الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب المناسك من زاد المستقنع/كتاب المناسك (8) “باب محظورات الإحرام” قوله وإن جامع المحرم قبل التحلل الأول فسد نسكهما

كتاب المناسك (8) “باب محظورات الإحرام” قوله وإن جامع المحرم قبل التحلل الأول فسد نسكهما

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب المناسك)
– الدّرس: الثّامن

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين، أمّا بعد: قال المصنّفُ -رحمهُ اللهُ تعالى- في كلامه في تتمة محظورات الإحرام:
(وإنْ جامعَ قبلَ التّحللِ الأولِ: فسدَ نسكُهُما، ويمضيانِ فيه، ويقضيانِه ثانيَ عامٍ)

– الشيخ: هذا هو المحظورُ الثامنُ، يقولُ: "إن جامعَ المُحرمُ قبلَ التحلّلِ الأوّلِ": ومعنى ذلك سواءٌ كان قبلَ الوقوفِ أو بعدَهُ، لكن قبلَ التحلّلِ الأوّلِ، والتحلّلُ الأوّلُ معروفٌ أنَّه يحصلُ باثنين من ثلاثةٍ، ومن أهلِ العلمِ كما سيأتي أنَّ التحللَ يحصلُ برمي الجمرةِ. والمقصودُ أنَّ من جامعَ قبلَ التحلّلِ الأوّلِ يقولُ: "فسدَ نُسُكُهما": يعني الرجلُ والمرأةُ على تقديرِ أنّهما مُحرمانِ، يقولُ: فسدَ نُسُكُهما، يقولُ: يمضيان فيه ولا يقطعانِهِ، بل عليهما أن يُتمّا، فإذا جامعَ مثلًا بعدَ الوقوفِ بعرفةَ أو قبلَ الوقوفِ نقولُ: فسدَ نُسُكُهما، وعليه أن يقفَ بعرفةَ ولا يقولُ: أريدُ أن أرجعَ إلى أهلي، لا، يقفُ بعرفةَ، ويقفُ بمزدلفةَ، ويرمي الجمارَ، ويطوفُ، ويُكملُ كلَّ المناسكِ وطوافَ الإفاضةِ، ويستدلّون بقولِهِ تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]
لا خلافَ أنَّ الصحيحَ هو إتمامُهُ، من شرعَ بالحجِّ متطوّعًا فعليه أن يُتمَّه، وهذا ليسَ كصومِ التطوّعِ فإنَّه يجوزُ الفطرُ فيه، لكنَّ الحجَّ يلزمُ المُضيُّ فيه بالشروعِ، ومقتضى كلامِ الفقهاءِ في هذه المسألةِ أنَّ الفاسدَ كالصحيحِ في وجوبِ الإتمامِ كالصحيحِ في وجوبِ الإتمامِ. والأصلُ في هذه المسألةِ آثارٌ جاءت عن الصحابةِ فقط، يعني ترتّب على الجماعِ أربعةُ أمورٍ: فسادُ النُّسُكِ، ووجوبُ المُضيّ، والقضاءُ من العامِ القابلِ، وعليه هديٌ، هذه أربعةُ أمورٍ، وليسَ في المحظوراتِ كما تقدّمَ ما يُفسدُ الحجَّ إلَّا الجماعَ.
والدليلُ على تحريمِ الجماعِ ما تقدّم من حديثِ عثمانَ: "لا يَنْكِحْ المُحرِمُ، ولا يُنْكِح" والنكاحُ يُطلقُ على العقدِ والوطءِ، فالحديثُ دليلٌ على المحظورينِ؛ عقدِ النكاحِ والجماعِ، وهو الرّفثُ أيضًا كما قال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187] وقال في الحجِّ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ [البقرة:197] وتحريمُ الجماعِ على المُحرمِ هذا مُجمعٌ عليه، وفي الحديثِ: "من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفثْ، ولم يفسقْ، رجعَ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ".
يقول: "ويمضيانِ فيه": أي يتمّانِه بفعلِ جميعِ المناسكِ كالصحيحِ تمامًا، وعليهما الحجُّ من قابل، وأمَّا ذكرُ الهدي فالظاهرُ أنَّه يذكرونَه في بابِ الفديةِ.
يقضيانِهِ وإن لم يكن عليهما فرضٌ، لأنَّه صارَ الحجُّ عليهما فرضًا بالشروعِ، يعني أوجباهُ على أنفسهما بالشروعِ وأفسداهُ بالجماعِ، فوجبَ عليهما القضاءُ من قابل، هذا توجيهُهُ، ومفهومُ هذا أنَّ الجماعَ بعد التحلّلِ الأوّلِ له حكمٌ آخرُ وأنَّه لا يفسدُ النُّسُكُ، ولكن كما سيأتي يفسدُ الإحرامُ وعليهما هدي شاة، أمَّا قبلَ التحلّلِ الأولِ فيترتّبُ عليه الأمورُ الأربعُ التي ذكرت. 

– القارئ: (وتحرمُ المباشرةُ: فإنْ فَعَلَ فأنزلَ، لم يفسُدْ حجُّهُ، وعليهِ بدنَةٌ، لكنْ يُحرِمُ مِنَ الحلِّ لطوافِ الفرضِ)
– الشيخ: هذا المحظورُ التاسعُ، يقولُ: "وتحرمُ المباشرةُ": سواءٌ بلمسٍ أو تقبيلٍ أو ضمٍّ، تقولُ السيدةُ عائشةُ رضي اللهُ عنها: "كان رسولُ اللهِ يُقبّلُ وهو صائمٌ ويباشرُ وهو صائمٌ، وكان أملكُكُم لإربِهِ" وقولُه تعالى: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] فتحرمُ المباشرةُ على المُحرمِ، ومعنى ذلك أنَّه يحرمُ على المُحرمِ الجماعُ ودواعيهِ. يقول: إن باشرَ وأنزلَ لم يفسدْ حجُّهُ، فليسَ الإنزالُ بمنزلةِ الجماعِ.
"وعليه بدنةٌ": أي فديةٌ، لكن يُحرمُ من الحلِّ لطوافِ الفرضِ، فمعنى هذا الكلامِ: من باشرَ؛ وظاهرُ الإطلاقِ هذا يحتاجُ إلى شرحٍ، يعني كأنَّه مقيّدٌ يعني باشرَ قبلَ التحلّلِ الأوّلِ هذا مفهومُ الكلامِ، من جامعَ قبلَ التحلّلِ فسدَ، إن باشرَ وأنزلَ لم يفسدْ، وذلك كلَّه قبلَ التحلّلِ الأوّلِ، فإن باشرَ فأنزلَ يعني قبلَ التحلّلِ الأوّلِ لم يفسدْ نُسُكُهُ وعليه بدنةٌ، ولكن يلزمُهُ أن يُحرمَ من الحلِّ، يعني يُجدّدُ الإحرامَ لطوافِ الفرضِ، فعندما يأتي وقتُ طوافِ الإفاضةِ، وطوافُ الإفاضةِ فرضٌ، فيلزمُهُ أن يحرمَ من الحِلِّ، معناهُ أنَّ النُّسُكَ لم يفسدْ، ولكن فسدَ حكمُ الإحرامِ، فيحتاجُ أن يخرجَ إلى الحِلِّ، مثلًا إلى التّنعيمِ أو غيرِهِ، فيُحرمُ منه إذا أرادَ أن يطوفَ طوافَ الإفاضةِ، وهذا الفعلُ المعروفُ أنَّه حكمُ من جامعَ بعد التحلّلِ الأوّلِ ليطوفَ طوافَ الإفاضةِ بإحرامٍ صحيحٍ، عندهم فسادُ النُّسُكِ كما تقدَّمَ، وفيه فسادُ الإحرامِ من غيرِ فسادِ النُّسُكِ، فمن جامعَ بعد التحلّلِ الأوّلِ فسدَ إحرامُهُ، ونُسُكُهُ صحيحٌ، فيحتاجُ إذا أرادَ أن يطوفَ طوافَ الإفاضةِ أن يخرجَ ويُحرمَ ويطوفَ.
– مداخلة:
– الشيخ:
لا أدري ماذا يقولون عندَهم، لكنَّ المعروفَ أنَّ التحلّلَ الأوّلَ يَحلُّ للمُحرمِ فيه كلُّ شيءٍ إلّا…، وهنا أطلقَ، لكنَّ ظاهرَهُ عندي أنَّه قبلَ التحلّلِ الأوّلِ، ولهذا قال لم يفسدْ نُسُكُهُ وعليه بدنةٌ ولكن يطوفُ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "وإن جامعَ المحرمُ قبلَ التحلّلِ الأوّلِ": هذا هو المحظورُ الثامنُ من محظوراتِ الإحرامِ، وهو الجماعُ، وهو أشدُّها إثمًا، وأعظمُها أثرًا في النُّسُكِ، ولا شيءَ من محظوراتِ الإحرامِ يُفسدُهُ إلَّا الجماع قبلَ التحلّلِ الأوّلِ، عكسُ بقيَّةِ العباداتِ، فباقي العباداتِ كلُّ محظورٍ وقعَ فيها أفسدَها إلّا الحجَّ والعمرةَ، خلافًا للظاهريةِ الذين يقولون: إنَّ جميعَ المحظوراتِ تفسدُ الحجَّ والعمرةَ، وهذا نوعٌ من القياسِ الذي كانوا يُنكرونَهُ.

– الشيخ: ليسَ بظاهرٍ، يعني لم يقيسونَهُ على الجماعِ، هم أصلُ التأصيلِ أنَّ المعصيةَ تُفسدُ العبادةَ فقط، يعني لو كانوا إن قالوا: إنَّ الحلقَ يُفسدُ النُّسُكَ، والطيبَ يُفسدُ النُّسُكَ وكذا قياسًا على الجماعِ تناقضَ القولُ، لكن هم لا يقولون بفسادِ النُّسُكِ بهذه المحظوراتِ قياسًا على الجماعِ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
وهو قياسٌ فاسدٌ في مقابلةِ النصِّ.

– الشيخ: لعلَّ الشيخَ يريدُ أنَّهم قالوا بفسادِ الحجِّ بجميعِ المحظوراتِ قياسًا على سائرِ العباداتِ، يعني كما يفسدُ الصومُ بالمفطّراتِ، وتفسدُ الصلاةُ بالمبطلاتِ، قالوا كذلك الحجُّ، لعلَّ الشيخَ يريدُ هذا.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
والنصُّ أنَّ اللهَ أباحَ للمحرمِ الذي به أذىً في رأسهِ حلقَ رأسهِ بدونِ أن يفسدَ نُسُكُهُ، ولو كانت المحظوراتُ مفسدةً لأفسدتْهُ ولو حلَّتْ للضرورةِ، كما نقولُ للصائمِ: إذا اضطرَّ للأكلِ والشربِ، وأكلَ وشربَ فسدَ صومُهُ، نحن نقولُ: "فسدَ" ولا نقولُ: "بطلَ"؛ لأنّنا إذا قلنا: "بطلَ" يعني الخروجُ منه، وإذا قلنا: "فسدَ" يعني المضيُّ فيه ولو كان فاسدًا. ولا يُبطلُ الحجَّ إلَّا شيءٌ واحدٌ وهو الردَّةُ ـ والعياذُ باللهِ ـ حتى لو تابَ وأسلمَ يؤمَرُ بقضائِهِ.

– الشيخ: أمَّا الفرضُ فظاهرٌ، إذا كان الردّةُ والعياذُ باللهِ في حجِّ الفرضِ، لكن كأنَّ الشيخَ يلوّحُ بأنَّه في الحجِّ مطلقًا، حتى ولو كان الحجُّ تطوّعًا، كما إذا فسدَ في الجماعِ، إذا فسدَ بالردّةِ فإنَّ عليه التوبةُ وعليه القضاءُ.

– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
ويحصلُ الجماعُ بإيلاجِ الحشفةَ في قبلٍ أو دُبرٍ، وهو محرمٌ بنصِّ القرآنِ، قال اللهُ تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ [البقرة: 197] فسَّرهُ ابنُ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ بالجماعِ، والجماعُ له حالان:
الأولى: أن يكونَ قبلَ التحلّلِ الأوَّلِ. الثانيةُ: أن يكونَ بعدَ التحلّلِ الأوَّلِ. والتحلّلُ الأوّلُ يكونُ برمي جمرةِ العقبةِ يومَ العيدِ.

