الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشعراء/(14) تتمة قوله تعالى {أفبعذابنا يستعجلون} الآية 204 إلى قوله تعالى {إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات} الآية 227
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(14) تتمة قوله تعالى {أفبعذابنا يستعجلون} الآية 204 إلى قوله تعالى {إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات} الآية 227

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّعراء

الدَّرس: الرَّابع عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشُّعراء:204-227]

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، يقولُ تعالى في شأنِ المكذِّبين الَّذينَ يستخِفُّونَ بوعدِ اللهِ ووعيدِه ولذلكَ يستعجلونَ ويطلبونَ يقولونَ: أتِنا إئتِنا بما تعدُنا إن كنْتَ مِن الصادقينَ، ثمّ إنَّ اللهَ تعالى يملي للكافرينَ يملي لهم لاستدراجِهم ومكراً بهم، وما يغني عنهم هذا الإمهالُ وهذا وهذا المتاعُ.

{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ، مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}، إذا جاءَ أجلُهم وجاءَ نزلَ بهم العذابُ لم يُغنِ عنهم تمتُّعُهم سنينَ طويلةً، ﴿وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة:96]

ثمَّ يقولُ تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ، ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ}، يعني ما أهلكَ اللهُ أمَّةً مِن الأممِ إلَّا وقدْ أرسلَ إليهم وأنذرَهم وأقامَ عليهم الحجَّة وحقَّ عليهم، فكذَّبوا فحقَّ عليهم العذاب، {ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ}.

ثمَّ يقولُ تعالى عن هذا القرآنِ: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ}، تقدَّم أنَّه نزلَ به الروحُ الأمينُ القرآنُ نزلَ به الروحُ الأمينُ وما نزلتْ به الشياطينُ، بل إنَّهم محجوبون عن استراق السمع، فإنّه لمّا بعثَ الله محمّداً -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصار الوحي ينزل عليه شُدِّدَت الحراسة على السماء فلا يستطيع الشياطين أن أن يسترقوا السمع كما كانوا، ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا[الجن:8]

{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ}، هذا القرآن لا مستحيل أن تاتي به الشياطين وأن تنزل به هذا لا يكونُ أبداً، {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}، معزولون بما يرسلُهُ تعالى من الشُّهبِ عليهم فلا يقربونَ السماءَ.

قالَ اللهُ لنبيِّه ولكلِّ من يعقلُ الخطابَ: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}، فمن دعا مع الله إلهاً آخر فهو المشركُ، ومن كانَ مشركاً استوجبَ العذابَ، {فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}.

فالشركُ أعظمُ الذنوبِ وهو أعظمُ أسبابِ العذابِ، هو أعظمُ أسبابِ العذاب لأنَّه أعظمُ الذنوبِ، كما أنَّ التوحيد أعظم أسباب النجاة ودخول الجنّات.

ثمّ قال تعالى لنبيّه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، ابدأ بهم بأقاربك فهو مُرسَلٌ إلى جميع الناس لكنّه مأمورٌ أن يبدأ بالأدنى فالأدنى، بعشيرته القريبة أقاربه ثمّ بمن حول من حول أم القرى من العرب ثمّ العالمين ثمّ ينذر كلّ من بلغ، لأنذركم به ومن بلغ.

وأنذرْ عشيرتَك الأقربين واخفضْ جناحَك للمؤمنين، يعني تواضعْ لمن آمنَ بك وقرِّبه إليك ولا تطرده كما يريد الكبراء العُتاة، واخفضْ جناحك للمؤمنين وقل إنّي أنا النذير المبين.

واخفض جناحك للمؤمنين، وش بعدها؟

– طالب: فإن عصوك

– الشيخ : {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}، إن عصاك هؤلاء فتبرأ منهم وقل أنا بريء ممّا تعملون بريء منكم ومن أعمالكم، ﴿إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الممتحنة:4]

{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}، فأمره الله برعاية إخوانه المؤمنين والتواضع لهم وتقريبهم والرفق بهم والعناية بهم وبالبراءة ممَّن كذَّبوه وعصوه.

