الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب المناسك من زاد المستقنع/كتاب المناسك (6) “باب محظورات الإحرام” ومن غطى رأسه بملاصق فدى

كتاب المناسك (6) “باب محظورات الإحرام” ومن غطى رأسه بملاصق فدى

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب المناسك)
– الدّرس: السّادس

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
(ومن غطى رأسَهُ بملاصِقٍ: فدَى)

– الشيخ: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، يقولُ: "ومن غطى رأسَهُ بملاصِقٍ فدى": يعني من غطَّى رأسَهُ بملاصقَ لزمتهُ الفديةُ، والفديةُ عندهم هنا في محظورِ اللباسِ وتغطيةِ الرأسِ ألحقوهُ بفديةِ الأذى، والأصلُ في فديةِ الأذى هي الفديةُ عن حلقِ الرأسِ، هذا هو الأصلُ، وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]
فهذه الفديةُ سَمَّوها فديةَ الأذى، وقالوا أنَّها تجبُ عن كلِّ المحظوراتِ التي عِلَّتُها الترفُّهُ كاللباسِ وتغطيةِ الرأسِ والطيبِ، هذه ثلاثةٌ، واثنينِ؛ صارت خمسةً، كلُّها الواجبُ فيها الفديةُ، فديةُ الأذى وهي أحدُ الأمورِ الثلاثةِ فهنا يقول: "ومن غطّى رأسَهُ": فتغطيةُ الرأسِ هذا حكمٌ مختصٌّ، المحظورُات منها ما هو مشتركٌ بين الرجالِ والنساءِ، محظورٌ هو في حقِّ الرجالِ والنساءِ، ومنها ما يختصُّ بالرجالِ، وهذا أحدُها، يعني بحلقِ الرأسِ مثلًا، أو تقليمِ الأظفارِ هذا محظورٌ في حقِّ الجميعِ، أمَّا تغطيةُ الرأسِ هذا محظورٌ مختصٌّ بالذكورِ.
والدليلُ على أنَّ هذا محظورٌ أو أنَّه مما يُنهى عن المُحرمِ أو يحرمُ على المحرمِ، أظهرُ دليلٍ في هذا ما جاءَ من قصةِ الرجلِ الذي وقصتهُ راحلتُه فماتَ فقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "اغسلوهُ بماءٍ وسدرٍ، وكفّنوهُ في ثوبيهِ، ولا تخمّروا رأسَه، ولا تحنّطوهُ، ولا تمسّوهُ طيبًا، فإنَّه يُبعثُ يومَ القيامةِ مُلبيًا".
أمَّا حديثُ ابنُ عمرَ "أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- سُئلَ ما يلبسُ المحرمُ من الثيابِ؟ قال: لا يلبسُ القميصَ أو القُمُصَ ولا العمائمَ ولا البرانسَ ولا الخفافَ، إلا رجلٌ لا يجدُ نعلين فليلبسُ الخفينِ" إلخ.. فهذا لا يعني حكمَ تغطيةِ الرأسِ، لأنَّه خصَّ النهيَ في أشياءَ معيّنةٍ من اللباسِ، كما أنَّ القميصَ ممَّا يُنهى عنه المحرمُ، لكن هل يُنهى المحرمُ عن تغطيةِ بدنِه؟ يعني الرجلُ تجبُ تغطيةُ ظهرِهِ أو كتفيهِ أو صدرِهِ؟ لا، فالنهيُ عن تغطيةِ الرأسِ هو مأخوذٌ من حديثِ ابنِ عباسٍ في قصةِ الرجلِ، فمن غطَّى رأسَهُ فدى، قالوا: من غطّى رأسَهُ بملاصقَ يعني بغطاءٍ يلتصقُ على الرأسِ مثل العمامةِ والطاقيةِ، ونحوهما ممّا يُلبسُ على الرأسِ ويلتصقُ به، فخرجَ بقوله "بملاصقَ" من غطّاهُ بغيرِ ملاصقَ مثلُ المظلةِ الشمسيّةِ، أو مثلًا ظُلّل الإنسانُ على رأسِهِ بكساءٍ يرفعُهُ أحدٌ على رأسِهِ، فهذا قد وردَ أنَّه فُعلَ بالنبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ظُلّلَ عند رميهِ للجمرةِ، فمن ظلّلَ من فوقٍ لا يُقالُ أنَّه غطّى، لكنّه يُقالُ: يُشبهُ تغطيةَ الرأسِ، ولكن هو تظليلٌ للرأسِ من بُعدٍ، فلهذا قالوا: "ومن غطّى رأسَهُ بملاصقَ فدى": يعني وجبتْ عليه الفديةُ، وهي أحدُ الثلاثةِ المذكورةِ في الآيةِ وفي الحديثِ.