– الشيخ: هذا اختيارُ الشيخِ، وهو اختيارٌ قويٌّ، اختارَهُ ابنُ قدامةَ، وشيخُنا الشيخُ ابنُ بازٍ رحمهُ اللهُ، أنَّ التحلّلَ الأولَ يحصلُ برمي الجمرةِ، وفي المذهبِ المشهورِ أنَّه يحصلُ باثنين من ثلاثةٍ، فمعناهُ من رمى وحلقَ حلَّ.

– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
فإذا لم يرمِ الجمرةَ فإنّه في إحرامٍ تامٍّ، وإذا رمى الجمرةَ حلَّ التحلّلَ الأوّلَ عند كثيرٍ من العلماءِ، وعندَ آخرينَ لا يحلُّ إلَّا بالرمي مضافًا إليه الحلقُ أو التقصيرُ، فإذا حلقَ أو قصَّرَ مع الرمي فقد حلَّ التحلَّلَ الأوَّلَ. والتحلُّلُ الثاني: يكونُ إضافةً إلى الرمي والحلقِ أو التقصيرِ بالطوافِ والسعي إن كان متمتّعًا، أو كان مفردًا أو قارنًا ولم يكن سعى مع طوافِ القدومِ، فصارَ التحللُ الأولُ يحصلُ بالرمي والحلقِ أو التقصيرِ، والثاني بالرمي والحلقِ أو التقصيرِ والطوافِ والسعي، وأمّا ذبحُ الهدي فلا علاقةَ له بالتحلّلِ، فيمكنُ أن يتحلّلَ التحلّلَ كلَّه، وهو لم يَذبحِ الهديَ.
قولُه: "فسدَ نُسُكُهما، ويمضيانِ فيه، ويقضيانِه ثانيَ عامٍ": هذه ثلاثةُ أحكامٍ، وبقيَ حكمانِ: الإثمُ، والفديةُ، وهي بدنةٌ.

– الشيخ: الإثمُ لا يذكرونَه لأنَّه بدهيٌّ، فيسكتونَ عنه.

– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
فصارَ الجماعُ قبلّ التحلّلِ الأوّلِ يترتّبُ عليه خمسةُ أمورٍ: الأولُ: الإثمُ. الثاني: فسادُ النُّسُكِ. الثالثُ: وجوبُ المضيِّ فيه. الرابعُ: وجوبُ القضاءِ. الخامسُ: الفديةُ، وهي بدنةٌ تُذبحُ في القضاءِ. مثالُ ذلك: رجلٌ جامعَ زوجتَه ليلةَ مزدلفة في الحجِّ عالمًا عامدًا لا عذرَ له.
– الشيخ: هذا التقيد يظهرُ عند الشيخِ، أمَّا هم يطلقونَ الكلامَ، أمَّا الشيخُ قيّدَهُ بهذا وهو حقٌّ، عالمًا لا جاهلًا، ومتعمّدًا لا ناسيًا، مختارًا لا مكرهًا.

– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
نقولُ: ترتّبَ على جِماعِكَ خمسةُ أمورٍ: الأولُ: الإثمُ، فعليك التوبةُ. الثاني: فسادُ النُّسُكِ، فلا يعتبرُ هذا النُّسُكُ صحيحًا. الثالثُ: وجوبُ المضيّ فيه، فيجبُ أن تكملَهُ؛ لقولِه تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] الرابعُ: وجوبُ القضاءِ من العامِ القادمِ بدونِ تأخيرٍ. الخامسُ: فديةٌ، وهي بدنةٌ تُذبحُ في القضاءِ. فأمَّا الإثمُ فظاهرٌ؛ لأنَّه عصى اللهَ ـ عزَّ وجلَّ ـ لقولِه: فَلاَ رَفَثَ، وأمَّا فسادُ النُّسُكِ، فلقضاءِ الصحابةِ ـ رضي اللهُ عنهم ـ بذلك، ووردَ فيه أحاديثُ مرفوعةٌ ولكنَّها ضعيفةٌ.

– القارئُ يقرأُ من السلسبيلِ:
– الشيخ: وقد جاءَ في الموطّأ ولفظُهُ، حدثني يحيى عن مالكٍ أنَّه بلغَهُ أنَّ عمرَ بن الخطابِ وعليَّ ابنَ أبي طالبٍ وأبا هريرةَ سُئلوا عن رجلٍ أصابَ أهلَهُ وهو مُحرمٌ بالحجِّ، فقالوا: ينفذانِ يمضيانِ لوجهِهِما حتى يقضيانِ حجَّهما، ثم عليهما حجٌّ من قابل والهدي.
– مداخلة: في الروضِ: يقولُ عمرُ وأبو هريرةَ وابنُ عباسٍ.
– الشيخ: يعني زادَ ابنَ عباسٍ، المهمُّ أنَّ العمدةَ في هذه الاحكامِ أقوالُ الصحابةِ رضي اللهُ عنهم.

– القارئُ يكملُ القراءةَ من الشرحِ الممتع:
وأمَّا وجوبُ المضيّ فيه، فصحَّ ذلك عن الصحابةِ عن عمرَ وغيرِه، وذهبتِ الظاهريّةُ إلى أنَّه يفسدُ نُسُكُهُ ويبطُلُ وينصرفُ.
– الشيخ: ل
كن على حدِّ قولِهم، لو وقعَ هذا، فتطبيقًا لقولِهم يرجعُ ويُحرمُ والحمدُ للهِ، ما دامَ أنَّه فسدَ فيستطيعُ أن يستأنفَ ما دامَ الوقتُ وقتَ إحرامٍ، كما أنَّ ليلةَ النحرِ وقتٌ للإحرامِ، الذي لم يصلِ المناسكَ يستطيعُ أن يحرمَ، فإذا فسدَ يستأنفانِ الإحرامَ.

– القارئُ: ولا يمكنُ أن يتمَّ نسكًا فاسدًا؛ لأنَّهم يقولون: هل الفاسدُ عليه أمرُ اللهِ ورسولِه ـ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-؟
فإن قلت: نعم، لزمَ من ذلكَ أنَّ اللهَ ورسولَه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يأمرانِ بالفسادِ، وإن قلت: لا، قالوا إنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: "من عملَ عملًا ليسَ عليه أمرنا فهو رد" والمردودُ لا فائدةَ من فعلِهِ، قال تعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147] وقال بعضُ العلماءِ من التابعين: يتحلَّلُ بعمرةٍ ويقضي.

– الشيخ: لكن لماذا لا يقولون: يتحلَّلُ بعمرةٍ عوضًا عن الإتمامِ، أي إتمامِ النُّسُكِ، يعني بدلَ أن يمضيَ فيه ويلتزمَ كلَّ المناسكِ، خلص يروح يطوفُ ويسعى ويجعلُها عمرةً، ونحن نقولُ على هذا التقديرِ والتقديرِ الذي قبلَهُ: الحمدُ للهِ ما دامتِ الفرصةُ مواتيةً يبادرُ ويُحرمُ، وما أذكرُ أنَّهم ذكروا هذا الأسلوبَ أو هذا العملَ، هو ممكن ما الذي يمنعُ منه، يذهبُ إلى الحلِّ ويُحرمُ، يمكنُهُ أن يُحرمَ ويقفَ بعرفةَ.

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
فيجعلونَه بمنزلةِ من فاتَهُ الوقوفُ بعرفةَ، فإنَّه يتحلَّلُ بعمرةٍ ويحلّ، لكن لا شكَّ أنَّ الصحابةَ ـ رضيَ اللهُ عنهم ـ أعمقُ منَّا علمًا، وأسدُّ منّا رأيًا، فهم إلى الصوابِ أقربُ منَّا فنأخذُ بأقوالهم، ونقولُ: يفسدُ النُّسُكُ ويلزمُ المضيُّ فيه، ولا غرابةَ في ذلك، فها هو الرَّجلُ يفطرُ في نهارِ رمضانَ عمدًا بلا عذرٍ، ويلزمُهُ الإمساكُ والقضاءُ، ثمَّ إنَّ في إلزامِهِ بالمضيّ نوعُ عقوبةٍ له، وفيه ـ أيضًا ـ سدًا لبابِ الشرِّ؛ لأنَّ بعضَ الناسِ لا يهمُّهُ أن يأثمَ، فيجامعُ من أجلِ أن ينصرفَ، ففي هذا ردعٌ وتأديبٌ له. وإذا مضى في هذا الفاسدِ، فحكمُهُ حكمُ الصحيحِ على الراجحِ في كلِّ ما يترتبُ عليه من محظوراتٍ وواجباتٍ، وأمَّا الردُّ على قولِ الظاهريةِ، فنقولُ: اتباعُ الصحابةِ ـ رضي اللهُ عنهم ـ أحسنُ وأولى.
وقولُه: "يقضيانه": الفاعلُ يعودُ على المجامِعِ والمجامَعِ، والهاءُ تعودُ على الحجِّ، وظاهرُ كلامِ المؤلّفِ أنَّهما يقضيانِه سواءً كان الحجُّ الذي أفسداه فرضًا أو تطوعًا، أمَّا إن كان فرضًا فالأمرُ واضحٌ، وأمَّا إن كان نفلًا؛ فلأنّهما أفسدُ ما يجبُ عليهما المضيُّ فيه، فلزمهما إعادتُه.
وقولُه: "ثاني عام": يُفهمُ منه أنَّه لا يجوزُ تأخيرُهُ إلى العامِ الثالثِ، فإن عَجِزا بقيَ في ذمّتهما حتى يقدرا على القضاءِ.
تنبيه: لم يذكرِ المؤلّفُ ـ رحمهُ اللهُ ـ ما إذا جامعَ بعدَ التحلّلِ الأوّلِ، لكن ذكرَهُ غيرُهُ. قالوا: إذا جامعَ بعدَ التحلّلِ الأوّلِ، فإنّه يجبُ عليه أن يخرجَ إلى الحلِّ ويحرمَ، أي: يخلعُ ثيابّ الحلِّ ويلبسُ إزارًا ورداءً ليطوفَ طوافَ الإفاضةِ محرمًا؛ لأنَّه فسدَ إحرامُهُ، أي: فسدَ ما تبقّى من إحرامِه،

– الشيخ: لأنَّه بعدَ التحلّلِ الأوّلِ يبقى عليه نوعُ إحرامٍ، ولهذا تحرمُ عليه النساءُ، فليس إحرامًا كاملًا، بل عنده بقيّةُ إحرامٍ، فلا يفسدُ النُّسُكُ، ولكن يفسدُ هذا الإحرامُ المتبقّي.

القارئُ: فوجبَ عليه أن يجدّدَهُ، وعليه فديةٌ، وسيأتي إن شاءَ اللهُ بيانُ الفديةِ فيما بعد، وعليه الإثمُ، إذًا، إذا جامعَ بعدَ التحلّلِ الأوّلِ ترتّبَ عليه أربعةُ أمورٍ: الأوّلُ: الإثمُ. الثاني: فسادُ الإحرامِ. الثالثُ: وجوبُ الخروجِ إلى الحلِّ ليُحرمَ منه. الرابعُ: الفديةُ. مثالُه: رجلٌ رمى وحلَّقَ يومَ العيدِ، ثمَّ جامعَ أهلَهُ قبلَ أن يطوفَ ويسعى، فعليه الإثمُ، والفديةُ، وفسدَ إحرامُهُ، وعليه الخروجُ إلى الحلّ ليحرمَ فيطوف محرمًا، لا بثيابِه؛ لأنَّ إحرامَه فسدَ.
– الشيخ: يعني الآن فرّقنا بين فسادِ النُّسُك وفسادِ الإحرامِ، لا يلزمُ من فسادِ الإحرامِ بعد التحلّلِ فسادُ النُّسُكِ.
وهذه الأثارُ تحتاجُ إلى التحقّقِ من ثبوتِها عن الصحابةِ رضي اللهُ عنهم، لأنَّه ما دمنا نتثبّتُ من الأحاديثِ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ولا نعتمدُ إلَّا على ما صحَّ منها فكذلك الأثارُ، والذين نقلوا لنا عن مالك قالوا: "بلغنا" فيُنظرُ فيها لأنَّ الأصلَ في بلاغاتِ مالكٍ رحمهُ اللهُ غيرُ صحيحةٍ إلّا إذا وردت مسندةً من طريقِ آخرَ.
– مداخلة:
 
