الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القصص/(8) من قوله تعالى {ولقد اتينا موسى الكتاب} الآية 43 إلى قوله تعالى {ولقد آتينا موسى الكتاب} الآية 50
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(8) من قوله تعالى {ولقد اتينا موسى الكتاب} الآية 43 إلى قوله تعالى {ولقد آتينا موسى الكتاب} الآية 50

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القصص

الدَّرس: الثَّامن

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص:43-50]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : الحمدُ للهِ، يقولُ سبحانَه: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}، يعني التوراةَ، ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف:145]

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا} فبعدَما أهلكَ اللهُ فرعونَ وجنودَه ونجَّى اللهُ بني إسرائيلَ وعدَ موسى أنْ يأتيَ… اللقاءُ الأوَّلُ واللهُ أعلمُ، {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا}، سبحانَ الله يا ربُّ سبحان الله، يُحتمَلُ أنْ يكونَ هو النداءُ الأوَّلُ، {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ}، {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا}، يظهرُ أنَّ كلَّ هذهِ المواقفِ وهذهِ كلُّها قريبةٌ من الطورِ، لأنَّه تعالى قالَ: {فَلَمَّا أَتَاهَا} أي: النارُ، ناديناهُ من جانبِ، يقول: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ [القصص:30]

فالوادي والطورُ الوادي الوادي المقدَّس كأنَّهُ ينسحبُ وينحدرُ من الطورِ.

﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ [طه:9-12]

وفي القصصِ يقولُ سبحانَهُ: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا﴾ [القصص:29]

فهذهِ صريحةٌ ﴿آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ [القصص:29]

فكلُّ هذهِ كلُّ يعني اللقاءُ الأوَّلُ التكليمُ الأوَّلُ والتكليمُ الآخرُ كلُّه قربَ الطورِ طورِ سيناءَ كلُّه، إذاً فقولُه: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ}، هو إشارةٌ إلى ما جرى مِن تكليمِ اللهِ، {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا}، والنداءُ أكثرَ ما جاءَ في ندائِهِ تعالى لموسى عندَ إرسالِهِ، أمَّا في موعدِهِ في الوقتِ الَّذي واعدَهُ ربُّه لم يذكر لم يكن بلفظ النداء، ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف:143]

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، يعني إنزالُ هذا القرآنِ عليكَ ومجيئُكَ بهذهِ الأنباءِ وهذهِ الأخبارِ العظيمةِ هذه رحمةٌ من اللهِ لك ولأمَّتِك، ﴿وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص:86]

فإنزالُ هذا القرآنِ هو رحمةٌ من الله لنبيِّه ورحمةٌ كذلك لمن آمنَ به واتبعَه، صلَّى الله عليه وسلَّم.

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، وهم قريشٌ ومن حولَهم من العربِ لم يأتِهم رسولٌ، وهذا يأتي في مواضعَ، ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس:6]

{مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ}، {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.

 

– القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى:

{ولقد آتينا موسى الكتاب} الآيات.

{ولقد آتينا موسى الكتاب} وهو التوراة {من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} الذين كان خاتمتهم في الإهلاك العام، فرعون وجنوده. وهذا دليل على أنه بعد نزول التوراة، انقطع الهلاك العام، وشرع جهاد الكفار بالسيف.

{بصائر للناس} أي: كتاب الله، الذي أنزله على موسى، فيه بصائر للناس، أي: أمورا يبصرون بها ما ينفعهم، وما يضرهم، فتقوم الحجة على العاصي، وينتفع بها المؤمن، فتكون رحمة في حقه، وهداية له إلى الصراط المستقيم، ولهذا قال: {وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون}.

ولما قص الله على رسوله ما قص من هذه الأخبار الغيبية، نبه العباد على أن هذا خبر إلهي محض، ليس للرسول، طريق إلى علمه إلا من جهة الوحي، ولهذا قال: {وما كنت بجانب الغربي}. أي: بجانب الطور الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر {وما كنت من الشاهدين} على ذلك، حتى يقال: إنه وصل إليك من هذا الطريق.

{ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر} فاندرس العلم، ونسيت آياته، فبعثناك في وقت اشتدت الحاجة إليك وإلى ما علمناك وأوحينا إليك. {وما كنت ثاويا} أي: مقيما {في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا} أي: تعلمهم وتتعلم منهم، حتى أخبرت بما أخبرت من شأن موسى في مدين، {ولكنا كنا مرسلين} أي: ولكن ذلك الخبر الذي جئت به عن موسى، أثر من آثار إرسالنا إليك، ووحي لا سبيل لك إلى علمه، بدون إرسالنا.

– الشيخ : لا إله إلا الله، ﴿تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك﴾ [هود:49]

﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك﴾ [آل عمران:44] كلها من على هذا المنوال.

– القارئ : {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} موسى، وأمرناه أن يأتي القوم الظالمين، ويبلغهم رسالتنا، ويريهم من آياتنا وعجائبنا ما قصصنا عليك. والمقصود: أن الماجريات التي جرت لموسى عليه الصلاة والسلام.

– الشيخ : أي كلمة يقولونها، الماجريات ماجريات الأمور.

القارئ : في ألف بعد الميم الماجريات

– الشيخ : ماجريات الأمور بس مشي بس [اقرأ فقط].

– القارئ : والمقصود: أن الماجريات التي جرت لموسى عليه الصلاة والسلام في هذه الأماكن، فقصصتها كما هي، من غير زيادة ولا نقص، لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون حضرتها وشاهدتها، أو ذهبت إلى محالها فتعلمتها من أهلها، فحينئذ قد لا يدل ذلك على أنك رسول الله، إذ الأمور التي يخبر بها عن شهادة ودراسة، من الأمور المشتركة غير المختصة بالأنبياء.

– الشيخ : الله المستعان.

– القارئ : ولكن هذا قد علم وتيقن أنه ما كان وما صار، فأولياؤك وأعداؤك يعلمون عدم ذلك.

فتعين الأمر الثاني، وهو: أن هذا جاءك من قبل الله ووحيه وإرساله، فثبت بالدليل القطعي، صحة رسالتك، ورحمة الله بك للعباد.

– الشيخ : المهم أن الآيات هذه فيها التنبيه على دليل من أدلة نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو ما جاء به من أنباء الغيب، هذا هو الخلاصة والله يذكر هذا المعنى في مواضع، كما في الآيات التي أشير إليها، {تلك من أنباء الغيب}، {ذلك من أنباء الغيب}، وكذلك ما في هذه الآيات كلها في التنبيه إلى أن ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن عن دراسة ولا عن حضور، ما حضر شيئا من ذلك لم يحضر، {وما كنت بجانب الطور}، {وما كنت بجانب الغربي}، {وما كنت ثاويا في أهل مدين}، ما كنت حاضرا.

إنما هذا كله يعني إنما جاءك بوحي من الله تعالى ومما يدل على صحة رسالته صلى الله عليه وسلم، هذا هو مقصود هذه الآيات كلها.

 

– القارئ : نعم أحسن الله إليك، فتعين الأمر الثاني، وهو: أن هذا جاءك من قبل الله ووحيه وإرساله، فثبت بالدليل القطعي صحة رسالتك، ورحمة الله بك للعباد، ولهذا قال: {ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما آتاهم من نذير من قبلك} أي: العرب، وقريش، فإن الرسالة عندهم لا تعرف وقت إرسال الرسول وقبله بأزمان متطاولة، {لعلهم يتذكرون} تفصيل الخير فيفعلونه، والشر فيتركونه، فإذا كنت بهذه المنزلة، كان الواجب عليهم، المبادرة إلى الإيمان بك، وشكر هذه النعمة، التي لا يقادر قدرها، ولا يدرك شكرها.

وإنذاره للعرب لا ينفي أن يكون مرسلا لغيرهم، فإنه عربي، والقرآن الذي نزل عليه عربي، وأول من باشر بدعوته العرب فكانت رسالته لهم أصلا ولغيرهم تبعا.

– الشيخ : لا إله إلا الله، التعبير الدقيق كانت رسالته إليهم أولا وإلى غيرهم ثانيا وإلا فهو مرسل للكل، ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا﴾ [الأعراف:158]

لكن كانت أول أول ما أرسل إلى العرب، {لتنذر قوما ما آتاهم}، ﴿هو الذي بعث في الأميين﴾ [الجمعة:2]

﴿وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم﴾ [آل عمران:20]

فهو مرسل إلى الكتابيين من اليهود والنصارى والأميين الذين لا كتاب لهم كالعرب وغيرهم من الأمم.

فهو مرسل إلى جميع الناس، {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}، ﴿قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين﴾ [الحج:49]

﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس﴾ [سبأ:28]

وفي الحديث: "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"، اللهم صل وسلم اللهم صل وسلم على نبينا.

 

– القارئ : كما قال تعالى: ﴿أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس﴾ [يونس:2]

﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا﴾ [الأعراف:158]

{ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم} من الكفر والمعاصي {فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين} أي: فأرسلناك يا محمد، لدفع حجتهم، وقطع مقالتهم.

{فلما جاءهم الحق} الذي لا شك فيه {من عندنا} وهو القرآن، الذي أوحيناه إليك {قالوا} مكذبين له، ومعترضين بما ليس يعترض به: {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} أي: أنزل عليه كتاب من السماء جملة واحدة. أي: فأما ما دام ينزل متفرقا، فإنه ليس من عند الله. وأي دليل في هذا؟ وأي شبهة أنه ليس من عند الله، حين نزل مفرقا؟

بل من كمال هذا القرآن، واعتناء الله بما أنزل عليه، أن نزل متفرقا، ليثبت الله به فؤاد رسوله، ويحصل زيادة الإيمان للمؤمنين {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} وأيضا، فإن قياسهم على كتاب موسى، قياسا قد نقضوه، فكيف يقيسونه على كتاب كفروا به ولم يؤمنوا؟ ولهذا قال: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا} أي: القرآن والتوراة، تعاونا في سحرهما، وإضلال الناس.

– الشيخ : {سحران تظاهرا} التوراة والإنجيل أو القرآن، وهذا قراءة ساحران يعني موسى ومحمد، {ساحران تظاهرا} أي: تعاونا.

 

– القارئ : {وقالوا إنا بكل كافرون} فثبت بهذا أن القوم يريدون إبطال الحق بما ليس ببرهان، وينقضونه بما لا ينقض، ويقولون الأقوال المتناقضة المختلفة.

– الشيخ : ﴿إنكم لفي قول مختلف﴾ [الذاريات:8] مضطرب متناقض.

– القارئ : وهذا شأن كل كافر. ولهذا صرح أنهم كفروا بالكتابين والرسولين، {وقالوا إنا بكل كافرون} ولكن هل كفرهم بهما طلبا للحق، واتباعا لأمر عندهم خير منهما، أم مجرد هوى؟

قال تعالى ملزما لهم بذلك: {قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما} أي: من التوراة والقرآن {أتبعه إن كنتم صادقين} ولا سبيل لهم ولا لغيرهم أن يأتوا بمثلهما، فإنه ما طرق العالم منذ خلقه الله، مثل هذين الكتابين، علما وهدى، وبيانا، ورحمة للخلق، وهذا من كمال الإنصاف من الداعي أن قال: أنا مقصودي الحق والهدى والرشد، وقد جئتكم بهذا الكتاب المشتمل على ذلك، الموافق لكتاب موسى، فيجب علينا جميعا الإذعان لهما واتباعهما، من حيث كونهما هدى وحقا، فإن جئتموني بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعته، وإلا فلا أترك هدى وحقا قد علمته لغير هدى وحق.

{فإن لم يستجيبوا لك} فلم يأتوا بكتاب أهدى منهما {فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} أي: فاعلم أن تركهم اتباعك، ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه، ولا إلى هدى، وإنما ذلك مجرد اتباع لأهوائهم. {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} فهذا من أضل الناس، حيث عرض عليه الهدى، والصراط المستقيم، الموصل إلى الله وإلى دار كرامته، فلم يلتفت إليه ولم يقبل عليه ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء فاتبعه وترك الهدى، فهل أحد أضل ممن هذا وصفه؟

– الشيخ : نسأل الله العافية، نسأل الله العافية، نعم.

– القارئ : ولكن ظلمه وعدوانه، وعدم محبته للحق، هو الذي أوجب له: أن يبقى على ضلاله ولا يهديه الله، فلهذا قال: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} أي: الذين صار الظلم لهم وصفا والعناد لهم نعتا، جاءهم الهدى فرفضوه، وعرض لهم الهوى، فاتبعوه، سدوا على أنفسهم أبواب الهداية وطرقها، وفتحوا عليهم أبواب الغواية وسبلها، وهم في غيهم وظلمهم يعمهون، وفي شقائهم وهلاكهم يترددون.

وفي قوله: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} دليل على أن كل من لم يستجب للرسول، وذهب إلى قول مخالف لقول الرسول، فإنه لم يذهب إلى هدى، وإنما ذهب إلى هوى.

ولقد.

– الشيخ : إلى هنا إلى هنا

– القارئ : أحسن الله إليك.

– الشيخ : سبحان الله، شوف [انظر] تفسير ابن كثير {وما كنت بجانب الغربي}.

– القارئ : نعم، قال رحمه الله:

يقول تعالى منبها على برهان نبوة محمد صلوات الله وسلامه عليه حيث أخبر بالغيوب الماضية خبرا كأن سامعه شاهد وراء لما تقدم، وهو رجل أمي لا يقرأ شيئا من الكتب، نشأ بين قوم لا يعرفون شيئا من ذلك، كما أنه لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها قال تعالى: ﴿وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون﴾ [آل عمران:44]

أي وما كنت حاضرا لذلك، ولكن الله أوحاه إليك، وهكذا لما أخبره عن نوح وقومه، وما كان من إنجاء الله له وإغراق قومه، ثم قال تعالى: ﴿تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين﴾ [هود:49]

وقال في آخر السورة: ﴿ذلك من أنباء القرى نقصه عليك﴾ [هود:100]

وقال بعد ذكر قصة يوسف: ﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون﴾ [يوسف:102]

الآية، وقال في سورة طه: ﴿كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا﴾ [طه:99]

وقال هاهنا بعد ما أخبر عن قصة موسى من أولها إلى آخرها، وكيف كان ابتداء إيحاء الله إليه وتكليمه له {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر} يعني يا محمد ما كنت بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي.

– الشيخ : شرقية ولا [أم] شرقيه؟

– القارئ : لا، "شرقية" كذا

– الشيخ : تاء يعني؟

– القارئ : نعم تاء

وما كنت من الشاهدين لذلك ولكن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه ذلك، ليجعله حجة وبرهانا على قرون قد تطاول عهدها، ونسوا حجج الله عليهم وما أوحاه إلى الأنبياء المتقدمين.

وقوله تعالى: {وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا} أي: وما كنت مقيما في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا حين أخبرت

– الشيخ : تتلو عليهم، {وما كنت مقيما في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا}، نعم.

– القارئ : حين أخبرت عن نبيها شعيب.

– الشيخ : عجيب، يعني على كل حال شعيب ما جاء ذكره في القصة، ما جاء بالذكر وتبين وتقدم أن أن الصحيح أن صاحب موسى من أهل مدين ليس هو شعيب، هذا كلام غريب من ابن كثير -رحمه الله-، شعيب ما له ذكر في السورة أصلا، وما فيها من ذكر مدين لم يتعرض فيه لشعيب، ولما قال بعض الناس أن هذا الرجل هو شعيب رد عليهم المحققون ومنهم ابن كثير فيما سبق، ابن كثير يعني رد على من يقول: أن ذلك الرجل والد البنتين أنه شعيب.

 

– القارئ : وما قال لقومه وما ردوا عليه ولكن كنا مرسلين أي ولكن نحن أوحينا إليك ذلك وأرسلناك للناس رسولا، وما كنت بجانب الطور إذ نادينا قال أبو عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه: أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا عيسى بن يونس عن حمزة الزيات عن الأعمش، عن علي عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نودي يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، وأجبتكم قبل أن تدعوني، وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث جماعة عن حمزة وهو ابن حبيب الزيات، عن الأعمش. ورواه ابن جرير من حديث وكيع ويحيى عن الأعمش، عن علي عن أبي زرعة وهو ابن عمرو بن جرير أنه قال ذلك من كلامه، والله أعلم.

وقال مقاتل بن حيان وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت. وقال قتادة وما كنت بجانب الطور إذ نادينا موسى.

– الشيخ : هذا هو الصواب وش هالكلام، هذا هو الصواب قول قتادة هو الصحيح، {ما كنت بجانب الطور إذ نادينا موسى}، ﴿وإذ نادى ربك موسى﴾ [الشعراء:10]

﴿وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا﴾ [مريم:52]

كل الحديث عن موسى ونداء الله له تقدم في أثناء القصة، ﴿فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون (29) فلما أتاها نودي﴾ [القصص:29-30] نودي، من ناداه؟ ناداه ربه.

﴿نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين﴾ [القصص:30] القول الأول الظاهر أنه باطل، غريب غريب.

– القارئ : وهذا -والله أعلم- أشبه بقوله تعالى: {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر} ثم أخبر هاهنا بصيغة أخرى.

– الشيخ : اصبر اصبر، ثم أخبر.

– القارئ : ثم أخبر هاهنا بصيغة أخرى.

– الشيخ : {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى}، نعم بصيغة أخرى، نعم.

– القارئ : أخص من ذلك وهو النداء، كما قال تعالى: ﴿وإذ نادى ربك موسى﴾ [الشعراء:10]

وقال: ﴿إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى﴾ [النازعات:16]

وقال: ﴿وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا﴾ [مريم:52]

وقوله: {ولكن رحمة من ربك} أي: ما كنت مشاهدا لشيء من ذلك، ولكن الله أوحاه إليك وأخبرك به رحمة منه لك وبالعباد بإرسالك إليهم {لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون}

أي لعلهم يهتدون بما جئتهم به من الله عز وجل {ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم}.

– الشيخ : إلى آخر القصة خلاص يكفي.

– القارئ : أحسن الله إليكم

– الشيخ : الله المستعان، سبحان الله، {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى}، الله المستعان.