– مداخلة: لو شالَ بكجةً على رأسهِ فيه أغراضُهُ وحاجاتُهُ؟
– الشيخ: لا، لا يُقالُ أنَّه غطّى رأسَهُ.

– القارئ: (وإنْ لَبِسَ ذكرٌ مخيطًا: فدَى)
– الشيخ: كان المفروضُ قولُهُ "ذكرًا" أيضًا تُراعى في المحظورِ السابقِ، "وإن غطّى ذكرٌ رأسَه بملاصقَ"؛ لأنَّ المرأةَ تُغطّي رأسَها ولا تُنهى عن ذلك، فكان من المناسبِ أن يعبَّرَ في محظورِ تغطيةِ الرأسِ كما قال هنا: "وإن لبسَ ذكرٌ" خرجَ به المرأةُ، والمرأةُ تلبسُ أنواعَ الثيابِ، تلبسُ الدروعَ والقُمُصَ والسراويلَ. وكلمة "مخيط" هنا تحتاجُ إلى تفسيرٍ، ما هو المرادُ بالمخيطِ؟ ليسَ المرادُ من المخيطِ ما فيه خياطةٌ مطلقًا فلو أتّزرَ بقطعتينِ من القماشِ قد خِيطَ أحدُهُما بالآخرِ فلا بأسَ، لكنَّ المرادَ بالمخيطِ الذي تجري العادةُ بلبسِهِ ويخاطُ على قدرِ البدنِ أو على عضوٍ من أعضائِهِ كالقميصِ أو ما في معناه كالجبّةِ، كلُّ هذه تندرجُ في قولِهم "مخيط"، والسراويلُ والجواربُ والقفّازُ، ولمّا سُئلَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ما يلبسُ المُحرمُ من الثيابِ؟ قال لا يلبسُ، فسألَه عمّا يلبسُ المحرمُ، فأجابَهُ بما لا يلبسُهُ المحرمُ.
وقال العلماءُ هذا من الأسلوبِ الحكيمِ، فهو سألَهُ عن ما يلبسُهُ المحرمُ فعيّن له النهيَ عنه، أمَّا ما يباحُ له لبسُهُ فهذا لا حصرَ له، فلا يلبسُ القمصَ، ولا السراويلَ ، ولا البرانسَ، والبرنس: فسَّروه بما يُغطَّي البدنَ وله طرفٌ يكون على الرأس، ولا الخِفافَ وفي معناهما الجوارب، قال عليه الصلاةُ والسلامُ في حديثِ ابنِ عمرَ: "إلَّا رجلٌ لا يجدُ نعلينِ فليلبسُ الخفّين وليقطعهُما أسفلَ من الكعبينِ"، فإذا كان الخفُّ طويلًا يغطّي الكعبينِ فإنَّه يقطعُ إن لم يجد نعلينِ، وهذه المسألةُ فيها نزاعٌ لأنَّه جاءَ في حديثِ ابنِ عمرَ التقيّدُ بالقطعِ، وفي حديثِ ابنِ عباسٍ حينَ خطبَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بعرفةَ، قال: "من لم يجد إزارً فليلبسِ السراويلَ، ومن لم يجد نعلينِ فليلبسْ الخفّين" ولم يأمر بقطعِهما، فمن أهلِ العلمِ من جعلَ حديثَ ابنَ عباسٍ ناسخًا لحديثِ ابنِ عمرَ، ومنهم من جعلَ حديثَ ابنِ عمرَ مقيّدًا لحديثِ ابنِ عباسٍ، والخفافُ التي تُستخدمُ الآن مقطوعةٌ لا تغطّي الكعبين، فمن يرى حديثَ ابنَ عباسٍ ناسخًا فإنَّ هذه جائزٌ عنده بإطلاقٍ، ومن يرى حديثَ ابنَ عمرَ مقيّدًا يقولُ: لا، هذه خفافٌ مقطوعةٌ، يعني خفٌّ يُغطّى القدمَ كلَّه إلَّا أنَّه مقطوعٌ، فهذا هو المحظورُ الرابعُ.