القارئُ يقرأُ من الحاشيةِ:
قالوا، وأجمعوا على من وطءَ قبلَ أن يطوفَ ويسعى أنَّه مُفسدٌ، والقولُ بفسادِ الحجِّ وردَ عن عمرَ وعليٍّ وأبي هريرةَ رضي اللهُ عنهم أنَّهم سُئِلوا عن رجلٍ أصابَ أهلَهُ وهو مُحرمٌ فقالوا: ينفذانِ لوجهِهما ثمَّ عليهما حجٌّ من قابل والهدي. أخرجَهُ مالكٌ في الموطّأ، ومن طريقِهِ البيهقيُّ، رواهُ البيهقيُّ عن عطاءَ عن عمرَ وهو منقطعٌ كما في الجوهرِ النقيّ، ورواهُ أيضًا ابنُ أبي شيبةَ في الملحقِ والبيهقيّ، وابنُ حزمٍ في المُحلّى وقال: مرسلٌ عن عمرَ لأنَّه عن مجاهدٍ عن عمرَ، ولم يدرك مجاهدٌ عمرَ وانظرِ التلخيصَ، ووردَ عن ابنِ عمرَ وابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهم فسادُ نُسُكِ من جامعَ أهلَهُ والمُضي فيه والحجّ من قابل والهدي أخرجَهُ ابنُ أبي شيبةَ كما في الملحقِ، والدارقطني والبيهقي، وقال البيهقي: هذا إسنادٌ صحيحٌ. ومن ذلك ما رواهُ يحيى ابنُ أبي كُثر قال أخبرني يزيدُ ابنُ نعيمٍ أو زيدُ ابنُ نعيمٍ شكَّ الراوي: "أنَّ رجلًا من جذامةَ جامعَ امرأتَهُ وهما محرمانِ فسألا الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فقال لهما اقضيا نُسُكُكما واهديا هديًا وارجعا حتى إذا جئتُما المكانَ الذي أصبتما فيه ما اصبتُما فتفرّقا ولا يرى واحدٌ منكم صاحبَهُ وعليكم حجةً أخرى" أخرجَهُ أبو داودَ في المراسيل ومن طريقهِ البيهقي وقال: هذا منقطعٌ، وقال ابنُ حجرٍ في التلخيصِ: رجالُهُ ثقاتٌ مع إرسالِهِ، ورواهُ ابنُ أبي وهبٍ في موطّأهِ عن سعيدِ ابنِ المسيّبِ مرسلًا.

– الشيخ: يعني نقولُ مجموعُ الآثارِ.

– القارئُ: قوله: "وتحرمُ المباشرةُ، فإن فعلَ فأنزلَ لم يفسدْ حجُّهُ وعليه بدنةٌ": المباشرةُ: أي مباشرةُ النساءِ لشهوةٍ، وهذا هو المحظورُ التاسعُ.
– الشيخ: هل ذكروا
خلافًا في الأحكامِ المتقدّمةِ؟ الشيخُ محمّدٌ رحمهُ اللهُ أشارَ إلى الآثارِ فقط، يعني إذا أعرضنا عن مذهبِ الظاهريةِ، فالظاهرُ أنَّه قولُ الجميعِ، فيقالُ أنَّه قولُ الجمهورِ، ولم يخالفْ إلَّا الظاهريةُ.
– مداخلة: … اعتبرهُ اجماعًا.
– الشيخ: هذا بإسقاطِ الظاهريةِ، يعني بمعنى أنّهم لم يعتدّوا بخلافِهم.

– القارئ: قولُه: "فسدَ نُسُكُهما": ظاهرُهُ ولو كان ذلك بعد الوقوفِ بعرفةَ، وهو قولُ عبدِ اللهِ ابنِ عمرَ ومالكٍ والشافعي وأكثرِ العلماءِ، وعند أبي حنيفةَ إذا كان بعد الوقوفِ فحجُّهُ صحيحٌ وعليه بدنةٌ… الوطء بعد التحلّلِ الأوّلِ ولو قبلَ طوافِ الإفاضةِ لا يفسدُ به النُّسُكُ وعليه شاةٌ وهو قولُ أكثرِ العلماءِ.
– الشيخ: 
أقول: يجدُ الإنسانُ حرجًا في أن يوجبَ على الناسِ هذه الواجباتِ الثقيلةِ، إذا قلنا عليه الحجُّ من قابل إذا كان أتى من العراقِ مثلًا أو خراسان أو المغربِ فهذا فيه حرجٌ عظيمٌ.
– القارئ: لكن ذكرَ الخلافَ بينهم في الهدي، فائدة: الهديُ الواجبُ في الجماعِ شاةٌ عند مالكٍ وأبي حنيفةَ، وعندنا وعند الشافعيةِ بدنةٌ ودليلُنا ما رواهُ البيهقيُّ عن ابنِ عباسٍ قال: إذا جامعَ فعلى كلِّ واحدٍ منهما بدنةٌ.
 
القارئُ يكملُ القراءةَ من الشرحِ الممتعِ:
وهو آخرُ المحظوراتِ، والدليلُ قولُه تعالى: فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] ولأنَّه إذا كان يحرمُ عقدُ النكاحِ الذي تُستباحُ به المباشرةُ فالمباشرةُ من بابِ أولى، وأمَّا المباشرةُ لغيرِ شهوةٍ، كما لو أمسكَ الرجلُ بيدِ امرأتِه، فهذا ليس حرامًا، أمّا لو كانت المباشرةُ بشهوةٍ فهو حرامٌ، وسواءٌ كانت المباشرةُ لشهوةٍ باليدِ، أو بأيِّ جزءٍ من أجزاءِ البدنِ، سواءٌ كانت بحائلٍ أو بدونِ حائلٍ؛ لأنَّ ذلك يُخلُّ بالنُّسُكِ، وربّما أدَّى إلى الإنزالِ، فإن كانت قبلَ التحلّلِ الأوّلِ، فأنزلَ ترتّبَ عليه أمران: الإثمُ، والفديةُ؛ وهي بدنةٌ كفديةِ الجماعِ، لكنَّ النُّسُكَ لا يفسدُ والإحرامُ أيضًا لا يفسدُ.
فإن باشرَ ولم ينزلْ بل أمذى، أو كان له شهوةٌ، ولكن لم يمذِ ولم ينزلْ فليسَ عليه بدنةٌ، بل عليه فديةُ أذى، كما سنذكُرُه إن شاءَ اللهُ فيما بعد. فالمباشرةُ توافقُ الجماعَ في أنَّ الفديةَ فيها بدنةٌ، وتخالفُ
الجماعَ في عدمِ إفسادِ النُّسُكِ والإحرامِ، وعدمِ القضاءِ.
فإذا قال قائلٌ: ما الدليلُ على وجوبِ البدنةِ فيها؟ قلنا: الدليلُ القياسُ على الجماعِ؛ لأنّها فعلٌ موجبٌ للغسلِ مع الإنزالِ، فأوجبَ الفديةَ كالجماعِ، وليس فيها نصٌّ ولا أقوالٌ للصحابةِ، لكنَّ هذا القياسَ ضعيفٌ؛ لأنَّه كيف يُقاسُ فرعٌ على أصلٍ يخالفُهُ في أكثرِ الأحكامِ، فالمباشرةُ مع الإنزالِ لا توافقُ الجماعَ إلّا في مسألةٍ واحدةٍ وهي وجوبُ الغسلِ، فلا توافقُهُ في فسادِ النُّسُكِ، ولا في وجوبِ قضائِهِ، ولا في فسادِ الصيامِ ـ على قولِ بعضِ أهلِ العلمِ ـ وحينئذٍ يُقالُ: ما السببُ في أنَّك ألحقتها به في هذا الحكمِ، مع أنّها تخالفُهُ في أحكامِ أخرى، فلماذا لا تجعلُها مخالفةً له في هذا الحكمِ كما خالفتْهُ في الأحكامِ الأخرى؟!

– الشيخ: يعني كأنَّ الشيخَ يميلُ إلى أنَّه يكفي فيه فدية؛ شاة مثل ما قال مالكٌ والأحنافُ وغيرُهم.

– القارئُ: فالصحيحُ أنَّ المباشرةَ لا تجبُ فيها البدنةُ، بل فيها ما في بقيةِ المحظوراتِ.
– الشيخ: 
وهي فديةُ الأذى، سوى قتلِ الصيدِ لأنَّه متميّزٌ بخصائِصِه والجزاءُ والذي يختلفُ باختلافِ نوعِ الصيدِ.

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "لكن يحرمُ من الحلِّ لطوافِ الفرضِ": يظهرُ أنَّ هذا سَبْقُ قلمٍ من الماتنِ ـ رحمهُ اللهُ ـ؛ لأنَّ هذا الحكمَ المستدركَ لا ينطبقُ على المباشرةِ، بل ينطبقُ على الجماعِ بعدَ التحلّلِ الأوّلِ، والإنسانُ بشرٌ، قال اللهُ تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء:82] فهذه العبارةُ الأصحُّ أن تنقلَ إلى الجماعِ بعد التحلّلِ الأوّلِ، فهو الذي ذكرَ أهلُ العلمِ أنَّه يفسدُ به الإحرامُ، وأنَّه يجبُ أن يخرجَ إلى الحلّ؛ ليحرمَ منه فيطوف محرمًا.
– مداخلة: 
إن باشرَ ولم ينزلْ …؟
– الشيخ: لا، فديةُ أذى، أنت تقصدُ كلامَ الشيخِ؟ الشيخُ يخالفُ قولَهم بقياسِ المباشرةِ على الجماعِ في وجوبِ البدنةِ، لكن إذا لم يُنزل فلا يجبُ شيءٌ، هذا مقتضى كلامِ الشيخِ.
– مداخلة: قال الشيخُ: إن باشرَ ولم يُنزلْ ولكن أمذى فعليه فديةُ أذى.
– الشيخ: فيه تأمُّلٌ، تقدَّمَ في الصومِ أنَّ المذيَ لا يُفسدُ الصومَ، فيظهرُ أنَّه إذا لم ينزلْ لا يجبُ عليه شيءٌ.
– مداخلة: … طافَ طوافَ الإفاضةِ يتحلّلُ؟ وطوافُ الإفاضةِ ركنٌ والرميُ واجبٌ، هل يتحلّلُ بالواجبِ؟
– الشيخ: لا، ولو كان، وهذا سيأتي في التحلّلِ إن شاءَ اللهِ.

– القارئ: (وإحرامُ المرأةِ: كالرجلِ، إلا في اللباسِ)
– الشيخ: 
يعني يحرمُ عليها كلُّ ما يحرمُ على الرجلِ من الحلقِ والتقليمِ والطيبِ، وقتلِ الصيدِ، والجماعِ والمباشرةِ، إلّا في اللباسِ فإنّها تلبسُ اللباسَ الساترَ لبدنِها، فإنّها تلبسُ الدرعَ والقميصَ والسراويلَ والخفافَ وتغطي رأسَها، المهم إلّا في اللباسِ إجمالًا، لكن دلَّ حديثُ ابنُ عمرَ: "ولا تنتقبُ المرأةُ، ولا تلبسُ القفّازين" وهل معنى تنتقبُ تغطّي وجهها؟ الفقهاءُ جعلوا هذا دليلًا على أنّها لا تغطّي رأسَها إلّا بحضرةِ الأجانبِ.
والقولُ الآخرُ أنّها منهيةٌ عن لُبسِ النقابِ: وهو ما يُخاطُ خاصًا بالوجهِ كالبرقعِ، والبرقعُ: مخصّصٌ للوجهِ يُخيّطُ وفيه فتحتان للعينينِ فهذا نقابٌ، أمّا أنَّها تغطّي رأسَها بخمارٍ تسدلُهُ على وجهِها فلا يدلُّ عليه الحديثُ: "ولا تنتقبُ المرأةُ، ولا تلبسُ القفّازين" فكما أنَّه لها أن تغطّي كفّيها بالعباءةِ، كذلك الوجهُ تغطّيهِ بالخمارِ لكن لا تغطّيه باللباسِ الخاصِّ. يقولُ ابنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ فيما معناه: إنَّ وجهَ المرأةِ كبدنِ الرجلِ في الإحرامِ، فلها أن تُغطّيه بما شاءت إلّا اللباسَ المخصّصَ لسترِ الوجهِ.

