الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القصص/(10) من قوله تعالى {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} الآية 57 إلى قوله تعالى {أفمن وعدناه وعدا حسنا} الآية 61
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(10) من قوله تعالى {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} الآية 57 إلى قوله تعالى {أفمن وعدناه وعدا حسنا} الآية 61

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القصص

الدَّرس: العاشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص:57-61]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : سبحان الله، لا إله إلَّا الله، يخبرُ تعالى عن بعضِ أقوالِ المشركين في اعتذارِهم عن قبولِ الحقِّ الَّذي جاءَ به محمَّد -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، من أقوالِهم: إنّهم {قَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ} يا محمَّد {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}، قالوا نتبعُ الهدى يعني كما تزعمُ وإلَّا فهم لا يؤمنون بأنَّه هدى، ولا يقرّون بأنّه هدى أنّ ما جاء به هدى، {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى} يعني إن نتبع ما جئْت به، {نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} يعني يتخطَّفنا الناس ويعتدون علينا ويحاربوننا.

قال الله: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا} يعني نجعلُ لهم هذا الحرمَ الآمنَ الَّذي يحترمه كلُّ قبائلِ العربِ يحترمونه ولا يعتدون على من فيه، فالناسُ يُتخطَّفون من حوله من حول الحرم، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا}، ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت:67]

أما في مكة وفي الحرم فإنه لا يعرض لهم أحد ولا يعتدي عليهم أحد فهم في أمن، ومن دخله كان آمناً.

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا}، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا}، يقول سبحانه وتعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ}، أيضاً من فضلِ الله على يعني أهل الحرم على قريش وغيرهم من ساكني الحرم أنَّها هذه البلدة تُجبَى إليها الثمار، تُجلَبُ إليها من نواحي البلاد، {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.

ثمَّ قالَ تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ}، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا}، في هذا تهديدٌ وتخويفٌ، تخويفٌ للكفرةِ المشركين المكذبين، لأنَّ الله أهلكَ قرىً كثيرةً طغتْ وبطرتْ نعمةَ اللهِ وكفرتْ بأنعم الله، وفعلاً جرى على أهلِ مكَّةَ ما جرى كما في قولِه تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل:112]

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}، يعني اللهُ تعالى هو الباقي، هؤلاءِ هلكُوا واللهُ تعالى الباقي الَّذي لا يموتُ، الحيُّ الَّذي لا يموت، {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} فإنَّه تعالى يرثُ الأرضَ ومن عليها ويرثُ الهالكين لأنَّه الباقي، {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}.

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى}، يعني اللهُ تعالى بحكمتِه البالغةِ ومشيئتِه النافذةِ لم يكنْ ليهلكَ القرى {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا}، اللهُ تعالى قد اقتضتْ حكمتُه البالغةُ أنْ يبعثَ محمَّداً -صلَّى الله عليه وسلَّم- في آخرِ الزمان، ولا تذهبُ هذه الدنيا ولا تنقضي ولا تهلكُ القرى حتَّى يبعثَ في أمِّ القرى وهي مكَّة، {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا} أمِّ القرى {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ} آياته، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا}.

{وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}، فاللهُ تعالى إذا أهلكَ أمَّةً من الأممِ وأهلكَ ما أهلكَ من القرى فما ذاك إلَّا لظلمِهم، {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي}، والله تعالى يذكرُ نفسَه تارةً بصيغة الإفراد لأنَّه الواحد الأحد، وتارةً يذكر نفسه بصيغة الجمع لأنَّ ذلك يدلُّ على العظمة، وقد جمعَ بين ذلك في هذه الآية، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا}، {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}.

ثمَّ قالَ سبحانه: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ}، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ} من حظوظِ الدنيا من المطاعمِ والمشاربِ والملابسِ والحظوظِ والقوَّةِ، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، ما هو إلَّا متاعٌ زائلٌ {وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، أفلا تتدبرون بعقولِكم حقيقةَ هذه الدنيا والآخرة، فكِّروا في الدنيا والآخرة، فهذه الدنيا زائلةٌ ومنقضية وذاهبة ولذَّاتُها منغَّصةٌ، وأمَّا الدار الآخرة وهي الجنَّة فهي باقيةٌ دائمةٌ، دائمةُ النعيم، {مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.

{أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا}، وهو المؤمنُ، الله أعدَّ للمؤمن الكرامة والجنَّة والمغفرة، فهذا هو الّذي له الوعد الحسن، {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا …. كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} متاعٌ زائلٌ، لا يستوي لا يستويان من وعدَه اللهُ الكرامةَ والنعيمَ والنعيم الدائم والفوز العظيم، ومن مُتِّعَ في هذه الدنيا متاعاً مؤقتاً ثمَّ يصير إلى ما أُعِدَّ له من العذاب، {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}، محضرين في العذاب.

 

تفسير السعدي"

– القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى-: ومنها أن

– الشيخ : هذه الفوائد؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : سبحان الله العظيم، اقرأ تفسير هذه الآية ثم ارجع نأخذ بعض الفوائد، لأنا ما نريد.. قوله تعالى: {وقالوا إن نتبع}.

– القارئ : قال الله تعالى: {وقالوا إن نتبع الهدى} الآيات.

يخبر تعالى أن المكذبين من قريش وأهل مكة، يقولون للرسولصلى الله عليه وسلم: {إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} بالقتل والأسر ونهب الأموال.

– الشيخ : يعني تتسلط، يعني تتسلط علينا القبائل، يعني وإن اتبعناك تسلطوا علينا.

– القارئ : فإن الناس قد عادوك وخالفوك، فلو تابعناك لتعرضنا لمعاداة الناس كلهم، ولم يكن لنا بهم طاقة.

وهذا الكلام منهم، يدل على سوء الظن بالله تعالى، وأنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، بل يمكن الناس من أهل دينه، فيسومونهم سوء العذاب، وظنوا أن الباطل سيعلو على الحق.

قال الله مبينا لهم حالة همهم بها دون الناس وأن الله.

– الشيخ : لا، حالة أيش؟

– القارئ : حالة هم بها، كذا يمكن

– الشيخ : إي حالة هم بها.. من دون الناس، وهي سكنى الحرم الآمن، نعم.

– القارئ : حالة هم بها دون الناس وأن الله اختصهم بها، فقال: {أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا} أي: أولم نجعلهم متمكنين ممكنين في حرم يكثره المنتابون ويقصده الزائرون، قد احترمه القريب والبعيد، فلا يهاج أهله، ولا ينتقصون بقليل ولا كثير.

والحال أن كل ما حولهم من الأماكن، قد حف بها الخوف من كل جانب

– الشيخ : ويتخطف الناس من حولهم، في الآية الأخرى يعني.

– القارئ : وأهلها غير آمنين ولا مطمئنين، فليحمدوا ربهم على هذا الأمن التام، الذي ليس فيه غيرهم، وعلى الرزق.

– الشيخ : لا إله إلا الله، كان العرب في الجاهلية -نسأل الله العافية- مثل السباع يغير بعضهم على بعض، يأكل القوي الضعيف، فهم ففي حروب بينهم -والعياذ بالله- دائما، يعني حروب حروب، أحيانا تكون في مدة قصيرة وأحيانا تطول هذه الحروب، مثل القصة المعروفة حرب داحس والغبراء، كانت حروب تطاحن يتطاحنون القبائل ويفخرون ويقولون الأشعار في هذه الحروب، وكان أهل مكة في أمن وأمان، سبحان الله.

 

– القارئ : وعلى الرزق الكثير، الذي يجبى إليهم من كل مكان، من الثمرات والأطعمة والبضائع، ما به يرتزقون ويتوسعون. وليتبعوا هذا الرسول الكريم، ليتم لهم الأمن والرغد.

وإياهم.

– الشيخ : الله المستعان، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.

– القارئ : وإياهم وتكذيبه، والبطر بنعمة الله، فيبدلوا من بعد أمنهم خوفا، وبعد عزهم ذلا وبعد غناهم فقرا، ولهذا توعدهم بما فعل بالأمم قبلهم، فقال:

{وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها} أي: فخرت بها، وألهتها، واشتغلت بها عن الإيمان بالرسل، فأهلكهم الله، وأزال عنهم النعمة، وأحل بهم النقمة. {فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا} لتوالي الهلاك والتفاتها عليهم، وإيحاشها من بعدهم.

{وكنا نحن الوارثين} للعباد، نميتهم، ثم يرجع إلينا جميع ما متعناهم به من النعم.

– الشيخ : ﴿ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم﴾ [الأنعام:94]

– القارئ : ثم نعيدهم إلينا، فنجازيهم بأعمالهم.

ومن حكمته ورحمته ألا يعذب الأمم بمجرد كفرهم قبل إقامة الحجة عليهم.

– الشيخ : ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ [الإسراء:15]

– القارئ : قبل إقامة الحجة عليهم، بإرسال الرسل إليهم، ولهذا قال: {وما كان ربك مهلك القرى} أي: بكفرهم وظلمهم {حتى يبعث في أمها} أي: في القرية والمدينة التي إليها يرجعون، ونحوها يترددون، وكل ما حولها ينتجعها، ولا تخفى عليه أخبارها.

{رسولا يتلو عليهم آياتنا} الدالة على صحة ما جاء به، وصدق.

– الشيخ : أمها هي أم القرى، لتنذر أم القرى.

– القارئ : وصدق ما دعاهم إليه، فيبلغ قوله قاصيهم ودانيهم، بخلاف بعث الرسل في القرى البعيدة، والأطراف النائية، فإن ذلك مظنة الخفاء والجفاء، والمدن الأمهات مظنة الظهور والانتشار، وفي الغالب أنهم أقل جفاء من غيرهم.

{وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} بالكفر والمعاصي، مستحقون للعقوبة. والحاصل: أن الله لا يعذب أحدا إلا بظلمه، بعد إقامة الحجة عليه. قال الله تعالى: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها} الآيات.

هذا حض منه تعالى لعباده على الزهد في الدنيا وعدم الاغترار بها، وعلى الرغبة في الأخرى، وجعلها مقصود العبد ومطلوبه، ويخبرهم أن جميع ما أوتيه الخلق، من الذهب، والفضة، والحيوانات والأمتعة، والنساء، والبنين، والمآكل، والمشارب، واللذات، كلها متاع الحياة الدنيا وزينتها، أي: يتمتع به وقتا قصيرا، متاعا قاصرا، محشوا بالمنغصات، ممزوجا بالغصص.

ويتزين به زمنا يسيرا، للفخر والرياء، ثم يزول ذلك سريعا، وينقضي جميعا، ولم يستفد صاحبه منه إلا الحسرة والندم، والخيبة والحرمان.

– الشيخ : نسأل الله العافية، نسأل الله العافية، لا إله إلا الله، نسأل الله العافية، من يفكر بعقله وبصيرته في هذه الدنيا يدرك أنها حقيرة، المدة قصيرة ونعيمها قليل ومنغص، لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم، هذا الموت يتخطف الناس، الملوك وأصحاب الأموال والحظوظ ومن دونهم ما في فرق بينهم، ما في الموت ما فيه يعني تخصيص أبدا، كله ﴿كل نفس ذائقة الموت﴾ [الأنبياء:35]

ولا أحد تركه سبحان الله للغفلة، كل الناس يعلمون أن الموت منتهاهم، منتهاهم في هذه الحياة، ثم من حكمة الله لم يجعل للموت يعني وقتا لم يجعل للأجل وقتا معلوما أبدا، الأجل يفجأ الناس على غرة وغفلة، ولهذا قال تعالى: {أفلا تعقلون}. {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون}.

 

– القارئ : ولم يستفد صاحبه منه إلا الحسرة والندم، والخيبة والحرمان.

{وما عند الله} من النعيم المقيم، والعيش السليم {خير وأبقى} أي: أفضل في وصفه وكميته، وهو دائم أبدا، ومستمر سرمدا.

{أفلا تعقلون} أي: أفلا تكون لكم عقول، بها تتزينون أي الأمرين أولى بالإيثار، وأي الدارين أحق للعمل لها فدل ذلك أنه بحسب عقل العبد، يؤثر الأخرى على الدنيا، وأنه ما آثر أحد الدنيا إلا لنقص في عقله.

– الشيخ : الله أكبر، الله أكبر، وهذا هو الغالب على الخلق، دع الكفار، أما الكفار فليس ذلك إيثارا للدنيا وطمأنينة، فهذا هذا هو المناسب لحالهم، لأنهم لا يؤمنون ﴿إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون (7) أولئك مأواهم النار﴾ [يونس:7-8]

ولكن العجب -سبحان الله- من حال من يؤمن بالله واليوم الآخر ثم مع ذلك يشابه الكفار، يشابه الكفار في إقباله على الدنيا وإيثاره لحظوظ الدنيا وتفريطه في عمل الآخرة، سبحان الله أمر عجب، أمر عجيب، فيفرط في الواجبات ويقدم على المحرمات ويلهو، يلهو كحال الكفار، يقول الله في الكفار: ﴿ذرهم يأكلوا ويتمتعوا﴾ [الحجر:3]

ذرهم يأكلوا، يأكلوا يعني حياتهم الأكل بس والمتاع، هذه غايتهم من الدنيا، والذين كفروا يأكلون ويتمتعون يعني … كما تأكل الأنعام لاحظ، البهائم ما لها شأن إلا أنها تبلع العلف وبس.

