الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النمل/(6) من قوله تعالى {فلما جاء سليمان} الآية 36 إلى قوله تعالى {قيل لها ادخلي الصرح} الآية 44

(6) من قوله تعالى {فلما جاء سليمان} الآية 36 إلى قوله تعالى {قيل لها ادخلي الصرح} الآية 44

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:36-44].

– الشيخ : الله أكبر، الحمدُ لله، يقولُ تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ} يعني جاءَ جاءَ الرسلُ الحاملونَ للهديّةِ، {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:35]

لمــّا جاءَ الرسلُ الحاملونَ للهديّةِ جاؤوا إلى سليمانَ ووصلوا إليه {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}، يبيُّن أن ما أعطاهُ اللهُ فوقَ ما عندَهُم من الـمُلْكِ ومن المالِ ومن الجنودِ، {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ}، أكثرُ وأوسعُ وأعظمُ.

{بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}، كأنَّهُ ظهرَ له من موقف هؤلاء المرسلَون من، الحاملُون للهديةِ، ظهر لهم أنهم، يعني أظهروا يعني الإعجابَ بهديتهم وأنهم جاؤوا بهديةٍ ثمينةٍ وأنها شيءٌ كبيرٌ وأنَّ.

{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} إلى آخرِ الآيات فيها تهديدٌ لهم {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} هذا فيهِ يعني تحطيمٌ للطرفِ الآخَرِ، للمَلِكَةِ ومَنْ معها، حتى لا يُفكِّروا في الحربِ {وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}.

ثم توجَّهَ إلى جنودِهِ {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ} مَنْ يأتيني بعرشها؟ يأتيني بعرشِ، العرشُ الذي تقدَّم وذَكَرَ الهدهدُ مِنْ شأنِه ما ذكر {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} مسلمين: يُحْتَمَل أنه مسلمين يعني مؤمنين، ويُحتمل أنه مسلمينَ مستسلمينَ ذليلينَ طائعينَ خاضعينَ له، من {يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}؟ وقد أطلعه الله أنَّهم سيأتون، وستأتي، ستأتي الملكة.

{قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ}، {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} لعلَّ المعنى قبل أنْ تقومَ من هذا المجلس وَإِنِّي لعَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} فلعلَّ سليمانَ أرادَ أمراً آخراً، أرادَ أعجلَ من هذا، يمكن المجلس يطولُ، يمكن المجلس يعني عادةً يطول، يمكث كذا وكذا ساعة.

{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} يظهرُ من السياقِ أنَّه قال: افعل هات، وهذا الذي أخبر الله عنه قال {عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} اختلفَ فيه المفسرون فالله أعلم، لا إله إلا الله، المهمُ أنَّه هذا إلي عندَهُ من الكتابِ أتى به ذهبَ وأتى به في وقتٍ وجيزٍ {أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} يأتي به.

{فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا} لما رأى سليمانُ الكرسيَّ العرشَ مستقراً عنده، اللهُ أكبرُ، يعني مثلُ هذا لا يكونُ حتى مع هذا، مع هذه الحضارةِ، وهذا التطور وهذا، لا يمكن أنَّ مثلَ هذا يتمُّ، يمكن الآن النقل للأصواتِ وللصورِ، لكنَّ جسمٌ كبيرٌ كذا يأتي بهذه السرعةِ، لا، لا، هذا، هذا غيرُ واقعٍ، ولا يفكرون فيه، ما يفكرون مستحيل، فعُلِمَ أن هذا أمرٌ خارقٌ فوقَ، يعني طاقة البشر، أبداً لا يمكن، نقلُ الأجسامِ الآن يحتاجُ إلى وقتٍ إلى ساعاتٍ، الأجسام.

{قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي} ابتلاء، هذا ابتلاء {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ}، {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} من شكرَ فعاقبةُ شُكْرِهِ يعودُ إلى نفسه، والله تعالى غنيٌّ عن العبادِ وشكرِهِم وطاعتِهِم وعبادتِهِم، {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.

ثم قالَ لجنوده من الجنِّ أو غيرهم: {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} الآن العرشُ بين أيديه، بين أيديهم، العرشُ عرشُ بلقيس، عرشُ الملكة عندهم الآن، يتصرفون به {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} غيِّروا فيها، قال المفسرون: يعني غيِّروا فيه يعني بحيثُ أنّه يتغيرُ شَكْلُهُ بعضَ التغيير {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي} يعني هل تعرفُهُ أم تُنكر؟ {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ}

{فَلَمَّا جَاءَتْ} وصلَتْ الآن عرضوا عليها هذا العرش {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} يقولُ المفسرون: أنَّها يعني من حصافةِ عقلِها لم تقل: لا، ليس هو، ليس هو هو، ولم تقل: بلى إنه هو، قالَتْ: {كَأَنَّهُ} يعني في شَبَه، يشبهه، يشبهُ العرشَ، فأتتْ بكلامٍ يعني فيه احتمالٌ.

{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} كما تقدَّم من كلام الهدهد {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} وكانوا مستبصرين. وكذلك قيل لها، قال لها سليمان: {ادْخُلِي الصَّرْحَ} يعني هذا يدلُّ أنَّهُ قد أُعِدَّ صرحٌ بناءٌ عالي يعني فخم {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} لما دخلتْ رأتْ أرضَهُ كأنها، كأنها بُحيرة، رأتْ الأرضَ كأنها بحيرة {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ}، {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} تتقي الماءَ، تظنُّ أنها ستخوضُ ماءً هذا شيءٌ هائلٌ {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} من قوارير، من زجاج، هذا زجاجٌ، وزجاج فيه صفاء، حتى صارت تظنُّه ماءً، تظنه لجةً، تظنه بحيرةً، إنه

{وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وفي في، وهذه النهايةِ كانت نهايةً عظيمةً لهذه المرأة، يعني أسلمتْ، هذا نصٌّ على أنها أسلمتْ.

ولا بدَّ أنَّ سليمان يعني لا بدَّ أنه دعاها للإسلامِ، وبيَّن لها حقيقة الدينِ الصحيحِ، وبيَّنَ لها بطلانَ ما هي عليه وقومها من الشرك، ولكن يعني كثيراً ما يأتي قصص القرآن يعني يُحْذَفُ منه كثيرٌ مما يدلُّ عليه الموجود، فقولها: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يدلُّ على أنَّ سليمانَ قدْ دعاها للإسلامِ وبيَّن لها، وذكرَ لها من البيناتِ ما يجعلها تُسلم وتَنقاد وتَعترف بالذنبِ {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، سبحانَ الله، سبحانَ اللهِ العظيم، نعم.

 

(تفسير السّعديّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعدي –رحمهُ اللهُ تعالى-:

{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ..

– الشيخ : يعني جاءَ المرسلَونَ بالهدية، جاؤوا سليمانَ، نعم.

– القارئ : أي: جاءَهُ الرسلُ بالهديةِ {قَالَ} مُنْكِرَاً عليهِمِ ومُتَغَيِّظَاً على عدمِ إجابتهِمِ: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ} فليستْ تقعُ عندي موقِعاً ولا أفرحُ بها، قدْ أغنانيَ اللهُ عنها، وأكثرَ عليَّ النِّعمَ، {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ}.

– الشيخ : يعني صارتْ الهدية بالنسبةِ لما آتى اللهُ سليمانَ ليستْ شيئاً، مع أنها يمكن فخمة، هدية لا بدَّ أنها فخمة، هدية يعني عظيمة ولها شأنٌ، لكن نظراً إلى ما آتى اللهُ سليمانَ أصبح ما لها كبيرُ شأنٍ.

 

– القارئ : لِحبكمْ للدنيا، وقلةِ ما بأيديكمْ بالنسبةِ لِمَا أعطانيَ اللهُ.

ثمَّ أوصى الرسولُ منْ غيرِ كتابٍ لما

– الشيخ : الرسولُ هم الذين جاؤوا بالهديةِ، يعني الآن أَرسلَ معهم رسالةً، يعني شفهيةً لا رسالةً خطيةً هكذا يقولون.

– القارئ : لِمَا رأى من عقلِهِ وأنَّهُ سينقلُ كلامَهُ على وجهِهِ فقالَ: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} أي: بهديتِكَ {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ}.

– الشيخ : اصبر اصبر، ما هو بواضح أنه، ما هو بواضح والله أعلم أنه ردَّ الهدية وأنه، بيَّن لهم أَّن هديتهم ليست بذات شأن في جانب ما أعطاه الله، لكن هل ردها؟ {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا} نعم بعده.

 

– القارئ : أي: لا طاقةَ لهمْ {بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} فرجعَ إليهمْ وأبلغَهم ما قالَ سليمانُ، وتجهزوا للمسيرِ إلى سليمانَ، وَعَلِمَ سليمانُ أنَّهم لا بدَّ أن يسيروا إليهِ فقالَ لِمَنْ حضرَهُ منَ الجنِّ والإنسِ: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.

– الشيخ : إتيانه إتيانه بالعرشِ هذا إذا جاءتْ يَبْهَرُهَا، ويُسقط في يدها، وتُدرك من عظمة ملك سليمانَ والقدرات التي أعطاه الله، عرش، ويذكر المفسرون: يعني أن عرشها كان في مكان كذا وفي مكان كذا، يعني لابدَّ أنه في مكانٍ محفوظٍ ما يُوصَل إليه؛ لأنه شيءٌ عظيمٌ وشيءٌ ثمينٌ.

– القارئ : أي: لأجلِ أنْ نتصرفَ فيهِ قبلَ أنْ يُسلموا فتكونَ أموالُهُم محترمةً.

– الشيخ : فتكون أموال، هاه، الله أعلم، ما ندري والله، أنو الشيخ يفسرُّ مسلمين يعني الإسلام {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي} يعني مسلمين أي داخلينَ في الإسلامِ، اللهُ أعلمُ بتأويلِ ذلكَ، نعم.

– القارئ : {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ} والعفريتُ: هو القويُّ النشيطُ جداً: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ}.

– الشيخ : يعني جنيّ ما هو عادي، جنّي شيطان قوي، عفريت… يعني الجنيُّ القويُّ.

– القارئ : {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} والظاهرُ أنَّ سليمانَ إذْ ذاكَ في الشامِ

– الشيخ : ما ندري والله

– القارئ : فيكونُ بينَهُ وبينَ سبأٍ نحوَ مسيرةِ أربعةِ أشهرٍ

– الشيخ : لا إله إلا الله، سبحان الله العظيم سبحان الله، يعني بينَ الشامِ واليمنِ مسافات، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.

 

– القارئ : شهرانِ ذاهباً وشهرانِ إياباً، ومعَ ذلكَ يقولُ هذا العفريتُ: أنا ألتزمُ بالمجيءِ بهِ على كِبَرِهِ وثِقَلِهِ وبُعْدِهِ قبلَ أنْ تقومَ منْ مجلسكَ الذيْ أنتَ فيهِ. والمعتادُ منَ المجالسِ الطويلةِ أنْ تكونَ معظمَ الضحى نحْو ثلثُ يومٍ، هذا نهايةُ المعتادِ، وقدْ يكونُ دونَ ذلكَ أو أكثر، وهذا

– الشيخ : لكنه توقيتٌ معلومٌ لهم؛ لأنَّ أقول: معلومٌ لهذا العفريتِ، ومعلوم للسامعينَ إنَّ مجلس سليمان يستمر كذا، ساعتين ثلاث أربع.

– القارئ : وهذا الملكُ العظيمُ الذي عندَ آحادِ رعيتِهِ هذهِ القوةُ والقدرةُ وأبلغُ منْ ذلكَ أنْ {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} قالَ المفسرونَ: هوَ رجلٌ عالمٌ صالحٌ عندَ سليمانَ يُقالُ لهُ: "آصفُ بنُ بَرخيا" كانَ يَعرِفُ اسمَ اللهِ الأعظمَ.

– الشيخ : الله أعلم ما ندري، هذا من الغيبِ، هذا من الذي لم، يَنبغي أنْ نمسكَ عنه؛ ولهذا الشيخ يقول: قال المفسرون: ما فيه شيء، هذا رجلٌ صالحٌ، اللهُ أعلم، الله أعلم، نعم، الله أعلم.

 

 – القارئ : كانَ يَعرِفُ اسمَ اللهِ الأعظمَ الذي إذا دُعِيَ بهِ أجابَ وإذا سُئِلَ بهِ أعطى.

{أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} بأنْ يدعوَ اللهَ بذلكَ الاسمِ فيحضرَ حالاً وأنَّهُ دَعا اللهَ فحضرَ. فاللهُ أعلمُ هلْ هذا المرادُ أمْ أنَّ عندَهُ علماً منَ الكتابِ يَقتدرُ بهِ على جَلْبِ البعيدِ وتحصيلِ الشديدِ

{فَلَمَّا رَآهُ} سليمانُ

– الشيخ : سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم، الله المستعان، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}.

– القارئ : {فَلَمَّا رَآهُ} سليمان {مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} حَمِدَ اللهَ تعالى على إقدارهِ وملكِهِ وتيسيِرِ الأمورِ لَهُ {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} أي: ليختبرَنِي بذلكَ، فلمْ يغترَّ عليهِ السلامُ بملكِهِ وسلطانِهِ وقدرتِهِ.

– الشيخ : فلم يغترَّ؟

– القارئ : فلمْ يغترَّ عليهِ السلامُ بملكِهِ وسلطانِهِ وقدرتِهِكما هو دَأْبُ الملوكِ الجاهلينَ بل عَلِمَ

– الشيخ : كما هو دأبُ الملوكِ الجاهلينَ، الله أكبر، الملوكُ الجاهلون يغترُّونَ بما أُوتوا من مُلكٍ وإنْ كانَ يعني مُلكاً محدوداً، ومُلكاً لا نسبةَ له إلى ما أَتى اللهُ نبيَّهُ سليمانَ منَ الملكِ.

– القارئ : بل عَلِمَ أنَّ ذلكَ اختبارٌ منْ ربِّهِ فخافَ أنْ لا يقومَ بشكرِ هذهِ النعمةِ، ثمَّ بيَّنَ أنَّ هذا الشكرَ لا يَنتفعُ اللهُ بهِ وإنَّما يَرجعُ نفعُهُ إلى صاحبِهِ فقالَ: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ}.

– الشيخ : {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ}، هذا قاعدةٌ عامةٌ، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ}، {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ}.

 

– القارئ : {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} غنيٌّ عنْ أعمالِهِ، كريمٌ كثيرُ الخيرِ يَعُمُّ بهِ الشاكرَ والكافرَ، إلا أنَّ شكرَ نعمِهِ داعٍ للمزيدِ منها، وكفرِهِا داعٍ لزوالِهِا، ثمَّ قالَ لِمَنْ عندَهُ: {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} أيْ: غيِّرُوهُ بزيادةٍ ونقصٍ، ونحنُ في ذلكَ {نَنْظُرْ} مختبرينَ لعقلِهَا {أَتَهْتَدِي} للصوابِ ويكونُ عندَها ذكاءٌ وفطنةٌ تليقُ بمُلكها {أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ}.

{فَلَمَّا جَاءَتْ} قادمةً على سليمانَ عرضَ عليها عرشَهَا وكانَ عهدُهَا بهِ قدْ خلَّفتْهُ في بلدِهَا، و{قِيلَ} {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} أي: أنَّهُ استقرَّ عندَنا أنَّ لكِ عرشاً عظيماً فهلْ هوَ كهذا العرشِ الَّذي أحضرْنَاهُ لكِ؟ {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} وهذا مِنْ ذكائِهَا وفطنتِهَا لمْ تقلْ " هوَ " لوجودِ التغييرِ فيهِ والتنكيرِ، ولمْ تنفِ أنَّهُ هوَ؛ لأنَّها عرفتْهُ، فأتَتْ بلفظٍ محتملٍ للأمرينِ، صادقٍ على الحالينِ، فقالَ سليمانُ متعجباً مِن هدايتِها وعقلِها وشاكراً للهِ أنْ أعطاهُ أعظمَ منها: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا} أي: الهدايةَ والعقلَ والحزمَ مِنْ قَبْلِ هذهِ الملكةِ، {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} وهيَ الهدايةُ النافعةُ الأصليةُ.

ويُحتملُ أنَّ هذا مِنْ قولِ ملكةِ سبأٍ: وأوتينا

– الشيخ : اصبرْ، {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} … هكذا {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ}، والله ما أدري، الله أعلم، نعمْ، كأنَّهُ بعيدٌ.

