الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشعراء/(13) من قوله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين} الآية 192 إلى قوله تعالى {فلا تدع مع الله إلها اخر} الآية 213

(13) من قوله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين} الآية 192 إلى قوله تعالى {فلا تدع مع الله إلها اخر} الآية 213

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّعراء

الدَّرس: الثَّالث عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ [الشُّعراء:192-213].

– الشيخ : إلى هنا ما شاء الله متواصلة الآيات، الحمدُ للهِ يقولُ سبحانَه بعدَ ما ذكرَ سبحانه من قصصِ الأنبياء من قصَّة موسى وقصَّة إبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب، عقَّبَ على هذا العرضِ وهذه القصصِ ببيانِ أنَّ هذا من ليس هو من ممَّا افتراهُ الرسول او أملاهُ عليه بعضُ بعضُ الناسِ بل هو تنزيلُ، إنَّه وإنَّه لتنزيلُ تنزيلُ ربِّ العالمينَ، وهذا يذكره تعالى كما قال: تلك من أنباءِ الغيبِ، بعد ما ذكر قصَّة نوح في سورة هود قال: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود:49].

 وقال بعد قصة يوسف: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ [يوسف:102].

وقالَ هنا: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}، هو جبريلُ الروحُ هو جبريلُ كما قالَ سبحانَهُ في شأنِ مريمَ: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ [مريم:17].

جبريلُ هوَ الملكُ الموكَّلُ بالوحي هو الَّذي يأتي الرسل بالوحي، وقد وصفَه الله بصفاتٍ في سورةِ التكويرِ رسولُ قالَ: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التكوير:19-21].

هذا هو هو الرسولُ من الملائكةِ بالوحي.

{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} ومثلُها: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل:102].

نزَّلَه روحُ القدسِ روحُ القدسِ هو جبريلُ أيضاً في تلكم الآيةِ.

سبحان الله، {عَلَى قَلْبِكَ}؛ لأنَّ لأنَّه ليسَ المقصودُ مجرَّدَ أن يُسمِعهُ القرآن بل المراد أن يستقرَّ في قلبه ويعيه، {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ}، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان:1].

أنزلَ اللهُ القرآنَ على الرسولِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لينذرَ به كما قالَ سبحانَه، ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام:19].

{لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، هذهِ هي الحكمةُ من إنزالِ القرآنِ على محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

{لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ}، أنزلَ اللهُ القرآنَ بلسانٍ عربيٍّ بلسان باللغةِ العربيَّة بلغة باللغة العربيّة، وهي اللغة العربيّة هي لسانُ الرسول هي لغةُ الرسولِ ولهذا قالَ سبحانه: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ﴾ [الدخان:58] يعني بلغتك يسَّرناه بلسانِك بلغتِك.

{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}، القرآنُ في كتبِ الأوَّلين كالتوراةِ والإنجيلِ والزبورِ وغيرِها، وما معنى هذا؟ معناه أنَّه مذكور لا أنَّ نصَّ القرآن في تلك الكتب لأ، المقصود أنّ ذكرَه في هذه الكتب أنَّه مذكور كما أنَّ الرسول مذكور يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل كذلك القرآن مذكور، {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}.

{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ}، يعني من الدلائلِ على صدقِ القرآنِ أنَّه يشهدُ به علماءُ بنو علماءِ بني إسرائيل، يعني من آمنَ منهم من آمنَ منهم فإنَّه يشهدُ بصدقِ القرآنِ.

{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ}، {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ}، وقد خلَتْ سُنَّة الأوَّلين، إلى آخرِ الآياتِ.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ….} الآياتُ.

لمَّا ذكرَ قصصَ الأنبياءِ معَ أممِهم، وكيفَ دعوهُم، وما ردُّوا عليهم بهِ; وكيفَ أهلكَ اللهُ أعداءَهم، وصارَتْ لهم العاقبةُ.

ذكرَ هذا الرسولَ الكريمَ، النبيَّ المصطفى العظيمَ وما جاءَ بهِ مِن الكتابِ، الَّذي فيهِ هدايةٌ لأولي الألبابِ فقالَ: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فالَّذي أنزلَهُ فاطرُ الأرضِ والسمواتِ، المربِّي جميعَ العالمِ العلويِّ والسفليِّ، وكما أنَّهُ ربَّاهُم بهدايتِهِ لمصالحِ دنياهُم وأبدانِهم، فإنَّهُ يربِّيهم أيضاً بهدايتِهم لمصالحِ دينِهم وأخراهم، ومِن أعظمِ ما ربَّاهم بهِ، إنزالُ هذا الكتابِ الكريمِ، الَّذي اشتملَ على الخيرِ الكثيرِ، والبرِّ الغزيرِ، وفيهِ مِن الهدايةِ لمصالحِ الدارينِ، والأخلاقِ الفاضلةِ ما ليسَ في غيرِهِ، وفي قولِهِ: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} مِن تعظيمِهِ وشدَّةِ الاهتمامِ بهِ، مِن كونِهِ نزلَ مِن اللهِ، لا مِن غيرِهِ، مقصوداً فيهِ نفعُكم وهدايتُكم.

{نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ} وهوَ جبريلُ عليهِ السلامُ، الَّذي هوَ أفضلُ الملائكةِ وأقواهُم {الأمِينُ} الَّذي قد أمنَ أنْ يزيدَ فيهِ أو ينقصَ.

{عَلَى قَلْبِكَ} يا محمَّدُ {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} تهدي بهِ إلى طريقِ الرشادِ، وتنذرُ بهِ عن طريقِ الغيِّ.

{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} وهوَ أفضلُ الألسنةِ، بلغةِ مَن بُعِثَ إليهم، وباشرَ دعوتَهم أصلاً اللسانُ البيِّنُ الواضحُ. وتأمَّلْ كيفَ اجتمعَتْ هذهِ الفضائلُ الفاخرةُ في هذا الكتابِ الكريمِ، فإنَّهُ أفضلُ الكتبِ، نزلَ بهِ أفضلُ الملائكةِ، على أفضلِ الخلقِ، على أفضلِ بَضْعَةٍ فيهِ وهيَ قلبُهُ، على أفضلِ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ للناسِ، بأفضلِ الألسنةِ وأفصحِها، وأوسعِها، وهوَ اللسانُ العربيُّ المبينُ.

{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ} أي: قدْ بشَّرَتْ بهِ كتبُ الأوَّلين وصدَّقَتْهُ، وهوَ لمَّا نزلَ، طِبقَ ما أخبرَتْ بهِ، صدَّقَها، بلْ جاءَ بالحقِّ، وصدَّقَ المرسلينَ.

{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً} على صحَّتِهِ، وأنَّهُ مِن اللهِ {أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} الَّذينَ قد انتهى إليهم العلمُ، وصارُوا أعلمَ الناسِ، وهم أهلُ الصنفِ، فإنَّ كلَّ شيءٍ يحصلُ بهِ اشتباهٌ، يُرجَعُ فيهِ إلى أهلِ الخبرةِ والدرايةِ، فيكونُ قولُهم حُجَّةً على غيرِهم، كما عرفَ السحرةُ الَّذينَ مهرُوا في علمِ السحرِ، صدقَ معجزةِ موسى، وأنَّهُ ليسَ بسحرٍ، فقولُ الجاهلينَ بعدَ هذا، لا يُؤبَهُ بهِ.

{وَلَوْ نزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ} الَّذينَ لا يفقهونَ لسانَهم ولا يقدرونَ على التعبيرِ لهم كما ينبغي.

{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} يقولونَ: ما نفقهُ ما يقولُ، ولا ندري ما يدعو إليهِ، فليحمدُوا ربَّهُم أنْ جاءَهم على لسانِ أفصحِ الخلقِ، وأقدرِهم على التعبيرِ عن المقاصدِ بالعباراتِ الواضحةِ وأنصحِهم، وليبادرُوا إلى التصديقِ بهِ، وتلقيهِ بالتسليمِ والقبولِ، ولكنَّ تكذيبَهم لهُ مِن غيرِ شُبهةٍ، إنْ هوَ إلَّا محضُ الكفرِ والعنادِ، وأمرٌ قد توارثَتْهُ الأممُ المكذِّبةُ، فلهذا قالَ: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} أي: أدخلْنا التكذيبَ، ونَظَمْنَاهُ في قلوبِ أهلِ الإجرامِ، كما يدخلُ السلكَ في الإبرةِ، فتشرَّبَتْهُ، وصارَ وصفاً لها، وذلكَ بسببِ ظلمِهم وجرمِهم، فلذلكَ.

– الشيخ : فلمّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم، نعم شاهدٌ نعم.

– القارئ : فلذلكَ: {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الألِيمَ} على تكذيبِهم.

{فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي: يأتيهُم على حينِ غفلةٍ، وعدمِ إحساسٍ منهم، ولا استشعارٍ بنزولِهِ، ليكونَ أبلغَ في عقوبتِهِ والنكالِ بهِم.

{فَيَقُولُوا} إذْ ذاكَ: {هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} أي: يطلبونَ أنْ يُنظَرُوا ويُمهَلُوا، والحالُ أنَّهُ قدْ فاتَ الوقتُ، وحلَّ بهم العذابُ الَّذي لا يُرفَعُ عنهم، ولا يُفَتَّرُ ساعةً.

{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}، انتهى.

– الشيخ : مشي طيب بس يكفي، الآيات متّصلة إلى آخر السورة، نعم حُسين.

– القارئ : أحسن الله إليك.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلّا الله.