الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النمل/(8) من قوله تعالى {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون} الآية 54 إلى قوله تعالى {أمن يبدأ الخلق} الآية 64
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(8) من قوله تعالى {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون} الآية 54 إلى قوله تعالى {أمن يبدأ الخلق} الآية 64

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل

الدَّرس: الثَّامن

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) [النمل:54-65].

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، كثيراً ما يُعقِّبُ اللهُ قصَّةَ ثمود بقصَّةِ قومِ لوطٍ فهي تأتي في قصصِ القرآنِ تأتي على إثرِها، يقولُ تعالى: {ولوطاً} يعني واذكرْ لوطاً، {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} يعني حينَ قالَ لقومِهِ {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} يعني جِهاراً تأتونَ الفاحشةَ جِهاراً، وأنتم تبصرون، وفي مواضعَ أخرى يقولُ: {ما سبقَكم بها مِن أحدٍ مِن العالمينَ}، فاحشةٌ، الفاحشةُ هيَ الفعلةُ القبيحةُ البالغةُ القُبحِ.

{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، يؤثرونَ يؤثرونَ إتيانَ الذُكرانِ، ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ﴾ [الشعراء:165-166].

يؤثرون إتيانَ الذكران على النساءِ، ففعلتُهم هذه فيها يعني فاحشةٌ طبعاً وشرعاً مخالفةٌ للفطرةِ.

ففاحشةُ اللواطِ أقبحُ وأعظمُ وأشنعُ من فاحشةِ الزِّنا، الزِّنا حرامٌ وفاحشةٌ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:32].

سبيلٌ سيِّئٌ سبيل سوء، ولكنَّ إتيانَ الذكرانِ أفحشُ وأقبحُ، وقد ذمَّ الله على لسان لوط ذمَّهم بكلِّ صفات الذمِّ من الجهل والفساد والعدوان والإسراف، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، والفسق كلُّ هذه الصفات وردَتْ في القرآن نعتَ نعتَ اللهُ بها على لسان لوط نعتَ اللهُ بها أولئك.

إنَّهم وقومُ سَوءٍ، إنَّهم كانُوا قومَ سَوءٍ فاسقينَ، وقد عاقبَهم اللهُ بلونٍ مِن العذابِ جمعَ لهم ألوانَ العذابِ، قلبَ اللهُ عليهم ديارَهم وأرسلَ عليهم حاصباً حجارة من سجيل وكذا وكذا، ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود:82-83].

وفي مواضعَ يقولُ اللهُ: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف:84].

لا إله إلَّا الله، وفي هذا أبلغُ تحذيرٍ في هذا أبلغُ تحذيرٍ مِن اقترافِ هذه الفاحشةِ، وقد وقعَ كثيرٌ من هذه الأمَّةِ في هذا الفاحشةِ تحقيقاً ومصداقاً لقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: (لتتبعُنَّ سننَ مَن كانَ قبلَكم)، فهذه الفاحشةُ فاشيةٌ في كثيرٍ من المجتمعاتِ والعياذُ بالله، أمَّا الكافرةُ فلا فليسَ هذا منهم بغريبٍ، إنَّهم كالبهائمِ أممُ الكفر ِكالبهائمِ، يتمتعون ويأكلون يتمتعون ويأكلون كما تأكلُ الأنعامُ والنارُ مثوىً لهم.

وانظرْ إلى قولِ قومِ لوط إنَّهم قومٌ، يقولونَ أخرجوا آلَ لوطٍ من قريتِكم إنَّهم قومٌ يتطهَّرون، عيَّروهم بالطهرِ صارَ الطهر مسبَّةً، وهكذا درج الفسقة والمتّبعون للشهواتِ يعيّرون أهل الطهر والعفاف، يعيّرون النساء المحافظات يعيّرونهن بالحجاب والاحتشام والبعد عن الاختلاطِ بالرجالِ فهذا سبيبلُ الفاسقين، يعيّرونهم بالطهرِ إذاً هم هم يلائمُهم الخُبثُ.

يقولُ اللهُ ﴿وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ [الأنبياء:74]. نعم يا محمّد اقرأْ.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ – رحمَهُ اللهُ تعالى -:

 قالَ اللهُ تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} إلى آخرِ القصَّةِ.

أي: واذكرْ عبدَنا ورسولَنا لوطاً ونبأَهُ الفاضلَ حينَ

الشيخ : نبأَهُ؟ اذكرْ لوطاً ونبأَه؟

– القارئ : نعم، الفاضلَ

– الشيخ : نبأَه يعني خبرَه، والنبأُ هو الخبرُ الّذي له شأنٌ.

– القارئ : حينَ قالَ لقومِه -داعياً إلى اللهِ وناصحاً-: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} أي: الفعلةَ الشَّنعاءَ الَّتي تستفحشُها العقولُ والفِطرُ وتستقبحُها الشَّرائعُ {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} ذلكَ وتعلمونَ قُبحَهُ فعاندْتُم وارتكبْتُم ذلكَ ظلماً منكم وجراءةً على اللهِ.

ثمَّ فسَّرَ تلكَ الفاحشةَ فقالَ: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} أي: كيفَ توصَّلْتُم إلى هذهِ الحالِ، فصارَتْ شهوتُكُم للرِّجالِ

– الشيخ : أعوذُ بالله

– القارئ : فصارَتْ شهوتُكم للرجالِ، وأدبارِهم محلَّ

– الشيخ : أعوذُ باللهِ، بلغَ القبحُ والفحشُ في الأممِ الكافرةِ والمعاصرةِ الّتي يُقالُ لها الأمّةُ المتحضِّرةُ، أن يجعلوا هذا الفعل يعني عملاً قانونيّاً ويسوِّغونه، ويشرِّعون ما هو لا فعل الفاحشة فقط بل يشرِّعون يجعلونه من نحو النكاح، يشرِّعون زواج الذكر بالذكر وهذا لم يسبقوا إليه، يعني قوم لوط أقلُّ منهم فحشاً، كانوا يسمُّونه الشذوذُ ويقولون إنَّهم يعني ألغوا هذه التسمية وجعلوها عملاً يعني شرعيّاً يعني عملاً معترفاً به في شريعةِ الشيطانِ.

 

– القارئ : فصارَتْ شهوتُكم للرِّجالِ، وأدبارِهم محلَّ الغائطِ والنجوِ والخبثِ، وتركْتُم ما خلقَ اللهُ لكم مِن النساءِ مِن المحالِّ الطيِّبةِ الّتي جُبِلَتْ النفوسُ إلى الميلِ إليها، وأنتم انقلبَ عليكم الأمرُ فاستحسنْتُم القبيحَ واستقبحْتُم الحسنَ.

– الشيخ : أعوذُ باللهِ

– القارئ : {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} متجاوزونَ لحدودِ اللهِ متجرِّئونَ على محارمِهِ.

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} قبولاً ولا انزجاراً ولا تذكُّراً وادِّكاراً، إنَّما كانَ جوابُهم المعارضةُ والمناقضةُ والتَّوعُّدُ لنبيِّهم النَّاصحِ ورسولِهم الأمينِ بالإجلاءِ عن وطنِهِ والتَّشريدِ عن بلدِهِ، فما كانَ جوابُ قومِهِ {إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ}.

فكأنَّهُ قيلَ: ما نقمْتُم منهم وما ذنبُهم الَّذي أوجبَ لهم الإخراجَ، فقالُوا: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي: يتنزَّهونَ عن اللِواطِ وأدبارِ الذكورِ. فقبَّحَهم اللهُ جعلُوا أفضلَ الحسناتِ بمنزلةِ أقبحِ السيِّئاتِ، ولم يكتفُوا بمعصيتِهم لنبيِّهم فيما وعظَهم بهِ حتَّى وصلُوا إلى إخراجِهِ، والبلاءُ موكلٌ بالمنطقِ فهم قالُوا: {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.

ومفهومُ هذا الكلامِ: " وأنتم متلوِّثونَ بالخَبثِ والقذارةِ المقتضي لنزولِ العقوبةِ بقريتِكم ونجاةِ مَن خرجَ مِنها ".

ولهذا قالَ تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} وذلكَ لمَّا جاءَتْهُ الملائكةُ في صورةِ أضيافٍ وسمعَ بهم قومُهُ فجاؤُوا إليهِ يريدونَهم بالشرِّ وأغلقَ البابَ دونَهم واشتدَّ الأمرُ عليهِ، ثمَّ أخبرَتْهُ الملائكةُ عن جليَّةِ الحالِ وأنَّهم جاؤُوا لاستنقاذِهِ وإخراجِهِ مِن بينِ أظهرِهم وأنَّهم يريدونَ إهلاكَهم وأنَّ موعدَهم الصبحُ، وأمروهُ أنْ يسريَ بأهلِهِ ليلاً إلَّا امرأتَهُ فإنَّهُ سيصيبُها ما أصابَهم فخرجَ بأهلِهِ ليلاً فنجَوا وصبَّحَهم العذابُ، فقلبَ اللهُ عليهم ديارَهم وجعلَ أعلاها أسفلَها وأمطرَ عليهم حجارةً مِن سجيلٍ منضودَ مسومةً عندَ ربِّكَ.

ولهذا قالَ هنا: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} أي: بئسَ المطرُ مطرُهم وبئسَ العذابُ عذابُهم؛ لأنَّهم أُنذِرُوا وخُوِّفُوا فلم ينزجرُوا ولم يرتدعُوا فأحلَّ اللهُ بهم عقابَهُ الشَّديدَ.

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، قفْ على هذا الآيات.