– مداخلة: ما هو الراجحُ هل هو النّسخُ أم التقيدُ؟
– الشيخ: 
هذا يختارُهُ شيخُ الإسلامِ ابن تيميةَ، لكن ليسَ بظاهرٍ لي كثيرًا، يعني أرى أقلَّ شيءٍ؛ الاحتياطُ ألَّا تُلبَسَ الكنادرُ الموجودةُ والمعتادةُ التي تغطّي القدمَ كلَّهُ فتغطّي الأصابعَ وظهرَ القدمِ وتغطّي القدمَ إلَّا أنَّها لا تغطّي الكعبين، ويرجّحونَ النسخَ لأنَّ النبيَّ خطبَ بذلك، ومعلومُ بذلك الجمعُ العظيمُ، وليسَ كلُّ أحدٍ علمَ بحديثِ ابنِ عمرَ، ولكن هذا في الحقيقةِ، أنَّ قاعدةَ النسخِ المعروفةَ أنَّه لا يُصارُ إلى النسخِ إلَّا بشرطيِن وهما: ألّا يمكنُ الجمعَ، والعلمُ بالتاريخِ، والتاريخُ هنا معلومٌ، لكنَّ الجمعَ ممكنٌ بحملِ المطلقِ على المقيّدِ.
– مداخلة: من لبسَ مخيطًا فدى، هذا مطلقٌ أم يقيّدُ بالحاجةِ؟
– الشيخ: 
هذا الحديثُ فيه: "من لم يجدْ إزارًا فليلبسِ السراويلَ"، ووجوبُ الفديةِ في هذا كلِّه قياسٌ.
 
– القارئ: (وإنْ طيَّبَ بدنَهُ، أو ثوبَه، أو ادَّهَنَ بمطيّبٍ، أو شمَّ طِيبًا، أو تبخرَ بعودٍ، ونحوهِ: فدَى)
– الشيخ: يقولُ: "فدى"، وهذا راجعٌ إلى أنَّه يحرمُ عليه الطيبُ في بدنِهِ وثيابِهِ وهذا شاملٌ لأنواعِ الطيبِ، وهذا مأخوذٌ أيضًا من قصةِ الرجلِ الذي سقطَ من راحلتِهِ فماتَ قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "لا تخمّروهُ، ولا تمسّوهُ طيبًا"، وأُخذَ من حديثِ ابنِ عمرَ أيضًا: "ولا تلبسوا شيئًا من الثيابِ مسَّهُ الزعفرانُ أو الورسُ"، قالوا أيضًا: إنَّ الزعفرانَ والورسَ نوعانِ من الطيبِ، فمن محظوراتِ الإحرامِ الطيبُ فيحرمُ على المحرمِ أن يتعمّدَ الطيبَ في بدنِهِ أو ثوبِهِ.
"أو ادّهنَ بمطّيبٍ": هو ما يقالُ له الطيبُ لكن هذا مطيّبٌ، ومن ادّهنَ بمطيّبٍ فقد تطيّبَ، مثل من يغسّلُ بالصابونِ الطيبَ الممسكَ هذا إذا غسلَ فيه صارَ الطيبُ على بدنِهِ في يديهِ أو جسدِهِ، وهذا الصابونُ درجاتٌ يعني منه ما يكونُ له رائحةٌ لكن ليس طيبًا ولا يصيرُ في البدنِ طيبٌ، لكن هناك أنواعٌ يسمونَها قديمًا مُمسَّكةً يعني فيها رائحةٌ طيبةٌ جدًا، والآن الكريماتُ كلُّها مطيّبةٌ، والرجالُ والنساءُ يقصدونَها لما فيها من الطيبِ.
