الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النمل/(7) من قوله تعالى {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا} الآية 45 إلى قوله تعالى {وأنجينا الذين امنوا} الآية 53
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(7) من قوله تعالى {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا} الآية 45 إلى قوله تعالى {وأنجينا الذين امنوا} الآية 53

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل

الدَّرس: السَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [النمل:45-53]

– الشيخ : الله أكبر، إلى هنا، سبحان الله العظيم، هذهِ قصةُ ثمود ونبيِّ اللهِ صالح، قصةُ، وقصتُهُم جاءتْ في آياتٍ وسور عديدة، سبحان الله، مفصَّلة كما في سورة هودٍ، وفي الأعرافِ، وفي الشعراءِ، ويُشارُ إلى هذه القَصصِ أحياناً مُجرَّدَ إشاراتٍ تُذكر، بس أنو الإشارة تكون معروفة، أما هنا فذُكِرتْ باختصارٍ.

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف73،هود61] يعني: وأرسلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا، أخاهُم؛ لأنَّهُ منهم، من نفسِ القبيلةِ، فهي أخوَّة ُنسب ٍكما تقدم في سورة الشعراء، وجاءَ عليه السلام، جاءَ بهذهِ الرسالةِ، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا}، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ}، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ}، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}، صارَ يعني، صار الفعل موجوداً؛ لأنَّ في بعضِ الآياتِ يكون فعلٍ، مثل {وإِلَى ثَمُودَ} يعني وأرسلنا إلى ثمود، أما هنا لا، جاء التصريح بالإرسال، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}، أرسله تعالى بهذا المضمون {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} هذه هي الرسالة و"أنْ" عندَ أهل اللغة النُّحاة، يقولون "أن" المفسِّرَّة، هذه فيها تفسير الإرسال {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} يعني{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}ما لكم من إله غيره، كما، اعبدوا الله وحده {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} يعني أرسلَهُ، أرسلَ اللهُ صالحاً إلى ثمودَ يدعوهُمْ لعبادةِ اللهِ {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]

وهكذا صالحٌ جاءَ بهذا الأمرِ العظيمِ، أرسلَهُ اللهُ يدعو ثمودَ، يدعو قومَهُ، يدعوهم إلى أنْ يعبدوا الله، ويجتنبوا عبادةَ غيرِ الله كما هو مُصرَّحٌ به في آياتٍ أخرى،

{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [هود:62]

يقول تعالى هنا: {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} لـمَّا جاءَ صالحٌ ودعا قومَهُ إلى عبادةِ اللهِ صاروا فريقَيْن، وهذا شأنُ كلِّ الأممِ إذا جاءَهم الرسولُ يصيرونَ فريقَين، فريقَين متضادَّينِ متخاصِمَينِ {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} فريقُ الموحدين الذينَ آمنوا بالرسولِ واتَّبعوهُ واستجابوا لدعوته، وفريقُ الكافرينَ المصرِّينَ على كُفرِهِم وشرِكِهِم، كما بُيِّن ذلكَ في المواضع الأخرى

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} [الأعراف:75] هذا فريقٌ، {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الأعراف:76]، هذه الخصومة {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}.

{قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} لأنَّهم من من، يعني من مقالاتِ المكذبين يقولون: لأنبيائهم {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا}، {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} هات، تتوعدنا بالعذاب، هات العذاب فصالح يقول {لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} هلَّا تستغفرون اللهو تتوبوا إليه، هذا هو الطريق طريق النجاة وطريق السلامة: التوبة والاستغفار {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

ومن أجوبتهِم الخبيثة {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} يعني تشاءَمْنَا بكَ يعني ما جاءَ، يعني جاءَنا الشرُّ لمـّا جئتَنَا، كما في أخبر الله عن غيرهم أيضاً، نفس، يعني أعداءُ الرسلِ متشابهةً قلوبُهُم وكذلكً أقوالُهُم متشابهةٌ {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}[الأعراف:131]، {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} الشرُّ الذي يصيبكم هو بقدرِ الله ومشيئته، ما هم، ليس، لستُ أنا السبب فيه، {طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ}

وفي الآية الأخرى {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس:19] يعني هي ذنوبُكُم وأعمالُكُم، سبحان الله العظيم.

ثم يذكرُ اللهُ في هذهِ القصَّة شيئاً خاصَّاً لم يُذكَر في غيرِ هذا الموضعِ وهو خبرُ التسعةِ، خبرُ التسعةِ لم يُذكَر إلا هنا، وهم هؤلاءِ التسعة من فريق المكذِّبين ومن فريق المستكبرين، لكنْ هؤلاءِ التسعة صارَ لهم تدبيرٌ ومكرٌ خاصٌّ {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} تسعةٌ من طواغيتِهم {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ}، {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ} هم مفسدونَ، مفسدونَ في الأرض، مفسدون بالشركِ، بالتكذيبِ، بالصدِّ عن دين الله، بالكيدِ لصالح ومن معه {يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}.

وكان من، مما هموا به من الفسادِ أن تواطؤوا وتقاسَموا، حلفوا أيمان في ما بينهم أنهم سيبيتون صالح وأهله، يبيتون يعني يهجمون عليهم مثلاً بالليل، يهجمونَ ليهلكوهُ ويقتلوهُ {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ} ما سوينا شي، ولا ندري عن شي، يعني دبَّروا أنهم سيبيتونه وأهله في الليل، ويهلكونه، ثمَّ بعد ذلك يجحدون ويكذبون ويقولون: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} أيضاً في تبرئِنا وفي نفينا {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} الله أكبر، هؤلاء التسعة ذكر الله قصتهم هنا في هذه السورة، وهذا التدبيرُ الذي همُّوا بهِ، وقدْ خابوا وخسِروا، هذا هو مكرهم، هذا تدبيرٌ، مكرٌ، يعني همُّوا بعملٍ خفيٍّ وسريٍّ في الليل، عدوان في الليل يبيتونه، التبييتُ يكون في الليل.

قال الله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ما يَشْعُرُونَ أنَّ اللهَ يمكرُ بهمْ، ويستدرِجُهم، والمكرُ هو تدبيرٌ خفيٌّ لإيصالِ الضررِ بالممكورِ بِهِ، تدبيرٌ يكونُ خفيّاً، فهم تواطؤوا على هذا المكرِ، على أنهم يبيتون صالحاً وأهله في الليلِ، ويهلكونه ويقتلونه، ثمَّ يجحدونَ ويقولونَ: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ}، ولكنَّ الله مَكَرَ بهم، واللهُ تعالى يمكرُ بالكافرين والمنافقين ويستدرجُ، ومن مكرِهِ الاستدراج، الاستدراج هو من مكر الله بالكافرين {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} [الأعراف:182] {فَلَمَّا نَسُوا}، من صورِ المكرِ ما ذكره الله في قوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:44] أبواب النِعم، وكلُّ ما يشتهونه {أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} فرحوا بما فُتِح عليهِمْ مما يشتهونه {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} يعني فينزلُ بهم بأسُ اللهِ ويأخذُهِم في حالِ فرحتِهِمْ، وهذا من أشدِّ ما يكونُ وَقْعُ البلاءِ والعذابِ، وهذا لونٌ من ألوانِ المكرِ من اللهِ {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا}، هم مكروا مكراً كُبَّاراً، والله مَكَرَ بهم مكراً، لكنْ أينَ مكرُهُم من مكرِ اللهِ؟ فمكرُ اللهِ لابُدَّ أن يَحِلَّ بأعدائِهِ، لا بدَّ أن يَبْلُغَ يعني ما أرادَهُ اللهُ {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.

قالَ الله: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} ماذا كانتْ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ؟ {دَمَّرْنَاهُمْ}، {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} دمَّرَ اللهُ هؤلاءِ التسعةَ وقومَهُم كلَّهم في الصيحةِ، صيحةٌ أخذتْهُم الصيحةٌ، {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:67]، صَرْعَى على وجهِ الأرضِ، هامدينَ، أمواتٌ، جُثَثٌ، {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} هذهِ عاقبةُ مكرهِمْ، وهذا أثرُ مكرِ اللهِ.

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ} هذهِ بيوتُهم موجودةٌ، وهيَ الآنَ معروفةٌ منْ ذلكَ التاريخِ، وهي التي تُسمَّى ديارَ ثمود، أو مدائنَ صالحٍ.

لا إله إلا الله، وقد نَهى النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم- عن دخولِ مساكنِهِمْ، مساكنِ الذين ظلموا، ولما مرَّ بها في مسيرهِ إلى تبوكَ، جاءَ في الحديثِ أنه عليه الصلاة والسلام تقنَّعَ وأسرعَ؛ لأنَّها موطنُ عذابٍ، أرضُ عذابٍ، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.

– طالب: هم يُعَذَّبُونَ في قبورِهِمْ يا شيخ؟

– الشيخ : نعم يُعَذَّبُونَ.

– طالب: أن يُصِيْبَكُمْ ما أصابَهُم.

– الشيخ : نعم يُعَذَّبُونَ، مثل قومِ فرعون {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46]

{وَنْجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [فصلت:18]، وهم صالح ومن معه، {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} من هم؟ صالح ٌنبيُّ اللهِ والذين أمنوا معه، نجَّاهم الله من بينِ هذه الأمَّة الكبيرة، نعم يا محمد.

– طالب: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} يا شيخ أيضاً …

– الشيخ : كما تقرأ، ما تقرأ، نعم.

 

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديُّ –رحمَه اللهُ تعالى-:

قالَ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} إلى آخرِ القصةِ.

يُخبِرُ تعالى أنَّهُ أرسلَ إلى ثمودَ -القبيلةَ المعروفةَ- أخاهُمُ في النسبِ صالحاً، وأنَّهُ أمرَهُمْ أنْ يَعبدُوا اللهَ وحدَهُ ويتركوا الأندادَ والأوثانَ، {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} منهمُ المؤمنُ، ومنهمُ الكافرُ وهمْ معظمُهُمْ.

{قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} أي: لِمَ تبادرونَ فِعْلَ السيئاتِ، وتحرصونَ عليها قبلَ فعلِ الحسناتِ الَّتي بها تَحْسُنُ أحوالُكُمْ، وتَصْلُحُ أمورُكُم الدينية والدنيوية؟ والحالُ أنَّهُ لا موجِبَ لكمْ إلى الذهابِ لفعلِ السيئاتِ؟

{لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} بأنْ تتوبوا منْ شركِكُمْ وعصيانِكُمْ وتدعُوهُ أنْ يَغفرَ لكمْ، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فإنَّ رحمةَ الله قريبٌ من المحسنينَ، والتائبُ من الذنبِ هو من المحسنينَ.

{قَالُوا} لنبيهِمْ صالحٌ مكذبينَ ومعرضينَ: {اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} زعموا -قبَّحهمْ اللهُ- أنَّهم لمْ يروا على وجهِ صالحٍ خيراً، وأنَّهُ هو ومنْ معهُ منَ المؤمنينَ صاروا سبباً لمنعِ بعضِ مطالبِهِم الدنيوية، فقالَ لهمْ صالحٌ: {طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي: ما أصابَكم إلا بذنوبِكم، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} بالسَّراءِ والضَّراءِ والخيرِ والشرِ؛ لينظرَ هل تُقلعونَ وتتوبونَ إلى الله؟ فهذا.

– الشيخ : {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} يعني تُخْتَبَرُونَ.

– القارئ : فهذا دأبُهُمْ في تكذيبِ نبيِّهِمْ وما قابلَوُهُ بِهِ.

{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ} التي فيها صالحٌ الجامعةُ لمعظمِ قومِهِ {تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} أي: وَصْفُهُم الإفسادُ في الأرضِ، ولا لهمْ قَصْدٌ ولا فعلٌ بالإصلاحِ قدْ استعدّوا لمعاداةِ صالحٍ والطعنِ في دينِهِ ودعوةِ قومِهِم إلى ذلكَ كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)} [الشعراء:150-152]

فلمْ يَزالوا بهذِهِ الحالةِ الشنيعةِ حتَّى أنَّهم منْ عداوتِهِم {تَقَاسَمُوا} فيما بينهُمْ، كلُّ واحدٍ أقسمَ للآخرِ {لَنُبَيِّتَنَّهُ}.

– الشيخ : أيش؟ كلُّ واحدٍ، أيش؟

– القارئ : كلُّ واحدٍ أقسمَ للآخرِ

– الشيخ : يعني أقسمَ بعضهم لبعضٍ، تقاسموا، كلُّهم يقسم بعضهم لبعض، كلهم حلفوا تواطؤوا.

– القارئ : {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنأتينَّهُمْ ليلاً هوَ وأهلَهُ، فلنقتلنَّهُمْ {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} إذا قامَ علينَا وادَّعى علينا أنَّا قتلنَاهُمْ، نُنكرُ ذلكَ، وننفيهِ ونحلِفُ {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ إِنَّا لَصَادِقُونَ} فتواطَئُوا على ذلكَ

{وَمَكَرُوا مَكْرًا} دبَّروا أمرَهُمْ على قتلِ صالحٍ وأهلِهِ على وجهِ الخفيةِ حتى منْ قومِهِمْ؛ خوفاً منْ أوليائِهِ {وَمَكَرْنَا مَكْرًا} بنصرِ نبينا صالحٍ عليهِ السلامُ، وتيسيرِ أمرِهِ وإهلاكِ قومِهِ المكذبينَ {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} هلْ حصلَ مقصودُهُمْ؟ وأدركوا بذلكَ المكرِ مطلوبَهُمْ أمْ انتقضَ عليهِمُ الأمرُ؟ ولهذا قال {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} أهلكناهُمْ واستأصلنَا شأفتَهُم، فجاءتْهُم صيحةُ عذابٍ فأُهلكوا عنْ آخرِهِمْ.

{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} قدْ تهدَّمَتْ جدرانُهَا على سقوفِهَا وأُوحشَتْ من ساكنِيهَا وَعُطِّلتْ من نازليها {بِمَا ظَلَمُوا} أي: هذا عاقبةُ ظلمِهِمْ وشركِهِمْ باللهِ وبغيهِمْ في الأرضِ.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} الحقائقَ، ويتدبرونَ واقعَ [وفي النسخة وقائعَ] اللهِ في أوليائِهِ وأعدائِهِ فيعتبرونَ بذلكَ، ويعلمونَ أنَّ عاقبةَ الظلمِ الدمارُ والهلاكُ، وأنَّ عاقبةَ الإيمانِ والعدلِ النجاةُ والفوزُ.

ولهذا قالَ {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} أي أنجيْنَا المؤمنينَ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ والقدرِ خيرِهِ وشرِّهِ {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} الشركَ باللهِ والمعاصي ويعملونَ بطاعتِهِ وطاعةِ رسلِهِ، انتهى.