الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القصص/(14) من قوله تعالى {فخرج على قومه في زينته} الآية 78 إلى قوله تعالى {تلك الدار الاخرة} الآية 83
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(14) من قوله تعالى {فخرج على قومه في زينته} الآية 78 إلى قوله تعالى {تلك الدار الاخرة} الآية 83

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القصص

الدَّرس: الرَّابع عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:79-83].

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : الحمد لله، تضمَّنَتْ هذه الآياتُ بقيَّةَ قصَّةِ قارون، يخبرُ تعالى أنَّه خرجَ ذاتَ يومٍ على الناسِ، خرجَ على الناس في زينته في أُبَّهةٍ، من لباسٍ ومركبٍ وهيئةٍ في زينتِه، {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}، هذا صنفٌ من الناسِ يعني أكبرُ همِّهم الدنيا، المالُ الثراء الجاه المظهرُ كذا، مظاهرُ الدنيا وزخرفُ الدنيا.

يقولون: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ}، غبطوه حسدوه حسدَ الغبطةِ، {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ}، من المالِ والزينةِ والأُبّهةِ، ويؤكِّدون ذلك سبب التمني، ليش تمنَّوا؟ لأنَّ هذا حظٌّ عظيمٌ، {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ}، {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ}، محظوظٌ {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.

وفي الناسِ يعني لونٌ أخرُ على خلافِ فكرِ وتوجُّهِ هؤلاء، {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}، الَّذين آتاهم اللهُ العلمَ الَّذي يعرفون به الأمورَ وينزلون الأشياءَ منازلها، يعرفون حقارةَ الدنيا ومآلَ هذه الدنيا ويعلمون فضلَ الآخرةِ وأنَّها الدارُ الباقيةُ، {قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ}، ثوابُ اللهِ وكرامتُه في الآخرةِ خيرٌ من هذه الدُّنيا.

{وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}، فمن آمنَ وعملَ صالحاً فما عندَ اللهِ خيرٌ له مَّما أُوِتي قارون، خيرُ من ما يُؤتَى الإنسان مثل ما أُوتِي قارونُ، {خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ}، ما يلقى هذه الحالة إلَّا الصابرون الَّذين يصبرون عن الشهوات المحرَّمة، ويصبرون على أقدار الله، {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ}، فالعالمون الصابرون لا يعبئون بهذه المظاهر ولا تروقُ لهم ولا يعني تتعلَّقُ بها نفوسُهم، بل هم يغطبطونَ بما أعطاهم اللهُ من الإيمانِ والعملِ الصالحِ.

فهؤلاء الَّذين أُوتُوا العلمَ لم يهولهم مظهرُ قارونَ، لم يهولهم ولم يعني يوجبُ لهم يعني الرغبة في مثلِ ما أُوتي قارون، {خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ}.

ثمَّ يقول الله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ}، خسفَ به، خسفَ به الأرضَ، انشقَّت الأرضُ فذهبَ هو وداره هو وداره، داره الَّتي تحوي الخزائنَ خزائنَ الأموالِ الضخمةِ، {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ}، لم تكنْ له جماعةٌ تنصره.

{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ}، يعني الآن كأنَّ هؤلاء استفادُوا لما علموا وعرفوا مصيرَ قارونَ وأموالِه أنَّه ذهبَ وهلكَ، {يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا}، يعني يشكرون اللهَ أنَّ اللهَ لم يعاقبْهم ويلحقْهم أو يفعلْ بهم كما فعلَ بقارون.

{لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا}، وهذه في الحقيقة نعمةٌ؛ لأنَّهم اعترفوا بفضلِ اللهِ عليهم ومنَّته عليهم أنَّه لم يفعلْ بهم ما فعلَ بقارونَ، {لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا إنه لَا يُفْلِحُ، وَيْكَأَنَّهُ}، {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.

ثمَّ قال سبحانه: {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا}، الدارُ الآخرةُ والكرامةُ في الجنَّةِ نجعلُها للمتقين الَّذين لا يريدون علوَّاً في الأرضِ، علوَّاً وتكبُّراً وتجبُّراً على الناس، {لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}، فقارونُ هو من هذا الصنفِ يريدُ العلوَّ والفسادَ.

{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، العاقبةُ الحميدةُ للمتقين الَّذين يخافون اللهَ ويتَّقون عذابَه، فلذلك يفعلون ما أُمِرُوا به ويتجنبون ما نُهوا عنه، وبهذا تَتِمُّ وتنتهي قصَّةُ قارونَ، اللهُ المستعانُ، فيها عبرةٌ للمعتبرين، اللهُ المستعانُ، نعم يا محمَّد.

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى-: فلم يزل قارون مستمرا على عناده وبغيه، وعدم قبول نصيحة قومه، فرحا بطرا قد أعجبته نفسه، وغره ما أوتيه من الأموال.

{فخرج} ذات يوم {على قومه في زينته} أي: بحالة أرفع ما يكون من أحوال دنياه، قد كان له من الأموال ما كان، وقد استعد وتجمل بأعظم ما يمكنه، وتلك الزينة في العادة من مثله تكون هائلة، جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وغضارتها وفخرها، فرمقته في تلك الحالة العيون، وملأت بزته القلوب، واختلبت زينته النفوس، فانقسم فيه الناظرون قسمين، كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة.

{قال الذين يريدون الحياة الدنيا} أي: الذين تعلقت إرادتهم فيها، وصارت منتهى رغبتهم، ليس لهم إرادة في سواها، {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} من الدنيا ومتاعها وزهرتها {إنه لذو حظ عظيم} وصدقوا إنه لذو حظ عظيم، لو كان الأمر منتهيا إلى رغباتهم، وإنه ليس وراء الدنيا، دار أخرى، وإنه قد أعطي منها ما به غاية التنعم بنعيم الدنيا، واقتدر بذلك على جميع مطالبه، فصار هذا الحظ العظيم، بحسب همتهم، وإن همة جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى مطلبها، لمن أدنى الهمم وأسفلها وأدناها، وليس لها أدنى صعود إلى المرادات العالية والمطالب الغالية.

{وقال الذين أوتوا العلم} الذين عرفوا حقائق الأشياء، ونظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر أولئك إلى ظاهرها: {ويلكم} متوجعين مما تمنوا لأنفسهم، راثين لحالهم، منكرين لمقالهم: {ثواب الله} العاجل، من لذة العبادة ومحبته، والإنابة إليه، والإقبال عليه. والآجل من الجنة وما فيها، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين {خير لمن آمن وعمل صالحا} من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه، فهذه حقيقة الأمر، ولكن ما كل من يعمل ذلك يقبل عليه فما.

– الشيخ : الله المستعان، ما كل من يعلم ذلك يعمل بموجب علمه هذا كثير، الله أكبر، سبحان الله العظيم، كل مسلم يعلم أن الدار الآخرة هي الباقية وأن الدنيا فانية، لكن يطغى التعلق بالعاجل وللظاهر، ولا لو علم عمل، عمل الإنسان بموجب علمه لأفلح وسعد وصار له شأن عظيم غير شأنه العادي.

 

– القارئ : فما يلقى ذلك ويوفق له {إلا الصابرون} الذين حبسوا أنفسهم على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة، وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها، أن تشغلهم عن ربهم، وأن تحول بينهم وبين ما خلقوا له، فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب الله على الدنيا الفانية.

فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر، وازينت الدنيا عنده، وكثر بها إعجابه، بغته العذاب {فخسفنا به وبداره الأرض} جزاء من جنس عمله، كما رفع نفسه على عباد الله، أنزله الله أسفل سافلين، هو وما اغتر به، من داره وأثاثه، ومتاعه، {وما كان له من فئة}.

– الشيخ : يقول يعني أن الجزاء من جنس العمل، لما كان يعني ذنبه الطغيان والعلو في الأرض والفخر جاءت العقوبة على النقيض من ذلك وهو الخسف، يعني عوقب بنقيض مطلوبه، عوقب بالخسف بالأرض الذي هو غاية من الانحطاط والذل، خسف إلى التحت وهو يريد العلو.

 

– القارئ : {وما كان له من فئة} أي: جماعة، وعصبة، وخدم، وجنود {ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين} أي: جاءه العذاب، فما نصر ولا انتصر.

{وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس} أي: الذين يريدون الحياة الدنيا، الذين قالوا: {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} {يقولون} متوجعين ومعتبرين، وخائفين من وقوع العذاب بهم: {ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر} أي: يضيق الرزق على من يشاء، وعلمنا حينئذ أن بسطه لقارون، ليس دليلا على خير فيه، وأننا غالطون في قولنا: {إنه لذو حظ عظيم} و.

– الشيخ : المهم أنهم استفادوا، استفادوا من العبرة، كثير من الخلق لا يستفيد لا يستفيد، لكن هؤلاء استفادوا وأقروا بفضل الله عليهم أن لم يفعل بهم ما فعل بقارون.

– القارئ : و{لولا أن من الله علينا} فلم يعاقبنا على ما قلنا، فلولا فضله ومنته {لخسف بنا} فصار هلاك قارون عقوبة له، وعبرة وموعظة لغيره، حتى إن الذين غبطوه، سمعت كيف ندموا، وتغير فكرهم الأول.

{ويكأنه لا يفلح الكافرون} أي: لا في الدنيا ولا في الآخرة.

قال الله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها…}، الآية.

لما ذكر تعالى، قارون وما أوتيه من الدنيا، وما صارت إليه عاقبة أمره، وأن أهل العلم قالوا: {ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا} رغب تعالى في الدار الآخرة، وأخبر بالسبب الموصل إليها فقال: {تلك الدار الآخرة} التي أخبر الله بها في كتبه وأخبرت بها رسله، التي قد جمعت كل نعيم، واندفع عنها كل مكدر ومنغص، {نجعلها} دارا وقرارا {للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا} أي: ليس لهم إرادة، فكيف العمل للعلو في الأرض على عباد الله، والتكبر عليهم وعلى الحق {ولا فسادا} وهذا شامل لجميع المعاصي، إذا كانوا لا إرادة لهم في العلو في الأرض ولا الفساد، لزم من ذلك، أن تكون إرادتهم مصروفة إلى الله، وقصدهم الدار الآخرة، وحالهم التواضع لعباد الله، والانقياد للحق والعمل الصالح.

وهؤلاء هم المتقون الذين لهم العاقبة، ولهذا قال: {والعاقبة} أي: حالة الفلاح والنجاح، التي تستقر وتستمر، لمن اتقى الله تعالى، وغيرهم -وإن حصل لهم بعض الظهور والراحة- فإنه لا يطول وقته، ويزول عن قريب. وعلم من هذا الحصر في الآية الكريمة، أن الذين يريدون العلو في الأرض، أو الفساد، ليس لهم في الدار الآخرة، نصيب، ولا لهم منها حظ، قال الله تعالى: {من جاء  بالحسنة فله خير منها}.

– الشيخ :  إلى هنا

– القارئ : أحسن الله إليك