الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القصص/(5) من قوله تعالى {فلما قضى موسى الأجل} الآية 29 إلى قوله تعالى {اسلك يدك في جيبك} الآية 32
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) من قوله تعالى {فلما قضى موسى الأجل} الآية 29 إلى قوله تعالى {اسلك يدك في جيبك} الآية 32

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القصص

الدَّرس: الخامس

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [القصص:29-32]

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي]

القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : سبحانَ الله، لا إله إلَّا الله، اللهُ أكبرُ، يخبرُ تعالى عن عن عبدِهِ وكليمِهِ ورسولِهِ موسى أنَّه أتمَّ الأجلَ، {قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ} الَّذي بينَه وبينَ الرجلِ الصالحِ الَّذي صارَ أخيراً صهرَهُ أو خَتَنَهُ، لا إله إلّا الله، {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ} واللهُ أعلمُ الأحرى أنَّه أتمَّ العشرَ ثمانِ سنينَ مُلزِمةٍ وسنتانِ يعني إحساناً وتبرُّعاً، اللهُ أكبرُ.

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ}، هذا خبرٌ عن رحلةِ موسى أنَّه ارتحلَ، ارتحلَ من عندِ صهرِهِ وسارَ بأهلِهِ، إلى أين؟ اللهُ أعلمُ، يُحتمَلُ أنَّه يريدُ بلدَهُ يريدُ أهلَهُ، الأرضُ الّتي فيها أمُّهُ وفيها قومُهُ بنو إسرائيلَ إلى مصرَ.

في أثناءِ الطريقِ بعدَما، {وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ}، إذا ًهو يسيرُ يعني قربَ طورٍ، الطورُ هو طورُ سيناءَ هذا هوَ الطورُ الَّذي لهُ شأنٌ يذكرُهُ اللهُ في قصصِ بني إسرائيلَ وفي قصَّةِ موسى، وهوَ الطورُ الَّذي أقسمَ اللهُ به، أقسمَ اللهُ بهِ في قولِهِ: ﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور:1-2]

وفي قولِهِ: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ﴾ [التين:1-2]

هذا طورُ سيناءَ، ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ﴾ [المؤمنون:20]

{آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا}، أبصرَ ناراً وهو في في هذا المسيرِ في حاجةٍ إلى الدَّليلِ، يحتاجُ إلى الدَّليلِ، {آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ}، لزوجتِهِ إذاً هيَ قد يعني، {سَارَ بِأَهْلِهِ}، فــ {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا}، يعني سأذهبُ إليها سأذهبُ إلى هذهِ النارِ، {لَعَلِّي آَتِيكُمْ …. بِخَبَرٍ}، خبرٍ عن يعني الطريقِ، {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ}، في الآياتِ الأخرى {شِهَابٍ} وفي آياتٍ {قَبَسٍ}، والمعنى قريبٌ.

{لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}، إذاً هم في حالِ بردٍ في حالِ بردٍ، في حاجةٍ إلى الاستدفاءِ، أو {آَتِيكُمْ}، {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}، ذهب إليها ذهب إلى النار، الله أكبر، {فَلَمَّا أَتَاهَا} يعني قريباً منها وصلَ قريباً منها {أَتَاهَا نُودِيَ}، سمعَ نداءً {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ}، يعني من الشاطئِ الأيمنِ للوادي من جانبِهِ الأيمنِ، وفي الآياتِ الأخرى: ﴿مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ [مريم:52]

شاطئُ الوادي الأيمنِ هو يعني محاذٍ لجانبِ الطورِ الأيمنِ، نُودِيَ من جانبِ، {مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ}، يعني جاءَهُ النداءُ مِن هناكَ، تحديدُ الجهةِ تحديدُ الجهةِ الَّتي جاءَ إليهِ النداءُ منها.

{مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ}، شجرٌ هناكَ شجرةٌ في بقعةٍ مباركةٍ، جاءَهُ النداءُ من تلكَ الشجرةِ من جهتِها، {مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ}.

{أَنْ يَا مُوسَى}، هذا هوَ الخطابُ الَّذي سمعَهُ، سمعَهُ نداءً، سمعَهُ بصوتٍ عالٍ، النداءُ هو الصوتُ المرتفعُ، نوديَ وهذا كثيرٌ في القرآنِ، ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الشعراء:10]

﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم:51-52]

اللهُ أكبرُ، نداء ناداهُ وناجاهُ، يعني كلَّمَهُ نداءً وكلَّمَهُ مناجاةً، {أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، لا إله إلَّا الله، خطابُ ربِّ العالمينَ يسمعُهُ موسى، لا إله إلَّا الله.

والعصا معَهُ، {أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ}، {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ}، يعني فألقاها امتثلَ أمرَهُ ألقى العصا، فصارَتْ يعني حيَّةً، حيَّةً تسعى تجري تهتزُّ مرعبةً مرعبةً، فألقاها فإذا هي، لا إله إلَّا الله، {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ}، الجانُّ نوعٌ من الحيَّات، {كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى}، ذهبَ {مُدْبِرًا}، {وَلَّى مُدْبِرًا} هربَ، هربَ عليهِ السلامُ طبيعيٌّ هذا خوفٌ طبيعيٌّ، الأنبياءُ يخافونَ الخوفَ الطبيعيَّ.

{وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ}، ما التفتَ ما رجعَ لكن جاءَهُ الخطابُ من ربِّ العالمين، {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى}، نُودِيَ نُودِي مرَّةً أخرى {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ}، {أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ}، لا إله إلَّا الله.

{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ}، ادخلْ يدَكَ في جيبِكَ في جيبِ قميصِهِ هذا هوَ الجيبُ، {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}، قالَ اللهُ في آياتٍ أخرى في شأنِ العصا: {خُذْها ولا تَخَفْ}، {خُذْها} خذ العصا، {ولا تَخْف سنُعيدُها سيرتَها الأوْلى}، سنعيدُها كما كانتْ عصاً عصاً يضربُ بها يأخذُها يتَّكِئُ عليها، سنعيدُها سيرتَها الأولى، فهذهِ آيةٌ هذه آيةٌ.

والآيةُ الأخرى اليدُ أدخلْها، {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ}، بيضاءَ مشعَّةً، وهاتانِ الآيتانِ هما الَّلتانِ أرسلَ اللهُ موسى بهما إلى فرعونَ، وهنا قالَ: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ}، فذانِكَ أي: العصا واليدُ، {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} إلى فرعونَ وقومِه، هذانِ برهانانِ من ربِّكَ اذهبْ بهما إلى فرعونَ وقومِه إنَّهم، {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.

والقرآنُ يفسِّرُ بعضُهُ بعضاً والقصصُ في مواضعِهِ، يعني يكمِّلُ بعضُه بعضاً، فاللهُ أعطاهُ آيتينِ برهانينِ، العصا واليد، ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الشعراء:30-33]

يعني موسى لمَّا ذهبَ هناكَ يعني طبَّقَ يعني حال يعني طبَّقَ ما ما جرَّبَهُ من قبلُ، هو جرَّبَ من قبلُ قصَّةَ العَصَاة العصا واليد، جرَّبهما في ذلكَ الموقفِ العظيمِ، {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}.

{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}، الله أكبرُ، وهذا الموقفُ والنداءُ كما تقدَّمَ ذُكِرَ في مواضعَ، تقدَّمَ لنا قريباً في سورةِ النملِ بعض الفروق، وفي سورة طه كذلكَ، ويذكرُ اللهُ في كلِّ موضعٍ ما لم يذكرْهُ في المواضعِ الأخرى، يكونُ فيها جوانبٌ تُذكَرُ هنا ولم تُذكَرْ هناكَ، لا إله إلَّا الله، سبحانَ اللهِ.

أمَّا قصَّةُ الأهلِ فلا فقد يعني طُويَ خبرُها، قصَّةُ الأهلِ طُويَ خبرُها، انتهتْ قصَّةُ الأهلِ يعني الزوجةُ عندما قالَ لها: امكثُوا، قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا لعلَّي آتيكُم من هذهِ النارِ بخبرٍ أو جذوةٍ من النارِ، لكنْ معلومٌ بالضرورةِ أنَّه لابدَّ أنَّه رجعَ إلى أهلِه وأخذَهم معَهُ وأتى لهم بما أتاهم، لكنَّ اللهَ إنَّما يذكرُ من القصصِ ما يتعلَّقُ تتعلَّقُ به يعني المعاني العظيمةُ وما يكونُ يعني له شأنٌ وله أهمَّيَّةٌ، سبحانَ الله، نعم يا محمّد.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السِّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-.

– الشيخ : رحمه الله، اللَّهُم صلِّ وسلِّمْ على نبيِّك ورسولِك.

– القارئ : {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ} يُحتمَلُ أنَّهُ قضى الأجلَ الواجبَ، أو الزَّائدَ عليهِ، كما هوَ الظَّنُّ بموسى ووفائِهِ

– الشيخ : يعني الظنُّ أنَّه قضى الأجلَ الطويلَ.

– القارئ : اشتاقَ إلى الوصولِ إلى أهلِهِ ووالدتِهِ وعشيرتِهِ، ووطنِهِ، وظنَّ مِن طولِ المدَّةِ، أنَّهم قدْ تناسَوا ما صدرَ منهُ

– الشيخ : ها يعني كأنَّ الشيخَ يريدُ يجيبُها على سؤالٍ: كيفَ يرجعُ إلى مصرَ وهو قد هربَ خائفاً منهم؟ كأنّه يريدُ أنَّ هذا التساؤلَ يردُ في الأذهانِ، فيقولُ الشيخُ لعلَّه ظنَّ معَ طولِ… على السنين، عشر سنين لعلّهم يعني القضيةُ يعني المعاملةُ أُهمِلَتْ، المعاملةُ معاملةُ قتلِ القبطيِّ، موسى خرجَ وفقدُوهُ ما عندَهم أحدٌ، يقولُ لعلَّ الشيخَ يقولُ: لعلَّهُ ظنَّ أنَّهم قد نسوا القصَّة والحادث.. جميل.

 

– القارئ : {سَارَ بِأَهْلِهِ} قاصداً مصرَ، {آنَسَ} أي: أبصرَ {مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا…} الآيةُ، وكانَ قد أصابَهم البردُ، وتاهُوا في الطَّريقِ.

– الشيخ : ما يلزمُ أنَّهم تاهُوا، يُحتمَلُ أنَّهم يعني أنَّه راحَ يتقصَّى الطريقَ زيادةً في التثبُّتِ وزيادةً في، يعني اللي سائر في طريقٍ حتّى لو لم يكنْ له [….] يسألُ عن الطريقِ خشيةَ التيَهانِ وخشيةَ.

– القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {فلمَّا آتاها} الآيةُ، فأخبرَهُ بألوهيتِهِ وربوبيتِهِ، ويلزمُ مِن ذلكَ، أنْ يأمرَهُ بعبادتِهِ، وتألُّهِهِ، كما صرَّحَ بهِ في الآيةِ الأخرى {فَاعْبُدْنِي}.

– الشيخ : {فَلَمَّا أَتَاهَا}

– القارئ : {نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ}

– الشيخ : اقرأْ {فَلَمَّا أَتَاهَا}

– القارئ : {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. كما صرَّحَ بهِ في الآيةِ الأخرى {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}.

{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} فألقاهَا {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} تسعى سعياً شديداً، ولها صورةٌ مَهِيلةٌ {كَأَنَّهَا جَانٌّ} ذَكَرُ الحيَّاتِ العظيمُ.

– الشيخ : الآن الشيخُ يفسِّرُ الجانَّ بأنَّه ذكرُ الحيَّاتِ الذكر، يعني ليسَ بأنثى الذكرُ يكونُ أشدُّ وأخبثُ، ذكرُ الجانِّ ذكرُ الحيَّاتِ.

– القارئ : {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} أي: يرجعْ، لاستيلاءِ الرَّوعِ على قلبِهِ، فقالَ اللهُ لهُ: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} وهذا أبلغُ ما يكونُ في التَّأمينِ، وعدمِ الخوفِ.

فإنَّ قولَهُ: {أَقْبِلْ} يقتضي الأمرَ بإقبالِهِ، ويجبُ عليهِ الامتثالُ، ولكنْ قد يكونُ إقبالُهُ، وهوَ لم يزلْ في الأمرِ المخوفِ، فقالَ: {وَلا تَخَفْ} أمرَ لهُ بشيئينِ، إقبالِهِ، وأنْ لا يكونَ في قلبِهِ خوفٌ، ولكنْ يبقى احتمالٌ، وهوَ أنَّهُ قد يُقبِلُ وهوَ غيرُ خائفٍ، ولكنْ لا تحصلُ لهُ الوقايةُ والأمنُ مِن المكروهِ، فقالَ: {إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} فحينئذٍ اندفعَ المحذورُ مِن جميعِ الوجوهِ، فأقبلَ موسى -عليهِ السَّلامُ- غيرَ خائفٍ ولا مرعوبٍ، بل مطمئنَّاً، واثقاً بخبرِ ربِّهِ، قد ازدادَ إيمانُهُ، وتمَّ يقينُهُ، فهذهِ آيةٌ، أراهُ اللهُ إيَّاها قبلَ ذهابِهِ إلى فرعونَ، فيكونُ على يقينٍ تامٍّ، فيكونُ أجرأَ لهُ، وأقوى وأصلبَ.

ثمَّ أراهُ الآيةَ الأخرى فقالَ: {اسْلُكْ يَدَكَ} أي: أدخلْها {فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} فسلكَها وأخرجَها، كما ذكرَ اللهُ تعالى.

{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} أي: ضُمَّ جناحَكَ وهوَ عضُدُكَ إلى جنبِكِ يزولُ عنكَ الرَّهبُ والخوفُ.

– الشيخ : {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}، لا إله إلَّا الله، نعم.

– القارئ : {فَذَانِكَ} أي: انقلابُ العصا حيَّةً، وخروجُ اليدِ بيضاءَ مِن غيرِ سوءٍ {بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} أي: حُجَّتانِ قاطعتانِ مِن اللهِ، {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} فلا يكفيهُم مجرَّدُ الإنذارِ وأمرُ الرسولِ إيَّاهُم، بل لابدَّ مِن الآياتِ الباهرةِ، إنْ نفعَتْ.

فـ {قَالَ} موسى -عليهِ السَّلامُ-.

معتذراً مِن ربِّهِ، وسائلاً لهُ المعونةَ على ما حمَّلَهُ، وذاكراً لهُ الموانعَ الَّتي فيهِ، ليزيلَ ربَّهُ ما يحذرُهُ منها. {رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا}.

– الشيخ : … انتهينا إلى هنا، {قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا}، متَّصلٌ بما بعدَه يطولُ، انتهينا إلى هنا، ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [القصص:33]، إلى آخره فيها معانٍ جليلةٌ وفيها فوائدُ، لا إله إلَّا الله، اللهُ المستعانُ.