الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القصص/(15) من قوله تعالى {من جاء بالحسنة فله خير منها} الآية 84 إلى قوله تعالى {ولا تدع مع الله إلها اخر} الآية 88
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(15) من قوله تعالى {من جاء بالحسنة فله خير منها} الآية 84 إلى قوله تعالى {ولا تدع مع الله إلها اخر} الآية 88

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القصص

الدَّرس: الخامس عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (85) وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:84-88]

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، سبحان الله العظيم، سبحان [انقطاع بالصوت]، والعاقبةُ للمتقين، الأنبياء والصالحين، ولو أشركوا، [انقطاع بالصوت]، ولا تدعُ معَ [انقطاع بالصوت]، وإنَّ كلَّ إلهٍ ومعبودٍ سوى الله باطلٌ، كلُّ إلهٍ يُتَّخَذُ فإنَّه باطلٌ لأنَّه لا إله إلا الله، {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، ثمَّ أكَّدَ ذلك بقولِه: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، فهذه كلمةُ التوحيدِ {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، لا إله إلَّا الله، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[الأنبياء:87]

{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، فالبقاءُ للهِ وحدَهُ، وكلُّ ما سواهُ مآلُه إلى الفناءِ، ومن هذا القبيلِ أنَّ كلَّ عملٍ لا يُرادُ به وجهُهُ باطلٌ، فسَّرَ بعضُ السلفِ هذه الآيةَ بهذا المعنى أنَّ كلَّ عملٍ باطلٌ إلَّا ما أُريدَ به وجهُه، نعم مَن الموجودُ؟ محمّد موجود؟

 

– القارئ : بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية:

{من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون}.

يخبر تعالى عن مضاعفة فضله، وتمام عدله فقال: {من جاء بالحسنة} شرط فيها أن يأتي بها العامل، لأنه قد يعملها، ولكن يقترن بها ما لا تقبل منه أو يبطلها، فهذا لم يجئ بالحسنة، والحسنة: اسم جنس يشمل جميع ما أمر الله به ورسوله، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله تعالى وحق عباده، {فله خير منها} أي: أعظم وأجل، وفي الآية الأخرى ﴿فله عشر أمثالها[الأنعام:160]

هذا التضعيف للحسنة، لابد منه، وقد يقترن بذلك من الأسباب ما تزيد به المضاعفة، كما قال تعالى: ﴿والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم[البقرة:261]

بحسب حال العامل وعمله، ونفعه ومحله ومكانه.

{ومن جاء بالسيئة} وهي كل ما نهى الشارع عنه، نهي تحريم، {فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون} كقوله تعالى: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون[الأنعام:160]

قال تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى} الآية.

يقول تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن} أي: أنزله، وفرض فيه الأحكام، وبين فيه الحلال والحرام، وأمرك بتبليغه للعالمين، والدعوة لأحكام جميع المكلفين، لا يليق بحكمته أن تكون الحياة هي الحياة الدنيا فقط، من غير أن يثاب العباد ويعاقبوا، بل لابد أن يردك إلى معاد، يجازى فيه المحسنون بإحسانهم، والمسيئون بمعصيتهم.

وقد بينت لهم الهدى، وأوضحت لهم المنهج، فإن تبعوك، فذلك حظهم وسعادتهم، وإن أبوا إلا عصيانك والقدح بما جئت به من الهدى، وتفضيل ما معهم من الباطل على الحق، فلم يبق للمجادلة محل، ولم يبق إلا المجازاة على الأعمال من العالم بالغيب والشهادة، والمحق والمبطل. ولهذا قال: {قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين} وقد علم أن رسوله هو المهتدي الهادي، وأن أعداءه هم الضالون المضلون.

قال تعالى: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب} أي: لم تكن متحريا لنزول هذا الكتاب عليك، ولا مستعدا له، ولا متصديا. {إلا رحمة من ربك} بك وبالعباد، فأرسلك بهذا الكتاب الذي رحم به العالمين، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، وزكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، فإذا علمت أنه أنزله إليك رحمة منه، علمت أن جميع ما أمر به ونهى عنه، فإنه رحمة وفضل من الله، فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه، وتظن أن مخالفه أصلح وأنفع.

{فلا تكونن ظهيرا للكافرين} أي: معينا لهم على ما هو من شعب كفرهم، ومن جملة مظاهرتهم، أن يقال في شيء منه، إنه خلاف الحكمة والمصلحة والمنفعة.

{ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك} بل أبلغها وأنفذها، ولا تبال بمكرهم ولا يخدعنك عنها، ولا تتبع أهواءهم.

قال تعالى: {وادع إلى ربك} أي: اجعل الدعوة إلى ربك منتهى قصدك وغاية عملك، فكل ما خالف ذلك فارفضه، من رياء، أو سمعة، أو موافقة أغراض الباطل، فإن ذلك داع إلى الكون معهم، ومساعدتهم على أمرهم، ولهذا قال: {ولا تكونن من المشركين} لا في شركهم، ولا في فروعه وشعبه، التي هي جميع المعاصي.

{ولا تدع مع الله إلها آخر} بل أخلص لله عبادتك، فإنه {لا إله إلا هو} فلا أحد يستحق أن يؤله ويحب ويعبد، إلا الله الكامل الباقي الذي {كل شيء هالك إلا وجهه} وإن كان كل شيء هالكا مضمحلا سواه فعبادة الهالك الباطل باطلة ببطلان غايتها، وفساد نهايتها. {له الحكم} في الدنيا والآخرة {وإليه} لا إلى غيره {ترجعون} فإن كان ما سوى الله باطلا هالكا، والله هو الباقي، الذي لا إله إلا هو، وله الحكم في الدنيا والآخرة، وإليه مرجع الخلائق كلهم، ليجازيهم بأعمالهم، تعين على من له عقل، أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويعمل لما يقربه ويدنيه، ويحذر من سخطه وعقابه، وأن يقدم على ربه غير تائب، ولا مقلع عن خطئه وذنوبه. انتهى.