الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة العنكبوت/(2) من قوله تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} الآية 8 إلى قوله تعالى {وليحملن أثقالهم} الآية 13

(2) من قوله تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} الآية 8 إلى قوله تعالى {وليحملن أثقالهم} الآية 13

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة العنكبوت

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:8-13]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : سبحانَ الله، سبحانَ الله، سبحانَ الله، يقولُ تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ}، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ}، الوصيةُ تتضمَّنُ الأمرَ بل ذلكَ مِن اللهِ أعظمُ وآكدُ من مجرَّدِ الأمرِ، فهذهِ وصَّيْنا، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ}، وقد جاءَ هذا المعنى في مواضعَ من القرآنِ ممَّا يدلُّ على عظمِ حقِّ الوالدين، وكثيراً ما يُقرَنُ ذلك بالتوحيدِ بحقِّهِ سبحانَهُ، ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء:36]

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ}، حتَّى ولو كانَا كافرَينِ، كما في الآية الأخرى، بل هنا بل في هذه الآيةِ لقولِهِ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي}، يعني هذا يدلُّ على أنَّهما قد يكونا مُشركَينِ، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}.

قالَ اللهُ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ}، جاهداكَ يعني أرادَا منك يعني أنْ تشركَ باللهِ واجتهدَا بذلك جاهداكَ أن تشركَ بي، {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي … فَلَا تُطِعْهُمَا}، فإنَّه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ، كلُّ من أمرَ اللهُ بطاعته فهذه من الناس فذلك مقيَّدٌ بعدمِ المعصية، أمَّا الرسولُ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فطاعته مطلقة، لأنَّه عليه الصلاة والسلام لا يأمرُ لا يأمرُ بمعصيةٍ.

{فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، سيرجعُ العبادُ كلُّهم إلى اللهِ ويجدون ما عملُوا وينبِّئُهم الله بما عملوا، لأنَّه تعالى عالمُ الغيب مطلعٌ على أحوالِ العباد، سرِّها وعلانيتِها.

ثمَّ قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}، الَّذين آمنوا بالله ورسلِه وعملوا الصالحاتِ امتثلُوا أوامرَ اللهِ ورسولِه فإنَّ اللهَ يسلكُهم ويدخلُهم في عدادِ عبادِه الصالحين، الَّذين ضمنَ اللهُ لهم النجاةَ والسعادةَ والفوزَ العظيمَ، فدخولُ العبدِ أو إدخالُه في الصالحين هذا عنوانُ السعادةِ، ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر:27-30]

وسليمانُ يقولُ: ربِّ أدخلْني برحمتِكَ، ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل:19]

والصالحون يشملُ النبيينَ والصديقينَ والشهداءَ وسائرَ الصالحينَ.

ثمَّ قالَ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ}، يدَّعي الإيمانَ ويظهرُ الإيمانَ، {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}، إذا أُوذيَ بسببِ إيمانِه فإنَّه يرجعُ عن إيمانه، وهذه حالُ المنافقين يرجعُ عن إيمانه فراراً من أذى الناسِ أذى الكفرةِ الَّذين يؤذونَ المؤمنينَ.

{جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ} فتنةُ الناسِ يعني تعذيبُ الناسِ له فإنَّ الفتنةَ تُطلَقُ على التعذيبِ، كما يُقالُ لأهلِ النارِ: هذه فتنتكم، ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات:10-13]

{جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}، فيرجعُ عن الإيمانِ فراراً، {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ}، {لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}، {لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}، إذا جاءَ نصرٌ ومصالحُ وغنائمُ يقولُ هؤلاءِ: إنَّا معَكم، إنَّا نحن معكم لينالوا من الغنيمةِ وينالوا من المكاسبِ الَّتي تحصلُ بالنصرِ.

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}، فقالَ اللهُ: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}، {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}، مثلَ ما تقدَّمَ في أوَّلِ السورةِ: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:3]

اللهُ تعالى يعلمُ الأشياءَ قبلَ أنْ توجدَ، يعلمُها بعلمِه القديمِ، ولكنَّها إذا وُجِدَتْ يعلمُها موجودةً، فيعلمُ الأشياءَ على ما هي عليه، يعلمُ الموجودَ موجوداً ويعلمُ المعدومَ معدوماً ويعلمُ المعدومَ الَّذي سيوجدُ بأنَّه سيوجدُ، ويعلمُ ذلكَ كلَّه علماً تفصيليَّاً لا يخفى عليه تعالى من ذلك خافيةً.

 

"تفسير السعدي"

– القارئ : سم يا شيخ، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} الآيات.

أي: وأمرنا الإنسان، ووصيناه بوالديه حسنا، أي: ببرهما

– الشيخ : الله أكبر، وصينا هذا الضمير وصينا يعود إلى الله وهو ضمير جمع، والله تعالى في القرآن تارة يذكر نفسه بصيغة الجمع الدالة على العظمة، وتارة يذكر نفسه بصيغة الإفراد الدالة على التوحيد، وهو سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد وهو العظيم الذي لا أعظم منه، فهو يذكر نفسه تارة بصيغة الجمع، إني يقول لموسى: ﴿إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني﴾ [طه:14]

وإياي ﴿وإياي فارهبون﴾ [البقرة:40] هذه صيغة إفراد، نعم.

– القارئ : أي: وأمرنا الإنسان، ووصيناه بوالديه حسنا، أي: ببرهما والإحسان إليهما، بالقول والعمل

– الشيخ : الله أكبر، الله أكبر، يكون بالقول والعمل والنفع بالمال، وبالوالدين إحسانا، يشمل كل ضروب الإحسان، كل أنواع الإحسان.

– القارئ : وأن يحافظ على ذلك، ولا يعقهما ويسيء إليهما في قوله وعمله.

{وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم} وليس لأحد علم بصحة الشرك بالله

– الشيخ : ما أدري ما، شوي شوي.

– القارئ : وليس لأحد علم

– الشيخ : وليس لأحد علم أيش؟

– القارئ : بصحة الشرك بالله

– الشيخ : بصحة، لتشرك بي ما ليس، هذا يريد لقوله: {ما ليس لك به علم}، يقول يعني يريد أن يبين أن هذا التقييد ليس له مفهوم، يعني ما في شيء من الشرك يعلم وتعلم صحته أو يعلم أحد صحته، كقوله: ﴿ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به﴾ [المؤمنون:117]

ما في شرك عليه برهان، هذا مفهومه، يعني ما في شرك عليه برهان شرك ما عليه برهان، بل كل الشرك لا برهان عليه، ولا برهان لأحد عليه، وهكذا لا علم لأحد بصحة الشرك، هذا كله الشيخ يريد يبين معنى {ما ليس لك به علم}.

 

– القارئ : وليس لأحد علم بصحة الشرك بالله، وهذا تعظيم لأمر الشرك، {فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} فأجازيكم بأعمالكم، فبروا والديكم وقدموا طاعتهما، إلا على طاعة الله ورسوله، فإنها مقدمة على كل شيء.

{والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين}.

أي: من آمن بالله وعمل صالحا، فإن الله وعده أن يدخله الجنة في جملة عباد الله الصالحين، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

– الشيخ : الله أكبر، الله أكبر، سبحان الله، سبحان الله.

– القارئ : كل على حسب درجته ومرتبته عند الله، فالإيمان الصحيح والعمل الصالح عنوان على سعادة صاحبه، وأنه من أهل الرحمن، والصالحين من عباد الله.

– الشيخ : يعني يمكن يعني أنه من أولياء الله، من أولياء الله، ويقال عن الصالحين: أهل الله، لا إله إلا الله.

– القارئ : وأنه من أهل الرحمن، والصالحين من عباد الله.

{ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله} الآيات.

لما ذكر تعالى أنه لابد أن يمتحن من ادعى الإيمان، ليظهر الصادق من الكاذب، بين تعالى أن من الناس فريقا لا صبر لهم على المحن، ولا ثبات لهم على بعض الزلازل فقال: {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله} بضرب، أو أخذ مال، أو تعيير، ليرتد عن دينه، وليراجع الباطل، {جعل فتنة}.

– الشيخ : ليرتد عن دينه، طيب وراجع الباطل يعني رجع إليه، وراجع.

– القارئ : وراجع الباطل

– الشيخ : نعم

– القارئ : {جعل فتنة الناس كعذاب الله} أي: جعلها صادة له عن الإيمان والثبات عليه، كما أن العذاب صاد عما هو سببه.

{ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم} لأنه موافق للهوى، فهذا الصنف من الناس من الذين قال الله فيهم: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} [الحج:11]

– الشيخ : أعوذ بالله، نعم.

– القارئ : {أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين} حيث أخبركم بهذا الفريق، الذي حاله كما وصف لكم، فتعرفون بذلك كمال علمه وسعة حكمته.

{وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين} أي: فلذلك قدر محنا وابتلاء، ليظهر علمه فيهم، فيجازيهم بما ظهر منهم

– الشيخ : لا إله إلا الله، يعني بما حصل منهم ووقع منهم، نعم.

– القارئ : فيجازيهم بما ظهر منهم، لا بما يعلمه بمجرده، لأنهم قد يحتجوا على الله، أنهم لو ابتلوا لثبتوا.

{وقال الذين كفروا للذين..}

– الشيخ : إلى هنا بس قف، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعم بعده، من معنا.