الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النمل/(4) من قوله تعالى {وتفقد الطير} الآية 20 إلى قوله تعالى {الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} الآية 26

(4) من قوله تعالى {وتفقد الطير} الآية 20 إلى قوله تعالى {الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} الآية 26

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النَّمل:20-26]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللَّهُ عنكَ

– الشيخ : لا إله إلّا اللّه، قال اللّه تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ} {جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْر} كلُّهم مسخَّرون له، وهو له سلطانٌ عليهم، وهو مَلِكٌ يدبّرُ أمورَ جنودِهِ، ومن ذلك أنه يتفقدُ يتفقدُ الجنود من غاب ومن حضر.

فاللّه يخبرُ أن سليمانَ -عليه السلام- تفقَّد الطير فرأى الهدهدَ، هدهداً معيناً، معيَّن؛ لأنَّ الهدهد نوعٌ من الطيرِ، ومن شأنهم أن يكونَ منهم عددٌ، لكن هذا هدهدٌ له خصوصيّةٌ وله شأنٌ.

{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} غائبٌ {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} نعم، {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ}

– طالب: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}

– الشيخ : كذا؟ ما لي لا أرى أم كان

– القارئ : {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ}

– الشيخ : {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ}

– القارئ : {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}

– الشيخ : {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} نعم كمِّل الآية.

– القارئ : {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا}

– الشيخ : {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} تفقَّدَ الطير فوجد، فلاحظ أنَّ الهدهد المخصوصَ الذي له وظيفةٌ، قال المفسّرون: أنَّهُ من وظيفته أنه يدلَّ سليمانَ على الماء؛ لأن اللّه جعل في الهدهدِ حِدَّةَ بَصَرٍ حتى أنه يرى الماء في جوفِ الأرضِ، فكانَ هذا من وظيفته.

{مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} يعني هَدَّدَهُ إمَّا بالعذابِ، بلونٍ ونوعٍ من العذابِ، أو أن يذبحَهُ {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} وهي حُجَّة أن يأتيني بحجةٍ على، وبعذرٍ يعني على تغيِّبه، وهذا مِنَ السياسةِ، وهذا هو مُوجَبُ العقلِ والحكمةِ قبولُ الحجِّةِ ممن جاءَ بها، فالمتخلِّفُ عن واجبه، الغائبُ عن وظيفته، إذا جاء بحجَّةٍ كان معذوراً ومغفوراً له ولا يستحِقُّ عقاباً {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}.

{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ، لَأُعَذِّبَنَّهُ} لَأُعَذِّبَنَّهُ هذا يتضمَّنُ قَسَمَ تأكيد {لأُعَذِّبَنَّهُ } أَيْ: واللّه {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} بحجةٍ بيِّنةٍ توجِبُ عذرَهُ في تغيِّبهِ {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} جاء الهدهدُ، حضرَ، ولكنَّهُ لم يأتِ حتى يقع إلى جوار سليمان، وإلى جنبه وعنده لا، {مَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} يعني لم يكن بعيداً ولم يكن غير بعيدٍ {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} فصار يَذكرُ عذرَهُ وحجتَهُ؛ لأنه عرف أو يعرف أنَّ تخلُّفَهُ يعني غير، غيرُ مَرضيٍّ عند نبيِّ اللّه سليمان.

{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أحطتُ بأمر وعرفتُ أمراً أنت يا نبي اللّه لم تحط به، واللّه أمر عجب يعني جاء الآن بأسلوبٍ عجيبٍ، هذا يُشعِر بأنَّ عذرَهُ عظيمٌ وكبيرٌ بسلطان {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}.

كيف؟ قال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} بسبأ، هم قبيلةٌ عظيمةٌ تسكنُ اليمن، إذاً نبيُّ اللّه سليمانَ في الشامِ، وهذا الهدهد جاء بخبرٍ عن اليمن، عن مملكةٍ في اليمن لم يَعرفِها سليمانُ {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} سليمان لم يَعرف مملكةَ سبأ، لم يعرف مملكة سبأ، والهدهدُ أتى بجزمٍ {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} يعني علمتُ أمراً أنتَ لم تَعلَمْ بهِ.

{وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ} خبرٌ نبأٌ عظيمٌ هو يقينٌ ليس فيه شكٌ وتردّدٌ، شوف سبحان اللّه الأسلوب {جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ} من مملكةِ سبأٍ في اليمن، سبحانَ اللّه! {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ} بخبرٍ، النبأ هو الخبرُ العظيمُ، الخبر الذي له شأنٌ، بنبأ.

{جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ، إِنِّي وَجَدْتُ} وجاء التفصيل، هذا تفصيلُ الخبر، هذا تفصيلُ الخبرِ، أوّلاً ذَكَرَ الخبرَ مُجمَلاً بأسلوبٍ يعني يُهوِّلُ الأمرَ.

 {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ}، {امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ}، {امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} وهذا شيءٌ نادرٌ وغريبٌ.

{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} قال العلماءُ: معنى ذلك {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يعني من شأنه أن يُؤتَاه الملوكُ، ليس فكلُّ، عمومُها في كلِّ مقامٍ بحسبِهِ، يعني ما، ليس المعنى أنها أُوتِيَتْ كلَّ كل ما في الوجودِ، وكلَّ ما يُتصوَّر، لا.

{أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يعني يُناسبُ الملِكُ، ومن شأنِ ومن شأن الملوك أن يُعْنَوا به {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ولها عرشٌ عظيمٌ، سريرٌ، لها سريرٌ، سريرٌ عظيمٌ من جهةِ يعني حجمِهِ ومن جهةِ زخرفتِهِ وحليِّهِ، تحتَ هذه الكلمةِ معانٍ واسعةٍ، يَسْبَحُ فيها الخيالُ {أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}.

 وأيضاً يُخبر عنهم بأمرٍ منكرٍ عظيمٍ، ألا وهو الشركُ {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} إذاً أخبرهُ عن مُلْكٍ، عن عظمةِ ملكِها وسريرِها وعن دينِها، عن دينِها وهو الشرك، عبادةُ الشمسِ، {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وهذا الكلامُ قد يكونُ من تمامِ كلامِ سليمان، أو هو كلام مُبْتَدَأٌ.

{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَات} يعلم الغيب، ويعلم الخفايا، ويعلم الأمورَ المخبوءةَ المستورةَ المغيَّبةَ {يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} والظاهرُ أن هذا الكلامَ مستأنَفٌ ليس هو من تمام كلامِ الهدهدِ {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}.

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} سبحان اللّه! هذه المرأة لها عرشٌ عظيمٌ، واللّه تعالى ذو العرشِ العظيمِ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} فهل يعني هذا أن عرشَ بلقيس ملكةِ سبأ، يعني عرشها كعرش اللّه؟

 لا، هذا لا يخطر ببالِ عاقلٍ يعرفُ الفرقَ والتباينَ بين شأنِ الخالقِ والمخلوقِ، هذا عرشٌ وهذا عرشٌ، لكن هذا عرشُ، هذا سريرٌ، مُلْكٌ لمخلوقٍ ضعيفٍ محدودِ القدرةِ، ومحدودِ الـمُـلك، ويخافُ من، يمكن أن يغزوه ويستولي على ملكِهِ.

أمَّا عرشُ الرحمن الذي هو أعلى المخلوقاتِ فذلك لا يَقْدِرُ قدرَهُ إلا اللّه، ولا يُتصوّرُ كُنْهَهُ وكيفيتَهُ، لكنَّ اللّه أخبرنا عن العرشَ أنه له شأنٌ، له، تحيط به الملائكة، الذين، وله حَمَلَةٌ، نعم له حمَلَةٌ، {الذين يحملون العرش ومن حوله} [غافر7] فله حَمَلَةٌ، والملائكةُ يحفُّونَ به، وكلُّ ذلك غيبٌ لا نعلمُ حقيقته وكنهه كما، على ما هو عليه، لكن علينا أن نؤمنَ بما بما أخبرنا اللّه به عن عرشِهِ، وعن حَمَلَتِهِ، وعن من يحفُّهُ من الملائكة، سبحان اللّه!

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وقد وصفَ اللّه عرشَهُ بالعِظَمِ، وبالكَرَمِ، العرش الكريم، وبالمجد، وهذا هو حقيقة، خلافاً للمُعَطِّلَةِ الذين يَنفونَ علوَّ اللّهِ على خلقه، وينفون استواءَهُ على عرشه، يقولون: العرش، ما يقولون: مخلوق فوق السموات، لا، يقولون: المراد بالعرش الـمُلْك، معنى هذا: أن العرش هو كلُّ شيءٍ، هو السموات والأرض هو العرش، وهذا من أبطلِ الباطل،ِ باطلٌ مبنيٌّ على باطلٍ، تفسيرُ العرش بالـمُـلْكِ باطلٌ، مبنيٌّ على باطل، وهو نفيُ علوِّ اللّه على خلقه واستوائه على عرشِهِ.

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللّهِ الرحمنِ الرحيمِ، والحمدُ للّهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمِّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ رحمَهُ اللّهُ تعالى:

ثمَّ ذكرَ نموذجاً آخرَ منْ مخاطبتِهِ للطَّيرِ، فقالَ:

– الشيخ : نموذجاً آخرَ منْ مخاطبتِهِ للطَّيرِ، هو ما تقدّم لنا نموذج من مخاطبته للطير ما، قال: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل:16] الي تقدم هو ما يتعلق بالنملة وأنه يعني سمعَ كلامَها وعلمه وفهمه وتعجَّبَ منه وتبسَّم من كلامها {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النمل19]، نعم.

– القارئ : فقالَ: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} دلَّ هذا على كمالِ عزمِهِ وحزمِهِ وحسنِ تنظيمهِ لجنودهِ وتدبيرِهِ بنفسِهِ للأمورِ الصغارِ والكبارِ، حتّى إنَّهُ لمْ يُهْمِلْ هذا الأمرَ وهو تفقُّدُ الطيورِ، والنظرُ: هلْ هيَ موجودةٌ كلُّهَا أمْ مفقودٌ منها شيءٌ؟ وهذا هوَ المعنى للآيةِ.

ولمْ يصنعْ شيئاً مَنْ قالَ: إنَّهُ تفقَّدَ الطيرَ لينظرَ أينَ الهدهدُ منها؛ ليدلَّهُ على بُعْدِ الماءِ وقربِهِ.

– الشيخ : أي هذا كلام، أقولُ: يُروى عن بعض المفسّرين من السلف من هذه الأخبارِ، لكن الذي جاء به القرآن أنه تفقَّدَ الطيرَ، وهذا عام، ولكنه فقد هدهداً مُعيّناً منها، ولهذا قال: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} وكلمةُ الهدهدِ تقتضي يعني أنه هدهدٌ مُعيَّنٌ، يعني الهدهدُ الفلاني المعيَّن، ما لي، يعني كأَّنه ليس المراد أنه فقد جنسَ الهدهد وأنَّه، لا، هدهدٌ معينٌ، وجاء الهدهد، ومكثَ غير بعيدٍ وتكلَّم ودافع عن نفسه.

 

– القارئ : كما زعَمُوا عن الهدهدِ أنَّه يُبصِرُ الماءَ تحتَ الأرضِ الكثيفةِ.

– الشيخ : اللّه أعلم، هذا لا ننفيهِ ولا نُثبتُهُ؛ لأنَّه الغالب أنّه من أخبارِ بني إسرائيل.

– القارئ : فإنَّ هذا القولَ لا يدلُّ عليهِ دليلٌ.

– الشيخ : اللّه أعلم، المهمّ، ما لم، إذا لم يدلَّ عليه دليلٌ فنحن لا ننفيه إلَّا أن يكون عندنا دليلٌ على النفيِّ، فالنافي عليه الدليل، كما على المـُثْبِتِ.  

– القارئ : بل الدليلُ العقليُّ واللفظيُّ دلَّ على بطلانِهِ.

– الشيخ : الله أعلم، وجهه؟

– القارئ : أمَّا العقليُّ فإنَّهُ قد عُرِفَ بالعادةِ والتجاربِ والمشاهداتِ أنَّ هذهِ الحيواناتِ كلَّها، ليسَ منها شيءٌ يُبصِرُ هذا البصرَ الخارقَ للعادةِ.

– الشيخ : ما ندري هذا الهدهدُ المعيَّن ممكن أن يكوَن له هذا البصر الخارق للعادة، يعني استدلال الشيخ ما هو بواضح.

– القارئ : وينظرَ الماءَ تحتَ الأرضِ الكثيفةِ.

– الشيخ : نعم، اللّه أعلم

– القارئ : ولو كانَ كذلكَ لذكرَهُ اللهُ.

– الشيخ : على كلّ حال، نعم

 – القارئ : لأنَّهُ منْ أكبرِ الآياتِ.

– الشيخ : اللّه أعلم، نعم.

– القارئ : وأمَّا الدليلُ اللفظيُّ فلو أُرِيدَ هذا المعنى لقالَ: " وطلبَ الهدهدَ لينظرَ لَهُ الماءَ فلمَّا.

– الشيخ : كلُّ هذا أمر مطويٌّ؛ لأنَّ اللّهَ في قصصِ الأنبياء لا يذكرُ كلَّ جزئيّةٍ، وكلَّ جاري، وكلَّ معنى.

– القارئ : فلمَّا فقدَهُ قالَ ما قالَ " أو " فَفتَّشَ عنِ الهدهدِ " أو: " بحثَ عنْهُ " ونحوُ ذلكَ مِنَ العباراتِ، وإنَّمَا تفقَّدَ الطيرَ؛ لينظُرَ الحاضرَ منها والغائبَ ولزومَهَا للمراكزِ والمواضِعِ.

– الشيخ : أي، هو تفقّدَ الطيرَ في الغالب لكنَّه خرجَ بنتيجة وهو أنه فقد هذا الهدهدَ، خرجَ بنتيجة بعدَ التفقد وجدَ أن الهدهد المعين وجدَهُ غائباً، {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} وقد دلَّ السياقُ على أنه كانَ غائباً ما…

 

– القارئ : ولزومَهَا للمراكزِ والمواضِعِ التي عيَّنَها لها. وأيضاً فإنَّ سليمانَ عليهِ السلامُ لا يَحتاجُ ولا يَضطرُّ إلى الماءِ بحيثُ  يَحتاجُ لهندسةِ الهدهدِ، فإنَّ عندَهُ مِن الشياطينِ والعَفَاريتِ ما يَحفرونَ له الماءَ.

– الشيخ : يمكن، كلُّ هذا الكلام ما هو بواضح، يعني غير مُقنعٍ لنفيِّ ما يذكره المفسرونَ، فنحن نقولُ: لا ننفيه ولا نثبته، مدري أخبار إسرائيليّة، واللّه أعلم، "لا تُصدِّقُوهم ولا تكذِّبُوهم".

– القارئ : ولو بلغَ في العمقِ ما بَلَغَ.

وسَخَّرَ اللهُ لَهُ الريحَ غُدُوُّهَا شهرٌ ورَواحُهَا، فكيفَ -معَ ذلكَ- يحتاجُ إلى الهدهدِ؟ "

– الشيخ : سبحان اللّه العظيم! من جملةِ العجائب، من جملةِ العجائبِ المتعلقة بـمُلكِ سليمان، نعم بعده.

– القارئ : وهذهِ التفاسيرُ التي تُوجَدُ وتَشتهِرُ بها أقوالٌ لا يُعرَفُ غيرُهَا، تُنقَلُ هذهِ الأقوالُ عَنْ بَني إسرائيلَ مُجرَّدَةً.

– الشيخ : خلاص، ما دامتْ عن بني إسرائيل فنحنُ ممكن نحدِّثُ بها، ولكن نقولُ: لا تصدَّقُ ولا تكذَّبُ.

– القارئ : ويَغفلُ الناقلُ عن مُناقضتِهَا للمعاني الصحيحةِ وتطبيقِهِا على الأقوالِ، ثمَّ لا تزالُ تُتَناقَلُ وينقُلُهَا المتأخِّرُ مُسَلِّمَاً للمتقدِّمِ حتَّى يظنَّ أنَّها الحقُّ، فيقعُ من الأقوالِ الرديئةِ في التفاسيرِ ما يَقَعُ، واللبيبُ الفَطِنُ يَعرفُ أنَّ هذا القرآنَ الكريمَ العربيَّ المبينَ الَّذي خاطبَ اللهُ بهِ الخلقَ كلَّهم، عالِمَهُم وجاهِلَهُم، وأمَرَهُمْ بالتفكُّرِ في معانيهِ، وتطبيقِهِا على ألفاظِهِ العربيةِ المعروفةِ المعاني الَّتي لا تَجهلُهَا العَربُ العُرباءُ، وإذا وجدَ أقوالاً منقولةً عنْ غيرِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ردَّها إلى هذا الأصلِ، فإن وافقهُ قَبِلَهَا لِكَونِ اللفظِ دالَّاً عليها، وإنْ خَالَفَتْهُ لفظاً ومعنىً، أو لفظاً أو معنىً، ردَّهَا وجزمَ ببطلانِهَا؛ لأنَّ عندَهُ أصلاً معلوماً مناقضاً لها وهوَ ما يَعرفُهُ منْ معنى الكلامِ ودَلالتِهِ.

والشاهدُ أنَّ تفقُّدَ سليمانَ عليهِ السلامُ للطيرِ، وفَقْدِهِ الهدهدَ يدلُّ على كمالِ حزمِهِ وتدبيرِهِ للمُلْكِ بنفسِهِ، وكمالِ فطنتِهِ حتَّى فَقَدَ هذا الطائرَ الصغيرَ {فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} أي: هلْ عدمُ رؤيتي إيَّاهُ لقلَّةِ فِطْنَتِي بهِ لكونِهِ خفيَّاً بينَ هذِهِ الأممِ الكثيرةِ؟ أمْ على بابِهَا بأنْ كانَ غائباً مِنْ غيرِ إذني ولا أمري؟

فحينئذٍ تَغيَّظَ عليهِ وتوعَّدَهُ فقالَ: {لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} دونَ القتلِ، {أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي: حجَّةٍ واضحةٍ على تخلُّفِهِ، وهذا مِنْ كمالِ ورعِهِ وإنصافِهِ أنَّهُ لمْ يُقْسِمْ على مجرَّدِ عقوبتِهِ بالعذابِ أو القتلِ؛ لأنَّ ذلكَ لا يكونُ إلا مِنْ ذنبٍ، وغَيبتُهُ قدْ تحتملُ أنَّها لعذرٍ واضحٍ فلذلكَ استثناهُ لورعهِ وفطنتهِ.

{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} ثمَّ جاءَ، وهذا يدلُّ على هيبةِ جنودِهِ منهُ، وشدةِ ائتمارِهِم لأمرِهِ، حتَّى إنَّ هذا الهدهدَ الَّذي خَلَّفَهُ العذرُ الواضحُ لمْ يقدرْ على التخلُّفِ زمناً كثيراً، {فَقَالَ} لسليمانَ.

– الشيخ : فمكثَ، الكلامُ فيه، فيه طوي، ما ندري، يعني الشيخ فسَّر الـمُكْث أنَّه مكثَ في غيبتِهِ، وكأنَّ السياقَ يقتضي أنَّهُ جاءَ يعني فمكثَ في مكانٍ غيرَ بعيدٍ من سليمانَ، يعني جاءَ وقرَّب غير بعيد، لم يكن يعني إلى جنبِ سليمانَ، ولم يكن بعيداً، مكث {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ}، في الكلامِ يعني اختصارٌ، وهذا كثيرٌ في قصصِ القرآنِ يعني فجاء الهدهد، لكن الشيخ مشى على أنَّه مكثَ في مغيبهِ غيرَ بعيدٍ، وكأنَّ البُعدَ هذا يُذكَرُ في المسافةِ.

 

– القارئ : {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أي: عندي العلمُ، علمٌ ما أحطتَ بهِ على عِلمكَ الواسعِ وعلوِّ درجتِكَ فيهِ، {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ} القبيلةُ المعروفةُ في اليمنِ {بِنَبَإٍ يَقِينٍ} أي: خبرٍ متيَقَّنٍ.

ثمَّ فَسَّرَ هذا النبأَ فقالَ: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} أي: تملِكُ قبيلةَ سبأٍ.

– الشيخ : قف على هذا، {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ}، يواصلُ الشيخ.

– القارئ : أحسنَ اللّهُ إليكَ.

– الشيخ : اللّه المستعان، رحمه اللّه، لا إله إلا اللّه.