– القارئ : ويُحتملُ أنَّ هذا مِنْ قولِ ملكةِ سبأٍ: وأوتينا العلمَ عنْ ملكِ سليمانَ وسلطانِهِ وزيادةِ اقتدارِهِ منْ قَبلِ هذهِ الحالةِ التي رأينَا فيها قدرتَهُ على إحضارِ العرشِ منَ المسافةِ البعيدةِ فأذعنَّا لهُ وجئنَا مسلمينَ لهُ خاضعينَ لسلطانِهِ.

قال الله تعالى: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: عنِ الإسلامِ، وإلَّا فلهَا منَ الذكاءِ والفطنةِ ما بهِ تَعرفُ الحقَّ منَ الباطلِ ولكنَّ العقائدَ الباطلةَ تُذهِبُ بصيرةَ القلبِ

{إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} فاستمرَّتْ على دينِهِم، وانفرادُ الواحدِ عنْ أهلِ الدينِ والعادةِ المستمرةِ بأمرٍ يراهُ بعقلِهِ مِنْ ضلالِهِم وخطئهِم مِنْ أندرِ ما يكونُ، فلهذا لا يُستغرَبُ بقاؤُهَا على الكفرِ.

– الشيخ : الله المستعان.. هذا الذي صدَّ أكثرَ الأمم وأكثر الكافرين من الأولين ومن الآخرين، يعني اتّباعُهم لآبائِهِم، وتمسكُّهم بما نشؤا عليها، أعوذ بالله، الله أكبر، الله المستعان، الإلفُ والعادةُ، اللّهمَّ اهدنا فيمن هديتَ وعافنا في من عافيتَ، نعم.

– القارئ : ثمَّ إنَّ سليمانَ أرادَ أنْ ترى من سلطانِهِ

– الشيخ : أيش يقول؟ ثمَّ إنَّ سليمانَ عليه السلام.

– القارئ : ثمَّ إنَّ سليمانَ أرادَ أنْ ترى من سلطانِهِ ما يَبهرُ العقولَ فأمرَهَا أنْ تدخلَ الصرحَ وهيَ المجلسُ المرتفعُ المُتِّسعُ وكانَ مجلساً منْ قواريرَ تجريْ تحتَهُ الأنهارُ.

فـ{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} ماءً؛ لأنَّ القواريرَ شفافةٌ، يُرى الماءُ الذي تحتَها كأنَّهُ بذاتِهِ يَجري ليسَ دونَهُ شيءٌ، {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا}.

– الشيخ : والله ما أدري، تجري تحته الأنهار، ما ندري، يُحتمل، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

– القارئ : {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} لِتخوضَهُ، وهذا أيضاً من عَقلِهَا وأَدبِهَا، فإنَّها لمْ تَمتنعْ منَ الدخولِ للمحلِّ الذي أُمِرتْ بِدخولِهِ لِعلمِهَا أنَّها لمْ تُسْتدعَ إلا للإكرامِ وأنَّ ملكَ سليمانَ وتنظيمَهُ قدْ بناهُ على الحكمةِ، ولمْ يكنْ في قلبْهَا أدنَى شكٍ من حالةِ السوءِ بعدَ ما رأتْ ما رأتْ.

فلمَّا استعدتْ للخوضِ قيلَ لها: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ} أي: مجلسٌ {مِنْ قَوَارِيرَ} فلا حاجةَ منكِ لكشفِ الساقينِ. فحينئذٍ لمَّا وصلتْ إلى سليمانَ وشاهدتْ ما شاهدتْ وعلمتْ نبوتَهُ ورسالتَهُ تابتْ ورجعتْ عنْ كفرِهَا و{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

فهذا ما قصَّهُ اللهُ علينِا منْ قصةِ ملكةِ سبأٍ، وما جرى لها معَ سليمانَ، وما عدا ذلكَ من الفروعِ المولَّدةِ والقصصِ الإسرائيليةِ فإنَّه لا يَتعلقُ بالتفسيرِ لكلامِ اللهِ، وهوَ منَ الأمورِ التي يقفُ الجزمُ بها على الدليلِ المعلومِ عنِ المعصومِ، والمنقولاتُ في هذا البابِ كلُّها أو أكثرُهَا ليسَ كذلكَ، فالحزمُ كلُّ الحزمِ، الإعراضُ عنها وعدمُ إدخالِهَا في التفاسيرِ. واللهُ أعلمُ. انتهى.

– الشيخ : لا إله إلا الله، سبحان الله، سبحان الله.