الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النمل/(11) من قوله تعالى {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} الآية 76 إلى قوله تعالى {ووقع القول عليهم} الآية 85
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(11) من قوله تعالى {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} الآية 76 إلى قوله تعالى {ووقع القول عليهم} الآية 85

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل

الدَّرس: الحادي عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ [النَّمل:76-85]

– الشيخ : إلى هنا، إلى هنا

– القارئ : عفا اللَّهُ عنكَ 

– الشيخ : {أَلَمْ يَرَوْا} إلى آخر السورة

– القارئ : أحسنت

– الشيخ : لا حول ولا قوة إلا بالله، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، محمد…

لا إله إلا الله، يقولُ سبحانَهُ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} {هَذَا الْقُرْآَنَ} كثيراً ما تأتي الإشارةُ إلى القرآنِ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2]، {تِلْكَ} هذه اسم إشارة {تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ}، {تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف:1، الشعراء:2، القصص:2]

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} يعني يُخبرُهُمْ ويبيّن لهم {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.

بنو إسرائيل هم ذرية يعقوب، وإسرائيل هو اسم ليعقوبَ بن إسحاق بن إبراهيم، يعقوب والدُ يوسفَ هم بنو إسرائيل، وهم أمَّةٌ عظيمةٌ، وجاءَ في القرآنِ عنهمْ أمورٌ وأخبارٌ كما في سورة البقرة، خاصةً في سورة البقرة، وفي سورة الأعراف، وهم قومُ موسى أوّلاً، بنو إسرائيل أولاً إنهم قومُ موسى، أكثرُ ما يأتي الحديث عن قوم موسى، جرى عليهم أمورٌ، وأعظمُ ما جرى عليهم أنِ استعبدَهُمْ فرعون؛ لأنهم كانوا في مصر فتسلَّط عليهم ملوك مصر كما في قصة موسى مولده وتربيته وما هاجر عليه السلام.

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يبيِّنُ لهم {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} {يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة:15]

{يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} هذا القرآنُ هدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الذينَ آمنوا بهِ يهديهمْ إلى كلِّ طريقٍ قويمٍ {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} إنما يهتدي به المؤمنونَ، هو هدىً للنَّاسِ كلِّهم، ولكنَّ المنتفعين به همُ المؤمنونَ، كما قال تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] ، هو هدىً ورحمة لكلِّ الناس، لكن إنما تحصلُ هذهِ الهدايةُ والرحمةُ لمنْ آمنَ به وعملَ بما فيهِ {وهدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} وش بعد الآية ذي؟

– القارئ : {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ}.

– الشيخ : {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ}، {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} {يَقْضِي بَيْنَهُمْ} في الدنيا بذلك البيانِ، بهذا القرآنِ، فيُبيِّنُ المـُحِقَّ من الباطل، يعني بني إسرائيل اختلفوا وافترقوا فِرقاً كثيرة، في الحديث أنهم "أن اليهودَ افترقوا على إحدى وسبعينَ، والنصارى على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً".

فالقرآنُ يبيِّنُ لهم ما اختلفوا فيهِ، فيميز المـُحِقَّ من الـمُبْطِل {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ في الدنيا بهذا القرآنِ وبسنَّةِ الرسولِ عليهِ الصلاة والسلام، وفي القرآن، وفي يوم القيامةِ هناكَ يحصلُ البيانُ التامُّ والجزاءُ {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}.

قال الله لنبيه: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} اعتمدْ عليهِ فإنَّهُ كافيكَ، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3] أي كافيه {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ}.

{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} الأمر لله هو الذي يَهدي من يشاءُ ويُضِلُّ من يشاءُ، أمَّا الرسولُ عليه الصلاة والسلام فما عليهِ إلا البلاغُ، والموتى همُ الكفارُ، الكافرونَ بهذا القرآن وبهذا الرسول، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: 171،18] وموتى كما لا، كما لا، كما أنَّ الأمواتَ في قبورهم لا يسمعونَ كذلكَ هؤلاء لا يسمعونَ ولا يستجيبونَ {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} فهم موتى وهم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}.

والأصمُّ أكثر، يعني لا ينتفع بدعائِهِ وندائِهِ ولا سيَّما إذا ولَّى مُدبراً لا، أمَّا إذا كانَ مُقبلاً يمكن، يمكن يشعر بمن يدعوهُ بالنظر؛ ولهذا قال: {إِذَا وَلَّوْا}، {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}.

ثم قالَ تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} وهذا خبرٌ عن الدَّابةِ التي هيَ من أشراطِ السَّاعةِ، هناكَ دابةٌ عظيمةٌ  -اللهُ أعلمُ بحقيقتِها وصفتِها-، وجاءتْ آثارٌ وأخبارٌ ذكر منها ابنُ كثير شيئاً كثيراً، المهمُّ أنها دابةٌ عظيمةٌ جعلها الله من أشراطِ الساعةِ، مثلَ طلوعِ الشمسِ من مَغْربِهَا {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ}، نعم يا محمد.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعدي رحمهُ الله تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} الآيات.

وهذا خبرٌ عنْ هيمنةِ القرآنِ على الكتبِ السابقةِ وتفصيلِهِ وتوضيحِهِ لِمَا كانَ فيها، وقدْ وقعَ فيهِ اشتباهٌ واختلافٌ عندَ بني إسرائيلَ فقصَّهُ هذا القرآنُ قَصَّاً زالَ بهِ الإشكالُ وَبَيَّنَ بهِ الصوابُ منَ المسائلِ المُخْتَلَفِ فِيها.

– الشيخ : ومنْ أعظمِ نزاعاتِ بني إسرائيلَ اليهود والنصارى نزاعُهُم في المسيح عليِه السلام، واليهودُ والنصارى وهمْ كلُّهم أهلُ كتاب، كلّ منهم يذم بالآخر {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ}[البقرة:113]، فكلٌّ يذمُّ الآخرَ ويرى أنَّ الحقَّ معهُ، وفي القرآنِ بيانٌ للمُحِقِّ من الباطلِ، فهو، ففيه الفصلُ، الفصلُ بينهم، يبيِّنُ ما معَ كلٍّ من الطائفتينِ من الحقِّ وما معهم من الباطلِ، ففي هذا القرآنِ الفرقانُ والهدى.

 

– القارئ : وإذا كانَ بهذهِ المَثَابةِ منَ الجلالةِ والوضوحِ وإزالةِ كلِّ خلافٍ وفَصْلِ كلِّ مُشْكِلٍ كانَ أعظمَ نِعَمِ اللهِ على العبادِ، ولكنْ ما كلُّ أحدٍ يقابلُ النعمةَ بالشكرِ، ولهذا بَيَّنَ أنَّ نفعَهُ ونورَهُ وهداهُ مُختصٌّ بالمؤمنينَ فقالَ: {وَإِنَّهُ لَهُدًى} منَ الضلالةِ والغيِّ والشُّبَهِ {وَرَحْمَةٌ} تَنْثَلِجُ لهُ صدورُهُمْ وتستقيمُ بهِ أمورهُم الدينيةُ والدنيويةُ {لِلْمُؤْمِنِينَ} به المصدقينَ لهُ المتلقينَ له بالقبولِ المقبلينَ على تدبرِهِ، المتفكرينَ في معانيهِ، فهؤلاءِ تحصلُ لهمْ به الهدايةُ إلى الصراطِ المستقيمِ والرحمةُ المتضمنةُ للسعادةِ والفوزِ والفلاحِ.

قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}. أي: إنَّ اللهَ تعالى سيفصلُ بينَ المختصمينَ، وسيحكمُ بين المختلفينَ بحكمِهِ العَدْلِ وقضائِهِ القِسْطِ، فالأمورُ وإنْ حصلَ فيها اشتباهٌ في الدنيا بينَ المختلفينَ لخفاءِ الدليلِ أو لبعضِ المقاصدِ فإنَّه سيُبيِّنُ فيها الحقُّ المطابقُ للواقعُ حينَ يحكمُ اللهُ فيها، {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الَّذي قَهَرَ الخلائقَ فأذعنوا لهُ، {الْعَلِيمُ} بجميعِ الأشياءِ، {الْعَلِيمُ} بأقوالِ المختلفينَ وعنْ ماذا صدرتْ، وعنْ غاياتِها ومقاصدِها، وسيجازي كُلَّاً بما عَلِمَهُ فيه.

قال الله تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} الآيات.

أي: اعتمدْ على ربِّكَ في جلبِ المصالحِ ودفعِ المضارِّ، وفي تبليغِ الرسالةِ وإقامةِ الدينِ وجهادِ الأعداءِ.

{إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} الواضحِ، والَّذي على الحقِّ يدعو إليه ويقومُ بنصرتِهِ أحقُّ من غيرِهِ بالتوكّلِ فإنّه يسعى في أمرٍ مَجزومٍ بهِ معلومٍ صدقُهُ لا شكَّ فيهِ ولا مِريةَ، وأيضاً فهو حقٌّ في غايةِ البيانِ لا خفاءَ بهِ ولا اشتباهَ، وإذا قُمتَ بما حُمِّلتَ وتوكّلتَ على اللهِ في ذلكَ فلا يَضرُّكَ ضلالُ من ضلَّ، وليسَ عليكَ هداهُمْ، فلهذا قالَ: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}.

أي: حينَ تدعوهُمْ وتناديهِمْ، وخصوصاً {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} فإنَّهُ يكونُ أبلغَ في عدمِ إسماعهِمْ.

{وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} كما قال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، {إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} أي: هؤلاءِ الّذينَ ينقادونَ لكَ، الّذينَ يؤمنونَ بآياتِ اللهِ وينقادونَ لها بأعمالهِمْ واستسلامهِمْ كمَا قالَ تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام:36]

قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} الآية.

أي: إذا وقعَ على النَّاسِ القولُ الَّذي حَتَّمَهُ اللهُ وفرضَ وقتَهَ {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً}.

– الشيخ : فرضَ وقتَهُ يعني: قَدَّرَ وقتَهُ يمكن.

– القارئ : {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً} خارجةً {مِنَ الأرْضِ} أو دابَّةً من دوابِّ الأرضِ ليستْ منَ السماءِ.

وهذهِ الدَّابَّةُ {تُكَلِّمُهُمْ} أي: تُكَلِّمُ العبادَ {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}، أي: لأجلِ أنَّ النَّاسَ ضَعُفَ عِلمهُمْ ويقينُهُمْ بآياتِ اللهِ، فإظهارُ اللهِ هذهِ الدابَّةَ منْ آياتِ اللهِ العجيبةِ؛ لِيُبَيِّنَ للنَّاسِ ما كانوا فيهِ يمترونَ.

وهذهِ الدابَّةُ هي الدابَّةُ المشهورةُ التي تَخرجُ في آخرِ الزمانِ وتكونُ منْ أشراطِ الساعةِ كما تكاثرتْ بذلكَ الأحاديثُ، لمْ يَذكرِ اللهُ ورسولُهُ كيفيةَ هذهِ الدابَّةِ وإنَّما ذَكرَ أَثَرَهَا والمقصودَ منها وأنَّها منْ آياتِ اللهِ، تُكلِّمُ النَّاسَ كلاماً خارقاً للعادةِ حينَ يقعُ القولُ على النَّاسِ وحينَ يمترونَ بآياتِ اللهِ فتكونَ حُجَّةً وبرهاناً للمؤمنينَ وَحُجَّةً على المعاندينَ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا} الآيات.

