بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة العنكبوت
الدَّرس: الثَّالث
*** *** ***
– القارئ :
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:10-13]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ، تقدَّمَ في الآياتِ الأولى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ}، وهم المنافقون، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}، إذا أُوذِيَ بسببِ إيماِنه ارتدَّ عن الإسلامِ، {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}.
{وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ}، يعني حصل للمؤمنين نصرٌ قالوا: {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}، يتعلَّقون يحتجُّون، يقولون: "نحن معكم"، قالَ الله: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}، فهو يعلمُ حقائقَ العبادِ ويعلم ما في صدورهم، لا إله إلَّا الله، يعلُم ما في هذه القلوبِ وما يجري، وما يدورُ فيها من أفكارٍ وما فيها من اعتقاداتٍ ومن أعمالٍ ومن خواطرَ، لا إله إلَّا الله، ولكن من رحمةِ اللهِ أنَّه لا يحاسبُ ولا يعاقبُ على الخواطرِ الَّتي تردُ على القلبِ من غيرِ أنْ تستقرَّ، من غيرِ أن تكونَ عقيدةً ولا عملاً، كما قالَ عليه الصلاة والسلام: "إنَّ اللهَ تجاوزَ عن أمَّتِي ما حدَّثَتْ به أنفسَها أو أنفسَهم ما لم تعملْ أو تتكلَّمْ"، مجرَّدُ الخواطرِ تردُ على القلب خواطر يعني منكرة قبيحة مناقضة لكنَّها لكنَّ المؤمنَ يعرضُ عنها، ولما شكا بعضُ الصحابةِ ما يجدُ من الوسواسِ وأنَّه يعني مستعظمٌ له قالَ: "الحمدُ للهِ الَّذي ردَّ كيدَهُ"، أي: كيدَ الشيطانِ إلى الوسوسة.
{أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}، اللهُ يعلمُ المؤمنَ الصادقَ من الكاذب كما تقدَّمت الآيةُ: فلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صدقوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين.
ثمَّ قالَ اللهُ تعالى عن الكفَّارِ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، المشركونَ المظهرونَ لكفرِهم، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا}، كونوا معنا وعلى طريقنا، {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}، تُحمَّلُ ذنوبُكم علينا، هذا تضليلٌ لا يقنعُ به إلَّا الجاهلُ الغرُّ الغبيُّ، {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}.
قالَ اللهُ: {وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ}، يعني لن يحملوا من خطاياهم من شيءٍ، بحيثُ يُعاقَبُ يُعاقَبون هم بها وتبرأُ ذمَّةُ الآخرين لا، {وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْء إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.
هؤلاءِ الكفَّارُ إذا أطاعَهم أحدٌ من الجاهلين من المستضعفين، إذا أطاعوهم فإنَّهم يحملون هؤلاِء الكفرةَ المضلّون المضلّون، فإنّهم يحملون ذنوبَهم وذنوبَ من أضلّوهم، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ… وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل:24-25]
يحملون أوزارهم الَّتي باشروها وعملوها ويحملون أيضاً أوزارَ الَّذين أضلّوهم فيُعذَّبون بهذا وهذا، بما باشرُوه وبما تسبَّبُوا فيه.
وهكذا في المقابلِ يُثابُ المؤمنُ على عملِه الصالحِ الَّذي باشرَه وبما تسبَّبَ فيه، بسببِ الدعوةِ، من دعا إلى هدىً كانَ له مثلُ أجرِ من تبعَه لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه وزرُها ووزرُ من عملَ بها، كان عليه مثلُ أوزارِ من تبعَه إلى يومِ القيامةِ لا ينقصُ ذلك من أوزارِهم شيئاً.
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}، لأنَّ قولَهم: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} افتراءٌ وكذبٌ، نعم يا محمّد، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
(تفسيرُ السَّعديّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} الآياتُ.
يخبرُ تعالى عن افتراءِ الكفَّارِ ودعوتِهم للمؤمنينَ إلى دينِهم، وفي ضمنِ ذلكَ تحذيرُ المؤمنينَ من الاغترارِ بهم والوقوعِ في مكرِهم، فقالَ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا} فاتركُوا دينَكم أو بعضَهُ واتَّبعُونا في دينِنا، فإنَّنا نضمنُ لكم الأمرَ وَنَحْمِلُ خَطَايَاكُمْ، وهذا الأمرُ ليسَ بأيديهم، فلهذا قالَ: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} لا قليلٍ ولا كثيرٍ.
– الشيخ : لا يحملونها باعتبارِ أنَّهم يسلمُ المؤمنون منها، هذا لا يكونُ، لكنَّهم يحملون من أطاعَهم، فإنَّهم يحملون أوزارَ من أطاعَهم فوقَ أوزارِهم الَّتي باشرُوها، {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}، نعم كمِّل.
– القارئ : فهذا التحمُّلُ، ولو رضيَ بهِ صاحبُهُ، فإنَّهُ لا يفيدُ شيئاً، فإنَّ الحقَّ للهِ، واللهُ تعالى لم يمكِّنْ العبدَ مِن التَّصرُّفِ في حقِّهِ إلَّا بأمرِهِ وحكمِهِ، وحكمُهُ {أن لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
ولمَّا كانَ قولُهُ: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} قد يتوهَّمُ منهُ أيضاً، أنَّ الكفَّارَ الداعينَ إلى كفرِهم -ونحوِهم ممَّن دعا إلى باطلِهِ- ليسَ عليهم إلَّا ذنبُهم الَّذي ارتكبُوهُ، دونَ الذَّنبِ الَّذي فعلَهُ غيرُهم، ولو كانُوا متسبِّبينَ فيهِ.
قالَ: محترِزاً عن هذا الوهمِ، {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أي: أثقالَ ذنوبِهم الَّتي عملُوها {وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ} وهي الذُّنوبُ الَّتي بسببِهم ومن جرَّائِهم، فالذَّنبُ الَّذي فعلَهُ التَّابعُ لكلٍّ مِن التَّابعِ والمتبوعِ حِصَّةٌ منهُ، هذا لأنَّهُ فعلَهُ وباشرَهُ، والمتبوعُ لأنَّهُ تسبَّبَ في فعلِهِ ودعا إليهِ، كما أنَّ الحسنةَ إذا فعلَها التَّابعُ لهُ أجرُها بالمباشرةِ، وللدَّاعي أجرُهُ بالتَّسبُّبِ.
{وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} مِن الشَّرِّ وتزيينِهِ، وقولُهم {وَلَنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}. قالَ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} الآية.
– الشيخ : إلى آخرِهِ، الموقفُ مناسبٌ، اللهُ المستعانُ، وقولُه أيش؟ ولنحمل أيش؟، ارجعْ إلى حكيه، ها ها، {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}، يريد يعني من قولِهم: {وَلَنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}، أي بس، نعم.