الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القصص/(1) من قوله تعالى {طسم} الآية 1 إلى قوله تعالى {ونمكن لهم في الأرض} الآية 6
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {طسم} الآية 1 إلى قوله تعالى {ونمكن لهم في الأرض} الآية 6

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القصص

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بســـــمِ اللهِ الرَّحمــــنِ الرَّحيـــــــــمِ

طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:1-6]

– الشيخ : إلى هنا، سبحانَ الله العظيم، آمنتُ بالله ورسلِه، سبحانَ اللهِ وبحمده.

هذه سورةُ القَصصِ، سُمِّيتْ بالقصصِ؛ لكلمةٍ واحدةٍ فيها، {وَقَصَّ عَلَيْهِ}، {وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} موسى لما جاءَ إلى صاحبِ مدينَ، والدِ المرأتين، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ﴾ [القصص:25] فسُمِّيَتْ سورةُ القصصِ، لا إله إلَّا الله.

وهي كأشباهِها سورةٌ مكيَّةٌ، كلُّ يعني الدلائلِ القرآنُ المكيُّ موجودٌ: افتتاحُها بالحروف المُقطَّعة، ومعظمُها في قصَّةِ موسى وفرعون، وفي آخرِها قصَّةُ قارون، وهيَ أيضاً متضمنةٌ للتوحيدِ في الآياتِ الأخيرةِ ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص:88]

{طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} تلك اسمُ إشارةٍ للآياتِ، لآياتِ الكتابِ، مثلُ ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة:2]

 {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}، {طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ} {نَتْلُو عَلَيْكَ} يعني نقرأُ عليكَ {مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} {مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ} موسى الرسولُ، وفرعونُ الطاغيةُ، فلهما نبأٌ عظيمٌ، النبأُ يقولُ أهلُ اللغةِ: أنَّه الخبرُ، هو الخبرُ الَّذي له شأنٌ، {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} والَّذي يتلو هذا النبأَ على الرسولِ هو جبريلُ، مثل قولِه تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة:18]

وما يفعلُه الـمَلَكُ بأمرِ اللهِ يضيفُه اللهُ إلى نفسِه، وهذا كثيرٌ في القرآنِ يضيفُ اللهُ إلى نفسِهِ ما يفعلُه بملائكتِه {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، {بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وهذهِ الآيةُ يعني فيها إعلامٌ من اللهِ بأنَّه سيُتلَى على الرسولِ نبأُ موسى وفرعونَ في هذهِ السورةِ.

ثمَّ بدأَتْ، بدأَ القصصَ مِن {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} هذهِ بدايةُ القصَّةِ، {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} تجبَّرَ وطغى وتكبَّرَ، {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} يعني جعلَهم أقساماً وطوائفَ، منهم منهم قومُهُ العابدونَ لهُ، الطائعُ، المنقادونَ لطغيانِه، ومنهم المستضعفونَ.

{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} وهم بنو إسرائيل، للهِ الأمرُ، أقدارٌ جاريةٌ، بنو إسرائيل كانوا في مصرَ فتملّكَ هذا الطاغيةُ وشيعتُه وقومُه، فاستذلُّوا بني إسرائيل، ولهذا من أهمِّ رسالات موسى عليه السلام إنقاذُ بني إسرائيل، {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف105] اترك بني إسرائيل، ارفعْ يدَكَ عنهم، {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} وماذا يصنعُ بهم؟ ما هو استضعاف يحتقرُهم احتقاراً فقط، لا، استضعاف وتسلّط وظلم، ظلم، {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} لاحظْ {يُذَبِّحُ} يُذَبِّحُ هذه ما هو يَذْبَح أبناءَهم، دائماً تجدُ في القرآن يُذَبِّح، يدلُّ على الكثرةِ، كثرةِ من يُذبَحُ من، وجاءَ عندَ المفسِّرين يعني في الروايات أنَّه كانَ يوكِّلُ بالحوامل الَّلاتي توشكُ ولادتهنَّ يوكِّلُ بهنَّ رجالاً أو نساءً ليذبِّحنَ من يلدُه إذا كانَ ذكراً، إن كانْ ذكراً خلاص يُذبَح، يا لها من حسرة! يا لها من مصيبة! {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ}، أمَّا البناتُ، لا، يستحييهنَّ يستبقيهنَّ، قالَ المفسِّرون: للخدمةِ، والأبناءُ الرجالُ الذكورُ هم الَّذي يمكن أنْ ينهضوا وينتقموا ويأخذوا بالثأرِ وينتصروا، أمَّا النساءُ ما لهنَّ، ويقولُ الكفرةُ: إنَّ النساءَ والرجالَ سواءٌ، تجبُ التسويةُ بينَ الرجلِ والمرأةِ، وهذا ضلالٌ مبينٌ، اللهُ خلقَ الذكرَ والأنثى، والرجلَ والمرأةَ، ولكنَّه فرَّقَ بينهما في الخَلقِ والخِلقةِ والطبيعةِ والأحكامِ الشرعيَّةِ تبعاً كذلكَ.

{وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} فرعونُ، إنَّه، وهذا أسلوبٌ في تأكيدِ إنَّه أي إنَّ فرعونَ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، إفسادٌ بالطغيانِ والاستعبادِ، لقومِه، هو مستعبدٌ لقومِه أيضاً يعبدونَه يقولُ: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:38] ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات:24]

{إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}، لا إله إلَّا الله، {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}، {عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

قالَ اللهُ: {وَنُرِيدُ} في هذا الظرفِ الشديدِ على بني إسرائيلَ نريدُ أنْ نمكِّنَ لهم في الأرضِ، نريدُ أن نمكِّنَ لهؤلاء المستضعفين، وننقذَهم من طغيانِه وسلطانِه، {نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} هامان وزيره، هامان وزيرُ فرعون، ولهذا يطلبُ منه كما في الآيةِ الأخرى يطلبُ منه أن يبنيَ له صرحاً ليطَّلعَ على إلهِ موسى، إنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا، {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ} أي من بني إسرائيلَ {مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} نُري، نُري هؤلاءِ الظالمينَ من بني إسرائيلَ المستضعفينَ نُريهم ما كانُوا يحذرونَ، هم يحذرونَ أن تقوى شوكةُ بني إسرائيلَ ويكونُ لهم قيادةٌ، ويكونُ لهم سلطانٌ فيأخذوا بالثأرِ وينتصروا.

اللهُ يقولُ: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ}

{وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} فهذا أوَّلُ، أوَّلُ فصلٍ في القصَّةِ من هذهِ السورةِ.

وقد تحقَّقَ ما أرادَهُ اللهُ سبحانه وتعالى من تخلُّصِ بني إسرائيل على يدِ موسى، تخلُّصُهم من طغيانِ فرعونَ وجنودِهِ {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ}، {وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}، نعم يا محمَّد.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى-:

تفسيرُ سورةِ القصصِ، وهيَ مكيَّةٌ.

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ طسم} الآياتُ.

{تِلْكَ} الآياتُ المستحقَّةُ للتَّعظيمِ والتَّفخيمِ {آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} لكلِّ أمرٍ يحتاجُ إليهِ العبادُ، مِن معرفةِ ربِّهم، ومعرفةِ حقوقِهِ، ومعرفةِ أوليائِهِ وأعدائِهِ، ومعرفةِ وقائعِهِ وأيَّامِهِ، ومعرفةِ ثوابِ الأعمالِ، وجزاءِ العمَّالِ، فهذا القرآنُ قد بيَّنَها غايةَ التبيينِ.

– الشيخ : اللَّهُم انفعْنا به، اللَّهُم انفعْنا بالقرآنِ، هدىً وشفاءٌ، سبحانَ اللهِ، هدىً ورحمةٌ وشفاءٌ، ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل:89]

– القارئ : وجلَّاها للعبادِ، ووضَّحَها.

ومِن جُملةِ ما أبانَ، قصَّةُ موسى وفرعونَ، فإنَّهُ أبداها، وأعادَها في عدَّةِ مواضعَ، وبَسطَها في هذا الموضعِ فقالَ:

– الشيخ : بسطَها في هذا الموضعِ يعني في سورةِ القصصِ، وبسطَها كذلكَ في سورةِ الأعرافِ، وبسطَها كذلكَ في سورةِ طهَ، وذكرَها مختصرةً وأشارَ إليها في مواضعَ أخرى.

– القارئ : فقالَ: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} فإنَّ نبأَهُما غريبٌ، وخبرَهما عجيبٌ.

{لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فإليهم يُساقُ الخطابُ، ويوجَّهُ الكلامُ، حيثُ إنَّ معَهم مِن الإيمانِ، ما يُقبلونَ بهِ على تدبُّرِ ذلكَ، وتلقِّيهِ بالقبولِ والاهتداءِ بمواقعِ العبرِ، ويزدادوا إيماناً ويقيناً، وخيراً إلى خيرِهم، وأمَّا مَن عداهم، فلا يستفيدونَ منهُ إلَّا إقامةَ الحجَّةِ عليهم، وصانَهُ اللهُ عنهم، وجعلَ بينَهم وبينَهُ حجاباً أنْ يفقهوهُ.

– الشيخ : ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة:124-125]، ولهذا يخصُّ المؤمنينَ بالذكرِ؛ لأنَّهم المنتفعونَ بهذا القرآنِ.

 

– القارئ : فأوَّلُ هذهِ القصَّةِ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ} في ملكِهِ وسلطانِهِ وجنودِهِ وجبروتِهِ، فصارَ مِن أهلِ العلوِّ فيها، لا مِن الأعلينَ فيها.

– الشيخ : {فِي الأرْضِ} في أرضِ مصرَ يعني ما، على وجهِ التحديدِ يعني، ما ملكَ الأرضَ هو، ما ملكَ الأرضَ كلَّها، المرادُ ملكَ الأرضَ الَّتي يعني هو يعني مقيمٌ فيها وناشئٌ فيه، والمعروفُ أنَّها مصرُ، ولهذا يُقالُ فرعونُ مصرَ، نعم، ولهذا يقولُ: {أليسَ}، قالَ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف:51]

– القارئ : {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أي: طوائفَ متفرِّقةً، يتصرَّفُ فيهم بشهوتِهِ، وينفُذُ فيهم ما أرادَ مِن قهرِهِ، وسطوتِهِ.

{يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} وتلكَ الطائفةُ، هم بنو إسرائيلِ، الَّذينَ فضَّلَهم اللهُ على العالمينَ، الَّذي ينبغي لهُ أنْ يكرمَهم ويجلَّهم، ولكنَّهُ استضعفَهم، بحيثُ إنَّهُ رأى أنَّهم لا منعةَ لهُم تمنعُهم ممَّا أرادَهُ فيهم، فصارَ لا يُبالي بهم، ولا يهتمُّ بشأنِهم، وبلغَتْ بهِ الحالُ إلى أنْ {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} خوفاً مِن أنْ يكثُرُوا، فيغمُرُوهُ في بلادِهِ

– الشيخ : يعني يغلبوهُ إذا كثرُوا ويتغلَّبوا عليه، سبحانَ الَّذي جرتْ بحكمتِهِ الأقدارُ، لا إله إلَّا الله، يا سلام سلِّمْ.

– القارئ : فيغمروهُ في بلادِهِ، ويصيرَ لهم الملكُ.

{إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} الَّذينَ لا قصدَ لهم في صلاحِ الدِّينِ، ولا صلاحِ الدُّنيا، وهذا مِن إفسادِهِ في الأرضِ.

{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ} بأنْ نزيلَ عنهم موادَ الاستضعافِ

– الشيخ : وهم بنو إسرائيلَ، يعني المعنى: اللهُ يُخبرُ عن نفسِه أنَّه يريدُ أن يمنَّ على هؤلاء المستضعفين، وهم بنو إسرائيلَ {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} للأرضِ، وقد ذكرَ هذا في: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ} في الآيةِ الأخرى في سورةِ الأعرافِ: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف:137]، أورثَهم اللهُ بلادَ الشامِ.

 

– القارئ : بأنْ نزيلَ عنهم موادَ الاستضعافِ، ونهلكَ مَن قاومَهم، ونخذلَ مَن ناوأَهم. {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} في الدِّينِ، وذلكَ لا يحصلُ معَ الاستضعافِ، بل لابدَّ مِن تمكينٍ في الأرضِ، وقدرةٍ تامَّةٍ، {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} للأرضِ، الَّذينَ لهم العاقبةُ في الدُّنيا قبلَ الآخرةِ.

{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ} فهذهِ الأمورُ كلُّها، قد تعلَّقَتْ بها إرادةُ اللهِ، وجرَتْ بها مشيئتُهُ، {و} كذلكَ نريدُ أنْ {نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وزيرَهُ {وَجُنُودَهُمَا} الَّتي بها صالُوا وجالُوا، وعلَوا وبغَوا {مِنْهُمْ} أي: مِن هذهِ الطَّائفةِ المُستضعَفةِ. {مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} مِن إخراجِهم مِن ديارِهم، ولذلكَ كانُوا يسعونَ في قمعِهم، وكسرِ شوكتِهم، وتقتيلِ أبنائِهِم، الَّذينَ هم محلُّ ذلكَ، فكلُّ هذا قد أرادَهُ اللهُ، وإذا أرادَ أمراً سهَّلَ أسبابَهُ، ونهجَ طرقَهُ، وهذا الأمرُ كذلكَ، فإنَّهُ قُدِّرَ وأُجرِيَ مِن الأسبابِ -الَّتي لمْ يشعرْ بها لا أولياؤُهُ ولا أعداؤُهُ- ما هوَ سببٌ مُوصِلٌ إلى هذا المقصودِ.

فأوَّلُ ذلكَ، لمَّا أوجدَ اللهُ رسولَهُ موسى، الَّذي جعلَ استنقاذَ هذا الشَّعبِ الإسرائيليِّ على يديهِ وبسببِهِ، وكانَ في وقتِ تلكَ المخافةِ العظيمةِ، الَّتي يذبحونَ بها الأبناءَ، أوحى إلى أمِّهِ أنْ.

– الشيخ : إلى هنا، إلى هنا، {وأوحيْنا} هذه بدايةُ الحديثِ عن موسى وأمِّهِ، نعم.

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ.