الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النمل/(3) من قوله تعالى {ولقد آتينا داوود وسليمان علما} الآية 15 إلى قوله تعالى {فتبسم ضاحكا} الآية 19
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(3) من قوله تعالى {ولقد آتينا داوود وسليمان علما} الآية 15 إلى قوله تعالى {فتبسم ضاحكا} الآية 19

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النَّمل:15-19]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللَّهُ عنكَ            

– الشيخ : سبحان الله سبحان الله سبحان الله، داود وسليمان -عليهما السلام- نبيّان من أنبياء بني إسرائيل ومَلِكان، ولقد آتينا {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا}، وهي النّبوّة.

 {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} قالا الحمد لله لكن من أجل التقاء الساكنين تسقط الألف، وقالا الحمد لله {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}، فهما يشكران اللهَ على هذا التفضيلِ، فضَّلَهما بالعلمِ وفضَّلَهما أيضاً بما آتاهما من الملكِ والقدرةِ والتسخيرِ.

وقد ذكرَ اللَّه قصّة سليمان، داوود وسليمان في مواضع كسورة سبأ، ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ:10-11]

 إلى قوله: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [سبأ:12]

إلى آخرِ الآياتِ، وكذلك في سورةِ الأنبياء.

لا إله إلّا الله، {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}، سليمان هو ابن داودَ -عليهما السلام-، ورثه العلم جعله نبيّاً من بعد أبيه من بعد داود.

{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}، فسخّر الله سخّر الله لسليمان هذه المخلوقات الجنّ والطير، {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}.

وفي إحدى مسير نبيّ الله سليمان بجنوده صادف أن مرّ بوادي النمل الحيوان المعروف العجيب، النمل من الحيوانات العجيبة في تصرُّفاتها وتدبيرها، {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، فقامت منذرةً ومحذِّرةً وقد جمعت في كلامِها هذا معاني عديدة من أنواع الخطاب، {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ}، يمرّون عليهم فيدقّونهم، واعتذرت عن سليمان قالت: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، فتضمّن كلامها الخطاب والنداء والأمر والنهي والتحذير والاعتذار {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.

فعلم سليمان بقولها، وظاهر السياق أنّه يعني سمع يعني كلامها وخطابها، وهذا من جنس تعليم الله له منطق الطير علّمه منطق هذا الحيوان فهذا فيه آيات من آيات الله الكونيّة.

فتعجّب سليمان من قولها، {تَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا}، تبسَّم تبسُّم التعجّب من هذا الخطاب العجيب، {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}، فهو يتذكّر نعمَ اللهِ عليه وما وما، نعم الله عليه بما علّمه من علم النبوّة وما علّمه من معرفة منطق الطير ومنطق هذه الحيوانات.

{نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}، فهذه دعوات جميلة إذا دعا بها الإنسان، حتّى إنّه قال تعالى في الآية الأخرى في شأن الّذي بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وقد جعله اللّه من الصالحين ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف:15]

 فهذه من الأدعية الحسنة الّتي يعني أخبرَ اللهُ بها من أدعيةِ الأنبياءِ والصالحين.

 هذه من أدعيةِ الأنبياءِ والصالحينِ، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}، وما أنعمَ اللهُ به على الآباءِ هو نعمةُ الأبناءِ، نعم يا محمّد نعم.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ رحمَهُ اللهُ تعالى

– الشيخ : جاء في الحديثِ في السُّنَّة أنّ نبيّ الله سليمان خرج يستسقي فوجد، ولعلّها في نفس هذه القصّة نملة قد استلقت واستسقت، فقال سليمان: ارجعوا فقد سُقِيتم فقد سُقِيتم بدعوة غيركم، فالنمل يستسقي ويتوجّه إلى ربّه فالنمل يحتاج إلى القوت والغذاء، فيهلك بالجدب والقحط وينمو مع الخصب والزرع والحبوب.

– القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} إلى آخرِ القصَّةِ.