وهنا مسألةٌ مشهورةٌ وهي أنَّ الطيبَ نعم يحرمُ على المُحرمِ، لكن هل يحرمُ ابتداءً واستدامةً؟ أو يحرمُ ابتداءً؟ يعني إنسانٌ قد أحرمَ وعرضَ له طيبٌ أو تطيّبَ بعدما أحرمَ بعدما لبّى، هذا يحرمُ عليه بالاتفاقِ، يحرمُ على المُحرمِ ابتداءُ الطيبُ وهذا لا إشكالَ فيه، لكن هل يحلُّ له أن يستديمَ الطيبَ الذي تطيّب به قبلَ الإحرامِ؟ هذه مسألةُ نزاعٍ، والصحيحُ أنَّه يجوزُ استدامةُ الطيّبِ لما ثبتَ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّ عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت: "كنتُ أُطيّبُ رسولَ اللهِ لإحرامَهُ قبلَ أن يُحرمَ، ولحلّه قبلَ أن يطوفَ بالبيتِ، وتقولُ: كأني أنظرُ إلى وبيصِ المسكِ في مفارقِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-"
وهذا المسكُ ما تطيّبُ به قبلَ أن يُحرمَ، يعني قبلَ أن يَشرعَ ويدخلَ في النُّسُكِ، وهذا هو الصوابُ. وأمَّا قصةُ صاحبِ الجُبّةِ الذي جاءَ وسألَ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فقال: "اغسل عنكَ الخلوقَ"، فالصحيحُ أنَّه إنّما نهي عن الخلوقِ لأنَّه طيبٌ له لونٌ، والرجلُ ينهى عن التطيّبِ بما له لونٌ، فالصوابُ أنَّ الذي يحرمُ على المُحرمِ من الطيبِ هو الابتداءُ، أمَّا الاستدامةُ فقد دلّتِ السنّةُ الصحيحةُ على جوازِ ذلك.
– مداخلة: المسجدُ الحرامُ الآن، دوراتُ المياهِ زُوّدتْ بصابونٍ له رائحةٌ، وكأنَّ الشيخَ محمَّدٍ لم يعتبرهُ من الطيبِ المحرَّمِ؟
– الشيخ: خلص اتركْهُ، طيب ماذا قال الشيخُ محمَّدٌ ولو ادّهنَ بمطيّبٍ؟

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "أو ادهنَ بمطيَّبٍ": أي مسحَ على جلدِهِ بدهنٍ فيه طيبٌ، فإنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّ ذلك سوفَ يعلقُ به وتبقى رائحتُهُ، هذا بشرطِ أن يكونَ هذا الذي ادهنَ به قد ظهرَ فيه رائحةُ الطيبِ، بقيَ النظرُ إلى أنَّ بعضَ الصابونِ له رائحةٌ؟ هل هي طيبٌ؟ أم هي من الرائحةِ الزكيةِ؟ الظاهرُ الثاني.
– الشيخ: لا، هذا مختلفٌ، بعضُهُ طيبٌ، فالشيخُ أجملَ في هذا، فالصابونُ هل هو على درجةٍ واحدةٍ؟ لا، هذا الذي عندي وأنَّه لا ينبغي استعمالُه، فهناك صابونٌ ضعيفٌ، لكنَّ الذي تسمّيهِ "لوكس" فهو طيبٌ؛ لأنَّ أثرَ الرائحةِ يبقى، ورائحتُهُ قويةٌ.
– مداخلة: ما هو ضابطُ الطيبِ؟
– الشيخ: الطيبُ: هو الذي يُقصَدُ للتطيّبِ، فصابون "لوكس" مثلاُ أقصدُ من أن أطيّب بدني، الأمورُ درجاتٌ، حلالٌ بيّنٌ، وحرامٌ بيّنٌ، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ، والذي فيه اشتباهٌ اتركْهُ والحمدُ للهِ، فقد استبرأَ لدينِهِ وعرضِهِ، وهذا في كلِّ الأشياءِ، وتركُ مُباحٍ أهونُ من فعلِ محرَّمٍ.
– مداخلة: القهوةُ يقولُ فيها الشيخُ محمّدٌ: فإذا كان بقيَ رائحةٌ للزعفرانِ فيُنهى عنها، وإن لم يبقى رائحةٌ فلا يُنهى.
– الشيخ: خلص، المناطُ هو الرائحةُ، فإن كان لونًا فقط فلا، خلص راحَ اضمحلَّ.
– مداخلة: تطييبُ الثوبِ قبلَ الإحرامِ؟
– الشيخ: 
هذا مشكلةٌ عند أهلِ العلمِ لأنَّه إذا طيّبَ قبلَ الإحرامِ فإنَّه يأخذُهُ ويفصلُهُ وعندهم تفصيلاتٌ، وأنَّه إذا أبعدَهُ ما يردُّهُ، لا تُطيِّبْ إحرامِك قبلَ الإحرامِ لأنَّه إذا طاحَ منكَ صارَ فيه إشكالٌ لأنَّكَ ستردُّهُ.
– مداخلة: والطيبُ الذي على الحجرِ الأسودِ؟
– الشيخ: لا تمسَّهُ.
"أو شمَّ طيبًا": يعني متعمّدًا، أمّا مطلقُ الشمِّ فالإنسانُ بحاجةٍ إلى أنْ يتنفّسَ، فمثلًا صارَ إلى جوارِهِ متطيّبٌ، لكن كون يتعمّدُ استنشاقَ الرائحةِ ويتمتّعُ، لأنَّ الغايةَ من الطيبِ هو التمتّعُ بالرائحةِ، فلهذا ألحقَ العلماءُ شمَّ الطيبِ بالتطيّبِ، فلا تتعمّدْ، لكن مع هذا قال بعضُ أهلِ العلمِ: أنَّه إذا شمّه لا للتلذذِ، مثلًا واحدٌ يريدُ أن يشتريَ طيبًا فيحتاجُ إلى أن يشمَّهُ ليعرفَ، ولم يشمَّهُ للاستمتاعِ والتلذّذِ، هذا فيه كلامٌ.
"أو تبخّرَ بعودٍ ونحوِه": وهذا طيبٌ، ولهذا لما أمرَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الصحابةَ بالتحلّلِ ذكروا أنَّ من آثارِ التحلّلِ قالوا: سَطَعَتِ المجامرِ.
"فدى": يعني عليه فديةٌ، وهذه مقيسةٌ على حلقِ الرأسِ بناءً على تعليلِ النهي عن حلقِ الرأسِ لما فيه من الترفُّهِ، فتصبحُ المسألةُ كلُّها احتياطًا. 
– مداخلة: إذا تطيّبَ في بدنِهِ وساحَ الطّيبُ على ثوبِ الإحرامِ، طبعًا تطيّبَ قبلَ الإحرامِ؟
– الشيخ: 
اللهُ أعلمُ، يظهرُ ونرجو أنَّه لا حرجَ، لأنَّ هذا حرجٌ، وما دامَ تطيّبَ، والطيبُ في مثلِ هذه الحالاتِ يسيلُ إمَّا بطبيعةِ أنَّه مائعٌ زيتيٌّ، أو أنَّه يسيلُ مع العرقِ، فأرجو أنَّه لا حرجَ إن شاءَ اللهُ.

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "أو شمَّ طيبًا": أي تقصَّدَ شمَّ الطيبِ، فإنَّه يحرمُ عليه ذلك، ولكن هذه المسألةُ وهي شمُّ الطيبِ في تحريمِها نظرٌ؛ لأنَّ الشمَّ ليسَ استعمالًا، ولهذا قال بعضُ العلماءِ: إنَّه لا يحرمُ الشمُّ، لكن إن تلذَّذَ به فإنَّه يتجنّبُهُ خوفًا من المحذورِ الذي يكونُ بالتطيّبِ، أمَّا شمُّهُ ليختبرَهُ مثلًا هل هو طيبٌ جيّدٌ، أو وسطٌ، أو رديءٌ، فهذا لا بأسَ به.
وهذه المسألةُ لها ثلاثُ حالاتٍ: الحالُ الأولى: أنْ يشمَّهُ بلا قصدٍ. الحالُ الثانيةُ: أنْ يتقصَّدَ شمَّهُ، لكن لا للتلذّذِ به أو الترفُّهِ به، بل ليختبرَهُ، هل هو جيّدٌ أو رديءٌ. الحالُ الثالثةُ: أن يقصدَ شمَّهُ للتلذّذِ به، فالقولُ بتحريمِ الثالثةِ وجيهٌ، وهذه فيها خلافٌ: فقالَ بعضُ العلماءِ: إنَّ شمَّ الطيبِ ليسَ حرامًا، ولا شيءَ فيه؛ لأنَّه لم يستعملْهُ، والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال:
"ولا تحنّطوهُ" وقال: "لا تلبسوا ثوبًا مسَّهٌ زعفرانٌ ولا ورسٌ" والشمُّ لا يؤثّرُ في الثوبِ ولا البدنِ …
– الشيخ: لكنَّ العلماءَ ينظرونَ إلى الغايةِ، يعني الشمُّ والتلذّذُ بالطيبِ هو الغايةُ من التطيّبِ.

– القارئ: قال الشيخُ البليهي:
قولُه: "أو ثوبِه": يحرمُ ذلك، وهو قولُ أكثرِ العلماءِ خلافًا لأبي حنيفةَ؛ لحديثِ يعلى ابنِ أميّةَ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "جاءَهُ رجلٌ متضمّخٌ بطيبٍ فقال يا رسولَ اللهِ كيفَ ترى في رجلٍ أحرمَ بجبّةٍ بعدما تضمّخَ بطيبٍ؟ إلى أن قال: أمَّا الطيبُ الذي بك فاغسلْهُ ثلاثَ مراتٍ، وأمَّا الجبّةُ فانزعْها، ثمَّ اصنع بالعمرةِ ما تصنع في حجّكَ" متفقٌ عليه.

– القارئُ يقرأُ من حاشيةِ الروضِ:
(وإن طيَّبَ) محرمٌ (بدنَهُ أو ثوبَهُ) أو شيئًا منهما
– مداخلة: قال أيضًا في الحاشية: أو استعمَلَهُ في أكلٍ أو شربٍ.
– الشيخ: الطعمُ ليسَ معتمَدًا، والكلامُ في وجودِ الرائحةِ فقط، وإذا كان مستلزمَ الرائحةِ قُل: وجد رائحته فقط. حتى: إشارةٌ إلى الخلافِ المتوسِّطِ، مثل "لو": إشارةٌ للخلافِ القويّ، و"إن": إشارةٌ إلى الخلافِ المرجوحِ، وقولُه هنا "حتى": إشارةٌ إلى الخلافِ المتوسّطِ، وإيجابُ الفديةِ في مثلِ هذهِ الأشياءِ فيها.. لأنَّ الفديةَ جاءت في حلقِ الرأسِ، يعني يكفي أنَّه جاءَ النصُّ بالتحريمِ، والرسولُ لم ينصَّ على شيءٍ من هذه، فالفديةُ بحلقِ الرأسِ جاءَ في الكتابِ والسنّةِ، وتحريمُ هذه المحرماتِ ليسَ بالقياسِ، هذه المحرماتُ كتحريمِ تغطيةِ الرأسِ وتحريمِ اللباسِ المخيطِ ليس بالقياسِ بل بالنصوصِ، والذي نصَّ على تحريمِ تغطيةِ الرأسِ لم يأمرْ فيها بالفديةِ، فالأظهرُ عندي أنَّه لا تجبُ الفديةُ في هذه المحظوراتِ المذكورةِ.
– مداخلة: لو أُفتيَ الناسُ بعدمِ الفديةِ لتهاونوا، فلو أنَّنا ألزمناهُم من أجلِ ألَّا يستهيَنَ الواحدُ في بابِ المحظورِ ….
– الشيخ: 
يعني نظرًا إلى أنَّ أهلَ العلمِ قالوا بذلك، وصعبٌ أن نُلزمَ الناسَ بواجباتٍ لم يوجبْها اللهُ عليهم.
– مداخلة: في الحاشيةِ قال:
وفي روايةٍ: يُباحُ شمُّ الريحانِ والنّرجسِ والبنفسجِ والوردِ والبرمِ ونحوِها، قال في المبدعِ: اختارَهُ أكثرُ الأصحابِ، وهو قولُ عثمانَ، وابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما.

