الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة العنكبوت/(4) من قوله تعالى {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه} الآية 14 إلى قوله تعالى {ووهبنا له إسحاق} الآية 27
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) من قوله تعالى {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه} الآية 14 إلى قوله تعالى {ووهبنا له إسحاق} الآية 27

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة العنكبوت

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [العنكبوت:14-27]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللَّهم صلِّ على محمَّدٍ، لا إله إلَّا الله، تضَّمنَتْ هذه الآياتُ ذكرَ قصَّةِ نوحٍ مع قومه وقصَّةَ إبراهيم على سبيلِ الإيجازِ، أمَّا قصَّةُ نوحٍ فقد جاءَتْ في كتابِ اللهِ في مواضعَ مبسوطة، ومنها سورةُ نوحٍ، وأمَّا قصَّةُ إبراهيم فكذلك جاءتْ مبسوطةً كما في سورةِ الشعراءِ، وكذلك في هذه السورةِ، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} هذا دليلٌ على أنَّه قد طالتْ مدَّةُ نذارتِهِ، هذا لبثُهُ بعدَ الإرسالِ، لبثُه في قومِه بعدَ الإرسالِ، إذاً ما قبلَ الإرسالِ وما بعدَه لم يُصرَّحْ به، فمدَّةُ لبثِهِ بينَ قومِه بعدَ إرسالِه وقبلَ إهلاكِ قومِه ألفَ سنةٍ إلَّا خمسين عاماً، تسعمئةٍ وخمسون سنةً.

{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} أخذَهم الماءُ الغامرُ، ففتحْنا أبوابَ السماءِ بماءٍ منهمرٍ، وفجَّرْنا الأرضَ عيوناً، طوفان، طوفانٌ غمرَ الجبالَ، لا إله إلَّا الله، {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} بكفرِهم وشركِهم وتكذيبِهم لنبيِّ اللهِ.

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} ذكرَ اللهُ قصَّة السفينةِ وأنَّ اللهَ تعالى يعني أمَرَ نوحاً -عليهِ السلامُ- بصنعِ السفينةِ صنعها، وعلَّمَه صنعَ السفينةِ، وكانتْ آيةً، هذه السفينةُ صارتْ آيةً من عهدِ نوحٍ إلى آخرِ الدهرِ، {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ} يُحتمَل أنَّ قولَ "آَيَةً لِلْعَالَمِينَ" أنَّ المرادَ السفينةُ، واللهُ أعلمُ، ويُحتمَلُ أنَّها قصَّةٌ، قصَّةُ نوحٍ وقومه وإهلاكُهم آيةٌ، واللهُ أعلمُ.

{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا} كذلك إبراهيمُ دعا قومَه إلى التوحيدِ، كلُّهم كلُّ الأنبياءِ نوح ومن بعدَه كلُّهم دعوتُهم واحدٌة، كلُّهم يدعون الناسَ إلى عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ لهُ.

{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ويقرنُ اللهُ –أيضاً- هذه، يقرنُ اللهُ في الكتاب بينَ نوحٍ وإبراهيمَ في مواضعَ ومنها هذا الموضعُ، يقرنُ بينَ ذكرِ نوح وإبراهيم، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:26] ولعلَّ السرَّ في هذا واللهُ أعلمُ أنَّ نوحاً هو أبو البشريَّةِ الثاني بعدَ آدم، وإبراهيمُ -عليه السلامُ- هو أبو الأنبياءِ بعدَ نوحٍ، فجميعُ الأنبياءِ بعدَ إبراهيمَ من ذريتِه، كما في الآيةِ: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}

{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وتخلقونَ إفكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ} فهذهِ الآلهةُ عاجزةٌ لا تملكُ لنفسِها ولا لعابديها نفعاً ولا ضرَّاً ولا رزقاً بل اللهُ هو الرزَّاقُ.

{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ولعلَّ الخطابَ هنا لكفَّارِ قريش، {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}

{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} وهذا كثيرٌ يأمرُ اللهُ العباد أن يسيروا في الأرضِ ويتفكَّروا فيها وينظروا إلى آثارِ الأممِ الخاليةِ الزائلةِ الهالكةِ.

{فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} إلى قولِهِ: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} قومُ إبراهيم، إلَّا أنْ قالوا: {اقْتُلُوهُ} لما أنَّهم دعاهم ودعاهم وأبوا ثمَّ دمَّرَ آلهتَهم وجعلَها جذاذاً وكسَّرَها اجتمعوا وتشاوروا وكانَ من رأيهم قالَ: {اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} فقرَّروا أن يحرِّقوه ويوقدوا له ناراً عظيمةً، فأبطلَ اللهُ كيدَهم وجعلَ النارَ عليه سلاماً، {قلْنا يا نارُ كوني برداً…} الآية.

{فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} إلى قولِهِ: {فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ} لوط يُذكرُ، يذكرُ المؤرِّخون أنَّه ابنُ أخيه آمنَ له، يعني لم يؤمنْ، إبراهيم لم يؤمنْ به من قومِه إلَّا القليل ومنهم لوط -عليه السلامُ-، {فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} فهاجرَ من أرض العراقِ إلى أرضِ فلسطينَ إلى الشام، {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ثمَّ يذكرُ اللهُ منَّتَهُ عليه بأنْ وهبَ له إسحاقَ ويعقوبَ، {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} نعم.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} الآيات.

يُخبِرُ تعالى عن حكمِهِ وحكمتِهِ في عقوباتِ الأممِ المُكذِّبةِ، وأنَّ اللهَ أرسلَ عبدَهُ ورسولَهُ نوحاً -عليهِ السَّلامُ- إلى قومِهِ، يدعوهُم.

– الشيخ : وهو أوَّلُ الرسلِ عليه السلام، هو أوَّلُ الرسلِ إلى أهلِ الأرضِ بعدَما حدثَ فيهم الشركُ والكفرُ.

– القارئ : يدعوهُم إلى التَّوحيدِ وإفرادِ اللهِ بالعبادةِ، والنَّهي عن الأندادِ والأصنامِ، {فَلَبِثَ فِيهِمْ} نبيَّاً داعياً {أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} وهو ليِّنٌ بدعوتِهم، ولا يفترُ في نصحِهم، يدعوهُم ليلاً ونهاراً وسرَّاً وجهاراً، فلم يرشدوا ولا اهتدَوا، بل استمرُّوا على كفرِهم وطغيانِهم.

– الشيخ : أصرُّوا واستكبرُوا استكباراً، نعم هذا.

– القارئ : حتَّى دعا عليهم نبيُّهم نوحٌ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، معَ شدَّةِ صبرِهِ وحلمِهِ واحتمالِهِ، فقالَ: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} أي: الماءُ الَّذي نزلَ مِن السَّماءِ بكثرةٍ، ونبعَ مِن الأرضِ بشدَّةٍ {وَهُمْ ظَالِمُونَ} مستحقُّون للعذابِ.

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} الَّذينَ ركبُوا معَهُ، أهلُهُ ومَن آمنَ بهِ. {وَجَعَلْنَاهَا} أي: السَّفينةَ، أو قصَّةَ نوحٍ {آيَةً لِلْعَالَمِينَ} يعتبرونَ بها، على أنَّ مَن كذَّبَ الرُّسلَ، آخرُ أمرِهِ الهلاكُ، وأنَّ المؤمنينَ سيجعلُ اللهُ لهم مِن كلِّ همٍّ فرجاً، ومِن كلِّ ضيقٍ مخرجاً.

وجعلَ اللهُ –أيضاً- السَّفينةَ، أي: جنسَها آيةً للعالمينَ، يعتبرونَ بها رحمةً.

– الشيخ : {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ}[الشورى:32] السفنُ آيةٌ مِن آياتِ اللهِ وإنْ صنعَها الناسُ، وإنْ صنعَها الناسُ فهي بخلقِ اللهِ وتعليمِه، هو الَّذي خلقَ أسبابَها وموادَها، وهو الَّذي علَّمَ الإنسانَ، {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كالأعلامِ} هنا تطفو فوقَ البحرِ تجري، لا إله إلَّا الله، يسيرُها الريحُ، هذا في الماضي والآن خلقَ اللهُ أسباباً تسيِّرُ المركباتِ البحريَّةَ العظيمةَ، البواخرُ الكبيرةُ تسيرُ في الوقودِ، وهذا الريحُ من خلقِ اللهِ وتسخيرِه، والوقودُ من خلقِ اللهِ وهدايته.

 

– القارئ : وجعلَ اللهُ –أيضاً- السَّفينةَ، أي: جنسَها آيةً للعالمينَ، يعتبرونَ بها رحمةَ ربِّهم، الَّذي قيَّضَ لهم أسبابَها، ويسَّرَ لهم أمرَها، وجعلَها تحملُهم وتحملُ متاعَهم مِن محلٍّ إلى محلٍّ ومِن قُطرٍ إلى قُطرٍ.

{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ} الآيات.

– الشيخ : يعني وأرسلْنا إبراهيمَ، وإبراهيمُ معطوفٌ على نوحٍ، ولقد أرسلْنا نوحاً إلى قومِه وإبراهيمَ، يعني: وأرسلْنا إبراهيمَ إلى قومِه.

– القارئ : يذكرُ تعالى أنَّهُ أرسلَ خليلَهُ إبراهيمَ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إلى قومِهِ، يدعوهُم إلى اللهِ، فقالَ [لهم]: {اعْبُدُوا اللَّهَ} أي: وحِّدوهُ، وأخلصُوا لهُ العبادةَ، وامتثلُوا ما أمرَكم بهِ، {وَاتَّقُوهُ} أنْ يغضبَ عليكم، فيعذِّبَكم، وذلكَ بتركِ ما يُغضِبُهُ مِن المعاصي، {ذَلِكُمْ} أي: عبادةُ اللهِ وتقواهُ {خَيْرٌ لَكُمْ} مِن تركِ ذلكَ، وهذا مِن بابِ إطلاقِ "أفعلِ التَّفضيلِ" بما ليسَ في الطَّرفِ الآخرِ منهُ شيءٌ، فإنَّ تركَ عبادةِ اللهِ، وتركَ تقواهُ، لا خيرَ فيهِ بوجهٍ، وإنَّما كانَتْ عبادةُ اللهِ وتقواهُ خيراً للنَّاسِ؛ لأنَّهُ لا سبيلَ إلى نيلِ كرامتِهِ في الدُّنيا والآخرةِ إلَّا بذلكَ، وكلُّ خيرٍ يوجدُ في الدُّنيا والآخرةِ، فإنَّهُ مِن آثارِ عبادةِ اللهِ وتقواهُ.

{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ذلكَ، فاعلمُوا الأمورَ وانظرُوا ما هوَ أولى بالإيثارِ، فلمَّا أمرَهم بعبادةِ اللهِ وتقواهُ، نهاهم عن عبادةِ الأصنامِ، وبيَّنَ لهم نقصَها وعدمَ استحقاقِها للعبوديَّةِ، فقالَ: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} تنحتونَها وتخلقونَها بأيديكم، وتخلقونَ لها أسماءَ الآلهةِ، وتختلقونَ الكذبَ بالأمرِ بعبادتِها والتمسُّكِ بذلكَ، {إِنَّ الَّذِينَ تَعبدونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} في نقصِهِ، وأنَّهُ ليسَ فيهِ ما يدعو إلى عبادتِهِ، {لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا} فكأنَّهُ قيلَ: قد بانَ لنا أنَّ هذهِ الأوثانَ مخلوقةٌ ناقصةٌ، لا تملكُ نفعاً ولا ضرَّاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، وأنَّ مَن هذا وصفُهُ، لا يستحقُّ أدنى أدنى أدنى مثقالَ مثقالَ مثقالَ ذرَّةٍ مِن العبادةِ والتألُّهِ، والقلوبُ لا بدَّ أنْ تطلبَ معبوداً تأْلَهُهُ وتسألُهُ حوائجَها، فقالَ -حاثَّاً لهم على مَن يستحقُّ العبادةَ-: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} فإنَّهُ هوَ الميسِّرُ لهُ، المقدِّرُ، المجيبُ لدعوةِ مَن دعاهُ لمصالحِ دينِهِ ودنياهُ، {وَاعْبُدُوهُ} وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لكونِهِ الكاملَ النافعَ الضارَّ، المتفرِّدَ بالتَّدبيرِ، {وَاشْكُرُوا لَهُ} وحدَهُ، لكونِ جميعِ ما وصلِ ويصلُ إلى الخلقِ مِن النِّعمِ فمنهُ، وجميعُ ما اندفعَ ويندفعُ مِن النِّقمِ عنهم فهوَ الدَّافعُ لها. {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فيجازيكم على ما عملْتُم، وينبئُكم بما أسررْتُم وأعلنْتُم، فاحذرُوا القدومَ عليهِ وأنتم على شركِكم، وارغبُوا فيما يقرِّبُكم إليهِ، ويثيبُكم -عندَ القدومِ- عليهِ.

{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} يومَ القيامةِ {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} كما قالَ تعالى.

– الشيخ : تجاوزَ الآيةَ هذه: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ}؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : … كأنَّه تجاوز؟ {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ} ما في؟

– القارئ : إي إي، إي تجاوزَها

– الشيخ : تجاوزها؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : اللي بعده.

– القارئ : {قُلْ} لهُم، إنْ حصلَ معَهم ريبٌ وشكٌّ في الابتداءِ: {سِيرُوا فِي الأرْضِ} بأبدانِكم وقلوبِكم {فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} فإنَّكم ستجدونَ أمماً مِن الآدميِّينَ والحيواناتِ، لا تزالُ توجدُ شيئاً فشيئاً، وتجدونَ النَّباتَ والأشجارَ، كيف تحدثُ وقتاً بعدَ وقتٍ، وتجدونَ السَّحابَ والرِّياحَ ونحوِها، مستمرَّةٌ في تجدُّدِها، بل الخلقُ دائماً في بدءٍ وإعادةٍ، فانظرْ إليهم وقتَ موتتِهم الصُّغرى -النَّومِ- وقد هجمَ عليهم اللَّيلُ بظلامِهِ، فسكنَتْ منهم الحركاتُ، وانقطعَتْ منهم الأصواتُ، وصارُوا في فرشِهم ومأواهم كالميتينَ، ثمَّ إنَّهم لم يزالُوا على ذلكَ طولَ ليلِهم، حتَّى انفلقَ الإصباحُ، فانتبهُوا مِن رقدتِهم، وبُعِثُوا مِن موتتِهم.

– الشيخ : {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام:60] نعم.

– القارئ : قائلينَ: "الحمدُ للهِ الَّذي أحيانا بعدَ ما أماتَنا وإليهِ النُّشورُ"، ولهذا قالَ: {ثُمَّ اللَّهُ} بعدَ الإعادةِ {يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} وهي النَّشأةُ الَّتي لا تقبلُ موتاً ولا نوماً، وإنَّما هوَ الخلودُ والدَّوامُ في إحدى الدَّارينِ.

{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فقدرتُهُ تعالى لا يعجزُها شيءٌ وكما قدرَ بها على ابتداءِ الخلقِ، فقدرتُهُ على الإعادةِ مِن بابِ أولى وأحرى.

{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} أي: هوَ المنفردُ بالحكمِ.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، نعم.

– القارئ : أي: هو المنفردُ بالحكمِ الجزائيِّ، وهو إثابةُ الطَّائعينَ ورحمتُهم، وتعذيبُ العاصينَ والتَّنكيلُ بهم. {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} أي: ترجعونَ إلى الدَّارِ، الَّتي بها تجري عليكم أحكامُ عذابِهِ ورحمتِهِ، فاكتسبُوا في هذهِ الدَّارِ، ما هوَ مِن أسبابِ رحمتِهِ مِن الطَّاعاتِ، وابتعدُوا مِن أسبابِ عذابِهِ، وهيَ المعاصي.

{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} أي: يا هؤلاءِ المكذِّبونَ، المتجرِّئونَ على المعاصي، لا تحسبُوا أنَّهُ مغفولٌ عنكم، أو أنَّكُم معجزونَ للهِ في الأرضِ ولا في السَّماءِ، فلا تغرَّنَّكُم قدرتُكم وما زيَّنَتْ لكم أنفسُكم وخدعَتْكم، مِن النَّجاةِ مِن عذابِ اللهِ، فلسْتُم بمعجزينَ اللهَ في جميعِ أقطارِ العالمِ وخدعكم، مِن النَّجاةِ مِن عذابِ اللهِ، فلسْتُم بمعجزينَ اللهَ في جميعِ أقطارِ العالمِ.

{وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ} يتولَّاكم، فيُحَصِّلُ لكم مصالحُ دينِكم ودنياكم، {وَلا نَصِيرٍ} ينصرُكم، فيدفعُ عنكم المكارهَ.

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي]

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ .