الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النمل/(9) تتمة قوله تعالى {قل الحمد لله} الآية 59 إلى قوله تعالى {أمن يبدأ الخلق} الآية 65
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(9) تتمة قوله تعالى {قل الحمد لله} الآية 59 إلى قوله تعالى {أمن يبدأ الخلق} الآية 65

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل

الدَّرس: التَّاسع

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لَا يَعْلَمُ [النمل:59-65]

– الشيخ : إلى هنا إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : بعدَما ذكرَ اللهُ بعضَ قصصِ الأنبياءِ سليمانَ وداودَ وصالحَ ولوطَ، وفيها من المعاني والحكمِ والدلالاتِ العظيمةِ على حكمتِه تعالى وقدرتِه، قالَ اللهُ لنبيِّه: {قلْ الحمدُ للهِ}، نعم له الحمد له الحمدُ كلُّه، الحمد: "الـ" للاستغراق يعني الحمد كلُّهُ المدح والثناء مُستحقٌّ لله، لأنّه المنعوتُ بكلِّ صفاتِ الكمالِ.

{قلْ الحمدُ للهِ}، فله الحمدُ على كلِّ تدبيره، ومن تدبيره إهلاك المفسدين والكفرة الظالمين، هذا ممّا يُحمَدُ عليه سبحانه وتعالى، ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:45] الله أكبر.

{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}، يُتحمَلُ أن "وسلامٌ" ممّا اُمِرَ به النبيُّ، قلْ الحمدُ للهِ وقلْ سلامٌ على عبادِه أي عبادِ اللهِ الصالحين مِن الأنبياءِ والمؤمنين، يُحتمَلُ أنَّهُ كلامٌ مُستأنَفٌ، وسلامٌ يعني سلامٌ مِن اللهِ على عبادِهِ الَّذين اصطفى يعني اصطفى يعني اصطفاهم واختارهم، فاللهُ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، يختار من البشرِ الأنبياء والموفقون للإيمان كلُّ هذا باصطفاءٍ من الله، الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}.

ثم جاءت هذه الآيات التي فيها التذكير بكمال الرب وقدرته ونقص ونقص آلهة المشركين، فالله يخلق وهذه لا تخلق، أفمن يخلق كمن لا يخلق، وهو الذي خلق السماوات والأرض وأنزل الماء وأنبتَ النباتَ، وهو الَّذي أجرى الأنهار للعباد سخّر الأنهار، وسخَّرَ لكم الأنهار، أنهارٌ عذبةٌ وعزلَ المالحَ وعزلَ العذبَ عن المالحِ.

{آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}، هذا استفهامٌ تقريرٌ بأنَّ الله خير، بدهيٌّ أنَّ الَّذي يخلقُ ويرزقُ ويدبِّرُ أنَّه خيرٌ ممَّا لا يملكُ لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً، {آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}.

ثمَّ عدَّد أشياءَ كثيرةً من مخلوقاتٍ، {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا}، يعني أنتم لا تقدرون على أن تنبتوا، ما كانَ العبادُ وإنْ زرعوا وأن زرعوها وغرسوها فالَّذي يخرجُها وينبتُها ويخرجُ منها الثمارَ هو اللهُ، ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ [الواقعة:63-64]

 فالناسُ منهم الحرثُ والبذرُ وفعلُ الأسبابِ ولكنَّ النتائجَ إنّما هي بتدبيرِ الله وفعله، العبادُ لا يملكون.

{مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ}، يقولُ المفسِّرون أنَّ المعنى في هذه الآيةِ أإلهٌ معَ اللهِ من آلهتكم أيُّها المشركون فعلَ ذلك؟ أإلهٌ من آلهتكم فعلَ ذلك مع الله؟ وبدهيٌّ عندهم أنَّ الله أنّه لم يفعلْ ذلك إلَّا الله لأنّ الله يقول عنهم: ولئن سألتَهم من خلقَ السمواتِ والأرضِ ليقولنْ الله، من خلقَ السموات والأرض وسخَّر الشمس والقمر ليقولَن الله.

ثمَّ عدَّدَ: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا}، الَّذي جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا خيرٌ ممّن لا لا يفعل شيئاً، {جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا…} إلى قوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}، الله تعالى يجيب دعاء الدعاء، لا سيَّما دعاء المضطرَّ ويكشفُ السوءَ وهو الّذي يخلقُ الأجيال حتّى يخلف بعضهم بعضاً، {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} في كلِّ جملةٍ من هذه الدلالات يقولُ: {أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}، والمشركون يقرُّون ويعلمون أنَّ آلهتهم لم تفعل شيئاً من ذلك، {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}.

{أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}، اللهُ تعالى جعلَ العبادَ ما يهتدون به، ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام:97]

{أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، في كلِّ آيةٍ يعقِّبُها يُعقِّبُ فيها بقولِهِ: {أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}، {أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} فعلَ هذا، نعم يا محمَّد.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ – رحمَهُ اللهُ تعالى – في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِي اصْطَفَى} الآيةُ، أي: قلْ الحمدُ للهِ الَّذي يستحقُّ كمالَ الحمدِ والمدحِ والثّناءِ لكمالِ أوصافِهِ وجميلِ معروفِهِ وهباتِهِ وعدلِهِ وحكمتِهِ في عقوبتِهِ المُكذِّبينَ وتعذيبِ الظالمينَ، وسلامٌ أيضاً على عبادِهِ الَّذينَ تخيَّرَهم واصطفاهُم على العالمينَ مِن الأنبياءِ والمُرسلينَ وصفوةِ اللهِ ربِّ العالمينَ، وذلكَ لرفعِ ذكرِهم وتنويهاً بقدرِهم وسلامتِهم مِن الشَّرِّ والأدناسِ، وسلامةِ ما قالُوهُ في ربِّهم مِن النَّقصِ والعيوبِ.

– الشيخ : كما قالَ تعالى: ﴿وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ [الصافّات:175]

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافّات:180-181]

{سلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} مثلُ هذهِ الآية: {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}، وخصَّ بعضَهم مثلَ إبراهيم: {سلامٌ على إبراهيمَ}، وموسى وهارون قالَ اللهُ: {سلامٌ على موسى وهارونَ}، آل ياسين خصَّهم بسلامٍ في سورةِ الصافَّات.

 

– القارئ : وهذا استفهامٌ قد تقرَّرَ وعُرِفَ، أي: اللهُ الرَّبُّ العظيمُ كاملُ الأوصافِ عظيمُ الألطافِ خيرٌ أم الأصنامُ والأوثانُ الَّتي عبدُوها معَهُ؟ وهيَ ناقصةٌ مِن كلِّ وجهٍ، لا تنفعُ ولا تضرُّ ولا تملكُ لنفسِها ولا لعابديها مثقالَ ذرةٍ مِن الخيرِ فاللهُ خيرٌ ممَّا يشركونَ.

ثمَّ ذكرَ تفاصيلَ ما بهِ يُعرَفُ ويتعيَّنُ أنَّهُ الإلهُ المعبودُ وأنَّ عبادتَهُ هيَ الحقُّ

– الشيخ : يعني لم يقلْ سبحانَه وتعالى: أمَّن خلقَ الوجودَ، أمَّن خلقَ كلَّ شيءٍ، لا فصّلَ فصّلَ، خلقَ السمواتِ والأرضَ، أنزلَ لكم مِن السماءِ أنبتْنا به حدائقَ، جعلَ الأرضَ قراراً جعلَ خلالَها أنهاراً، من يجيبُ الدعاءَ ويكشفُ السوءَ إلى آخر الآيات، يعني فيها تفصيل تفصيلٌ لأنواعِ المخلوقات.

وهذا للفتِ نظرِ العبادِ ليتدبَّروا، تدبّرْ هذه الآيات فكِّرْ في خلقِ السمواتِ والأرضِ والليلِ والنهارِ، فكّرْ في هذه الأرضِ المبسوطةِ وما فيها من البحارِ والأنهارِ، لا إله إلّا الله، الله أكبر.

ولهذه المعانيأيضاً تذكر في مواضع أخرى، ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ﴾ [الجاثية:12]

﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [النحل:14]. نعم، تفاصيل إلخ.

– القارئ : ثمَّ ذكرَ تفاصيلَ ما بهِ يُعرَفُ ويتعيَّنُ أنَّهُ الإلهُ المعبودُ وأنَّ عبادتَهُ هيَ الحقُّ وعبادةَ ما سواهُ هيَ الباطلُ فقالَ: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ…} الآيةُ، أي: أمَّن خلقَ السَّمواتِ وما فيها مِن الشَّمسِ والقمرِ والنُّجومِ والملائكةِ والأرضِ وما فيها مِن جبالٍ وبحارٍ وأنهارٍ وأشجارٍ وغيرِ ذلكَ.

{وَأَنزلَ لَكُمْ} أي: لأجلِكم {مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ} أي: بساتينَ {ذَاتَ بَهْجَةٍ} أي: حسنِ منظرٍ مِن كثرةِ أشجارِها وتنوُّعِها وحسنِ ثمارِها، {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} لولا منَّةُ اللهِ عليكم بإنزالِ.

– الشيخ : في هناكَ حدائقٌ ليسَ للبشرِ فيها تسبُّبٌ، كالأراضي الّتي يعني أنبتَ اللهُ فيها الأشجارَ المختلفةَ، فهي يعني بما حدائق فيها جمال وفيها يعني ولها ثمارٌ، في من الأشجارِ المثمرةِ ما لا فعلَ لبني آدمَ ما لا فعلَ لهم به، والكلُّ هو مِن بقدرةِ اللهِ ومشيئتِه وحكمتِه.

 

– القارئ : {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} فعلَ هذهِ الأفعالَ حتَّى يُعبَدَ معَهُ ويُشرَكَ بهِ، {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} بهِ غيرَهُ ويسوُّونَ بهِ سواهُ، معَ علمِهم أنَّهُ وحدَهُ خالقُ العالمِ العلويِّ والسُّفليِّ ومُنزِّلُ الرِّزقَ.

{أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا} الآية، أي: هلْ الأصنامُ والأوثانُ النّاقصةُ مِن كلِّ وجهٍ الَّتي لا فعلَ معَها ولا رزقَ ولا نفعَ خيرٌ أم اللهُ الَّذي {جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا} يستقرُّ عليها العبادُ ويتمكَّنونَ مِن السُّكنى والحرثِ والبناءِ والذَّهابِ والإيابِ؟

{وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا} أي: جعلَ في خلالِ الأرضِ أنهاراً ينتفعُ بها العبادُ في زروعِهم وأشجارِهم، وشربِهم وشربِ مواشيهِم.

{وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} أي: جبالاً ترسيها وتثبِّتُها لئلَّا تميدَ وتكونَ أوتاداً لها لئلَّا تضطربَ. {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ} البحرِ المالحِ والبحرِ العذبِ {حَاجِزًا} يمنعُ مِن اختلاطِهما فتفوتَ المنفعةُ المقصودةُ مِن كلٍّ منهما بلْ جعلَ بينَهما حاجزاً مِن الأرضِ، جعلَ مجرى الأنهارِ في الأرضِ مُبعدَةً عن البحارِ.

– الشيخ : يقولُ جعلَ لها حاجزٌ من الأرضِ ليس كما يقولُ بعضُ الناسِ أنَّ الماءَ المالحَ بينهما يعني خطٌ عازلٌ لا يدخلُ هذا على هذا ولا هذا على هذا، مع أنّهما يعني متجاوران لأ، أهلُ العلم يقولون هذا الحاجز وهذا البرزخ هو الأرضُ الَّتي تفصلُ بين العذبِ والمالحِ، فتجدُ فالنهرُ يجري من منابعِه النهر العذب يجري من منابعه، ويسيرُ في مسافاتٍ ويقطعُ البلدانَ ويسقي بلدانَ حتّى يصبَّ في البحرِ، فهو في هذا الطريقِ في خطِّه في خطِّه معزولٌ، لو يعني انفتحَ البحرُ أو صارَ اختلطَ ولم ينتفعْ به، لكنَّه معزولٌ أحدُهما عن الآخرِ.

ولهذا الشيخ نبَّهَ إلى هذا بكلمةٍ واحدةٍ جعلَ لها، وجعلَ بين البحرين حاجزاً أيش؟ من الأرض، من الأرض حاجز من الأرض.

– طالب: لكنَّ بعضهم شيخنا … وجد بدون خط يعني … أثناء السباحة اختلط عليه طعم البحر من حلو إلى مالح، فجأة يختلف … ماهيّة البحر، ذهب بنفسه وتأكّد من ذلك.

– الشيخ : … ؟

– طالب: يذكرونه في الإعجاز الآن

– الشيخ : أي لا ما هو لا لا، تجد الماء الجاري مثل النيل وغير النيل [….] وين يصب وين يصب؟

– طالب: في البحر.

– الشيخ : يصبُّ في البحر إذا يصبُّ في البحرِ يبقى معزولاً؟ يبقى معزول؟ يعني تروح تسكن النهر معزول؟ لا ما هو معزول، إذا هو صبَّ في البحرِ ووصلَ مصبَّه في البحرِ خلاص اختلطَ خلاص، لكن يمكن في شيء إذا كانَ في منطقةِ الدفع القوي يصير شوي أنّه ما يختلط حتّى يرتقي الدفع، يختلط يختلط هذا شيءٌ معروفٌ.

وما تذكرونه من الكلام معزولٌ وما، هكذا يقولُ الناسُ يقولُ بعضُ بعض المفسِّرين، جعلَ بينَ البحرين حاجزاً.

 

– القارئ : فيحصلُ منها مقاصدَها ومصالحَها، {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} فعلَ ذلكَ حتَّى يُعدَلَ بهِ اللهُ ويُشرَكَ بهِ معَهُ. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} فيشركونَ باللهِ تقليداً لرؤسائِهم وإلَّا فلو علمُوا حقَّ العلمِ لم يشركُوا بهِ شيئاً.

قالَ اللهُ تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ…} الآيةُ، أي: هل يجيبُ المضطرَّ الَّذي أقلقَتْهُ الكروبُ وتعسَّرَ عليهِ المطلوبُ واضطرَّ للخلاصِ ممَّا هوَ فيهِ إلَّا اللهَ وحدَهُ؟ ومن يكشفُ السُّوءَ أي: البلاءَ والشَّرَّ والنَّقمةَ إلَّا اللهَ وحدَهُ؟ ومَن يجعلُكم خلفاءَ الأرضِ يمكِّنُكم منها ويمدَّ لكم بالرِّزقِ ويوصلَ إليكم نعمَهُ وتكونونَ خلفاءَ مِن قبلِكم كما أنَّه سيميتُكم ويأتي بقومٍ بعدَكم أإلهٌ معَ اللهِ يفعلُ هذهِ الأفعالَ؟

لا أحدَ يفعلُ معَ اللهِ شيئاً مِن ذلكَ حتَّى بإقرارِكم أيُّها المُشرِكونَ، ولهذا كانُوا إذا مسَّهُم الضُّرُّ دعَوا اللهَ مُخلِصينَ لهُ الدِّينَ لعلمِهم أنَّهُ وحدَهُ المقتدرُ على دفعِهِ وإزالتِهِ، {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} أي: قليلاً تذكُّرُكم وتدبُّرُكم للأمورِ الَّتي إذا ذكرْتُموها ادَّكرْتُم ورجعْتُم إلى الهدى، ولكنَّ الغفلةَ والإعراضَ شاملٌ لكم

– الشيخ : لا إله إلَّا الله

– القارئ : فلذلكَ ما ارعويْتُم ولا اهتديْتُم، قالَ اللهُ تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآيةُ.

أي: مَن هوَ الَّذي يهديكم حينَ تكونونَ في ظُلماتِ البرِّ والبحرِ، حيثُ لا دليلَ ولا معلمَ يُرى ولا وسيلةَ إلى النجاةِ إلَّا هدايتَهُ لكم، وتيسيرَهُ الطريقَ، وجعلَ ما جعلَ لكم مِن الأسبابِ الَّتي تهتدونَ بها، {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أي: بينَ يدي.

– الشيخ : الأسباب الأسباب، من الَّذي سبَّبَ الأسبابَ وخلقَ الأسبابَ؟، الأسباب الطبيعيّة من النجوم والجبال، ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل:16]

كذلك الآن لما جاءَت هذه المخترعاتُ العجيبةُ الدقيقةُ الّتي يستدلُّ بها الناسُ ويهتدي بها الناس، من الّذي هدى العقول إليها، ومن الّذي خلقَ أسبابها، أسبابها الماديّة التي رُكِّبَت منها؟، وأسبابها الكونيّة الّتي تتفاعل معا؟

لابدّ من ردِّ هذه الأمور إلى الله، أمّا الجاهلون وهم الأكثرون فيردُّون ذلك إلى قدرة البشر والعلم العلم، وعلماء يعني المادّة وعلماء الذرّة وعلماء الفيزياء خلاص هم، فينسبون هذه النعمَ العظيمةَ ينسبونها إلى إلى إلى غيرِ اللهِ، وما يذكرونه هو بعضُ تلكَ الأسبابِ.

فلابدَّ أنّ المسلمَ يستحضرُ يعني عمومَ قدرةِ الله وعمومَ مشيئته، ويستحضرُ حكمتَه في تدبيرِه وردّ هذه الأسباب كلّها إلى هذه الحقيقةِ، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله.

 

– القارئ : أي: بينَ يدَي المطرِ، فيرسلُها فتثيرُ السَّحابَ ثمَّ تؤلِّفُهُ ثمَّ تجمعُهُ ثمَّ تلقِّحُهُ ثمَّ تدرُّهُ، فيستبشرُ بذلكَ العبادُ قبلَ نزولِ المطرِ. {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} فعلَ ذلكَ؟ أم هوَ وحدَهُ الَّذي انفردَ بهِ؟ فلِمَ أشركْتُم معَهُ غيرَهُ وعبدْتُم سواهُ؟ {تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} تعاظمَ وتنزَّهَ وتقدَّسَ عن شركِهم وتسويتِهم بهِ غيرَهُ.

قالَ اللهُ تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ…} الآيات، أي: مَن هوَ الَّذي يبدأُ الخلقَ وينشئُ المخلوقاتِ ويبتدئُ خلقَها، ثمَّ يعيدُ المخلوقَ يومَ البعثِ والنُّشورِ؟ ومَن يرزقُكم مِن السَّماءِ والأرضِ بالمطرِ والنَّباتِ؟

{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} يفعلُ ذلكَ ويقدرُ عليهِ؟ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} أي: حجَّتَكم ودليلَكم على ما قلْتُم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وإلَّا فبتقديرِ أنَّكم تقولونَ: إنَّ الأصنامَ لها مشاركةٌ لهُ في شيءٍ مِن ذلكَ فذلكَ مُجرَّدُ دعوى صدَّقُوها بالبرهانِ، وإلَّا فاعرفُوا أنَّكم مبطلونَ لا حجَّةَ لكم، فارجعُوا إلى الأدلَّةِ اليقينيَّةِ والبراهينَ القطعيَّةِ الدالَّةِ على أنَّ اللهَ هوَ المنفردُ بجميعِ التَّصرُّفاتِ، وأنَّهُ المستحقُّ أنْ يُصرَفَ لهُ جميعُ أنواعِ العباداتِ.

– الشيخ : إلى هنا، قل

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ.