الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القصص/(2) من قوله تعالى { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} الآية 7 إلى قوله تعالى {فرددناه إلى أمه} الآية 13
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) من قوله تعالى { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} الآية 7 إلى قوله تعالى {فرددناه إلى أمه} الآية 13

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القصص

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ.

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) [القصص:7-13]

 – الشيخ : خلاص إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، يقول تعالى في الآيات السابقة: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} وبدأَ ذِكْرُ تحقُّقِ هذا الوعد، بدأ تحقُّقِ هذا الوعد بهذا الوحي لأمّ موسى، بدأت قصة وبدأت بداية النصر لبني إسرائيل، هذا المولود موسى هو أحد أبناء بني إسرائيل، وهو مُستهدَفٌ مقصودٌ بالذَّبح يُرادُ ذبحُهُ، والله مَكَرَ بفرعونَ وقومِهِ.

أوحى إلى أمِّ موسى، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} الآن هي ولدت الوليد الرضيع، والآن هو مُعَرَّضٌ لِأنْ يأخذ طريقه مع أبناء بني إسرائيل، لكنَّ الله ألهمها هذا الإلهام {أَوْحَيْنَا} هذا وحيُ إلهام {أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} ألهمها الله أن تُرضعَهُ وتدبِّرَ هذا التدبير {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} هذا كله فيما أُلهِمَتْ به، أُلهمَتْ أنْ تقومَ بهذا التدبير، ترضعه، هذا حسب يعني ما هو جاري ولا بدَّ، فإذا خافتْ عليه من آل فرعون تقوم بهذا التدبير تُلْقِيهِ في اليمِّ في البحر في ماء البحر، لكن بأيِّ طريق تأخذه في مهاده وتلقيه؟ لا.

جاء تفصيل القصة في سورة طه {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} [طه:37-39]

هذا هو الإلهام وهذا الوحي أنْ تجعلَهُ في تابوتٍ في صندوقٍ، لا بدَّ أنه يعني ينغلِقُ ويطفو، يطفو فوق الماء {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ …أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} فَلْيُلْقِهِ هذا أمرٌ من الله للبحر لليمِّ {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} ما يروح لِثَبَجِ البحر ولـُجَّة البحر، لا، يُلْقِيهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ في الطَّرف {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ}.

وهنا قال: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} يعني المعنى أنها فعلتْ ما أُلهمتْ، دبَّرت، جعلتْهُ في تابوت وألقته في اليم، [انقطاع في الصوت]، بأنه سيأتي سيردُّهُ إليها، [انقطاع في الصوت] كما ألهمها الله أن، إلى اكتشاف ماذا تصنع؟ {قَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} روحي قُصِّي أمرَ الطفل، أين ذَهبَ، أين ذُهِب به؟ أين فُعِلَ؟ ماذا فُعِل به؟ 

{قَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} [انقطاع في الصوت]، رأتْهُ وهي [انقطاع في الصوت]، معهم [انقطاع في الصوت]، عن مرضع، [انقطاع في الصوت]، {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [انقطاع في الصوت]

حكمة الله أن صرفه عن قبول الـمَـراضِعِ، وهذا معنى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} تحريم هذا عند أهل العلم يُسمَّى تحريم قدريّ ما هو تحريم شرعيّ، ما هو بمعنى أنه حرام أنه يَرضع، لا، حرامٌ عليه يأثم؟ لا، هذا تحريم قدريّ {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ} أختُهُ لهم: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}، هم يبحثون عن مُرضِعٍ، عمَّن ترضعُهُ، الآن أُتيح أُتيحت الفرصة لأخته أن تَعرضَ عليهم هذا العَرْضَ {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} يعني فقبِلُوا يعني واضح من القصص فقبلوا {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} رجعَ الطفلُ إلى أمِّهِ، وهذا تحقيقٌ لوعدِ الله، الله وعدها: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}، قال هنا: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} هذا فصلٌ من قصة موسى -عليه السلام- في صِبَاهُ، وفي حال مولده، وما جرى لأمِّه، وما جرى لآل فرعون، وما جرى لامرأة فرعون، الله أكبر، بدأ هذه بداية يعني إنقاذ بني إسرائيل، هذه البداية، يعني بدأ الإعداد لإنقاذ بني إسرائيل، من أيادي الطغيان والظلم.

 

"تفسيرُ السَّعديّ"

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبد الرحمن السَّعدي –رحمه الله تعالى-:

فأولُ ذلكَ، لمَّا أوجدَ اللهُ رسولَهُ موسى الذي جعلَ استنقاذَ هذا الشعبِ الإسرائيليِّ على يديهِ وبسببِهِ، وكانَ في وقتِ تلكَ.

– الشيخ : أوجدَهُ بأن يعني حملتْ به أمُّهُ، أوجدَهُ حملتْ به أمُّهُ ووضعتْهُ.

– القارئ : وكانَ في وقتِ تلكَ المخافةِ العظيمةِ، التي يَذْبحونَ بها الأبناءَ.

– الشيخ : قال: وقال المفسرون: إنه من نظامهم أنهم لما قرروا ذبحَ الأبناء وخافوا من فَناءِ بني إسرائيل، خافوا أن يفنوا بني إسرائيل، الكبارُ يموتون بكبرهم والصغارُ يذبحونهم في صغرهم، وقرروا -يُذكَر هذا في أخبار المؤرخين- قرروا أنهم سنةً يذبحون الأبناء وسنةً يتركون حتى يعيش يعني نسبة منهم، فيُقالُ: إنهم في السنة التي لا يَذبحون فيها الأبناء، يُقالُ: إنَّهُ وُلِدَ فيها هارون، هارون أخوه أخو موسى، وفي السنةِ التي يعني في قانونهم أنهم يذبحون الأبناء وُلِدَ موسى، يعني موسى وُلِدَ في سنة الخطر، وُلِدَ في سنة الخطر.

– القارئ : أوحى إلى أمِّهِ أنْ تُرضعَهُ، ويمكثَ عندَهَا، {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} بأنْ أحسستِ أحداً تخافينَ عليهِ منْهُ أنْ يوصلَهُ إليهمْ، {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} أي: نيل مصرَ، في وسطِ تابوتٍ

– الشيخ : أي نيل، – الشيخ : يفسر اليمّ نيل مصر، النيلُ النهرُ الكبيرُ، ما ندري يعني هل هذا، لأنَّ اليمّ شامل، شامل للنيل وللبحر الآخر طرف البحر الأحمر، فنحن لا نُعَيِّنُ، لا نقول: إنه النيل، لكن استنباط يمكن أن النيل هو اللي ممتد وتكون عليه يعني بيوت المصريين شارعة قريبةٌ منه، فالمهمُّ إنَّ الله قال: ألقيه في اليم {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ}، والساحل كأني أفهم منه أنه يمكن يُطلَق على يعني طرف البحر، البحر يعني المالح الواسع، يعني بحرٌ واسعٌ، {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ}، وكلٌّ منهما بحر، {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ… وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر:12]

{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان:53]

{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان:53]

نعم، المقصود الشيخ يقول: إنه نيلُ مصر، يعني النهر المعروف بالنيل من ذلك التأريخ إلى اليوم هو النيل اسمه النيل.

 

– القارئ : {وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فبشرَهَا بأنَّهُ سيردُّهُ عليها، وأنَّهُ سيكبرُ ويَسْلَمُ من كيدِهِمْ، ويجعلُهُ اللهُ رسولاً.

وهذا مِنْ أعظمِ البشائرِ الجليلةِ، وتقديمُ هذهِ البشارةِ لأمِّ موسى؛ ليطمئنَ قلبُها، ويسكنَ روعُهَا، فكأنَّها خافتْ عليهِ، وفعلتْ ما أُمِرتْ بهِ، ألقتْهُ في اليمِّ، وساقَهُ اللهُ تعالى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} فصارَ من لَقَطِهِمْ، وهم الذينَ باشروا وِجْدانَهُ

– الشيخ : أي يعني هم وجدوه، نعم.

– القارئ : {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} أي: لتكونَ العاقبةُ والمآلُ مِنْ هذا الالتقاطِ، أنْ يكونَ عدوَّاً لهمْ وحَزَناً يُحزِنُهُمْ؛ بسببِ أنَّ الحذرَ لا ينفعُ من القدرِ.

– الشيخ : يعني حَذَرُهُمْ من أن يظهرَ من بني إسرائيل مَنْ يكون خرابُ مُلكِهِم على يده، حَذَرُهُمْ هذا لم يُنجِهِم، فلا يُنجي حذرٌ من قدرٍ، فالأمر الذي سبق علمُ الله وكتابه بأنه يكون لابدَّ أن يكون، لابدَّ أن يكون، وهذا لا يَمنعُ من فعلِ الأسباب لجلبِ المنافع ودفع المضارّ، لكن يجب أن يُعلم أن هذه الأسباب يعني محكومةٌ بقدر الله، كما سبق علمه أنه يكون أنه يكون لا يمكن، لا يمكن أن توجد أسباب تمنع وجودَهُ.

 

– القارئ : وأنَّ الذي خافوا منْهُ مِنْ بني إسرائيلَ، قَيَّضَ اللهُ أنْ يكونَ زعيمَهُم، يَتربَّى تحتَ أيديهِم، وعلى نظرِهِمْ، وبكفالتِهِم.

وعندَ التدبُّرِ والتأمُّلِ، تجدُ في طيِّ ذلكَ من المصالحِ لبني إسرائيلَ، ودفعِ كثيرٍ من الأمورِ الفادحةِ بهمْ، ومنعِ كثيرٍ من التعدياتِ قبلَ رسالتِهِ، بحيثُ إنَّهُ صارَ من كبارِ المملكةِ

– الشيخ : أي يعني يقولُ المفسرونَ: كذا، إن هذا يُهيأُ موسى يعني بني إسرائيل وأولادهم يشعرونَ، يعني يعيشون حياةَ الاِستذلال؛ لأنَّهم مُسْتَعبَدُونَ ومُسَخَّرونَ في الأعمال، لكن موسى تربَّى في بيت فرعون، إذاً هو يعني في بيتِ عزَّة، يعني هو كأنَّه وَلَدُ الملك أو وَلَدُ الإله، يعني فصار له، فصار عظيماً، وصار مُعَظَّمَاً، وصار مُحْترماً، لا أحد يتعرَّضُهُ بأذىً وبسوء، وتأثَّرَ في هذا البيتِ يعني بطبيعة القوة، قوةُ الشخصية مع قوة البدن، فكان موسى عليه السلام طِوالاً يعني كما أخبر عليه الصلاة والسلام: "كأنَّهُ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ" طويلٌ وقويٌّ، قويٌّ، كما يُقال: قوي العضلات وقوي الأعضاء، شديدٌ.

 

– القارئ : وبالطبعِ، لا بدَّ أنْ يحصلَ منْهُ مدافعةٌ عنْ حقوقِ شعبِهِ، هذا وهو هو ذو الهمَّةِ العاليةِ.

– الشيخ : أي لكن ما جاءَ يُدافع عن حقوق شعبِهِ باسم كما يُقال: يعني العصبيَّة والوطنيّة لا، لا، جاء يدافع عن حقوق شعبه بأمر الله، بدعوة فرعون إلى الإيمان به، إلى الإيمان بالله بربِّ العالمين، والإيمان بالله يَمنعُ من الظلم {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)} [الشعراء:17-16]

– القارئ : وهو هو ذو الهمَّةِ العاليةِ والغَيرةِ المتوقدةِ، ولهذا وصلتِ الحالُ بذلكَ الشعبِ المُسْتَضعَفِ -الذي بلغَ بهمُ الذلُّ والإهانةُ إلى ما قصَّ اللهُ علينا بعضَهُ- أنْ صارَ بعضُ أفرادِهِ يُنازِعُ ذلكَ الشَّعبَ القاهرَ العاليَ في الأرضِ، كما سيأتي بيانُهُ.

– الشيخ: الله المستعان، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لكن يعني ليست ْكما يُقال: بصفةِ ثورة، لا ما كان تخليص بني إسرائيل بصفة الثورة يعني بقوَّتهم وتضامِنِهم وتعاونهم، لا أبداً، هذا تدبيرٌ إلهيّ ليس يعني جارٍ على الأسباب المعتادة، جاء موسى، يعني ما جاءَ بلغةِ يعني الحقوق و، جاءَ بالدعوة إلى الله، إلى الخضوعِ لله والإقرارِ بربوبيتِهِ والخضوعِ لأمرِهِ، وممَّا أوجب الله على فرعون تركَ الظلم ومن ذلك أن يترك بني إسرائيل أحراراً ويرفع عنهم يد التسلُّط، {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}.

 

– القارئ : وهذا مقدّمةٌ للظهورِ، فإنَّ اللهَ تعالى من سنَّتِهِ الجاريةِ أنْ جعلَ الأمورَ تمشي على التدريجِ شيئاً فشيئاً، ولا تأتي دفعةً واحدةً.

وقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} أي: فأردْنَا أنْ نُعاقبَهُمْ على خَطَئِهِمْ.

– الشيخ : على، أي لا بأس، على خِطْئِهِم؛ لأنَّ الله يقول: {خَاطِئِيْنَ}، على خِطْئِهِم.

– القارئ : أحسن الله إليك، أي: فأردْنَا أنْ نُعاقبَهُمْ على خِطْئِهِمْ ونكيدُهم، جزاءً على مكرِهِمْ وكيدِهِمْ.

فلمَّا التقطَهُ آلُ فرعونَ حَنَّنَ اللهُ عليهِ امرأةَ فرعونَ الفاضلةَ الجليلةَ المؤمنةَ.

– الشيخ : حنَّن؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : أي يعني جعلَ في قلبِها حناناً على هذا الطفلِ ومحبةً له.

– القارئ : امرأةَ فرعونَ الفاضلةَ الجليلةَ المؤمنةَ "آسيةَ بنتِ مزاحم"

– الشيخ : جاء اسمها في بعض لأحاديث: آسية بنتُ مزاحم، نعم.

– القارئ : وَقَالَتِ: هذا الولدُ {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ} أي: أبقِهِ لنَا، لِتَقَرَّ بهِ أعينُنَا، ونُسَرَّ بهِ في حياتِنَا.

{عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أي: لا يخلو، إمَّا أنْ يكونَ بمنزلةِ الخَدَمِ الذينَ يَسعونَ في نفعِنَا وخدمتِنَا، أو نُرقيِّهِ درجةً أعلى من ذلكَ، نجعلُهُ ولداً لنا، ونكرمُهُ، ونجلُّهُ.

فقدَّرَ اللهُ تعالى أنَّهُ نفعَ امرأةَ فرعونَ التي قالتْ تلكَ المقالةَ، فإنَّهُ لمَّا صارَ قُرَّةَ عينٍ لها وأحبَّتْهُ حبَّاً شديداً، فلمْ يَزَلْ لها بمنزلةِ الولدِ الشفيقِ حتى كَبُرَ ونبَّأَهُ اللهُ وأرسلَهُ، فبادرتْ إلى الإسلامِ والإيمانِ بِهِ، رضيَ اللهُ عنها وأرضاها.

قالَ اللهُ تعالى عن هذهِ المراجعاتِ والمقاولاتِ في شأنِ موسى: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} ما جرى بهِ القلمُ، ووضعَ بهِ القَدَرُ، مِنْ وصولِهِ إلى ما وصلَ إليهِ، وهذا من لُطفِهِ تعالى، فإنَّهم لو شَعرُوا لكانَ لهمْ ولهُ شأنٌ آخرٌ.

ولمَّا فقدَتْ موسى أمُّهُ، حزنتْ حزناً شديداً وأصبحَ فؤادُهَا فارغاً من القلقِ الذي أزعجَهَا على مقتضى الحالةِ البشريةِ، معَ أنَّ اللهَ تعالى نَهاهَا عن الحزنِ والخوفِ، ووعدَهَا بردِّهِ.

{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أي: بِمَا في قلبِهَا {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} فثبَّتْنَاها، فصبرتْ، ولمْ تُبْدِ بهِ. {لِتَكُونَ} بذلكَ الصبرِ والثباتِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فإنَّ العبدَ إذا أصابتْهُ مصيبةٌ فصَبَرَ وثبتَ، ازدادَ بذلكَ إيمانُهُ، وَدَلَّ ذلكَ على أنَّ استمرارَ الجَزَعِ معَ العبدِ دليلٌ على ضَعفِ إيمانِهِ.

{وَقَالَتِ} أمُّ موسى {لأخْتِهِ قُصِّيهِ} أي: اذهبي فَقُصِّي الأثرَ عنْ أخيكِ وابحثي عنْهُ منْ غيرِ أنْ يحسَّ بكِ أحدٌ أو يشعروا بمقصودِكِ، فذهبَتْ تَقُصُّهُ {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي: أبصرتْهُ على وجهٍ كأنَّها مارَّةٌ لا قَصْدَ لها فيهِ.

وهذا من تمامِ الحزمِ والحذرِ، فإنَّها لو أبصرتْهُ وجاءَتْ إليهمْ قاصدةً، لظنُّوا بها أنَّها هي التي ألقتْهُ، فربَّما عزمُوا على ذبحِهِ عقوبةً لأهلِهِ.

ومنْ لطفِ اللهُ بموسى وأمِّهِ، أنْ منعَهُ منْ قبولِ ثديِّ امرأةٍ، فأخرجوهُ إلى السوقِ رحمةً بهِ، ولعلَّ أحداً يطلبُهُ، فجاءتْ أختُهُ وهو بتلكَ الحالِ {فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}.

وهذا جُلُّ غرضهِمِ، فإنَّهم أحبُّوهُ حباً شديداً، وقد منعَهُ اللهُ مِنَ المراضعِ فخافوا أنْ يموتَ، فلمَّا قالَتْ لهمْ أختُهُ تلكَ المقالةَ المشتملةَ على الترغيبِ، في أهلِ هذا البيتِ، بتمامِ حفظِهِ وكفالتِهِ والنصحِ لَهُ، بادرُوا إلى إجابتِهَا، فأعلمَتْهُم ودلَّتْهُم على أهلِ هذا البيتِ.

{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ} كمَا وعدْنَاها بذلكَ {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} بحيثُ إنَّهُ تربَّى عندَهَا على وجهٍ تكونُ فيهِ آمنةً مطمئنةً، تفرحُ بهِ، وتأخذُ الأجرة َالكثيرةَ على ذلكَ، {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} فأريناها بعضَ ما وعدْناها بهِ عياناً؛ ليطمئنَ بذلكَ قلبُها، ويزدادَ إيمانُهَا، ولتعلمَ أنَّهُ سيحصلُ وعدُ اللهِ في حفظِهِ ورسالتِهِ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} فإذا رأوا السببَ مُتَشَوِّشَاً، شَوَّشَ ذلكَ إيمانَهُمْ؛ لعدمِ علمِهِمُ الكامل، أنَّ اللهَ تعالى يجعلُ المِحَنَ والعقباتِ الشاقَّةَ بينَ يديْ الأمورِ العاليةِ والمطالبِ الفاضلةِ، فاستمرَّ موسى عليهِ الصلاةُ والسلامُ عندَ آلِ فرعونَ، يتربَّى في سلطانِهِم، ويركبُ مراكبَهُم، ويلبسُ ملابسَهُم، وأمُّهُ بذلكَ مطمئنةٌ، قدْ استقرَّ أنَّها أمُّهُ من الرَّضاعِ، ولمْ يُستنكرْ ملازمتُهُ إيَّاها وحُنُوُّها عليها.

وتأمَّلْ هذا اللُّطفَ منَ اللهِ وصيانةِ نبيِّهِ موسى من الكذبِ في منطقِهِ، وتيسيرِ الأمرِ الَّذي صارَ بهِ التعلُّقُ بينه وبينها، الَّذي بانَ للناسِ أنَّهُ هو الرَّضاعُ الذي بسببهِ يُسمِّيها أُمَّاً، فكانَ الكلامُ الكثيرُ منْهُ ومِنْ غيرِهِ في ذلكَ كلِّهِ صِدقاً وحَقاً.

{ولمَّا بلغَ أشدَّهُ}.

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي]

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليك

– الشيخ : لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله

– طالب: أحسن الله إليكَ يا شيخ، آسية بنتُ مزاحم من النساء الكُمَّل؟

– الشيخ : إي نعم، نعم.

لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي} [طه:37-39]