يذكرُ في هذا القرآنِ وينوِّهُ بمنَّتِهِ على داودَ وسليمانَ أنبأَهُ بالعلمِ الواسعِ

– الشيخ : أن أنبأهما

– القارئ : لا، عندي: أن أنبأَهُ

– طالب: ابنه

– الشيخ : أيش؟

– طالب: داود، وسليمان ابنه.

– الشيخ : ابنهُ، أي تمام

– القارئ : عندي أنبأَهُ

– الشيخ : لا؛ ابنه، نعم

– القارئ : يذكرُ في هذا القرآنِ وينوِّهُ بمنَّتِهِ على داودَ وسليمانَ ابنِهِ بالعلمِ الواسعِ الكثيرِ بدليلِ التنكيرِ كما قالَ تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}.

{وَقَالا} شاكرينَ لربِّهما منَّتَهُ الكُبرى بتعليمِهما: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} فحمدَا اللهَ على جعلِهما مِن المؤمنينَ أهلِ السعادةِ وأنَّهما كانَا مِن خواصِّهم.

ولا شكَّ أنَّ المؤمنينَ أربعُ درجاتٍ: الصالحونَ، ثمَّ فوقَهم الشُّهداءُ، ثمَّ فوقَهم الصدِّيقونَ ثمَّ فوقَهم الأنبياءُ، وداودُ وسليمانُ مِن خواصِّ الرُّسلِ وإنْ كانَا دونَ درجةِ أولي العزمِ الخمسةِ، لكنَّهما مِن جُملةِ الرُّسلِ الفضلاءِ الكِرامِ الَّذينَ نوَّهَ اللهُ بذكرِهم ومدحِهم في كتابِهِ مدحاً عظيماً، فحمدَا اللهَ على بلوغِ هذهِ المنزلةِ، وهذا عنوانُ سعادةِ العبدِ أنْ يكونَ شاكراً للهِ على نعمِهِ الدينيَّةِ والدنيويَّةِ وأنْ يرى جميعَ النعمِ مِن ربِّهِ، فلا يفخرُ بها ولا يُعجَبُ بها بل يرى أنَّها تستحقُّ عليهِ شكراً كثيراً، فلمَّا مدحَهما مُشترِكَينِ خصَّ سليمانَ بما خصَّهُ بهِ لكونِ اللهِ أعطاهُ مُلكاً عظيماً وصارَ لهُ مِن المجرياتِ ما لم يكنْ لأبيهِ صلَّى اللهُ عليهما وسلَّمَ.

– الشيخ : من المجريات كذا؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : من الأمور يعني المعاني أو الأمور أو الأشياء الَّتي أجراها الله وسخّرها نعم، كأنّه يعني من الأمور الّتي أجراها الله وسخّرها من الجنود.

 

– القارئ : فقالَ: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} أي: ورثَ علمَهُ ونبوَّتَهُ فانضمَّ علمُ أبيهِ إلى علمِهِ، فلعلَّهُ تعلَّمَ مِن أبيهِ ما عندَهُ مِن العلمِ معَ ما كانَ عليهِ مِن العلمِ وقتَ أبيهِ كما تقدَّم مِن قولِهِ: {ففهَّمْناها سليمانَ}.

وقالَ شُكراً للهِ وتبجُّحاً بإحسانِهِ وتحدُّثاً بنعمتِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} فكانَ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ يفقَهُ ما تقولُ وتتكلَّمُ بهِ كما راجعَ الهُدهُدَ وراجعَهُ، وكما فهمَ قولَ النّملةِ للنّملِ كما يأتي وهذا لم يكنْ لأحدٍ غيرَ سليمانَ -عليهِ السّلامُ-.

{وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: أعطانا اللهُ مِن النِّعمِ ومِن أسبابِ المُلْكِ ومِن السَّلطنةِ والقهرِ ما لم يُؤتِ أحداً مِن الآدميينَ، ولهذا دعا ربَّهُ فقالَ: {ربِّ هَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فسخَّرَ اللهُ لهُ الشَّياطينَ يعملونَ لهُ ما شاءَ مِن الأعمالِ الَّتي يعجزُ عنها غيرُهم، وسخَّرَ لهُ الرَّيحُ غدوُّها شهرٌ ورواحُها شهرٌ.

{إِنَّ هَذَا} الَّذي أعطانا اللهُ وفضَّلَنا واختصَّنا بهِ.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، أمرٌ عجب، سبحان الله العظيم، أمرٌ عجب، سُخِّرت له هذه المخلوقات من الأناسيِّ ومن الجنّ ومن الطيرِ، لم يكنْ لأحدٍ مثل هذا الملك وهذا التسخير وهذا التصرُّف، الريح يأمرُها فتتحرّك تارةً رخاءً سهلة وتارةً تكون عاصفةً قويّةً، ولسليمانَ الريحَ عاصفةً تجري بأمرهِ، تجري بأمره.

ومردُّ ذلك إلى الله لأنّ الله سخّرها له، سخّرها أن تمتثل أمره وتجري بأمره، ومرد ذلك هو أمر الله وتسخيره، ولسليمان الريح يعني وسخّرنا لسليمان وسخّرنا لسليمان الريح.

 

– القارئ : {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} الواضحُ الجليُّ فاعترفَ أكملَ اعترافٍ بنعمةِ اللهِ تعالى.

{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي: جُمِعَ لهُ جنودُهُ الكثيرةُ الهائلةُ المتنوِّعةُ مِن بني آدمَ، ومِن الجنِّ والشياطينِ ومِن الطيورِ {فهم يوزعون} يدبرون ويردُّ أوَّلَهم على آخرَهم، ويُنظَّمونَ غايةَ التنظيمِ في سيرِهم ونزولِهم وحلِّهم وترحالِهم قد استعدَّ لذلكَ وأعدَّ لهُ عُدَّتَهُ.

وكلُّ هذهِ الجنودِ مؤتمرةٌ بأمرِهِ لا تقدرُ على عصيانِهِ ولا تتمرَّدُ عليهِ، قالَ تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ} أي: أعطِ بغيرِ حسابٍ.

فسارَ بهذهِ الجنودِ الضَّخمةِ في بعضِ أسفارِهِ {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ} منبِّهةً لرفقتِها وبني جنسِها: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} فنصحَتْ هذهِ النَّملةُ وأسمعَتْ النَّملَ إمَّا بنفسِها ويكونُ اللهُ قد أعطى النّملَ أسماعاً خارقةً للعادةِ؛ لأنَّ التنبيهَ للنملِ الَّذي.

– الشيخ : يعني أمرٌ عجبٌ أمرٌ، أسماعاً وأصواتاً أيضاً خارقةً للعادةِ، يعني ليس ليس يعني الغرابة في سماعهنَّ بل وحتّى بكلامهنّ بكلام هذه النملة، ففي هذه القصّة أنّ النملةَ يعني تكلّمَتْ بكلام يعني يدلّ على إدراكٍ عجيب إدراك، والنمل أعطاهنّ الله يعني أسماعاً ولا ويمكن أن نقول إنّ النملَ الآن نفس النمل لهنّ إدراكات فيما بينهنّ ويعني علماء الحيوان والباحثون في طبائع الحيوانات يتكلّمون عن النمل بعجائب سبحان الله.

والناس يشاهدون من من عجائب النمل أشياء غريبة، في حركاتها وفيما بينها وفي جمعها لرزقها يذكرون أشياء عجيبة، يقولون إذا أخذت يعني الحبوب تكسرُ الحبَّ حبّ البرغل، يعني تنقبُها حتّى تنكسرَ وتنشقَّ قطعتين قالوا حتّى لا ينبت لأنّه إذا نبتَ فسدَ عليها، وإذا قُدِّرَ أن يعني أن دخلَ البيتَ الماءُ جحورَها و، فإنّها سبحان الله تخرجُ ما في داخلِ خزائنِها تخرجُه إلى إلى العراءِ حتّى يجفَّ وييبسَ.

هذا كلّه إلهام كما قال سبحانه في النحل: {وأوحى ربُّك إلى النحلِ}، كلّ هذه وحيٌ إلهيّ وإلهام، الله أكبر.

 

– القارئ : لأنَّ التّنبيهَ للنّملِ الّذي قد ملأَ الواديَ بصوتِ نملةٍ واحدةٍ مِن أعجبِ العجائبِ. وإمَّا بأنَّها أخبرَتْ مَن حولَها مِن النَّملِ ثمَّ سرى الخبرُ مِن بعضِهنّ لبعضٍ.

– الشيخ : ما ندري المهمّ ما ندري حنا نقول ما ندري كيف تمّ يعني إيصال هذه هذا الإنذار وهذا التحذير وهذه الكلمة، لا ندري كيف وصلت إلى سائر النمل ما ندري الله أعلم كيف كان ذلك.

– القارئ : ثمَّ سرى الخبرُ مِن بعضِهنَّ لبعضٍ حتَّى بلغَ الجميعَ وأمرَتْهُنَّ بالحذرِ، والطّريقُ في ذلكَ وهوَ دخولُ مساكنِهنَّ.

وعرفَتْ حالةُ سليمانَ وجنودِهِ وعظمةِ سلطانِهِ، واعتذرَتْ عنهم أنَّهم إنْ حطَّمُوكُم فليسَ عن قصدٍ منهم ولا شعورٍ، فسمعَ سليمانُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قولَها وفهمَهُ.

{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} إعجاباً منهُ بفصاحتِها ونصحِها وحسنِ تعبيرِها. وهذا حالُ الأنبياءِ -عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- الأدبُ الكاملُ، والتَّعجُّبُ في موضعِهِ وأنْ لا يبلغَ بهم الضَّحكُ إلَّا إلى التَّبسُّمِ، كما كانَ الرَّسولُ.

– الشيخ : التبسُّم يعني بداية ضحك لكنّه لا ينافي العقل والرزانة و، إنّما الّذي لا يليق هو القهقهة، ولهذا التبسُّم قال العلماء إنّ التبسُّم لا يبطل الصلاة، لو سمعَ ما يعجبه تبسّم فصلاته لا تبطل إنّما يبطلها القهقهةُ.

– القارئ : كما كانَ الرسولُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- جُلُّ ضحكِهِ التّبسُّمُ، فإنَّ القهقهةَ تدلُّ على خفَّةِ العقلِ وسوءِ الأدبِ. وعدمُ التَّبسُّمِ والعجبِ ممَّا يُتعجَّبُ منهُ، يدلُّ على شراسةِ الخُلقِ والجبروتِ. والرُّسلُ منزَّهونَ عن ذلكَ.

وقالَ شاكراً للهِ الَّذي أوصلَهُ إلى هذهِ الحالةِ: {رَبِّ أَوْزِعْنِي} أي: ألهمْني ووفِّقْني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} فإنَّ النعمةَ على الوالدينِ نعمةٌ على الولدِ. فسألَ ربَّهُ التوفيقَ للقيامِ بشكرِ نعمتِهِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ عليهِ وعلى والديهِ، {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} أي: ووفِّقْني أنْ أعملَ صالحاً ترضاهُ لكونِهِ موافقاً لأمرِكَ مُخلَصاً فيهِ سالماً مِن المُفسِداتِ والمُنقِّصاتِ، {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ} الَّتي منها الجنَّةُ {فِي} جملةِ {عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} فإنَّ الرَّحمةَ مجعولةٌ للصَّالحينَ على اختلافِ درجاتِهم ومنازلِهم.

فهذا نموذجٌ ذكرَهُ اللهُ مِن حالةِ سليمانَ عندَ سماعِهِ خطابَ النّملةِ ونداءَها.

ثمَّ ذكرَ نموذجاً آخرَ مِن مخاطبتِهِ للطيرِ.

– الشيخ : إلى هنا، "وتفقّد الطير" إلى هنا.

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ.

– الشيخ : لا إله إلّا الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، لا إله إلّا الله، نعم.