بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل
الدَّرس: الأوَّل
*** *** ***
– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسـمِ اللهِ الرَّحمـنِ الرَّحيـمِ
طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النَّمل:1-6]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : أستغفرُ اللَّه، هذه السورة سورة النمل وهي من القرآن المكيّ، ومن علوم القرآن معرفة المكيّ والمدنيّ، وأحسن ما قيل في ذلك أنّ المكيّ ما نزل قبل الهجرة والمدنيّ ما نزل بعد الهجرة.
ومن علامات القرآن المكيّ افتتاح السورة ببعض السور المقطّعة، وذكر القصص وتقرير أصول الاعتقاد التوحيد والنبوّة، كلّ هذه موجودة في هذه السورة، فقد افتتحت بحرفين: ط و س طس.
ثمّ ينوّهُ الله تعالى بشأن القرآن وآياته: {تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}، والقرآن والكتاب هما اسمان لهذا الوحي المنزّل وهو كلام الله هو القرآن وهو الكتاب المبين، {تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}.
ثمّ يذكر الله تعالى يعني الغاية من إنزاله وهو أنّه هدى وبشرى، هدى للناس وهدى للمتقين والمؤمنين وهدى وبشرى للمؤمنين؛ لأنّهم هم المنتفعون بهذا القرآن، كما قال تعالى: هدىً للمتقين، هدىً ورحمةً وبشرى للمؤمنين، تبياناً لكلّ شيء وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين، {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}.
فهذه بعض صفات المؤمنين الَّذين لهم الّذين يكونُ هذا الهدى هذا القرآن يكون لهم هدىً وبشرى، الّذين يقيمون الصّلاة وهي الصّلوات الخمس المكتوبة على العباد كلّ يومٍ وليلةٍ، ويؤتون الزكاة حقّ المال، وهذا وهذان فريضتا الإسلام بعد التوحيد أعظم شعائر الدِّين بعد التوحيد الصلاة والزكاة، ولهذا يقرن الله بينهما كثيراً.
{يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}، فيجمعون بين الأيمان بالله والإيمان باليوم الآخر الإيمان بالله واليوم الآخر، وبالآخرة هم يوقنون، يوقنون بأنّ البعث حقٌّ وأنَّ العباد مجزيّون بأعمالهم.
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ}، هؤلاء هم ضدّهم هؤلاء هم الكفّار الّذين كفروا بالله ورسله، وكذّبوا بلقائه كذّبوا باليوم الآخر لا يؤمنون بالآخرة، يقول الله: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}، نسأل الله العافية، فمن عقوبات الله لهم أنْ يزيّنَ لهم سوءَ أعمالهم، ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا﴾ [فاطر:8]
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ}، فهؤلاءِ هم أهلُ الشقاءِ أهل الشقاء لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون، أمَّا المؤمنون فالله يجزيهم أحسن الثواب يجزيهم ويثيبهم أحسن الثواب وهي كرامته في الجنّة.
فهذان فريقان فريق السعداء وفريق الأشقاء، كثيراً ما يذكرهما تعالى سبحانه وتعالى، فاخترْ لنفسِك أيُّها الإنسان اخترْ لنفسك أحد الطريقين صراط الّذين أنعمت أنعم الله عليهم أم طريق المغضوب عليهم والضالِّين، نسأل الله أن يسلك بنا سبيل المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
{فَهُمْ يَعْمَهُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ}، قالَ اللهُ: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}، هذا القرآن ينزلُ على الرسولِ من عند الله العليم الحكيم، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:41-42]
وفي أوَّل السّورة: ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [فصلت:2]
وذكرُ هذه الأسماءِ يدلُّ على أنّ القرآن مشتمل على معاني هذه الأسماء من الحكم من الحكمة والرحمة والعلم.
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}، فالقرآنُ وحيٌ من عندِ اللهِ أوحاه الله إليه أوحاه الله إلى نبيِّه وجعله أعظم دليلٍ على صدق نبوّته صلّى الله عليه وسلّم، ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت:51]
هذه مقدّمة السّورة افتتحت بذكر فريقي النّاس المؤمنين والكافرين السّعداء والأشقياء، وذكر بعض صفات هؤلاء وهؤلاء، افتتحت بالتنويه بشأن هذا القرآن: {تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}، {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}.
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشّيخُ عبدُ الرّحمنِ السّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: تفسيرُ سورةِ النّملِ وهيَ مكيَّةٌ.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ…} الآياتُ.
ينبِّهُ تعالى عبادَهُ على عظمةِ القرآنِ ويشيرُ إليهِ إشارةً دالَّةً على التعظيمِ فقالَ.
– الشيخ : إشارة دالّة على التعظيم؛ لأنّ ذلكَ اسم الإشارة إذا اقترنَ باللامِ والكافِ فهي إشارة إلى البعيد وكذلك تلك، فالإشارة يعني ألفاظ الإشارة نوعان عند النحويِّين: إشارةُ البعيدِ وإشارةُ القريبِ، تقول للقريب هذا وتقول تي للاسم المؤنث تي أو هذه هذه.
وتكون تكون الإشارة ذلك للبعيد تِلك تِلك لا … زائدة على الــ تي تِلك، فيقول أشار إليه إشارة دالّة على تعظيم القرآن فهو ينبّه إلى دلالة تلك، تلك آيات القرآن وكتاب مبين، أعد الجملة هذه.
– القارئ : ينبِّهُ تعالى عبادَهُ على عظمةِ القرآنِ ويشيرُ إليهِ إشارةً دالَّةً على التعظيمِ.
– الشيخ : على التعظيم يعني إشارة البعيد، نعم.
– القارئ : فقالَ: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} أي: هيَ أعلى الآياتِ وأقوى البيِّناتِ وأوضحُ الدلالاتِ وأبينُها على أجلِّ المطالبِ وأفضلِ المقاصدِ، وخيرِ الأعمالِ وأزكى الأخلاقِ.
– الشيخ : نعم نعم.
– القارئ : وأزكى الأخلاقِ، آياتٌ تدلُّ على الأخبارِ الصّادقةِ والأوامرِ الحسنةِ والنّهيِ عن كلِّ عملٍ وخيمٍ وخلقٍ ذميمٍ، آياتٌ بلغَتْ في وضوحِها وبيانِها للبصائرِ النيِّرةِ مبلغَ الشّمسِ للأبصارِ، آياتٌ دلَّتْ على الإيمانِ ودعَتْ للوصولِ إلى الإيقانِ، وأخبرَتْ عن الغيوبِ الماضيةِ والمُستقبَلةِ، على طبقِ ما كانَ ويكونُ.
آياتٌ دعَتْ إلى معرفةِ الربِّ العظيمِ.
– الشيخ : الله أكبر الله أكبر تضمّن القرآن الأخبار عن الماضي والمستقبل، عن الماضي عن بدءِ هذا الخلق وعن بعض ما جرى في هذه الحياة من قصص الرُّسلِ من نوحٍ عليه السلام ومن جاء بعده، وأخبر عن المستقبل وما سيكون من أشراط السّاعة ومن القيامة وما وأخبار الجنّة والنار، كلّها غيوب عظيمة كلّها تضمّنها القرآن في بيان.
والمعرضون عن القرآن والّذين لا شأن لهم بالقرآن لا يعلمون شيئاً عن هذه الأمور، فهم تائهون في هذه الدنيا تائهون يعمهون، إنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة زيّنا لهم أعمالهم فهم يعمهون، عميٌ عن الحقّ ضالّون يتخبطون في ضلالاتهم وجهالاتهم وأنواع كفرهم.
– القارئ : آياتٌ دلَّتْ على الإيمانِ ودعَتْ للوصولِ إلى الإيقانِ، وأخبرَتْ عن الغيوبِ الماضيةِ والمُستقبَلةِ، على طبقِ ما كانَ ويكونُ.
آياتٌ دعَتْ إلى معرفةِ الرَّبِّ العظيمِ بأسمائِهِ الحُسنى وصفاتِهِ العُليا وأفعالِهِ الكاملةِ، آياتٌ عرَّفَتْنا برسلِهِ وأوليائِهِ ووصفتَهم حتَّى كأنَّا ننظرُ إليهم بأبصارنِا، ولكنْ معَ هذا لم ينتفعْ بها كثيرٌ مِن العالمينَ ولم يهتدِ بها جميعُ المُعاندينَ صوناً لها عمَّن لا خيرَ فيهِ ولا صلاحَ ولا زكاءَ في قلبِهِ، وإنَّما اهتدى بها مَن خصَّهم اللهُ بالإيمانِ واستنارَتْ بذلكَ قلوبُهم وصفَتْ سرائرُهم.
فلهذا قالَ: {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: تهديهِم إلى سلوكِ الصِّراطِ المُستقيمِ وتبيَّنُ لهم ما ينبغي أنْ يسلكوهُ أو يتركوهُ، وتبشِّرُهم بثوابِ اللهِ المترتِّبِ على الهدايةِ لهذا الطريقِ.
ربَّما قيلَ: لعلَّهُ يكثرُ مدَّعو الإيمانِ فهل يقبلُ مِن كلِّ أحدٍ ادَّعى أنَّهُ مؤمنٌ بذلكَ أم لابدَّ لذلكَ مِن دليلٍ؟ وهوَ الحقُّ فلذلكَ بيَّنَ تعالى صفةَ المُؤمنينَ فقالَ: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} فرضَها ونفلَها فيأتونَ.
– الشيخ : نعم فرضها ونفلها أمّا الفريضة فلابدّ منها وكذلك النّافلة يقيمونها إذا صلَّوا نافلة يصلّونها على الوجه الشرعيّ هذا معنى إقامتها يقيمون الصلاة، إذا صلّوا فإنّهم يصلّون صلاةً موافقةً لما جاءتْ به سُنَّةُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام، ولهذا يقول الشيخ فرضها ونفلها يقيمون الصلاة الفرض والنفل، لكن المقصود الأعظم هو الصّلوات الخمس.
– القارئ : فيأتونَ بأفعالِها الظّاهرةِ، مِن أركانِها وشروطِها وواجباتِها ومستحباتِها، وأفعالِها الباطنةِ وهوَ الخشوعُ الَّذي هوَ روحُها ولبُّها باستحضارِ قربِ اللهِ وتدبُّرِ ما يقولُهُ المُصلِّي ويفعلُهُ.
– الشيخ : الله المستعان.
– القارئ : {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} المفروضةَ لمُستحقيها.
{وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أي: قد بلغَ معَهم الإيمانُ إلى أنْ وصلَ إلى درجةِ اليقينِ وهوَ العلمُ التامُّ الواصلُ إلى القلبِ الدَّاعي إلى العملِ، ويقينُهم بالآخرةِ يقتضي كمالَ سعيِهم لها، وحذرِهم مِن أسبابِ العذابِ وموجباتِ العقابِ وهذا أصلُ كلِّ خيرٍ.
{إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} ويكذِّبون بها ويكذِّبون مَن جاءَ بإثباتِها، {زَيَّن لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} حائرينَ متردِّدينَ مُؤثِرِينَ سخطَ اللهِ على رضاهُ، قد انقلبَتْ عليهم الحقائقُ فرأَوا الباطلَ حقَّاً والحقَّ باطلاً.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ} أي: أشدُّهُ وأسوَؤُهُ وأعظمُهُ، {وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ} حصرَ الخاسرَ فيهم.
– الشيخ : حصر الخُسر، حصرَ حصرَ الخُسرَ.
– طالب: الخسارة
– الشيخ : الخسارة؟
– طالب: نعم الخسار بدون "ألف"
– الشيخ : نعم أيش؟ الخسارَ
– الحضور: نعم
– الشيخ : إي كلّها صحيحة الخسارة والخُسر {إنَّ الإنسان لفي خُسرٍ} ماشي نعم قُل.
– القارئ : حصرَ الخسارَ فيهم لكونِهم خسرُوا أنفسَهم وأهليهم يومَ القيامةِ وخسرُوا الإيمانَ الَّذي دعَتْهم إليهِ الرُّسلُ.
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} أي: وإنَّ هذا القرآنَ الَّذي ينزلُ عليكَ وتتلقنُهُ ينزلُ مِن عندِ {حَكِيمٍ} يضعُ الأشياءَ مواضعَها، وينزلُها منازلَها.
{عَلِيمٍ} بأسرارِ الأحوالِ وبواطنِها، كظواهرِها.
وإذا كانَ مِن عندِ {حَكِيمٍ عَلِيمٍ} علمَ أنَّه كلُّهُ حِكمٌ ومصالحٌ للعبادِ، مِن الَّذي هوَ أعلمُ بمصالحِهم منهم.