– الشيخ: الظاهرُ شمّها يعني الأشجارُ نفسُها، تُشمُّ نعناعٌ أو طيبٌ.
 




 
الأسئلة:
س1: ما حكمُ لبسِ الإحرامِ الذي قد خِيطَ جانباهُ، أو وُضعَ فيه تكّة؟
ج: لا أرى هذا، وهو قريبٌ من السراويلِ.
…………………………………….
س2: ما رأيُ فضيلتكم بنسبةِ الطيبِ الفرنسيِّ مثل الكلونية وما أشبهَ ذلك؟
ج: لا يجوزُ، وقد أقسمتُ عليه.
…………………………………….
س3: غسلُ الإحرامِ بالصابونِ أو المنظفاتِ قبلَ الإحرامِ به؟
ج: جائزٌ، نصَّ العلماءُ على أنَّه يُسنُّ الإحرامُ بثوبينِ نظيفينِ جديدينِ أو مغسولين.
…………………………………….
س4: إذا لبسَ الإحرامَ وكان فيه رائحةُ غسيلِ الصابونِ فما الحكمُ في ذلك؟
ج: الأمرُ واسعٌ إن شاءَ اللهُ، لكن لا تغسلْ بصابونٍ الذي قلتم عنه "لوكس".
…………………………………….
س5: ما هي وسائلُ الثباتِ على الدينِ؟
ج: الإقبالُ على تدبّرِ القرآنِ وسنّةِ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وصُحبةُ الأخيارِ، والمحافظةُ على فرائضِ اللهِ، والاستكثارُ من النوافلِ، والتوجّهُ إلى اللهِ بسؤالِ الثباتِ.
…………………………………….
س6: رجلٌ تزوّجَ امرأةً ثانيةً، وبعدَ ثلاثةِ شهورٍ وجدَ أنّها لا تناسبُهُ فطلّقها، والمرأةُ حزينةٌ، ولا تتحمّلُ الطلاقَ، واقترحت له أن تبقى معلّقةً وتتنازلَ عن كلِّ حقوقِها كالإنفاقِ والمبيتِ، واستدلّتْ بقصةِ زوجةِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- سودة رضي اللهُ عنها، هل يجوزُ لها ذلك، وما نصيحتُكم؟
ج: يجوزُ لها ذلك، يعني ترى لنفسِها ومصلحتها أنَّها ذاتُ زوجٍ، يدخلُ ويخرجُ عليها ولا تعدمُ شيئًا من إحسانِه، ولا تبقى مطلّقةً أرملةً بائسةً، وظروفُ الناسِ تختلفُ، وينبغي على زوجِها أن يرحمَها ويعطفَ عليها، وألّا تعدمَ منه، وإن تنازلت عن النّفقةِ، فالكريمُ لن يقطعَ إحسانَه إليها.
…………………………………….
س7: رجلٌ يمسكُ بقضيبٍ من رمّانٍ ويضمُّهُ إلى صدرِه من طرفيه ويمشي الهوينا، ثمَّ يقولُ هنا يوجدُ ماءٌ، أو هنا لا يوجدُ، والمعلومُ من هذا الرجلِ أنَّه يصلّي وعلى صلاحٍ في المعتقدِ وفي الدّينِ، هل هذا الفعلُ جائزٌ ولا ينكرُ عليه؟
ج: هذا مشهورٌ أنَّه من الناسِ من له فراسةٌ في طبيعةِ الأرضِ، لا نقولُ أنَّه يتكهّنُ، نقول أنَّه يتخرّصُ ويصيبُ ويخطئُ، لكنَّ إمساكَهُ بعودِ الرمانِ هذا الذي فيه الشبهةُ، ما علاقةُ عودِ الرمانِ، فعندي أنَّ هذا لا يؤمَنْ، عنده تلبيسٌ أو كذبٌ أو تكهّنٌ قريبٌ، أمّا كونَه يعلمُ وينظرُ إلى طبيعةِ الأرضِ ولهم فيها تجاربُ يسمونَهُ الصنّات.
…………………………………….
