الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القصص/(6) من قوله تعالى {قال رب إني قتلت منهم نفسا} الآية 33 إلى قوله تعالى {وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى} الآية 37
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(6) من قوله تعالى {قال رب إني قتلت منهم نفسا} الآية 33 إلى قوله تعالى {وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى} الآية 37

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القصص

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [القصص:33-37]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا الله عنك

– الشيخ : سبحان الله، لا إله إلا الله.

الحمد لله، لما كلَّفَ اللهُ موسى بإرساله إلى فرعون وقومه {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص:32] {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} [الشعراء:11-10] الله أكبر، لـمَّا أرسلَهُ الله طَلَبَ من ربِّهِ أن يُعْفِيَهُ من هذا الأمر العظيم، رسالة، واعتذر أو إن، وذكرَ أنه قتل منهم نفساً {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}.

وطَلَبَ من ربِّهِ أن يُعِيْنَهُ بإرسالِ أخيه هارون معه {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} موسى كان في لسانِهِ لَثْغَة، وجاء ما يدلُّ على هذا في مواضع مثل هذه الآية {أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا}، وهناك [تقطع في الصوت]

{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:28،27] وعَيَّرَهُ فرعونُ بذلك وقال: {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] الله أكبر، {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ}.

في الآيات الأخرى قال: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي … وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:25-32] يعني هذه الفقرة من القصة ذكرها الله في مواضع، في هذا الموضع، وفي سورة طه، وفي سورة الفرقان.

{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} يعني مُعيناً ومساعداً، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}.

قال الله، أجابَ اللهُ دعاءَهُ وطلَبَهُ بإرسالِ أخيه معه: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}، {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} يعني وذلك بإرسالِهِ، يعني أرسل الله إلى هارون وأوحى إليه أنْ يذهبَ مع أخيه موسى، سبحان الله العظيم.

{سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} يعني حُجَّة {نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} وحجَّةً قويةً يَظهر بها، يَنصرُهُم الله بهذه الحجة، حجَّةٌ عقليةٌ وحجةٌ كونيةٌ، حجَّةٌ شرعيةٌ بالدعوة، وحجَّةٌ كونيَّة كالعصا واليد {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا}، لَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بسوءٍ ولا يتمكنان من إيذائكما.

هذا المعنى جاء في آية أخرى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:43-46] ينبغي لقارئ القرآن أن يتذكرَ شواهد، الشواهد على المعنى الواحد، شواهد، يعني هذا المعنى جاءَ هنا وجاء في سورة الفرقان.

{فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ}، لما جاءهم يعني تمَّ الإرسالُ وأجاب الله دعاءَ موسى وأرسل معه أخاه {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا …. قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى} هذا الذي جئتَ به من العصا واليد وما تدعو إليه، كلُّ هذا سحرٌ {سِحْرٌ مُفْتَرًى} يعني هذا من افترائِكَ {سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} شيءٌ اخترعتَهُ أنتَ هذا ما.

{وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ}، {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ويأتي بقيةُ القصة، وانتهى أمرُ قصة موسى مع فرعون كما هو مبيَّنٌ في الآيات الأخرى بنصرِ موسى وأخيهِ وقومِهِمَا.

 

(تفسيرُ السَّعديّ)

– القارئ : أحسنَ الله إليك، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعدي –رحمهُ اللهُ تعالى-:

فـ {قَالَ} موسى عليه السلام مُعتذِراً من ربِّهِ، وسائلاً لَهُ المعونةَ على ما حمَّلَهُ، وذاكراً لَهُ الموانعَ التي فيهِ؛ لِيُزِيلَ ربُّهُ

– الشيخ : الموانع التي فيه، يعني الموانعُ التي يَشعرُ منها بضعفِهِ عن حملِ هذه الرسالة العظيمة، يرسلُهُ إلى أكبر طاغية فرعون الذي ادّعَى الإلهيَّة.

– القارئ : وذاكراً لَهُ الموانعَ التي فيهِ؛ لِيُزِيلَ ربُّهُ ما يَحْذَرُهُ مِنْهَا.

{رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا} أي: {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا} أي: مُعاونِاً ومساعداً فإنَّهُ مع تضافرِ الأخبارِ يَقوى الحقُّ.

– الشيخ : الأخبار ولَّا [أو] الإخبار؟

– القارئ : لا؛ الأخبار

– الشيخ : زين

– القارئ : {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} فأجابَهُ اللهُ إلى سؤالِهِ فقالَ: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي: نعاونُكَ بِهِ ونقويكَ.

ثمَّ أزالَ عنْهُ محذورَ القتلِ، فقالَ: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} أي: تَسَلُّطَاً وتَمَكُّنَاً من الدعوةِ بالحجَّةِ والهيبةِ الإلهيَّةِ من عدوهِمَا لهُمَا، {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} وذلكَ بسببِ آياتِنَا، وما دلَّتْ عليهِ مِنَ الحقِّ، وما أزعجتْ بهِ من باشرَهَا ونظَرَ إليها، فهيَ التي بها حصلَ لكمَا السلطانُ، واندفعَ بها عنكُمْ كيدُ عدوِّكُمْ وصارتْ لكمْ أبلغَ مِنَ الجنودِ أوليْ الْعَدَدِ والْعُدَدِ.

{أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} وهذا وعدٌ لموسى في ذلكَ الوقتِ، وهو وحدَهُ فريدٌ وقدْ رجعَ إلى بلدِهِ بعدَ ما كانَ شريداً، فلمْ تَزَلِ الأحوالُ تتطورُ، والأمورُ تنتقلُ، حتى أنجزَ له موعودَهُ، ومكَّنَهُ من العبادِ والبلادِ، وصارَ لَهُ ولأتباعِهِ الغلبةُ والظهورُ.

فذهبَ موسى برسالةِ ربِهِ {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ} واضحاتِ الدلالةِ على ما قالَ لهم، ليسَ فيها قصورٌ ولا خفاءٌ.

{قَالُوا} على وجْهِ الظلمِ والعلوِّ والعِنادِ {مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى} كما قالَ فرعونُ في تلكَ الحالِ التي ظهرَ فيها الحقُّ، واستعلى على الباطلِ، واضْمَحَلَّ الباطلُ، وخضعَ لَهُ الرؤساءُ العارفونَ حقائقَ الأمورِ {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه:71] هذا وهو الذكيُّ غير الزكيِّ الذي بلغَ من المَكْرِ والخِداعِ والكيدِ ما قصَّهُ الله علينَا وقد عَلِمَ {مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} [الإسراء:102] ولكنَّ الشقاءَ غالبٌ.

{وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ} وقد كذَبوا في ذلكَ، فإنَّ اللهَ أرسلَ يوسفَ قبلَ موسى، كمَا قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر:34]

{وَقَالَ مُوسَى} حينَ زعموا أنَّ الذي جاءَهُم بِهِ سحرٌ وضلالٌ، وأنَّ ما همْ عليهِ هوَ الهدى: {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} أي: إذا لم تُفِدِ المقابلةُ معكمْ وتَبيينُ الآياتُ البيِّناتُ، وَأَبَيْتُمْ إلا التماديَ في غيِّكُم واللُّجَاجَ على كفرِكم، فاللهُ تعالى العالِمُ بالمهتدي وغيرِهِ، ومَنْ تكونُ لَهُ عاقبةُ الدارِ، نحنُ أمْ أنتم {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} فصارَ عاقبةُ الدارِ لموسى وأتباعِهِ، والفلاحُ والفوزُ، وصارَ لأولئكَ الخَسَارُ وسوءُ العاقبةِ والهلاكُ.

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ} متجرِّئاً على ربِّهِ.

– الشيخ : إلى آخره، وقفنا عند هذي الآية {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ}؛ لأن الكلامَ فيها متصلٌ إلى آخر الآيات.

– القارئ : أحسن الله إليكم.