ففي هذا التشبيه تحقير تحقير للكفار، ومن القبيح التشبه بالكفار، حيث لا يكون أهم ما يهم الإنسان الأكل والمتاع من هذه الدنيا، همة المؤمن الصادق المتبصر أعلى من ذلك، نفسه تسمو إلى العلا طموحة، الله أكبر.

 

– القارئ : ولهذا نبه العقول على الموازنة بين عاقبة مؤثر الدنيا ومؤثر الآخرة، فقال: {أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه}.

أي: هل يستوي مؤمن ساع للآخرة سعيها، قد عمل على وعد ربه له، بالثواب الحسن

– الشيخ : الله أكبر، الله أكبر، نسأل الله من فضله.

– القارئ : الذي هو الجنة، وما فيها من النعيم العظيم

– الشيخ : يا الله، يا الله، نعم.

– القارئ : فهو لاقيه من غير شك ولا ارتياب، لأنه وعد من كريم صادق الوعد، لا يخلف الميعاد، لعبد قام بمرضاته وجانب سخطه، {كمن متعناه متاع الحياة الدنيا} فهو يأخذ فيها ويعطي، ويأكل ويشرب، ويتمتع كما تتمتع البهائم، قد اشتغل بدنياه عن آخرته، ولم يرفع بهدى الله رأسا، ولم ينقد للمرسلين، فهو لا يزال كذلك، لا يتزود من دنياه إلا الخسار والهلاك.

{ثم هو يوم القيامة من المحضرين} للحساب، وقد علم أنه لم يقدم خيرا لنفسه، وإنما قدم جميع ما يضره، وانتقل إلى دار الجزاء بالأعمال، فما ظنكم بما يصير إليه؟ وما تحسبون ما يصنع به؟ فليختر العاقل لنفسه، ما هو أولى بالاختيار، وأحق الأمرين بالإيثار.

ويوم يناديهم

– الشيخ : أحسنت

– القارئ : انتهى

– الشيخ : اقرأ الفائدة يعني من الأول فائدة يعني أو فائدتين.

– القارئ : نعم، من الموضع السابق؟

– الشيخ : إي، فوائد السورة

– القارئ : طيب، قال رحمه الله: ومنها: أن العبد -ولو عرف أن القضاء والقدر ووعد الله نافذ لابد منه- فإنه لا يهمل فعل الأسباب التي أمر بها، ولا يكون ذلك منافيا لإيمانه بخبر الله، فإن الله قد وعد أم موسى أن يرده عليها، ومع ذلك، اجتهدت في رده، وأرسلت أخته لتقصه وتطلبه.

ومنها: جواز خروج المرأة في حوائجها، وتكليمها للرجال، من غير محذور، كما جرى لأخت موسى وابنتي صاحب مدين.

– الشيخ : خروج المرأة في حوائجها ما، المحرم هو التهتك ومزاحمة الرجال والاختلاط الذي يشتمل على أسباب الريبة، خلوة من الخلوة والنظر المحرم والكلام الذي يجر إلى ما حرم الله من الفاحشة، أما لابد للنساء من القيام بحوائجهن، لكن الأمر المنكر يعني أن تعمل إلى جانب الرجال ومعاشرة الرجال ومخالطة الرجال، فهاتان المرأتان بنتا صاحب مدين لم يسقين لكون الأكثرية هم الرجال، {ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء}، حتى يصدرون من المورد ويخلو المكان وتتاح الفرصة، نعم بعده.

– القارئ : ومنها: جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع، والدلالة

– الشيخ : أي يعني أم موسى لما ردوا إليها الولد وهم لا يعلمون كانت ترضعه بأجرة، وهذا من كيد الله لموسى وأمه أن رده عليها وصارت صار في حضنها وفي كفالتها وهي ترضعه وتلقى على ذلك أجرا.

– القارئ : والدلالة على من يفعل ذلك.

ومنها: أن الله من رحمته بعبده الضعيف الذي يريد إكرامه، أن يريه من آياته، ويشهد من بيناته، ما يزيد به إيمانه، كما رد الله موسى على أمه، لتعلم أن وعد الله حق. ومنها..

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].

– القارئ : أحسن الله إليك.