س8: عندي مالٌ وصلني لأعطيهِ شخصًا حوالةً عن طريقي، فهل لو اشتريتُ به سلعةً ثمَّ ربحتُ قبلَ أن أوصلَ المبلغَ لصاحبِهِ، ومن عليه ديونٌ هل يأخذُ من الزكاةِ لو أعطيَ لحاجتِه؟
ج: ليسَ له الحقُّ في التصرّفِ فيه إلّا بإذنٍ من الذي أعطاكَ، أو من الذي أوصلتَ إليه، نعم إذا كان لا يجدُ وفاءً يعني ليسَ عنده أموالٌ وعقاراتٌ يبيعُهُ ويقضي دينَه فنعم، والغارمُ: من عليه دينٌ إمّا لإصلاحِ ذاتِ البينِ أو لفقرِهِ.
…………………………………….
س9: رجلٌ فرنسيٌّ الجنسيةِ مقيمٌ هنا، يريدُ السفرَ إلى فرنسا لكي يأخذَ أمَّهُ ويصاحبَها إلى الرياضِ، بينما هو خائفٌ أن تُمسكَه الشرطةُ هنالك أو يُمنعَ من الرجوعِ إلى الرياضِ، هل يجوزُ له في مثل هذه الحالِ أن يتركَ أمَّه تسافرُ وحدَها إلى الرياضِ؟
ج: لعلّها ضرورةٌ، أرجو أنّها ضرورةٌ.
…………………………………….
س10: هل يجوزُ استعمالُ العطورِ التي تحتوي على كحولٍ؟
ج: ينبغي تجنّبُها.
…………………………………….
س11: سائلٌ يطلبُ توجيهكم لأبوينِ من فرنسا وقعتْ ابنتُهما في الفاحشةِ وعمرُهُا ستّةَ عشرَ سنةً مع ابنِ جارٍ لهم، وضُربَ الولدُ حتى أدخلَ المستشفى، وقامَ الوالدانِ بطردِ ابنتهما من البيتِ وهي عند خالتِها، هل في طردِ البنتِ من البيتِ مصلحةٌ، وهل من توجيهٍ، وهل ترونَ في تزويجهما مصلحةٌ، وهل في ذلك شروطٌ؟
ج: لا، ليسَ فيه مصلحةٌ، عليها أن تتوبَ وعلى أبويها أن يحافظوا عليها ويأمرانِها بالتوبةِ، أمَّا طردَها فإنَّه يزيدُ الشرَّ والفسادَ، بل عليهما أن يُنكروا عليها ويأمرانِها بالتوبةِ ويحافظونَ عليها، وإذا تابا فليُزوّجْ أحدُهما من الآخرِ.
…………………………………….
– مداخلة: … يقولون من يضعُ المظلّةَ عليه فديةٌ ويحرمُ؟
– الشيخ: من استظلَّ بشمسيةٍ أو غيرِها لا يُعدُّ مغطّيًا لرأسِهِ.
– مداخلة: غير حلقِ الرأسِ من المحظوراتِ ترونَ أنَّه لا فديةَ فيه؟
– الشيخ: الأحوطُ الفديةُ، وهي بسيطةٌ، فديةُ الأذى ما هي؟ صيامُ ثلاثةِ أيامٍ، فيها أجرٌ وفيها كفّارةٌ، أو صدقةٌ بسيطةٌ: إطعامُ ستّةِ مساكينَ، ولو بعدَ الحجِّ.
– مداخلة: ما هو ضابطُ المخيطِ؟
– الشيخ: 
ما يلبسُ في العادةِ، ثوبٌ، سروالٌ، طويلٌ أم قصيرٌ؟ كلُّهُ واحدٌ.
– مداخلة: …تعطير الفم؟
– الشيخ: لا، ليسَ طيبًا، وفي الغالبِ أنَّ فيه رائحةٌ جيدةٌ.
– مداخلة: طيب لماذا الزعفرانُ يختلفُ؟
– الشيخ: ا
لزعفرانُ نفسُهُ يُنهى عنه المُحرمُ، "ولا تلبسوا شيئًا من الثيابِ مسَّهُ الزعفرانُ أو الورس".

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله