الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النمل/(10) من قوله تعالى {قل لا يعلم من في السماوات} الآية 66 إلى قوله تعالى {وما من غائبة في السماء} الآية 75
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(10) من قوله تعالى {قل لا يعلم من في السماوات} الآية 66 إلى قوله تعالى {وما من غائبة في السماء} الآية 75

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل

الدَّرس: العاشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [النمل:65-75]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : سبحانَ الله، لا إله إلَّا الله، لما ذكرَ سبحانَه وتعالى أفعالَه الحكيمةَ مِن خلقِ السمواتِ والأرضِ، وجعلِ الأرضَ قراراً وإجراءِ الأنهارِ وجعلِ الناسَ خلفاءَ، ذكرَ أنَّه المتفرِّدُ بذلك كلِّه، فلا أحدَ من ممّا يزعمُه المشركون من الآلهةِ يَشرَكُ اللهَ في شيءٍ من ذلك، وكلُّ هذه دلائلٌ على كمالِ قدرتِه.

 ذكرَ بعدَ ذلك وأخبرَ بكمالِ علمِه وأنَّه تعالى لا يعلمُ الغيبَ غيرُهُ، {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}، وقد أخبرَ عن نفسِه أنَّه عالمُ الغيبِ والشهادةِ وأخبرَ أنَّه علَّامُ الغيوبِ، والغيبُ نوعانِ: غيبٌ مطلقٌ لا يعلمُه غيرُه، وغيبٌ يُطلِعُ عليه سبحانه ما شاءَ، ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن:25-27]

ولهذا يعلمُ الرسلُ من الغيبِ الَّذي يعني أطلعَهم اللهُ عليه ما لا يعلمُه غيرُهم من الناسِ، ومن الغيوبِ من استأثرَ به فلا يعلمُه ملكٌ ولا رسولٌ، قلْ لا يعلمُ مَن في السمواتِ الغيبِ، {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}، الكفَّارُ لا يعلمون متى يُبعَثون، ولهذا يُكذِّبون، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف:187]

ويسألون أسئلةً استبعاداً متى هذا، {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.

{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}، فهم تارةً يكونونَ في شكٍّ وتارةً يعني يجزمون بالتكذيبِ، بل هم {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}.

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}، يعني يقولون هذا استبعاداً، يعني إذا كنَّا تراباً نُبعَثُ؟ نحنُ وآباؤُنا أإذا كنَّا تراباً وآباؤُنا أإنا لمخرجونَ لقد وُعِدْنا نحن و، لقد وُعِدْنا هذا، يعني البعث وُعِدْناه، نحن وآباؤنا من قبلُ، {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، يعني ما يذكرُه الرسلُ عن الآخرةِ هذه أساطيرُ وحكاياتُ الأوَّلين الّتي يعني يعني هي خرافاتٌ ورواياتٌ غيرُ غير موثوقةٍ، ممَّا يتسلَّى به الناسُ بقصصِه وذكرِه، {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}، المكذِّبين بالرسلِ كما في الآياتِ الأخرى، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}، والمكذِّبون هم المجرمونَ، {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، يسألون سؤالَ استبعادٍ.

قالَ الله: {قُلْ} قُلْ لهؤلاءِ المكذِّبين، {عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ}، عسى أنْ يكونَ ما تُوعَدون من عذابِ اللهِ لعلَّه قريبٌ منكم، وهذا معنى قولِه: ردفَ لكم، قلْ عسى أن يكونَ ردفَ لكم، {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}.

ثمَّ قالَ تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ}، فضلُ اللهِ على الناسِ عظيمٌ وكثيرٌ، بما بما ينعمُ عليهم من النعمِ ويمدُّهم به من مطالبِهم، وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وإن، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ}، هذهِ حالُ الأكثرِ، الأكثرُ لا يشكرون، أكثرُ الناس لا يشكرون وأكثرُهم لا يؤمنون، أكثرُهم لا يعلمون، ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام:116]

أكثرُ الناسِ في ضلالٍ عن هدى الله، وهذا يوجبُ للمسلمِ أن يرتبطَ بنعمةِ اللهِ ويشكرَ اللهَ على ما أكرمَه به وخصَّه به مِن نعمةِ الإسلامِ، وعلى العبدِ أن يسألَ اللهَ الاستقامةَ الثباتَ على هذا الصراطِ المستقيمِ.

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}، فعلمُ اللهِ محيطٌ بكلِّ شيءٍ، ومن ذلك أنّ علمَه محيطٌ بما في النفوسِ وبما يكونُ من الناس، ممّا يسرُّون وما يعلنونَ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ}، تسترُه صدورُهم ويكون في نفوسِهم، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}.

{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، هذا فيه الدلالةُ على أنَّ كلَّ هذهِ الأمورِ مكتوبةٌ في الكتابِ المبينِ، في الكتابِ الأوَّلِ كتابِ القدرِ، وكثيراً ما يقرنُ اللهُ بينَ العلمِ والكتابِ، بين علمِه المحيطِ بكلِّ شيءٍ والكتاب المحيط بكلِّ ما سيكون… في مواضعَ {ألم تعلمْ أنَّ اللهَ لهُ ما في السماواتِ والأرضِ}، {ألم تعلمْ أنَّ اللهَ يعلمُ ما في السماءِ والأرضِ}، {إنَّ ذلكَ في كتابٍ}، ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر:11]

فقرنَ بين العلمِ بينَ ذكرِ العلمِ والكتابِ.

فكما أنَّ علمَه محيطٌ بكلِّ ما سيكون فكذلك الكتابُ المبينُ الَّذي جرى القلمُ فيه بكتبِ كلِّ ما هو كائنٌ، ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر:11]

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الآياتُ.

يخبرُ تعالى أنَّه المنفردُ بعلمِ غيبِ السَّمواتِ والأرضِ كقولِهِ تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ [الأنعام:59]

– الشيخ : اللهُ أكبرُ

– القارئ : ﴿وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام:59]

وكقولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ [لقمان:34] إلى آخرِ السَّورةِ.

فهذهِ الغيوبُ ونحوُها اختصَّ اللهُ بعلمِها فلمْ يعلمْها ملكٌ مُقرَّبٌ ولا نبيٌّ مُرسَلٌ، وإذا كانَ هوَ المنفردُ بعلمِ ذلكَ المحيطِ علمُهُ بالسَّرائرِ والبواطنِ والخفايا فهوَ الَّذي لا تنبغي العبادةُ إلَّا لهُ، ثمَّ أخبرَ تعالى عن ضعفِ علمِ المُكذِّبينَ بالآخرةِ منتقلاً مِن شيءٍ إلى ما هوَ أبلغُ منهُ فقالَ: {وَمَا يَشْعُرُونَ} أي: وما يدرونَ {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي: متى البعثُ والنُّشورُ والقيامُ مِن القبورِ أي: فلذلكَ لم يستعدُّوا.

{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} أي: بلْ ضعفَ وقلَّ، ولم يكنْ يقيناً، ولا علماً واصلاً إلى القلبِ، وهذا أقلُّ وأدنى درجةٍ للعلمِ ضعفُهُ ووهاؤُهُ، بل ليسَ عندَهم علمٌ

– الشيخ : بل هم في شكٍّ منها

– القارئ : بلْ ليسَ عندَهم علمٌ، ولا ضعيفٌ وإنَّما {هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} أي: مِن الآخرةِ، والشكُّ زالَ بهِ العلمُ؛ لأنَّ العلمَ بجميعِ مراتبِهِ لا يجامعُ الشَّكَّ، {بَلْ هُمْ مِنْهَا} أي: مِن الآخرةِ {عَمُونَ} قد عميَتْ عنها بصائرُهم، ولم يكنْ في قلوبِهم مِن وقوعِها ولا احتمالٌ بل أنكرُوها واستبعدُوها، ولهذا قالَ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ} أي: هذا بعيدٌ غيرُ ممكنٍ قاسُوا قدرةَ كاملِ القدرةِ بقُدرِهم الضَّعيفةِ.

{لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا} أي: البعثُ {نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} أي: فلمْ يجئْنا ولا رأيْنا منهُ شيئاً. {إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أي: قصصُهم وأخبارُهم الَّتي تُقطَعُ.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلّا الله، كلُّ الرسلِ أخبرُوا بالآخرةِ، أخبرُوا بالدارِ الآخرةِ دارِ الجزاءِ، أخبرُوا بالبعثِ الَّذي يعقبُه الحشرُ، والحسابُ هو الجزاءُ، نعم والإيمانُ باليومِ الآخرِ يشمل هذا كلَّه، الإيمان باليوم الآخر يشمل الإيمان بكلِّ بكلِّ ما يكونُ بعدَ الموتِ.

 

– القارئ : أي: قصصُهم وأخبارُهم الَّتي تُقطَعُ بها الأوقاتُ وليسَ لها أصلٌ ولا

– الشيخ : سواليف [حكايا] أساطير الأولين هي السواليف الّتي يتسلّى بها الناسُ ويصرفونَ فيها أوقاتَهم، وهي يعني ما لها أصل قصصٌ مخترعةٌ، يعني في من من ينسج روايات مثل مثل الروايات هذه الّتي بعض يصنعُها بعضُ الجهلةِ وبعضُ الفجرةِ، يصوغُ قصَّةً طويلةً وهيَ من من نحتِ فكرِهِ الفاسدِ.

 

– القارئ : أي: قصصُهم وأخبارُهم الَّتي تُقطَّعُ بها الأوقاتُ وليسَ لها أصلٌ ولا صِدْقَ فيها.

فانتقلَ في الإخبارِ عن أحوالِ المكذِّبينَ بالإخبارِ أنَّهم لا يدرونَ متى وقتُ الآخرةِ، ثمَّ الإخبارُ بضعفِ علمِهم فيها، ثمَّ الإخبارُ بأنَّهُ شكٌّ، ثمَّ الإخبارُ بأنَّهُ عمىً، ثمَّ الإخبارُ بإنكارِهم لذلكَ واستبعادُهم وقوعَهُ.

أي: وبسببِ هذهِ الأحوالِ ترحَّلُ خوفُ الآخرةِ مِن قلوبِهم فأقدمُوا على معاصي اللهِ وسهلَ عليهم تكذيبُ الحقِّ.

– الشيخ : آمنتُ بالله ورسوله، آمنت بالله ورسوله.

– القارئ : والتصديقُ بالباطلِ واستحلُّوا الشَّهواتِ على القيامِ بالعباداتِ فخسرُوا دنياهُم وأخراهُم.

ثمَّ نبَّهَهُم على صدقِ ما أخبرَتْ

– الشيخ : هذا وأكثرُ هذه الأممِ يقرّون بالصانعِ يعني بالخالقِ لهذا الوجودِ، فكيفَ بحالِ من لا يقرُّ بالخالق؟ هذا هؤلاءِ أبعدُ عن الهدى أبعدُ عن الإيمانِ بالآخرةِ أبعدُ عن الإيمانِ بالرسلِ، وهم كثيرون في هذا العصر، كثيرون ملاحدةٌ هؤلاء هم الملاحدةُ، لا يؤمنون بمبدأٍ ولا معادٍ، ولا يؤمنون بالخالقِ ولا بالأنبياءِ.

 

– القارئ : ثمَّ نبَّهَهم على صدقِ ما أخبرَتْ بهِ الرُّسلُ فقالَ: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} عاقبتُهُ شرُّ عاقبةٍ وقد أحلَّ اللهُ بهِ مِن الشَّرِّ والعقوبةِ ما يليقُ بحالِهِ.

قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل:127] أي: لا تحزنْ يا محمَّدُ على هؤلاءِ المكذِّبينَ وعدمِ.

– الشيخ : الرسولُ من حرصِه على هدايةِ الخلقِ يعني إذا كذَّبَه المشركون يحزنُ لذلك يأسفُ، فنهى الرسولَ عن الحزنِ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}، ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر:8]

﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء:3]

وهذا هو الَّذي ينبغي للدعاةِ إلى اللهِ أنْ يدعوا الله، أن يدعوا إلى الله وينذروا الناسَ عذابَ اللهِ ويذكِّروهم بالآخرةِ ويعرِّفوهم بالله، فمن اهتدى فإنّما يهتدي لنفسِه ومن ضلِّ فما، فما أنت عليهم بوكيلٍ.

 

– القارئ : أي: لا تحزنْ يا محمَّدُ على هؤلاءِ المكذِّبينَ وعدمِ إيمانِهم، فإنَّكَ لو علمْتَ ما فيهم مِن الشَّرِّ وأنَّهم لا يصلحونَ للخيرِ، لم تأسَ ولم تحزنْ، ولا يضقْ صدرُكَ ولا تقلقْ نفسَكَ بمكرِهم فإنَّ مكرَهم ستعودُ عاقبتُهُ عليهِم، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ويقولُ المكذِّبونَ بالمعادِ وبالحقِّ الَّذي جاءَ بهِ الرَّسولُ مُستعجِلِينَ للعذابِ: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

وهذا مِن سفاهةِ رأيهِم وجهلِهم فإنَّ وقوعَهُ ووقتَهُ قدْ أجَّلَهُ اللهُ بأجلِه وقدَّرَهُ بقدرٍ، فلا يدلُّ عدمُ استعجالِهِ على بعضِ مطلوبِهم.

ولكنْ – معَ هذا – قالَ تعالى مُحذِّراً لهم وقوعَ ما يستعجلونَ.

– الشيخ : أيش؟ مقرِّراً أو مقرِّباً؟

– القارئ : ولكنْ -معَ هذا- قالَ تعالى مُحذِّراً لهم وقوعَ ما يستعجلُونَ: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رِدْفَاً لَكُمْ}.

– الشيخ : قلْ عسى أنْ يكونَ؟ قراءتنا رَدِفَ، عسى لأنّ يكون رَدِفَ لكم بعضُ الّذي، يُحتمل أن يكون فيها قراءة ما أدري.

– القارئ : {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رِدْفاً لَكُمْ} أي: قربَ منكم وأوشكَ أنْ يقعَ بكم.

– الشيخ : فسّرها بأنّها رَدِفَ لكم أي قَرُبَ، رَدِفَ لكم نعم بعده.

– القارئ : {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} مِن العذابِ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} الآياتُ.

ينبِّهُ عبادَهُ على سعةِ جودِهِ وكثرةِ أفضالِهِ

– الشيخ : يا ربّ يا الله من فضلك.

– القارئ : ويحثُّهم على شكرِها، ومعَ هذا فأكثرُ النَّاسِ قد أعرضُوا عن الشُّكرِ وانشغلُوا بالنِّعمِ عن المُنعِمِ.

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ} أي: تنطوي عليهِ {صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} فليحذرُوا مِن عالمِ السَّرائرِ والظَّواهرِ وليراقبُوهُ.

{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أي: خفيّةٍ وسرٍّ مِن أسرارِ العالمِ العلويِّ والسُّفليِّ {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} قد أحاطَ ذلكَ الكتابُ بجميعِ ما كانَ ويكونُ إلى أنْ تقومَ السَّاعةُ، فكلُّ حادثٍ يحدثُ جليٌّ أو خفيٌّ إلَّا وهوَ مطابقٌ لما كُتِبَ في اللَّوحِ المحفوظِ.

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، الله أكبر، سبحان الله، القرآنُ يفسِّرُ بعضُه بعضاً، من ما يقرِّر مضمونَ هذه الآية ما جاءَ في قصَّةِ لقمانَ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ [لقمان:16]

حبَّة من خردلٍ.

ويشبهُها قولُه تعالى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ﴾ [الأنعام:59]

تسقطُ من ورقةٍ، يعني من ورقِ الشجر، ما تسقط، تأمَّلْ بفكرِك يعني الأشجار الكثيرة وما فيها من الأوراق وما، فاللهُ فعلمُ اللهِ محيطٌ بما يتساقطُ، فقوله: {من ورقة} نكرةٌ في سياقِ العمومِ، يعني يعلم كلَّ ورقة تسقط، من أي شجرة في أيّ مكان.

– القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} الآياتُ.

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ.