوَّة بين المؤمن والكافر إلّا إذا كان هناك نسب.

– القارئ : وإنْ كانَ أخاهم نسباً، ومِن الناسِ مَن لم يتفطَّنُ لهذهِ النُّكتةِ فظنَّ أنَّ أصحابَ الأيكةِ غيرُ أهلِ مدينَ، فزعمَ أنَّ شعيباً –عليهِ السلامُ- بعثَهُ اللَّهُ إلى أمَّتَينِ، ومنهم مَن قالَ: ثلاثَ أممٍ، وقد روى إسحاقُ بنُ بشرٍ وهوَ ضعيفٌ قالَ: حدَّثَني.

– الشيخ : اللّهُ أعلم، لكن نحتاج إلى برهان إلى أنَّهم أمَّةٌ واحدة، ظاهر القرآن في فرق بين قصَّة أصحاب الأيكة وقصّة أصحاب مدين، كما ذكرت من وجهين:

الأوّل: أنّه أضافه إلى أصحاب مدين بالأخوَّة دون أصحاب الأيكة.

والثاني: نوع العذاب اختلف وإن كانت معصيتهم واحدة معصيتهم تطفيف المكيال والميزان.

 

– القارئ : وقد روى إسحاقُ بنُ بشرٍ وهوَ ضعيفٌ قالَ: حدَّثَني ابنُ السُّديِّ عن أبيهِ وزكريا بنُ عمرَ عن خُصيفٍ عن عكرمةَ قالَا: ما بعثَ اللَّهُ نبيَّاً مرَّتينِ إلّا شعيباً، مرَّةً إلى مدينَ وأخذَهم اللّهُ بالصَّيحةِ، ومرَّةً إلى أصحابِ الأيكةِ فأحذَهم اللَّهُ بعذابِ يومِ الظُّلَّةِ.

وروى أبو القاسمِ البغويُّ عن هُدبةَ عن همّامٍ عن قتادةَ في قولِهِ تعالى: {وأصحابُ الرَّسِّ} قومُ شعيبٍ، وقولُهُ: {وأصحابُ الأيكةِ} قومُ شعيبٍ.

قالَ إسحاقُ بنُ بشرٍ وقالَا: غيرُ جويبرٍ أصحابُ الأيكةِ ومدينَ هما واحدٌ، واللّهُ أعلمُ.

وقد روى الحافظُ بنُ عساكرَ في ترجمةِ شعيبٍ مِن طريقِ محمَّدِ بنِ عثمانَ بنِ أبي شيبةَ عن أبيهِ عن معاويةَ بنِ هشامٍ عن هشامِ بنِ سعدٍ عن سعيدِ بنِ أبي هلالٍ عن ربيعةَ بنِ سيفٍ عن عبداللهِ بنِ عمرَ قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: (إنَّ قومَ مدينَ وأصحابَ الأيكةِ أمَّتانِ بعثَ اللّهُ إليهما شعيباً النبيَّ عليهِ السلامُ).

وهذا غريبٌ وفي رفعِهِ نظرٌ، والأشبهُ أنْ يكونَ موقوفاً، والصحيحُ أنَّهم أمَّةٌ واحدةٌ وُصِفُوا في كلِّ مقامٍ بشيءٍ؛ ولهذا وعظَ هؤلاءِ وأمرَهم بوفاءِ المكيالِ والميزانِ كما في قصَّةِ مدينَ سواءً بسواءٍ.

– الشيخ : ما أتى ببرهانٍ، اللّه المستعان، اشترك.

– القارئ : فدلَّ ذلكَ على أنَّهم أمَّةٌ واحدةٌ، بعدين بدأ ب {أوفوا الكيلَ ولا تكونوا من المخسرين}.

– الشيخ : أي واضح

– القارئ : الآيات

– الشيخ : المقصود أنّه رحمه الله يعني وضّح الاختلاف في ذلك، مُختلفٌ في هل أصحاب مدين وأصحاب الأيكة أمّة واحدة أم هما أمّتان؟ وهو يرجّحُ أنّهم أمّة واحدة، وأنّ أصحاب الأيكة هم أصحاب مدين، والقول بأنّهم أمّتان ليس ببعيد، يؤيّده الفرق بين القصّتين بأمرين في أوّل القصّة وفي آخرها، وإن اتفقت الأمّتان في نوع المعصية وهي تطفيف المكاييل والموازين وبخس الناس أشياءهم […..]

– القارئ : ثمّ كمّل الآيات {أوفوا الكيلَ ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم}.

– الشيخ : إلى آخر القصّة

– القارئ : أحسن اللّهُ إليك .