قل إنّي بريءٌ ممّا تعملون وتوكَّلْ، توكَّلْ على ربِّك العزيزِ الرحيمِ، اعتمد عليه فهو حافظك وكافيك شرّ أولئك المكذبين، نعم.

فإن عصوك فقل إنّي، وتوكّل على العزيز الرحيم وهذان الاسمان سبحان الله كُرِّرَا في هذه السورة في مواضع عديدة في ختم كلّ قصّة، توكّل على العزيز القوي الغالب القاهر سبحانه وتعالى، الرحيم وإن كانت رحمته واسعة فهي أخصُّ بالمؤمنين، وكان بالمؤمنين رحيماً.

{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، الله يراك في جميع أحوالك في عبادتك في صلاتك في قيامك وسجودك وركوعك، {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

ثمّ بيَّن أنّ الشياطين تنزل على الكذّابين الكُهَّان المفترين، {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}، يُلقون ما يسترقونه من يلقونه في آذان أوليائهم من الإنس وهم الكُهَّان.

ثمَّ ذكرَ سبحانه وتعالى صِنفاً آخرَ من الناسِ يعني ذكرَ هنا الكُهَّان ثمَّ ذكرَ الشعراءَ فإنَّ كلَّاً منهم يقول الأقوالَ الباطلةَ، فالكُهَّانُ يكذبون كثيراً حتّى إذا جاءَ جيْءَ للكاهنِ بالكلمةِ من السماءِ يكذبُ معَها مئةَ كذبةٍ كما في الحديث الصحيح.

{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}، يعني يتَّبعهم الفجرةُ، {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ}، هؤلاءِ الشعراءُ الضالُّون يهيمونَ في أوديةِ الكلامِ الباطلِ مدحاً وذمَّاً وفخراً وكلُّ ذلك يعني عندَهم مبنيٌّ على الكذبِ، {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ}، يفخرونَ ويدَّعونَ.

قالَ اللهُ: {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا}، فالشعراءُ فيهم الصالحونَ فلا يُعَمُّ الحكمُ على جميعِهم، اللهُ استثنى من الشعراءِ مَن يكونُ شعرُه متضمِّناً للحقِّ مدحاً للخيرِ وأهله وذمّاً للباطلِ وأهلِه، كما في شعراءِ الصحابةِ ومن بعدَهم من المؤمنين، ومن ومن مجالات فعلِهم أنَّهم ينتصرون للحقِّ ويذكرون الله كثيراً في شعرهم.

{إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}، ففي الشعرِ يعني جهادُ الشعراءِ الصالحونَ يجاهدون في شعرِهم، يذمُّون الكفَّارَ ويتوعَّدونهم يثنونَ على المؤمنين، كما كان حسان عليه الصلاة والسلام  يمدحُ الرسولَ وينتصرُ له ويهجو أعداءَه، حتّى إنّ الرسولَ يقولُ له: (اهجُهم فإنّ روحَ القدسِ معَكَ).

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ…} الآياتُ، يقولُ تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا} الَّذي هوَ العذابُ الأليمُ العظيمُ، الَّذي لا يُستهانُ بِهِ، ولا يُحتقَرُ، {يَسْتَعْجِلُونَ} فما الَّذي غرَّهُم؟ هل فيهم قوَّةٌ وطاقةٌ، للصَّبرِ عليهِ؟

– الشيخ : أعوذ بالله {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}.

– القارئ : أم عندَهُم قوَّةٌ يقدرونَ على دفعِهِ أو رفعِهِ إذا نزلَ؟ أم يعجزونَنا ويظنُّونَ أنَّنا لا نقدرُ على ذلكَ؟

{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} أي: أفرأيْتَ إذا لم نستعجلْ عليهِم؟ بإنزالِ العذابِ، وأمهلْناهُم عدَّةَ سنينَ، يتمتَّعونَ في الدُّنيا {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} مِن العذابِ.

– الشيخ : اللهُ المستعانُ

– القارئ : {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} مِن العذابِ.

{مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} مِن اللَّذاتِ والشَّهواتِ، أي: أيُّ شيءٍ تُغني عنهم وتُفيدُهم؟ وقد مضَتْ اللَّذاتُ وبطلَتْ واضمحلَّتْ، وأعقبَتْ تبعاتُها، وضُوعِفَ لهم العذابُ عندَ طولِ المدَّةِ.

القصدُ أنَّ الحذرَ مِن وقوعِ العذابِ واستحقاقِهِ لهم.

وأمَّا تعجيلُهُ وتأخيرُهُ فلا أهمَّيَّةَ تحتَهُ، ولا جدوى عندَهُ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ….} الآياتُ، يُخبرُ تعالى عن كمالِ عدلِهِ، في إهلاكِ المُكذِّبينَ، وأنَّهُ ما أوقعَ بقريةٍ، هلاكاً وعذاباً، إلَّا بعدَ أنْ يُنذرَ منهم، ويبعثَ فيهم النُّذُرَ بالآياتِ البيِّناتِ، ويدعونَهُم إلى الهُدى، وينهونَهُم عن الرَّدى، ويذكِّرونَهُم بآياتِ اللهِ، وينبِّهونَهُم على أيَّامِهِ في نعمِهِ ونقمِهِ.

{ذِكْرَى} لهُم وإقامةَ حُجَّةٍ عليهم، {وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} فنهلكَ القرى، قبلَ أنْ ننذرَهم، ونأخذَهم وهم غافلونَ عن النذرِ، كما قالَ تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}، {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.

ولمَّا بيَّنَ تعالى كمالَ القرآنِ وجلالتِهِ، نزَّهَهُ عن كلِّ صفةِ نقصٍ، وحماهُ -وقتَ نزولِهِ، وبعدَ نزولِهِ- مِن شياطينِ الجنِّ والإنسِ فقالَ: {وَمَا تَنزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} أي: لا يليقُ بحالِهم ولا يناسبُهم {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} ذلكَ.

{إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} قد أُبعِدُوا عنهُ، وأُعِدَّتْ لهم الرُّجومُ لحفظِهِ، ونزلَ بهِ جبريلُ، أقوى الملائكةِ، الَّذي لا يقدرُ شيطانٌ أنْ يقربَهُ، أو يحومَ حولَ ساحتِهِ، وهذا كقولِهِ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9]

قالَ اللهُ تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآياتُ.

– الشيخ : لا إله إلّا الله، يحفظُه عندَ نزوله من من مسترقِي السَّمع ويحفظُه كذلكَ بعدَ نزولِه بحفظِ المؤمنينَ له، فهو محفوظٌ لا يخالطُه باطلٌ لا يخالطُه، لا يأتيه الباطلُ من بينِ يديهِ ولا من خلفِه، فهو محفوظٌ بحفظِ اللهِ وهو سبحانَه وتعالى يقيّضُ لهذا القرآنِ وسنّةِ الرسولِ من يحفظُهما ويحافظُ عليهما ويذبُّ عنهما.

 

– القارئ : {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ…} الآياتُ.

ينهى تعالى رسولَهُ أصلاً وأمَّتَهُ أسوةً لهُ في ذلكَ، عن دعاءِ غيرِ اللهِ، مِن جميعِ المخلوقينَ، وأنَّ ذلكَ مُوجِبٌ للعذابِ الدَّائمِ، والعقابِ السَّرمديِّ، لكونِهِ شركاً، {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}.

– الشيخ : أعوذُ باللهِ فتكونَ مِن المعذَّبينَ.

– القارئ : والنهيُ عن الشيءِ، أمرٌ بضدِّهِ، فالنهيُ عن الشركِ، أمرٌ بإخلاصِ العبادةِ للهِ وحدَهُ لا شريكَ لهَ محبَّةً وخوفاً ورجاءً وذلّاً وإنابةً إليهِ في جميعِ الأوقاتِ.

ولمَّا أمرَهُ بما فيهِ كمالُ نفسِهِ، أمرَهُ بتكميلِ غيرِهِ فقالَ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ}.

الَّذينَ همْ أقربُ النَّاسِ إليكَ، وأحقُّهم بإحسانِكَ الدِّينيِّ والدُّنيويِّ، وهذا لا.

– الشيخ : ولهذا قال سبحانه: {وأمرْ أهلَكَ بالصلاةِ}، هو يأمرُ الناسَ كلَّهم بالصلاةِ لكن الأدنى فالأدنى الأقربون أولى بالمعروفِ، الله المستعان لا حول ولا قوّةَ إلّا بالله، لا إله إلّا الله، وأمرْ أهلكَ بالصلاةِ، يا أيُّها الَّذين آمنوا قوا أنفسَكم وأهليكم، فأعظمُ بِرٍّ وإحسانٍ يقدِّمُه الإنسانُ لأهلِه تعليمهم الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، أعوذ بالله، يا سلام سلِّم، لا حول ولا قوّة إلّا بالله، لا حول ولا قوّة، الله المستعان.

 

– القارئ : وهذا لا ينافي أمرَهُ بإنذارِ جميعِ الناسِ، كما إذا أمرَ الإنسانُ بعمومِ الإحسانِ، ثمَّ قيلَ لهُ "أحسنْ إلى قرابتِكَ" فيكونُ هذا الخصوصُ الدَّالُّ على التَّأكيدِ، وزيادةِ الحقِّ، فامتثلَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هذا الأمرَ الإلهيَّ، فدعا سائرَ بطونِ قريشٍ، فعمَّمَ وخصَّصَ، وذكَّرَهم ووعظَهم، ولم يُبْقِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِن مقدورِهِ شيئاً، مِن نُصحِهم وهدايتِهِم إلَّا فعلَهُ، فاهتدى مَن اهتدى، وأعرضَ مَن أعرضَ.

{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بلينِ جانبِكَ، ولطفِ خطابِكَ لهُم، وتودُّدِكَ، وتحبُّبِكَ إليهم، وحُسنِ خلقِكَ والإحسانِ التَّامِّ بهِم، وقدْ فعلَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ذلكَ كما قالَ تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران:159]

فهذهِ أخلاقُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أكملُ الأخلاقِ الّتي يحصلُ بها مِن المصالحِ العظيمةِ، ودفعِ المضارِّ ما هوَ مُشاهدٌ، فهل يليقُ بمؤمنٍ بالله ورسولهِ يدَّعي اتِّباعَهُ والاقتداءَ بهِ، أنْ يكونَ كَلَّاً على المسلمينَ، شرِسَ الأخلاقِ، شديدَ الشكيمةِ، غليظَ القلبِ، فظَّ القولِ، فظيعَهُ، وإنْ رأى منهم معصيةً، أو سوءَ أدبٍ، هجرَهم، ومقتَهم.

– الشيخ : يعني يريدُ الشيخ أن أن يقولَ إنَّ ما أمر اللهُ به نبيَّه هذا مطلوبٌ من كلِّ الأتباعِ إذا كان الله يقول: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، فهذا مطلوبٌ أيضاً من كلِّ مؤمن أن أن يتواضع لإخوانه ويحسن معاملته لهم ويعاملُهم بالرفقِ والحسنى والإحسانِ، وعلى النقيضِ كذلك وكذلك قولُه: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}، كذلك على الأتباعِ أن يتبرَّؤُوا من أعداءِ الله وأعداءِ رسوله وأن ينكروا على العصاة ويبغضونهم في الله، فالمطلوبُ من الرسولِ مطلوبٌ من الأتباعِ كذلك هذا تقريرُ الشيخ رحمه الله.

 

– القارئ : وإنْ رأى منهم معصيةً أو سوءَ أدبٍ هجرَهم ومقتَهم وأبغضَهم، لا لينَ عندَهُ ولا أدبَ لديهِ ولا توفيقَ، قد حصلَ مِن هذهِ المعاملةِ، مِن المفاسدِ، وتعطيلِ المصالحِ ما حصلَ، ومعَ ذلكَ تجدُهُ مُحتقِراً لمَن اتَّصفَ بصفاتِ الرسولِ الكريمِ، وقد رماهُ بالنفاقِ والمُداهنةِ، وزكَّى نفسَهُ ورفَّعَها، وأُعجِبَ بعملِهِ، فهل يُعدُّ هذا إلَّا مِن جهلِهِ، وتزيينِ الشيطانِ وخدعِهِ لهُ؟ ولهذا قالَ اللهُ لرسولِهِ: {فَإِنْ عَصَوْكَ} في أمرٍ مِن الأمورِ، فلا تتبرَّأْ منهم، ولا تتركْ معاملتَهم، بخفضِ الجناحِ، ولينِ الجانبِ.

– الشيخ : فإن عصوك أيش؟

– القارئ : {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}.

– الشيخ : أيش يقول؟

– القارئ : هوَ يقولُ: ولهذا قالَ اللهُ لرسولِهِ: {فَإِنْ عَصَوْكَ} في أمرٍ مِن الأمورِ، فلا تتبرأْ مِنهم.

– الشيخ : هذا خلاف اللفظ، {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}.

– طالب: …

– الشيخ : قلْ إنِّي بريءٌ، نعم بعده بس كمِّل.

– القارئ : ولا تتركْ معاملتَهم، بخفضِ الجناحِ، ولينِ الجانبِ، بل تبرَّأْ مِن عملِهم، فعظْهم عليهِ وانصحْهم وابذلْ.

– الشيخ : يعني بالنسبة للمؤمنين بالنسبة للمؤمنين يعني هذا واضحٌ كلام الشيخ، جناحك للمؤمنين {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}، يُحتمَل أنَّ قوله: {فإن عصوك} يعني المؤمنون، إن عصوك فقل إنِّي بريءٌ ممَّا تعملونَ.

 أمَّا الكفَّارُ فيجبُ التبرُّؤُ منهم ومن أعمالهم لا كما يقول بعض المغالطين يعني نبغض أعمالهم ولا نبغضهم لأ بل نبغضُهم ونبغضُ أعمالهم، أمَّا المؤمنُ المسلمُ نبغضُ عمله السيِّئ والمعصية بل إنَّ الفاسق نحبُّه بما معه من الإيمانِ ونبغضُه كذلك، فلا يُسوَّى الفاسقُ بالمؤمنِ التقيِّ الصالحِ، فالناس ثلاثة: وليٌّ للهِ نحبُّه مطلقاً، وعدوٌّ لله نبغضُه مطلقاً، وفاسقٌ خلَّطَ كانَ عندَه من من موجباتِ المحبَّةِ ما معَه من إيمانٍ وطاعةٍ، ومعه أسبابٌ توجبُ كراهتَه وبغضَه.

وهذه الآيةُ قوله: {فإنْ عصوكَ}، الشيخ مشى على أنَّ أنّ المرادَ إنْ عصاك المؤمنون أو الّذينَ، إن عصاك يعني أتباعُك أو بعضُ أتباعِك فقلْ إنِّي بريءٌ. واللي عندي أنّه يُحتمَلُ أنْ تكونَ عصوكَ الَّذين أُرسِلْتَ إليهم ودعوتهم، فإنّ منهم المؤمن ومنهم الكافر.

 

– القارئ : وابذلْ قُدرتَكَ في ردِّهِم عنهُ، وتوبتِهم منهُ، وهذا لدفعِ احترازِ وهمِ مَن يتوهَّمُ أنَّ قولَهُ {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} للمؤمنينَ، يقتضي الرضى بجميعِ ما يصدرُ منهم، ما دامُوا مُؤمنينَ، فدفعَ هذا بهذا، واللهُ أعلمُ.

انتهى.

– الشيخ : أي نحن ختمْنا السورة لكن لا بأس، اقرأ تفسير ابن كثير على الآية هذه: {واخفضْ جناحَكَ لمن اتَّبعَكَ مِن المؤمنينَ فإنْ عصوكَ}، لا إله إلَّا الله لا إله إلَّا الله.