بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة العنكبوت
الدَّرس: الأوَّل
*** *** ***
– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِــسْــمِ اللَّـهِ الرَّحْــمَـــنِ الرَّحِــيــــمِ
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [العنكبوت:1-7]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : سبحان الله، لا إله إلَّا الله، هذه اسمُها سورةُ العنكبوتِ؛ لذكرِ المثلِ لضربِ المثلِ فيها بالعنكبوتِ، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾ [العنكبوت:41]
تسميةُ السورةِ بشيءٍ لا يدلُّ على شيءٍ، لا يدلُّ على فضيلةٍ، ما هو إلَّا تعريفٌ، تعريفُ السورةِ بأبرزِ ما فيها من الكلماتِ أو الأسماءِ، سورةُ النملِ، سورةُ العنكبوتِ، سورةُ الفيلِ، سورة كذا، وسورةٌ بأسماءِ الأنبياءِ سورة كذا سورة هود وإبراهيم ويوسف.
وهي هذه السورةُ يعني مكيّةٌ، في الغالبِ أنَّها مكيّةٌ، وقد أفتتحَتْ ببعضِ الحروفِ المقطَّعة، {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، يعني أيظنُّ الناسُ أو أظنَّ الناسُ الَّذين أظهروا الإيمانَ أو دخلوا في الإيمانِ أن يُترَكوا فلا يُبتلَون؟ يُترَكوا فلا يُبتَلون، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، الفتنةُ الابتلاءُ، ومن حكمةِ اللهِ أن يبتليَ من يظهرُ الإيمانَ والإسلامَ يبتليه، فيتبيَّنُ صدقه من كذبه، {أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.
ثمَّ يقولُ تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}، الابتلاءُ سنَّةٌ، يعني: سنَّةٌ ماضيةٌ، سنَّةٌ كونيَّةٌ، سنَّةٌ كونيَّةٌ ماضيةٌ في الأوَّلين والأخرين، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، بهذا الابتلاءِ تنكشفُ حقائقُ الناسِ فيتبيَّن الصادق من الكاذبِ، ويصيرُ الأمرُ أمراً موجوداً محقَّقاً في الواقعِ.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا}، كذلك ينكرُ اللهُ على الَّذين يسرفون على أنفسِهم بالمعاصي، أن يظنُّوا أنَّهم يفوتون اللهَ ولا يُنفِذُ فيهم حكمَه، بل اللهُ غالبٌ على أمرِه ومدركٌ من طلبه، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ}، هذا أسلوبُ ذمٍّ يستعملُه أهلُ اللغةِ مثل: بئس، بئسَ ما يعملون.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ}، من كان يرجو لقاءَ اللهِ فإنَّ أجلَ اللهِ لآتٍ، ومن كانَ يرجو لقاءَ اللهِ وهذا يتضمَّنُ الإيمانَ بالبعثِ، فإنَّ لقاءَ اللهِ يكونُ يومَ القيامةِ، فمن كانَ يرجو لقاءَ ربِّه فليعملْ عملاً صالحاً ولا يشركْ بعبادةِ ربِّه أحداً، تحيتُهم يومَ يلقونهُ سلامٌ وأعدَّ لهم أجراً كبيراً، ويستنبطُ أهل السنَّةِ من هذه الأياتِ إثباتَ رؤيةِ المؤمنين للهِ، من كانَ يرجو لقاءَ اللهِ فإنَّ أجلَ اللهِ لآتٍ، من كان يؤمنُ باليوم الأخر ويرجو لقاءَ ربِّه فلهذا اللقاء أجل، وهو آتٍ، فلهذا اللقاءُ أجلٌ وهو آتٍ لا محالةَ، وهو السميعُ العليمُ.
ومن جاهدَ في هذه الحياة نفسَه وشيطانَه ودواعي الشرِّ وجوانبَ الشرِّ من جاهدَ فإنَّما يجاهدُ لنفسِه، يعودُ نفعُ جهاده إليه، فاللهُ تعالى غنيٌّ عن العبادِ، لم يأمرْهم ولم ينهَهم لينتفعَ بذلك، بل هو تعالى لا تنفعُه طاعةُ المطيعين ولا تضرُّه معصيةُ الغافلين، {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، اللهُ غنيٌّ، "يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانُوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما زادَ ذلكَ في ملكي شيئاً".
والَّذينَ، ثمَّ قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}، فذكرَ الفريقين ذكرَ في الأوَّل الَّذين يعملون السيِّئاتِ، وذكر هنا {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، فيها بشارةٌ لهم بأنَّ اللهَ يكفِّرُ عنهم السيِّئات ويجزيهم بالثوابِ العظيمِ، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فيكفِّرُ عنهم السيِّئاتِ ويثيبُهم على أحسنِ أعمالهم أعظمَ ثوابٍ.
"تفسيرُ السَّعديّ"
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: تفسيرُ سورةِ العنكبوتِ وهيَ مكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {الم } الآيات.
يخبر تعالى عن تمام حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال: "إنه مؤمن" وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا وفي حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتن الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عما أمر الله به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا الله،[فمستقل ومستكثر، فنسأل الله تعالى] أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها.
قال الله تعالى: {أم حسب الذين يعملون السيئات} الآية.
أي: أحسب الذين همهم فعل السيئات وارتكاب الجنايات، أن أعمالهم ستهمل، وأن الله سيغفل عنهم، أو يفوتونه، فلذلك أقدموا عليها، وسهل عليهم عملها {ساء ما يحكمون} أي: ساء حكمهم، وإنه حكم جائر، لتضمنه إنكار قدرة الله وحكمته، وأن لديهم قدرة يمتنعون بها من عقاب الله، وهم أضعف شيء وأعجزه.
قال الله تعالى: {من كان يرجو لقاء الله} الآيات.
يعني: يا أيها المحب لربه، المشتاق لقربه ولقائه، المسارع في مرضاته، أبشر بقرب لقاء الحبيب، فإنه آت، وكل ما هو آت فهو قريب، فتزود للقائه، وسر نحوه، مستصحبا الرجاء، مؤملا الوصول إليه، ولكن ما كل من يدعي يعطى بدعواه، ولا كل من تمنى يعطى ما تمناه، فإن الله سميع للأصوات، عليم بالنيات، فمن كان صادقا في ذلك أناله ما يرجو، ومن كان كاذبا لم تنفعه دعواه، وهو العليم بما يصلح لحبه ومن لا يصلح.
{ومن جاهد} نفسه وشيطانه، وعدوه الكافر، {فإنما يجاهد لنفسه} لأن نفعه راجع إليه، وثمرته عائدة عليه، إن الله غني عن العالمين، لم يأمرهم بما أمرهم به؛ لينتفع به، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا منه عليهم.
وقد علم أن الأوامر والنواهي يحتاج المكلف فيها إلى جهاد؛ لأن نفسه تتثاقل بطبعها عن الخير، وشيطانه ينهى عنه، وعدوه الكافر يمنعه من إقامة دينه كما ينبغي، وكل هذا معارضات تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد.
قال الله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية، يعني أن..
– الشيخ : انتهى؟
– القارئ : نعم، ووصينا الإنسان بوالديه
– الشيخ : طيب، حسبك، نعم.