يُخبِرُ تعالى عن حالةِ المكذِّبينَ في موقفِ القيامةِ وأنَّ اللهَ يجمعُهمْ، ويَحشرُ مِنْ كلِّ أمَّةٍ منَ الأممِ فوجاً وطائفةً {مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} يَجمعُ أولَهُمْ على آخرِهِمْ وآخرَهُمْ على أولِهِمْ؛ لِيَعُمَّهُمُ السؤالُ والتوبيخُ والَّلومُ.

{حَتَّى إِذَا جَاءُوا} وحضرُوا قالَ لهمْ مُوَبِّخَاً وَمُقَرِّعَاً: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمَاً} أي: الواجبُ عليكمُ التوقفَ حتَّى يَنكشفَ لكمُ الحقُّ، وأنْ لا تتكلَّمُوا إلا بعلمٍ، فكيفَ كذَّبتُمْ بأمرٍ لمْ تُحيطوا بهِ علماً؟ {أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أيْ: يسألُهُمْ عنْ عِلمهِمْ وعنْ عَمَلَهِمْ فيجِدُ عِلْمَهُمْ تكذيباً بالحقِّ، وعَمَلَهُمْ لغيرِ اللهِ أو على غيرِ سُنَّةِ رسولِهِمْ.

{وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا} أي: حَقَّتْ عليهِمْ كلمةُ العذابِ بسببِ ظلمهِمْ الذي استمرُّوا عليهِ وتوجهَتْ عليهمُ الحجَّةُ، {فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ}؛ لأنَّه لا حجَّةَ لهمْ.

قالَ اللهُ تعالى

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].

– القارئ : أحسن الله إليك.

– طالب: أحسنَ الله إليك، تسميةُ الدابَّةِ بالجسَّاسةِ هل هذا صحيحٌ؟

– الشيخ : لا، لا، ما هي بالجسَّاسة.

– طالب: لا يصح في هذا شيء؟

– الشيخ : ما علمتُ من الرواياتِ إنَّ هي الجسَّاسة، لا، لا، لا، جاءَ فيها أحاديثُ صحيحةٌ إنها تَخرُج وكذا، وجاءتْ رواياتٌ في صفتِهَا و[….] ذكرَ ابنُ كثيرٍ أشياء كثيرة يعني في صفتِها وما تفعلُهُ وأنَّها معها عصا موسى وخاتمُ سليمان، سبحانَ الله فيها روايات ما أدري إسرائيليات، ابنُ كثيرٍ توسَّعَ في هذا، لكن هي جاءتْ فيها أحاديثٌ صحيحةٌ في الصحيحينِ وغيرهما، أنها تَخرُجُ على الناسِ، والآيةُ فيها أنها تُكلِّمُ، وتكليمُ هذه الدابَّةِ أمرٌ خارقٌ للعادةِ {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ} والشيخُ قالَ: يعني بعض، يعني في بعض الرواياتِ أنها تَخرجُ، تخرجُ يعني دابَّةٌ تخرجُ من الأرضِ، تَخرُج على الناسِ من الأرضِ تَنبتُ كذا، تَفْجَأُ الناسَ، بعضُهُم يقولُ: أنها تكونُ في مكة، شوف ابنُ كثير عنده أشياء كثيرة.

ثمَّ الشيخ عنده يعني احترازٌ يقولُ: من الأرضِ انتهى، يقولُ: خارجةً من الأرضِ، أو دابَّةٌ من دوابِّ الأرض، لكن ليستْ نازلةً من السماءِ، هذه كلماتُ الشيخِ يعني يُبيِّنُ كلمة دابَّةٍ من الأرضِ فيها احتمالٌ، إمَّا أنَّها بمعنى أنَّها نفسها تخرجُ من الأرضِ تَنْفَلِقُ عنها الأرض، أم أنَّها دابةٌ من دوابِّ الأرض تكون لها حالةٌ خارقةٌ للعادةِ.