– القارئ: (وتجتنبُ: البرقُعَ، والقفازينِ، وتغطيةَ وجهِهَا، ويُباحُ لها التحلِّي)
– الشيخ: "البرقعُ": ظاهرٌ، "والقفازين": منصوصٌ عليهما: "ولا تنتقبُ المرأةُ، ولا تلبسُ القفازين" "وتغطيةُ وجهِها": هنا المشكلةُ، يعني هذه من أين أتوا به، يعني كأنَّهم أخذوها أو قاسوها.
"يباحُ لها التحلِّي": المُحرمةُ يُباحُ لها أن تلبسَ الحُليَّ في بدنا كالقُرطِ في أذنِها، وكالسوارِ في يدها والخواتيم، لكن عليها أن تسترَها لقولِه تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31]
– مداخلة: الآن طلع أشياء يسمونه نقاب، يُظهِر الرموشَ والأجفانَ والوجنتين.
– الشيخ: هذا من جملةِ تساهلِ الناسِ، الأصلُ أنَّ النقابَ يسترُ الوجهَ إلَّا العينَ أو العينين، الآن المرأةُ هي الأداةُ التي يُساومُ عليها الملاحدةُ والكفرةُ والعلمانيونَ والمنافقونَ والفسقةُ؛ يقول قائلُهم: إنَّ المرأة لم تأخذْ حقَّها في هذا البلدِ!
 




 
الأسئلة:

س1: قولُه: "يقضيانِه ثاني عام" هل يلزمُ القضاءُ العامَ القادمَ، أم يسعُهُ قضاءُهُ وقتَ يستطيع؟
ج: إذا كان لا يستطيعُ فلا حرجَ عليه، لكنَّ كلامَهم هذا محمولٌ على من يستطيعُ، كأنّهم يقولون: يقضيانِه ثاني عامٍ إن كان يستطيعُ، شرطُ الاستطاعةِ بدهيٌّ في جميعِ الواجباتِ، "فلا واجبَ مع العجزِ": قاعدةٌ صحيحةٌ.
………………………………..
س2: ما قولُكم في إعادةِ الإحرامِ إن فسدَ، هل هو واجبٌ؟
ج: كأنَّه يريدُ المسألةَ الثانيةَ وهو فسادُ الإحرامِ بعد التحلّلِ الأوّلِ، هذا جاءَ عن ابنِ عباسٍ، نقولُ: نعم، إذا جامعَ بعدَ التحلّلِ الأوّلِ فإنَّه يخرجُ ويُحرمُ ثمَّ يأتي ويطوفُ.
………………………………..
س3: بعدَ التحلّلِ الأوّلِ التقيتُ بصديقٍ لي، فأثناءَ المحادثةِ أخبرني أنَّ ابنتَه تدرسُ في كليةِ الشريعةِ، فأخبرتُه أني أرغبُ بالزواجِ بها، وردَّ عليَّ أنَّها مشغولةٌ بالدراسةِ، فهل هذا الكلامُ الذي حصلَ بيني وبينَه أثّرٌ على حجّي؟
ج: ليسَ فيه شيءٌ، هذا نوعُ خطبةٍ.
………………………………..
س4: إذا فسدَ الحجُّ بالجماعِ وقلنا بوجوبِ الحجِّ عليه من قابل، والنظامُ لا يسمحُ إلّا بمرورِ خمسةِ سنواتٍ؟
ج: أصبحَ غير مستطيعٍ.
………………………………..
س5: هل يسقطُ عن المسبوقِ سجودُ السهوِ إن قامَ بعدَ السلامِ، ثمَّ فُوجئَ أنَّ الإمامَ سجدَ للسهوِ؟
ج: هو نفسُهُ يسجدُ للسهوِ إذا أتمَّ صلاتَه.
………………………………..
س6: قولُ بعضِ الفقهاءِ في بعضِ مسائلِ الطهارةِ بالجمعِ بين الوضوءِ والتيمّمِ، هل عليه دليلٌ؟
ج: ما أذكرُ إلَّا حديثَ صاحبِ الشجّةِ، وهو حديثٌ مختلفٌ فيه.
………………………………..
س7: امرأةٌ من مكةَ تبيتُ في مِنى وليس معها مَحرمٌ، وكانت قد سألت هل تتركُ المبيتَ وترجعُ، فأفتيتُ بالبقاءِ مع نساءٍ مأموناتٍ فهل هذا صحيحٌ أم لا؟
ج: يظهرُ أنَّ حجَّ المرأةِ من مكةَ ليس كغيرِها؛ لأنَّ انتقالَها ليسَ سفرًا.
………………………………..
س8: رجلٌ دخلَ على مسجدٍ ولقيَ رجلين يصلّيان فجرَّ أحدُهما للخلفِ بحيثُ يصفَّان خلفَ الإمامِ، فلمّا قضى الصلاةَ أنكروا فعلَهُ، هل هذا الإنكارُ له وجهٌ، وما هي الطريقةُ الصحيحةُ لمثلِ هذا؟
ج: هذا أحدُ الأمرين، والثاني أن يتقدّم الإمام، وما فعلَهُ يُعتبرُ عملًا صحيحًا.
………………………………..
س9: هل يجوزُ للمرأةِ أن تذبحَ؟
ج: نعم يجوزُ لها أن تذكّي الذبيحةَ، قال الفقهاءُ: ولو كانت حائضًا أيضًا.
………………………………..
س10: رجلٌ كثيرُ الشعرِ، فيسألُ عن كيفيةِ الصلاةِ، هل يربطُ شعرَهُ أو ماذا يفعلُ، حيثُ كثيرٌ من الناسِ تكلّموا في شأنِهِ، وليسوا من أهلِ العلمِ؟
ج: إذا كان لا يربطُهُ قبلَ الصلاةِ فلا يربطُهُ من أجلِ الصلاةِ، في الحديثِ الصحيحِ: "أُمرتُ أن أسجدَ على سبعةِ أعظمٍ وألّا أكفَّ شعرًا ولا ثوبًا".
………………………………..
س11: سمعتُ متحدّثًا يحكي قصةَ حبسِ موسى الكاظمِ على يدِ الخليفةِ هارونَ الرشيدِ، وكان يسبُّ هارونَ الرشيد، فهل يجوزُ مثل هذا الكلامِ؟
ج: هذا فضولي، وإن كان ظالمًا فحسابُه على اللهِ، وإن كان حَبَسَهُ بحقِّ فسبُّهُ حرامٌ.
………………………………..
س12: في الصلاةِ الجهريةِ، هل على المأمومِ قراءةُ الفاتحةِ، وإذا لم يقرأها هل تبطلُ الركعةُ؟
ج: قراءةُ الفاتحةِ في حقِّ المأمومِ محلُّ خلافٍ كثيرٍ، وأوسطُ الأقوالِ أنَّها لا تجبُ على المأمومِ في الجهريةِ، وقد يُقالُ: يقرأُها ولكن لو نسيها لم تبطلْ صلاتُه، أو تركَهَا مقلدًا لقولِ من يقولُ أنَّها ليست بواجبةٍ.
………………………………..
س13: جَنَّةُ الْمَأْوَى [النور:15] فُسّرت بأنّها الجنّةُ الجامعةُ لكلِّ نعيمٍ، حيث كانت محلًا تنتهي إليه الأماني، فما هو الفرقُ بينها وبين جنّةِ الفردوسِ؟
ج: اللهُ أعلم، وجنّةُ المأوى اسمٌ من أسماءِ الجنّةِ، لكنَّ المهمَّ أنَّ الفردوسَ هي أعلى الجنّة وأوسطُ الجنّةِ وسقفُها عرشُ الرحمنِ، وإذا كانت جنّةُ المأوى غيرَ الفردوسِ فإنّها أدنى من الفردوسِ.
………………………………..
س14: ما معنى قول اللهِ تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى [النجم:43]؟
ج: هذا معناهُ أنَّه هو الذي جعلكَ تضحكُ وجعلكَ تبكي، يعني كلُّ أفعالِ العبادِ خلقٌ للهِ، هو خالقُ كلِّ شيءٍ، وخلقَ أيضًا أسبابَ الضحكِ وأسبابَ البكاءِ.
………………………………..
س15: وردَ في لسانِ العربِ قال: صفةُ الرحمةِ للهِ: هي إحسانُه وإنعامُهُ وفضلُهُ، ولو قال مغفرتُهُ لعبادِهِ هل يصحُّ ذلك؟
ج: هذا جارٍ على مذهبِ أهلِ التأويلِ فيفسّرُ الرحمةَ والرضا والمحبّةَ بما يخلُقُهُ اللهُ سبحانَهُ وتعالى من أنواعِ النّعمِ، فيفسّرُ الرحمةَ بالإحسانِ، ومغفرتُهُ من رحمتِهِ، لكنَّ الرحمةَ لها معنىً أوسعَ.
………………………………..
س16: رجلٌ جاءته حالةٌ مرضيّةٌ فنذرَ أن يصومَ سنةً كاملةً، وأن يحفظَ القرآنَ إن شُفيَ من مرضِهِ ذلك، فتماثلَ للشفاءِ، فماذا عليه وهو يرى أنَّ صيامَ سنةٍ كاملةٍ فيه مشقّةٌ؟
ج: صدقَ رسولُ اللهِ: "النذرُ لا يأتي بخيرٍ، إنّما يستخرجُ به من البخيلِ" وكان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ينهى عن النذرِ، فينبغي أن يُعلمَ هذا، وأنّ يُبيَّنَ للناسِ وهو أنَّ النذرَ مكروهٌ أو حرامٌ، وكلمةُ مشقّةٍ لا تكفي، لا يستطيعُ فإنَّه يصومُ من السنةِ ما يستطيعُ ويكملُ في السنةِ الثانيةِ، وهو الذي كلّفَ نفسَهُ ما جعلَ اللهُ له به يُسرًا، اللهُ فرضَ عليه صيامَ شهرٍ، وهو يفرضُ على نفسِهِ صيامَ سنةً.
………………………………..
س17: هل من مرَّ على مقبرةٍ من خارجِ أسوارِها يُشرعُ له أن يقولَ الذكرَ الواردَ في ذلك؟
ج: لا، المرورُ من وراءِ سورِ المقبرةِ ليس زيارةً، ولا يُستحبُّ فيه الدعاءُ أو السلامُ على الأمواتِ.
………………………………..
س18: أنا مهندسٌ وأعملُ مع الأجانبِ وأكثرُهم كفارٌ، وهناك في المكتبِ عادةٌ بين الموظفينَ هي أنَّ تعطيَ هديةً لمن ينتهي عملُهُ، هل يجوزُ لي إهداءُ هديةٍ للكفارِ، وهل هذا الفعلُ يدخلُ في المودّةِ المحرّمةِ؟
ج: الإحسانُ في الإسلامِ جائزٌ حتى مع الكفارِ المسالمينَ المعاهدينَ غير الحربيين، خصوصًا إذا كانوا ليس من نوعِ المستكبرينَ، لأنَّ الكفارَ الذين يعملونَ عندنا نوعين: منهم المسالمُ ومنهم المستكبرُ؛ هؤلاءِ ينبغي الإعراضُ عنهم وألّا يُعاملوا بشيءٍ من التكريمِ؛ لأنَّهم يظنّونَ إن كُرِّموا أنَّ هذا لعظمتِهم وأنّهم يستحقّونَ مثلَ ذلك. أمَّا إن كانوا ليسوا من الذين يتكبّرونَ فيحسنُ إليهم ويكرمونَ الإكرامَ العاديَّ من غيرِ محبّةٍ قلبيةٍ، بل مع بغضِهِم في اللهِ وأنَّهم كفارٌ وأعداءُ اللهِ، كما أباحَ اللهُ برَّ الوالدين وصلةَ الرحمِ الكافرِ.
………………………………..
س19: إذا توفّيتْ امرأةٌ ولها زوجٌ وأبناءٌ ذكورًا وإناثًا فما نصيبُ كلٍّ منهم في الميراثِ؟
ج: للزوجةِ الربعُ، والباقي للأولادِ للذكرِ مثلُ حظِّ الأُنثيين، وإن كان لها أبٌ أو أمٌّ فلكلِّ واحدٍ منهم السدسُ.
………………………………..
س20: رجلٌ نذرَ أن يتصدّقَ بألفِ ريالٍ، فتصدّقَ بنصفِها، وأرادَ أن يسقطَ خمسمئةِ ريالٍ عن مسكينٍ استدانَها منه؟
ج: هذا يمنعُ منه أهلُ العلمِ في الزكاةِ، فالأولى ألّا يفعل.           

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله