الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب المناسك من زاد المستقنع/كتاب المناسك (7) “باب محظورات الإحرام” قوله وإن قتل صيدا مأكولا بريا

كتاب المناسك (7) “باب محظورات الإحرام” قوله وإن قتل صيدا مأكولا بريا

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب المناسك)
– الدّرس: السّابع

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
(وإنْ قتلَ: صيدًا، مأكولًا، بريًا أصلًا ولو تولَّدَ منهُ ومِنْ غيرِه، أو تَلِفَ في يدهِ: فعليهِ جزاؤُه)
– الشيخ: 
هذا أحدُ محظوراتِ الإحرامِ، وهو المحظورُ السادسُ، وهو قتلُ الصيدِ، يقولُ المؤلفُ: إذا قتلَ المحرمُ صيدًا مأكولًا بريًا: يعني متوحشًا، لأنَّ البريَّ يشملُ الوحشيَّ الذي لا يعيشُ إلَّا في البراري، ويشملُ ما يربيّهِ الناسُ في بيوتِهم، ويقابلُ الصيدَ البريَّ صيدُ البحرِ كما قابلَ اللهُ بينهما في قولِه: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96]
فإن قتلَ المحرمُ صيدًا مأكولًا خرجَ به ما لا يؤكلُ من الحيواناتِ والطيورِ ما لا يؤكلُ، مأكولًا بريًا متوحشًا أصليًا، فقد يكونُ الحيوانُ متوحِّشًا أصلًا لكنَّه رُبّي فتأنّسَ، وقد يكونُ العكسُ؛ قد يكونُ أهليًا مثل قصةِ الحُمُرِ الأهليةِ، الحمرُ الأهليةُ لو توحّشتْ لا يختلفُ حكمُها ولا تكونُ صيدًا، وحُمُرُ البرِّ لو تأنَّستْ فإنَّه يبقى لها حكمُ الصيدِ، ولهذا المؤلفُ يقولُ: "بريًا أصلًا، ولو تولّد منه ومن غيرِه": يعني الحيوانُ تارةً يكونُ بريًا، قد يكونُ أصلُه بريًا ويتولّدُ منهما، فالمتولّدُ من الوحشيّ والأهلي كذلك، يحرمُ على المُحرمِ اصطيادُ هذا المتولّدِ لأنَّه متولّدٌ ممّا يحرمُ، أو من حرامٍ وحلالٍ، وإذا اختلطَ الحلالُ بالحرامِ حرمَ على حد ما لا يتمُّ تركُ الحرامِ إلَّا به فتركُهُ واجبٌ. "ولو": وكأنَّ الإشارةَ "ولو" إشارةٌ إلى خلافٍ لكن هذا ما تقتضيهِ الأصولُ، ولهذا البغلُ متولّدٌ من بين الفرسِ والحمارِ فهو حرامٌ، تغليبًا لجانبِ الحظرِ.
"أو تلفَ الصيدُ في يدهِ": بأن أمسكَهُ وتلفَ في يدهِ، فعليه جزاؤُهُ، والدليلُ على هذا الحكمِ من الكتابِ والسنةِ، أمَّا من القرآنِ فقولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إلى قولِه: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [المائدة:1-2]
وفي آخر السورة:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة:95] إلى قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96]
ودلّتِ السنّةُ على ما دلَّ عليه القرآنُ فإنَّه عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ نهى وحرّمَ على المُحرمِ أن يصطادَ أو يأكلَ ممّا صادَهُ، فما صادَهُ المُحرمُ يحرمُ عليه وعلى غيرِهِ، أمَّا ما صادَهُ الحلالُ ففيهِ التفصيلُ الآتي.
"فعليه جزاؤُهُ": والتفصيلُ سيأتي، واللهُ تعالى يقولُ: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95]

– القارئ: (ولا يَحرمُ: حيوانٌ إنسيٌّ)
– الشيخ: لما ذكرَ ضابطَ الصيدِ الذي يحرمُ اصطيادُهُ على المحرمِ، يبيّنُ ما يخرجُ بتلكَ الشروطِ، "حيوانٌ إنسيٌّ": خرجَ بقولِنا صيدًا مأكولًا بريًا وحشيًا، خرجَ به الحيوانُ الإنسيُّ فهو ليسَ صيدًا في الأصلِ، مثل حيواناتِ بهيمةِ الأنعامِ فإنّها ولو توحَّشت فإنّها لا تحرمُ، إذا ندَّ من بهيمةِ الأنعامِ كالإبلِ مثلًا ثمّ شردَ وصارَ متوحشًا فإنّه لا يحرمُ اصطيادُهُ، كما في الحديثِ الصحيحِ: "إنَّ لهذه البهائمِ أوابدٌ كأوابدِ الوحشِ فما ندّى منها فافعلوا بها كذا"، بمناسبةِ أنْ ندَّ بعيرٌ في أحدِ أسفارِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فلم يستطيعوا أخذَهُ إلَّا بأنْ رماهُ رجلٌ بسهمٍ.

– القارئ: (ولا صيدُ البحرِ)
– الشيخ: خرجَ صيدُ البحرِ بقولِهِ: "بري"، وهذا صريحُ القرآنِ: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة:96]
– القارئ: (ولا قتلُ محرَّمِ الأكلِ)
– الشيخ: هذا خرجَ بقولِنا مأكولٌ، فخرجَ به ما يحرمُ أكلُهُ من الحيواناتِ، وما هو الذي يحرمُ من الحيواناتِ؟ "كلُّ ذي نابٍ من السباعِ وكلُّ ذي مخلبٍ من الطيرِ"، لكن مثل حمارِ الوحشِ والأرنبِ ونحوِهِما فهذه تنطبقُ عليه الشروطُ، فمن قتلَ شيئًا من هذا فهذا حرامٌ عليه، ويجبُ عليه الجزاءُ، فمن قتلَ صيدًا مأكولًا بريًا فعليه جزاؤُهُ الذي فرضَهُ اللهُ: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]

– القارئ: (ولا الصائلِ)
– الشيخ: 
كذلك لا يحرمُ قتلُ الصائلِ؛ لو صالَ الحيوانُ على المحرمِ طائرٌ أو نحو ذلك، صالَ عليه ولم يندفعْ إلّا بقتلِهِ جازَ قتلُه، لأنَّه هنا يدفعُ عن نفسِهِ ولم يقصدِ القتلَ، وإذا كان الإنسانُ الصائلُ يُقتَلُ دفعًا لشرّهِ فيجوزُ قتلُ الصائلِ من الحيوانِ من بابِ أولى.
– مداخلة: ما يعيشُ في البحرِ والبرّ؟
– الشيخ: 
هذا يُغلّبُ فيه جانبُ التحريمِ، لأنَّه متردّدٌ بريٌّ أم بحريٌّ، مثلُ المتولّدِ من حلالٍ وحرامٍ، تغليبًا لجانبِ الحظرِ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: «وإن قتلَ صيدًا مأكولًا»: هذا هو السادسُ من محظوراتِ الإحرامِ، وقد ذكرَ المؤلفُ ـ رحمهُ اللهُ ـ أوصافَ الصيدِ المحرمِ في الإحرامِ فقال: «مأكولًا»: وهذا هو الوصفُ الأولُ، فإن كان غيرَ مأكولٍ فليسَ قتلُهُ من محظوراتِ الإحرامِ، ولكن هل يُقتلُ أو لا يُقتلُ؟ الجوابُ: ينقسمُ ذلك إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
الأولُ: ما أُمرَ بقتلِهِ.
– الشيخ: 
كالفواسقِ الخمسِ، والحديثُ فيها صريحٌ: "خمسٌ من الدّوابِ كلُّهنَّ فواسق" وما يلحقُ بها من الفواسقِ، وسُمّيت بذلك لأنّها خرجتْ عن طبيعةِ الحيوانِ، "الحِدأةُ والغرابُ والحيّةُ والعقربُ والكلبُ العقورُ"، وما كان الفسقُ فيه أولى وأبلغُ كان أولى بحلِّ القتلِ.
– القارئ: الثاني: ما نُهيَ عن قتلِهِ.
– الشيخ: كالنملةِ والنحلةِ.
– القارئ: الثالثُ: ما سكتَ عنه.
– الشيخ: 
هذا تفصيلٌ حسنٌ من الشيخِ، تقسيمُ الأشياءِ يوضّحُ الفرقَ بينها، يعني ما لم تتحقّقْ فيه شروطُ الصيدِ الذي يحرمُ على المُحرمِ قتلُهُ، يقولُ الشيخُ: إنَّه ينقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ.

– القارئ: فأمَّا ما أمرَ بقتلِهِ، فإنَّه يُقتلُ في الحلِّ والحرمِ والإحرامِ والإحلالِ، مثل الخمسِ التي نصَّ عليها الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بقولِهِ: «خمسٌ من الدوابِ كلّهنّ فواسق يُقتلنَ في الحلِّ والحرمِ: الغرابُ، والحدأةُ، والعقربُ، والفأرةُ، والكلبُ العقورُ»، ومنه الحيّةُ، والذئبُ، والأسدُ، وما أشبهها؛ لأنَّ نصَّ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- على هذه الخمسةِ يتناولُ ما في معناها أو أشدَّ منها.
الثاني: ما نُهيَ عن قتلِهِ، مثلُ: النملةِ، والنحلةِ، والهدهدِ، والصُّرَدِ. فلا تُقتلُ لا في الحلِّ ولا في الحرمِ …
الثالثُ: ما سكتَ عنه فلم يُؤمرْ بقتلِهِ ولم يُنه عنه، فإن آذى أُلحقَ بالمأمورِ بقتلِهِ؛ لأنَّ المؤذيَ يُقتلُ دفعًا لأذيّتِهِ، وإن لم يؤذِ فهو محلُّ توقُّفٍ، فأجازَ بعضُهم قتلَهُ؛ لأنَّ ما سكتَ عنه الشارعُ فهو ممَّا عفا عنه.
– الشيخ: 
هذا في الأكلِ والشربِ، هذا ما سُكتَ عنه فنعم، الأصلُ فيه الحِلُّ، لكنَّ قتلَ الحيوانِ الذي لا يؤذي ولا فيه مضرّةٌ يصبحُ قتلُهُ عبثٌ وفضولٌ لا معنى له.

– القارئ: وكرهَهُ بعضُهم؛ لأنَّ اللهَ خلقَهُ لحكمةٍ، فلا ينبغي أن تقتلَهُ، وهذا هو الأولى.
قولُه: «بريًا»: هذا هو الوصفُ الثاني، وهو الذي يعيشُ في البرّ دونَ البحرِ؛ لقولِهِ تعالى: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96] وضدُّهُ البحريُّ، والبحريُّ: ما لا يعيشُ إلَّا في الماءِ، وأمَّا ما يعيشُ في البرِّ والبحرِ فإلحاقُهُ بالبريِّ أحوطُ، لأنَّه اجتمعَ فيه جانبُ حظرٍ، وجانبُ إباحةٍ، فيُغلَّبُ جانبُ الحظرِ.
مسألةٌ: إذا صادَ السمكَ داخلَ حدودِ الحرمِ، كأنْ تكونُ بحيرةٌ في مكّةَ فيها أسماكٌ، فهل يجوزُ؟ الصحيحُ أنَّه لا يحرمُ، وإن كان الفقهاءُ ـ رحمهم اللهُ ـ قالوا: إنَّه حرامٌ، والصحيحُ أنَّه حلالٌ؛ لأنَّ المحرَّمَ صيدُ البرِّ.
– مداخلة: 
في الروضِ قال:
(ولا) يحرمُ (صيدُ البحرِ) إن لم يكن بالحرم.
– مداخلة: في حاشيةِ ابنِ عثيمينَ على الروضِ: وعن أحمدَ روايةٌ: لا يحرمُ صيدُ البحرِ لا في حرمٍ ولا في إحرامٍ لظاهرِ الآيةِ.
– الشيخ: 
هذا واضحٌ، فيكونُ الصحيحُ أنَّه لا يحرمُ؛ لأنَّ السمكَ الذي يعيشُ في الماءِ ولو كان في الحرمِ فهو من صيدِ البحرِ، لكن أنا أريدُ تعليلَهم، بما يدفعونَ دلالةَ الآيةِ: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة:96]؟
– مداخلة: قال ابنُ قاسمٍ في حاشيةِ الروضِ:
فإن كان ممّا لا يعيشُ إلّا في الماءِ، فلا خلافَ فيه، وإن كان ممّا يعيشُ فيهما كالسلحفاةِ والسرطانِ فإن كان بالحرمِ حَرُمَ صيدُهُ جزمَ به غيرُ واحدٍ، وصحّحهُ في التصحيحِ وغيرِه؛ لأنَّ التحريمَ فيه للمكانِ ولا جزاءَ فيه.
– الشيخ: المثالُ المطابقُ، يعني السمكُ الذي لا يعيشُ إلّا بالماءِ وهذا يوجدُ، يعني افرضْ أنَّه حُفِرَ خليجٌ من البحرِ إلى الحرمِ وصارَ السمكُ يصلُ إليه فهذا صيدُ البحرِ، والظاهرُ أنَّه لا يحرمُ.

– القارئُ يكملُ القراءةَ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: «أصلًا»: أي أنَّ أصلَهُ بريٌّ، ومرادُه أن يكونَ متوحشًا وإن استأنسَ، فمثلًا: الأرنبُ صيدٌ مأكولٌ بريٌّ أصلًا، والأرنبُ المستأنسةُ كالأرنبِ المتوحشةِ؛ لأنَّ أصلَها متوحشٌ فيحرمُ على المحرمِ قتلُها. والحمامةُ أصلُها وحشيٌّ …
قولُه: «فعليه جزاؤه»: ظاهرُهُ أنَّ عليه جزاءُهُ سواءٌ تلفَ بتعدٍّ منه أو تفريطٍ أو لا، وهو كذلك؛ لأنَّ إبقاءَ يدِهِ عليه محرَّم. فيكونُ كالغاصبِ، والغاصبُ يضمنُ المغصوبَ بكلِّ حالٍ، فهذا يضمنُهُ بكلِّ حالٍ. وقولُه: «فعليه جزاؤه»: سيأتي جزاءُ الصيدِ مفصّلًا في كلامِ المؤلّفِ.
قولُه: «ولا يحرمُ حيوانٌ إنسيٌّ»: شرعَ المؤلّفُ في ذكرِ المفهومِ في كلامِه السابقِ، فقولُه: «ولا يحرمُ حيوانٌ إنسيٌّ» هذا مفهومُ قولِه «بريٌّ أصلًا» …
قولُه: «ولا صيدُ البحرِ»: أي لا يحرمُ صيدُ البحرِ على المحرمِ؛ لقولِه تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96] فإذا أحرمَ من رابغٍ مثلًا ومرَّ بسيفِ البحرِ، وصادَ سمكًا فليسَ حرامًا …
– الشيخ: 
أين مسألةُ صيدِ الحلالِ؟ وما هو حكمُ صيدِ الحلالِ؟ صيدُ الحلالِ حلالٌ، لكن هل يحلُّ صيدُ الحلالِ للمُحرمِ؟ هذا الذي فيه تفصيلٌ، وتفصيلُهُ إن صادَهُ للمُحرمِ من أجلِ المُحرمِ فإنَّه يحرمُ واستدلَّ لهذا بحديثِ الصعبِ بن جثامة: "أنَّه أهدى للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حمارَ وحشٍ أو عجزَ حمارٍ، فردَّهُ وقال له لمّا وجدَ في وجههِ الكراهةَ: إنَّا لم نردّه عليك إلا أننا حُرم".
أمَّا إذا صادَهُ لنفسِهِ وأهدى منه للحلالِ فإنَّه لا يحرمُ لحديثِ أبي قتادةَ، وبهذا يحصلُ الجمعُ بين الحديثين، حديثِ أبي قتادةَ الذي فيه: "أنَّه اصطادَ حمارَ وحشٍ فأطعمَ رفاقَه، ولمّا أشكلَ عليهم سألوا الرسولَ عليه الصلاةُ والسلامُ قال لهم: هل أشارَ إليه أحدٌ أو أعانَه أحدٌ؟ قالوا: لا، قال فكلوا"، ووردَ في هذا حديثِ جابرٍ وهو يتضمّنُ هذا المعنى وفيه: "صيدُ البرِّ لكم حلالٌ ما لم تصيدوهُ أو يُصَدْ لكم"، وهذا أحسنُ ما قيلَ في الجمعِ بين حديثِ أبي قتادةَ وحديثِ الصّعبِ ابنِ جثّامة. وما صادَه المحرمُ هو حرامٌ عليه وعلى غيرِهِ بمعنى أنَّه يصيرُ ميتةً، لكن هل لو اضطرَ المحرمُ لقتلِ الصيدِ هل يحلُّ؟ نعم يحلُّ لعمومِ قولِهِ تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]

القارئ: (ويحرمُ عقدُ نكاحٍ: ولا يصح)
– الشيخهذه جملةٌ قصيرةٌ تضمَّنت المحظورَ السابعَ، وهو: "ويحرمُ عقدُ نكاحٍ": إن وقعَ فإنَّه لا يصحُّ لأنَّ النهيَ يقتضي الفسادَ، فالنهيُ عن عقدِ النكاحِ يقتضي فسادَهُ لو وقعَ، والدليلُ قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في الحديثِ الصحيحِ: "لا ينكحُ المُحرمُ ولا يُنكح"، إمّا: لا ينكحْ: نهيٌ، أو لا ينكحُ: نفيٌ، وكلاهما يحصلُ به المقصودُ، والمرادُ من النكاحِ هو العقدُ، فالنكاحُ يُطلقُ على العقدِ ويُطلقُ على الوطءِ، والحديثُ يدلُّ على الأمرين جميعًا ولكنَّ الأصلَ فيه العقدُ، وفي لفظٍ: "ولا يخطب"، إذًا: فلا يجوزُ عقدُ النكاحِ، فلا يجوزُ للرجلِ أن يعقدَ النكاحَ على امرأةٍ وإن كانت حلالًا، هي حلالٌ وهو مُحرمٌ فإنَّه يحرمُ عليه ذلك، وكذا إذا كانت المرأةُ مُحرِمةً لا يجوزُ عقدُ النكاحِ عليها ولو كان الزوجُ حلالًا، ولا يحلُّ للوليّ أن يعقدَ ونأخذُ هذا من قولِهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "ولا يُنكِحْ".

– القارئ: قال البليهي:
"لا ينكحُ المحرمُ ولا يُنْكحُ ولا يخطبُ" رواهُ مسلمٌ وأصحابُ السننِ.
– الشيخ: 
وعلى هذا إذا صحّت هذهِ الروايةُ فإنَّه يحرمُ على المُحرمِ أن يخطبَ أيضًا، لأنَّ الخِطبةَ مقدمةٌ، لكن عندي أنَّه يُنظرُ فيها، فإن صحّتْ فإنَّه تحرمُ الخِطبةُ.

– القارئ: (ولا فديةَ، وتصحُّ الرجعةُ)
– الشيخلو وقعَ لا تجبُ فيه فديةٌ، سبحانَ اللهِ ملاحظةُ الفقهاءِ عجيبةٌ، لأنَّ عقدَ النكاحِ ليس فيه شيءٌ من معنى المحظوراتِ المتقدّمةِ التي قالوا فيها أنّها يعني كلّها من نوعِ الترفّهِ، وعقدُ النكاحِ ليسَ فيه ترفّه.
"وتصحُّ الرّجعةُ": لأنَّ الرجعةَ ليست نكاحًا، يعني محرمٌ كان قد طلّقَ امرأتَه فهل له أن يراجِعَها وهو محرمٌ؟ نقول: نعم له أن يراجِعَها وإن كان محرمًا؛ لأنَّ الرجعةَ ليست ابتداءَ نكاحٍ، كأنَّه لدفعِ توهّمِ أنَّ الرجعةَ حكمُها حكمُ ابتداءِ النكاحِ، فالرجعةُ من نوعِ الاستدامةِ، داخلةٌ في استدامةِ النكاحِ، واللهُ تعالى أعلمُ.

– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: «ويحرمُ عقدُ نكاحٍ»: أي على الذكورِ والإناثِ، هذا هو المحظورُ السابعُ من محظوراتِ الإحرامِ.
ودليلُه قولُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-:
«لا ينكحُ المحرمُ، ولا يُنكح، ولا يخطبُ»، وسواءٌ كان المحرمُ الوليُّ، أو الزوجُ، أو الزوجةُ، فالحكمُ يتعلَّقُ بهؤلاءِ الثلاثةِ.
أمَّا الشاهدانِ فلا تأثيرَ لإحرامِهما، لكن يُكرهُ أن يحضرا عقدَهُ إذا كانا محرمين، فإن عقدَ النكاحَ في حقِّ المحرمِ منهم حرامٌ، فالأقسامُ كما يلي: الأولُ: عقدُ مُحلٍّ على محرمةٍ، فالنكاحُ حرامٌ. الثاني: عقدُ مُحرِمٍ على مُحلّةٍ، فالنكاحُ حرامٌ. الثالثُ: عقدُ وليٍّ مُحرِمٍ لمُحلٍّ ومُحلّةٍ، فالنكاحُ حرامٌ. فإن قالَ قائلٌ: ثبتَ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «تزوجَ ميمونةَ وهو محرمٌ»، روى ذلك عبدُ اللهِ بن عباسٍ ابن أختِ ميمونةَ ـ رضي اللهُ عنهم ـ وهو عالمٌ بحالِها.
– الشيخ: 
يعني حديثُ ابنُ عباسٍ هذا في الصحيحين أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تزوّجَ ميمونةَ وهو حرامٌ أي مُحرمٌ، فأشكلَ هذا وأوجبَ الاختلافَ، وظاهرُهُ معارضٌ لحديثِ: "لا ينكحُ المحرمُ ولا يُنكح"، ولكن اختلفَ الرواةُ في نكاحِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لميمونةَ هل كان ذلك وهو حلالٌ، أو كان وهو حرامٌ.
ابنُ عباسٍ يروي أنَّه تزوّجها وهو مُحرمٌ، وصحَّ عن ميمونةَ وعن أبي رافعٍ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-تزوّجَها وهو حلالٌ، فقال بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ هذا ناسخٌ للنهي، يعني حديثُ ميمونةَ يكونُ ناسخًا، وقال بعضُهم: لا، بل هو الراجحُ، وهذا هو الصحيحُ وهو أنَّ حديثَ ميمونةَ وأنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تزوّجَها وهو حلالٌ راجحٌ أو مرجّحٌ على حديثِ ابنِ عباسٍ الذي فيه التحريمُ لأنَّها هي صاحبةُ الشأنِ وأبو رافعٍ هو السفيرُ بينهما فهما أعلمُ بحقيقةِ الحالِ، وقد يُقالُ أنَّ هذا خاصٌّ بالنبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ولكنَّ الأصلَ عدمُ الخصوصيةِ.

– القارئ: فالجوابُ: على ذلك من وجهين: الأولُ: سبيلُ الترجيحِ. الثاني: سبيلُ الخصوصيةِ.
– الشيخ: الشيخُ يريدُ أن يُقارنَ بينَ حديثِ ابنِ عباسٍ، وما وردَ من حديثِ ميمونةَ وحديثِ أبي رافعٍ، مع أنَّه لم يذكرِ الشيخُ في الكلامِ السابقِ حديثَ ميمونةَ ولا حديثَ أبي رافعٍ، فكأنَّ السياقَ فيه نقصٌ في الكلامِ السابقِ.
– مداخلةهناك كلامٌ في الحاشيةِ عن هذا الموضوع:
قال: وما في الصحيحين عن ابنِ عباسٍ: أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تزوجَ ميمونةَ وهو محرمٌ، فقال ابنُ المسيّبِ وأحمدُ وغيرُهما: وَهِمَ رضي اللهُ عنه. والصوابُ ما رواهُ مسلمٌ عن ميمونةَ، أنَّه تزوّجَها وهو حلالٌ، ولأحمدَ والترمذي عن أبي رافعٍ: "تزوجَ ميمونةَ حلالًا، وبنى بها حلالًا، وكنتُ السفيرَ بينهما" وإسنادُهُ جيدٌ.
– الشيخ: أنا لي ملاحظةٌ أخرى وهي أنَّ الشيخَ دخلَ في موضوعِ الموازنةِ بين حديثِ ابنِ عباسٍ وحديثِ ميمونةَ قبلَ أن يذكرَهما، يعني ما ذكرهما، ولكن قامَ بذكرِهِما بعد.

– القارئ: أمَّا الأولُ: وهو سبيلُ الترجيحِ، فإنَّ الرّاجحَ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تزوجَ ميمونةَ وهو حلالٌ لا حرامٌ، والدليلُ على هذا أنَّ ميمونةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ نفسَها روت أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تزوّجَها وهو حلالٌ، وأنَّ أبا رافعٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ السفيرُ بينهما ـ؛ أي الواسطةُ بينهما ـ أخبرَ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تزوَّجَها وهو حلالٌ، وعلى هذا فيرجحُ ذلك؛ لأنَّ صاحبَ القصةِ، والمباشرُ للقصّةِ أدرى بها من غيرِهِ. فأمّا حديثُ ابنُ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ فجوابُه أن يُقالَ: إنَّ ابنَ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ لم يعلمْ أنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تزوَّجَها إلَّا بعدَ أن أحرمَ الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فظنَّ أنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تزوّجَها وهو محرمٌ بناءً على علمِهِ، وهذا الوجهُ قويٌّ وواضحٌ ولا إشكالَ فيه.
وأمَّا الثاني: وهو الخصوصيةُ، فإنَّ من خصائصِ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أن يتزوّجَ وهو محرمٌ؛ لأنَّه أملكُ الناسِ لإربِهِ، وغيرُهُ لو تزوَّجَ وهو محرمٌ لدعتْهُ نفسُهُ وشدّةُ شهوتِه أن يتصلَ بامرأتِه، وربّما جامَعها، وله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في النكاحِ خصائصُ متعددةٌ. وهل حملُهُ على الخصوصيةِ أمرٌ غريبٌ بحيثُ لا نوافقُ عليه، أو نوافقُ؟ الجوابُ: ليسَ أمرًا غريبًا، ولكن إذا تعارضَ التخصيصُ، أو الترجيحُ فأيُّهما أولى؟ الجوابُ: الترجيحُ أولى؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الخصوصيةِ. 
– الشيخ: 
لا، لكن من يقولُ أو يجنحُ إلى الخصوصيةِ معناه يُسقطُ حديثَ ميمونةَ وحديثَ أبي رافعٍ، ولا يعتبرُهما، ويرجّحُ حديثَ ابنَ عباسٍ عليهما.

– القارئ: فإذًا يكونُ مسلكُ الترجيحِ أولى، وهو أنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تزوّجَ ميمونةَ وهو حلالٌ.
قولُه: «ولا يصحُّ»: الضميرٌ في قولٍه «لا يصح» يعودُ على العقدِ، أي: لو عُقِدَ على امرأةٍ محرمةٍ لزوجٍ حلالٍ فالنكاحُ لا يصحُّ، ولو عُقدَ لزوجٍ محرمٍ على امرأةٍ حلالٍ فالنكاحُ لا يصحُّ، ولو عُقِدَ لرجلٍ محلٍّ على امرأةٍ مُحلّةٍ، والوليُّ محرمٌ لم يصحَّ النكاحُ؛ لأنَّ النهيَ واردٌ على عينِ العقدِ، وما وردَ النهيُ على عينِهِ فإنَّه لا يمكنُ تصحيحُهُ
الخطبةُ الصحيحُ أنَّها حرامٌ؛ لأنَّ النهيَ فيها واحدٌ مع العقدِ، وعمومُ الحديثِ
«ولا يخطب»: أنَّه لا يخطبُ تعريضًا ولا تصريحًا.
– الشيخ: 
حسنٌ، كلامٌ واضحٌ، فيحرمُ على المُحرمِ أن يَنكحَ، أو يُنكحَ، أو يخطبَ، على ظاهرِ الحديثِ.

– القارئ: الثالثةُ: لو عقدَ النكاحَ في حالِ الإحرامِ، ثمَّ بعدَ الإحلالِ دخلَ الرجلُ بزوجتِهِ، وأنجبتْ منه أولادًا فلا بدَّ من عقدٍ جديدٍ، ويكونُ وطؤهُ الأوّلُ وطئًا بشبهةٍ، وأولادُهُ أولادًا شرعيّين، أي: يُنسبونَ إليه شرعًا، كما أنَّهم منسوبونَ إليه قدرًا.
قولُه: «ولا فديةَ»: أي ليسَ فيه فديةٌ، والدليلُ عدمُ الدليلِ، أي: أنَّه ليسَ هناكَ دليلٌ يُوجبُ الفديةَ، والأصلُ براءةُ الذمّةِ، وعدمُ الوجوبِ. وقال بعضُ العلماءِ: فيه الفديةُ، قياسًا على اللباسِ، لأنَّ ترفُّهَ الإنسانِ بالنكاحِ أشدُّ من اللباسِ، والصحيحُ أنَّه لا فديةَ فيه، بل فيه الإثمُ وعدمُ الصحّةِ للنكاحِ.
فإن قال قائلٌ: إذا أخذتم بهذا الأصلِ، فقولوا: إذًا لا فديةَ في الطيّبِ ولا فديةَ في اللباسِ، لأنَّه لا دليلَ على أنَّ فيها فديةٌ، وإنّما وردَ الدليلُ في حلقِ الرأسِ، وجزاءِ الصيدِ. وأينَ الدليلُ على وجوبِ الفديةِ في لبسِ القميصِ والسراويلِ والبرانسِ والعمائمِ والخفافِ، إذ ليس فيها إلّا النهيُ؟ الجوابُ: يقولون: الدليلُ هو القياسُ، لأنَّ العلةَ عندهم في تحريمِ حلقِ الرأسِ هو الترفُّهُ، والإنسانُ يترفَّهُ باللباسِ.
– الشيخ: 
إذا قال الشيخُ "يقولون" أو "يقولُ الفقهاءُ": فهذا يشعرُ بعدمِ اختيارِهِ، فأضافَ القولَ إليهم، يعني لم يعتمدْهُ اختيارًا وتدليلًا، فإذا وقعَ شيءٌ من ذلك لا نقولُ: تجبُ عليكَ الفديةُ، لكن نقولُ: الأفضلُ أن تُفدي، وما هي الفديةُ؟ أمرُها سهلٌ يعني صيامُ ثلاثةِ أيامٍ، أو إطعامُ ستّةِ مساكينَ فإنَّها أسهلُ، بخلافِ النُّسُكِ فأحيانًا يشقُّ على كثيرٍ من الناسِ، لكن لا نسوّي بين الفديةِ بحلقِ الرأسِ وبينَ الفديةِ للطيبِ أو لتغطيةِ الرأسِ، فالأولُ من حلقَ رأسَهُ نقولُ: يجبُ عليكَ الفديةُ النُّسكُ أو الصدقةُ أو الصيامُ، أمَّا الثاني نقولُ: الأحوطُ أن تفدي، لأنَّه لم يذكروا دليلًا إلَّا القياسَ، والقياسُ ليس بالبيّنِ.

– القارئ: مسألةٌ: إذا قالَ قائلٌ: إذا عقدَ، وهو لا يدري أنَّ عقدَ النكاحِ في حالِ الإحرامِ حرامٌ؟ فالجوابُ: أنَّه لا إثمَ عليه، كما سيأتي إن شاءَ اللهُ، لكنَّ العقدَ لا يصحُّ؛ لأنَّ العقودَ يُعتبرُ فيها نفسُ الواقعِ.
قولُه: «وتصحُّ الرَّجعةُ»: أي أن يراجعَ الإنسانُ مطلَّقَتَهُ التي له الرَّجعةُ عليها.
مثالُ ذلك: رجلٌ أحرمَ بعمرةٍ أو حجٍّ، وكان قد طلَّقَ زوجتَه طلاقًا رجعيًا، فأرادَ أن يُراجعَها فلا حرجَ، وتصحُّ الرَّجعةُ، وتباحُ أيضًا، فهنا فرّقنا بين ابتداءِ النّكاحِ، وبينَ استدامةِ النكاحِ؛ لأنَّ الرَّجعةَ لا تُسمَّى عقدًا، وإنَّما هي رجوعٌ؛ ولأنَّ الاستدامةَ أقوى من الابتداءِ، أرأيتم الطّيبَ، يجوزُ للمحرمِ بل يُسنُّ عند عقدِ الإحرامِ أن يتطيَّبَ فَيُحْرم والطّيبُ في مفارقِه، لكن لو أرادَ أن يبتدئَ الطيبَ فلا يجوزُ؛ لأنَّ الاستدامةَ أقوى من الابتداءِ، وهنا حصلَ لنا فرعانِ على هذهِ القاعدةِ في محظوراتِ الإحرامِ:
الأولُ: الطيبُ، يستديمُهُ ولا يبتدئُهُ. الثاني: النكاحُ، يستديمُهُ ولا يبتدئُهُ.
– مداخلة: 
الذي يُحرّمُ الاستدامةَ، فهو قد تطيّبَ قبلَ الإحرامِ فهل يُؤمرُ بغسلٍ؟
– الشيخ: نعم يُؤمرُ بغسلٍ.
 




 
الأسئلة:
س1: فضيلةُ الشيخِ عبدِ الرحمنِ البراكِ، وفقّكم اللهُ وسدّدكم، السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه:
 تعلمونَ ما لجهازِ هيئةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ في بلادِنا من كفٍّ للشرورِ والآثامِ، وما ينالُه الأعضاءُ من ابتلاءٍ كانوا فيه من الصابرين، لكن ممّا آلمنا وآلمَ كثيرًا من الناسِ ما صدرَ من التّنظيمِ الجديدِ الذي يُحجّمُ عملَ الهيئةِ، ولا يُمكّنُها من القيامِ بما أوجبَ اللهُ على الأمةِ، فما هو توجيهُكم لنا وما يجبُ علينا القيامُ به كأفرادٍ نفعَ اللهُ بعلمِكِم؟

ج: نسألُ اللهَ أن يُصلحَ الأحوالَ، وأن يوفِّقَ ولاةَ الأمورِ لتقوى اللهِ والقيامِ بما أوجبَ اللهُ عليهم، نحنُ مع السائلِ في أنَّ هذا الإجراءَ وهذا التنظيمَ قد ساءَ العلماءَ والفضلاءَ والعقلاءَ، لأنَّهم حدّوا من عملِ هيئةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، بل يكادُ أن يكونَ إلغاءً لهيئةِ الأمرِ بالمعروفِ، لأنَّه فيما علمتُ أنَّ مضمونَه: ليسَ للهيئةِ أن يعملوا أيَّ عملٍ إلَّا مجردَ البلاغِ، بأن يُبلّغوا الجهاتَ المختصةَ المعنيّةَ بالتحقيقِ والضبطِ، وهذا يجعلُ أعضاءَ الهيئة لا فرقَ بينهم وبينَ سائرِ الناسِ، كلٌّ له أن يُبلّغَ، بل على كلِّ مسلمٍ أن يبلّغَ من يزيلُ المنكرَ ومن يُغيّرُ المنكرَ، فهذا يُصيّرُ أعضاءَ الهيئةِ كغيرِهِم من الناسِ، ليس لهم قدرةٌ يختصّونَ بها، ليسَ لهم شيءٌ من معنى السلطةِ بناءً على هذا الإجراءِ، فهو في الحقيقةِ إجراءٌ وتنظيمٌ مؤسفٌ، وأرى أنَّ الذي أشارَ بهذا التنظيمِ لم يُوفَّق، ويتحمّلُ مسؤوليّته وليسَ ناصحًا للأمةِ؛ ليس ناصحًا لولاةِ الأمرِ ولا لعامَّةِ المسلمين، وفي الحديثِ: "الدّينُ النصيحةُ ثلاثَ مرّاتٍ، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولأئمةِ المسلمينَ وعامَّتِهم".
فمن أشارَ أو اقترحَ هذا التنظيمَ فليسَ ناصحًا للهِ ولا لرسولِهِ ولا لكتابِهِ ولا لولاةِ الأمرِ ولا لعامّةِ الأمةِ، فنقولُ: حسبنا اللهُ ونعمَ الوكيلُ، ومن يُطعِ اللهَ ورسولَه فقد رَشَدْ، ومن يعصي اللهَ ورسولَهُ فلن يضرَّ إلَّا نفسَه، فكلُّ من فعلَ منكرًا من قولٍ أو فعلٍ فهو الذي يضرُّ نفسَه. وممّا يدلُّ على سوءِ هذا الإجراءِ أنَّه كما ساءَ العلماءَ والصالحينَ وعامّةَ المسلمين فقد فرحَ به أهلُ الشرِّ والباطلِ من الفسّاقِ الذين يريدونَ الوصولَ إلى ما حرّمَ اللهُ من شهواتِهم، وسَرَّ كذلك المناققينَ وأهلَ الفسادِ، بل ويسُرُّ الكفارَ البعيدينَ، فإنَّ الكفارَ يريدونَ بهذه البلادِ كلَّ شرٍّ، فمثل هذا القرار تقرُّ به أعينهم، ويرونَ أنَّ هذا من التقدُّمِ في التغريبِ، وسدّا لأداةٍ من الأدوات التي تقاومُ الشرَّ الذي يفدُ من عندهم إلى هذه البلاد، ونحنُ نسألُ اللهَ أن يُوفّقَ ولاةَ الأمورِ للرجوعِ عن هذا التّنظيمِ، وأن يُعيدوا للهيئةِ قوّتَها كما كانت، واللهُ غالبٌ على أمرِهِ، واللهُ من وراء العبادِ بالحسابِ والعقاب، ونسألُ اللهَ أن يهدينا وعامّةَ المسلمينَ إلى ما فيه الخيرُ والصلاحُ والسدادُ، وكلُّ هذا من الابتلاءِ، لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2] لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [الأنفال:37] وهذا القرارُ نفسُهُ حصلَ به شيءٌ من التمايزِ، فكلُّ من أيّدهُ فهو من النوعِ السيء الخبيثِ، وكلُّ من ساءَهُ وأنكرَهُ فنرجو أنَّه من الطيّبين، لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ
فانظروا إلى ما يُكتبُ في النت من الكتاباتِ والتغريداتِ، كلُّ من أيَّدَهُ فإنَّه مريضُ القلبِ ولا بُد، إن لم يكن فوقَ ذلك وأسوأَ من ذلك. والواجبُ علينا وعلى سائرِ الأفرادِ أن يفعلوا من الخيرِ ما يستطيعونَ، ويُبغضونَ الشرَّ بقلوبِهم، وينكرونَ ما يستطيعونَ إنكارَهُ ولو بالتبليغِ، أنت كإنسانٍ عاديٍّ بلّغْ من يقدرُ على إزالةِ المنكرِ وتغييره، "من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيدِهِ، فإن لم يستطعْ فبلسانِهِ، فمن لم يستطعْ فبقلبِهِ، وذلك أضعفُ الإيمانِ".
…………………………………
س2: ما غرضُ الفقهاءِ رحمهم اللهُ بتعبيرِهم: مفسداتٌ ومبطلاتٌ ونواقضُ؟
ج: الكلامُ في هذا يطولُ وقد سبقَ وأشرتُ إلى هذا، وقلتُ أنَّ هذا من دقّةِ ملاحظاتِهم وعباراتِهم، فالأكلُ والشربُ هل هو حرامٌ على الصائمِ مطلقًا؟ يجوزُ الأكلُ والشربُ للمتطوّعِ، إذًا: فالأكلُ مفسدٌ للصيامِ مطلقًا، لكن ليسَ حرامًا، لكنَّه يحرمُ في الصومِ الواجبِ. والمحظوراتُ التي في الحجِّ هل تُفسدُ الحجَّ على الصحيحِ؟ لا يفسدُ الإحرامَ إلَّا الجماعُ كما سيأتي.
…………………………………
س3: هل قتلُ الصيدِ وهو مُحرمٌ يشملُ الطيورَ أيضًا؟
ج: نعم، يشملُ الطيورَ كلَّها، هي صيدٌ، الصيدُ الذي تنطبقُ عليه الشروطُ بأن يكونَ مأكولًا.
……………………………….
س4: ما هو حكمُ قتلِ النملِ الذي يؤذي؟
ج: المؤذي يُقاومُ.
……………………………….
س5: اعتمرَ أخي الأكبرُ عن أبي المتوفّى، فما هو الأفضلُ أن اعتمرَ عنه مرَّةً أخرى أو أعتمرُ عن نفسي وأخصُّهُ بالدعاءِ لقولِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في الحديث: "إذا ماتَ الرجلُ…"؟
ج: ما دامَ أخوكَ اعتمرَ عن أبيكَ فاجعلِ العمرةَ لك، أمَّا أنَّكَ تعني أن تعتمرَ عنه في السنين القادمةِ فنعم ممكن أن تعتمرَ عنه، ويمكنُ أن تدعو له، والدعاءُ من القريبِ لقريبِهِ أولى، لكن ممكن نقولُ أنَّك تفعلُ هذا وهذا.
………………………………
س6: ما حكمُ إهداءِ ثوابِ العمرةِ لأكثر من شخصٍ؟
ج: لا، العمرةُ لا تُفعلُ إلّا عن واحدٍ، هي أصلًا ليست إهداءَ ثوابٍ، هي في الحقيقةِ فعلٌ عن وجهِ النيابةِ، من الأصلِ يبتدأُ العمرةَ عن فلانٍ بنيّته، ولا يمكنُ ابتداؤها عن ثلاثةٍ أو أربعةٍ أو خمسةٍ، بل عن واحدٍ.

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله