الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة العنكبوت/(6) من قوله تعالى {وإلى مدين أخاهم شعيبا} الآية 36 إلى قوله تعالى {فكلا أخذنا بذنبه} الآية 40
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(6) من قوله تعالى {وإلى مدين أخاهم شعيبا} الآية 36 إلى قوله تعالى {فكلا أخذنا بذنبه} الآية 40

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة العنكبوت

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ، أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:36-40]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ، وباركَ اللهُ فيكَ.

– الشيخ : سبحان الله، يقول تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ} يعني وأرسلْنا إلى مدينَ، {وَإِلَى مَدْيَنَ} وأرسلنا إلى مدينَ، مثل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} {أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} وأرسلنا إبراهيم، وأرسلنا لوطاً، وهنا {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} وقصَّة شعيب جاءتْ في مواضعَ من القرآنِ، في سورةِ الأعرافِ وهود والشعراء، بتفصيلٍ وجاءتْ في مواضعَ على سبيلِ الإشارةِ والاختصارِ، وهنا ذُكِرَتْ باختصارٍ.

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} خلاص هذا ما دعاهم إليه وأمرَهم ونهاهم، {فَكَذَّبُوهُ} {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} وفي آياتٍ أخرى يقولُ: أخذَتْهم الصيحةُ، والصيحةُ والصاعقةُ والرجفةُ هي شيءٌ واحدٌ لكنَّها تُذكَرُ بصفاتها، فالصاعقةُ صيحةٌ لها صوتٌ، أعوذُ باللهِ يقطعُ القلوبَ، لا إله إلَّا الله، أخذتهم الصيحةُ، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} [الحجر:83] {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:78] وهنا {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} سُمِّيَتْ رجفة؛ لأنَّها تُحدِثُ رجفةً في الأرض وزلزالاً، {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} موتى.

ثمَّ يعودُ السياقُ والخبرُ إلى أممٍ قبلها، قبلَ إبراهيم وقبل شعيب وقبل…، وعاد وثمود، هاتان أمَّتان أقدمُ من عاد وثمود، هم بعدَ نوحٍ لكنَّهم قبل إبراهيم ولوط وشعيب، وعاداً وثمود وقد تبيَّنَ لكم من مساكنهم، ثمود مساكنُهم معروفةٌ إلى اليوم، مدائن صالح وهي الحجرُ، {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} [الحجر:80] أصحاب الحجر هم ثمود هم قوم صالح.

{وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} عن سبيل الله، صدَّهم عن الهدى فلهذا كذَّبوا الرسل، عاد كذبتْ هوداً، وثمود كذَّبوا نبيَّهم صالحاً، {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} على بصيرة عصيانهم وكفرهم على بصيرة، أعوذُ بالله، {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}

ثمَّ يذكرُ اللهُ سبحانه وتعالى أيضاً طواغيتاً من طواغيتِ البشرِ، {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} هؤلاء أفرادٌ، يعني عاد وثمود أمَّتان، وأمَّتان عظيمتان، أمَّا قارون وفرعون وهامان فهؤلاء رؤوسٌ من رؤوسِ الكفرِ، طواغيتٌ خصَّهم بالذكرِ، {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ}

{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} اللهُ أرسلَ إلى فرعونَ وقومِه موسى، وكذلك قارون، قارون من بني إسرائيل، قارون من بني إسرائيل، {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} [القصص:76] وهامان هو وزيرُ فرعون هذا هو المعروفُ، ولهذا فرعونُ ينتدبُه لمهمةٍ يقولُ: {ابْنِ لِي صَرْحًا} {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر:36-37] هؤلاء من رؤوسِ الكفرِ والطغيانِ، نعوذُ باللهِ.

ثمَّ يخبرُ تعالى يعني اللهُ تعالى ذكرَ إهلاكَه لقومِ لوط، {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} [العنكبوت:34] وذكرَ قومَ شعيب في الآية {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} وأمَّا عاد وثمود وهؤلاء المجموعة لم يُذكَرْ ما فعلَ اللهُ بهم، ولكنَّه أخبرَ بذلك على سبيلِ يعني على سبيلِ الإجمالِ وعلى الترتيب، عاد وثمود وقارون، على هذا الترتيب، وفرعون وهامان سبيلُهم واحدٌ.

 {فَكُلًّا} كلَّاً هذه تعودُ كلَّاً تعودُ إلى المجموعة الأخيرةِ هذه، عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان، {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} وعاقبَه بذنبِه، نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أنْ يرسلَ على أمريكا من بأسِه وعذابِه ورجزِه الَّذي لا يُرَدُّ على القومِ المجرمين، اللَّهم أنزلْ بهم بأسَكَ، أرسلْ عليهم ريحاً كريحِ عاد تدمِّرُهم تدميراً حتَّى لا يُرَى إلَّا مساكنَهم إنَّكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} هات {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} من هم؟ عاد، {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} من هم؟ على الترتيب اللي فات، ثمود، {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} من؟ قارون، {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} من؟

– الطلاب: فرعون

– الشيخ : وهامان، أجروه معَه، سبحانَ اللهِ، يعني جاءَ ذكرُ عقابِهم على ترتيب ذكرهم المتقدم، فكلَّاً فكلُّ من ذُكِرَ أخذَه اللهُ بذنبه، {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} أرسلَ اللهُ عليهم الريحَ الَّتي تحملُ الحجارةَ وترجمُهم وتدمِّرُهم، الريحُ هي الحاصبُ، الحاصبُ هي الريحُ الَّتي تحملُ الحجارةَ وترميهم بها، وتحملُهم وترميهم وتنكِّسُهم، ومنهم من أخذَتْهُ الصيحةَ، ثمود جاءَ ذكرُها مفصَّلاً، {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} قال الله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:81] قارون، {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} هذا فرعون وهامان.

{فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم:9] لا إله إلَّا الله.

 

(تفسيرُ السَّعديّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} الآيات، أي {وَ} أرسلْنا {إِلَى مَدْيَنَ} القبيلةِ المعروفةِ المشهورةِ {أخاهُم شُعَيْبًا} الَّذي أمرَهم بعبادةِ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، والإيمانِ بالبعثِ ورجائِهِ، والعملِ لهُ، ونهاهُم عن الإفسادِ في الأرضِ، ببخسِ المكاييلِ والموازينِ، والسَّعي بقطعِ الطُّرقِ.

– الشيخ : {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} كانَ قومُ شعيب، كانَ من أنواعِ فسادهم –إفسادُهم في الأرض- بخسُ المكاييلِ، كما جاءَ مفصَّلاً، ولا تبخسوا المكيالَ والميزانَ، ويا قومُ أوفوا الكيلَ والميزانَ ولا تبخسوا الناسَ أشياءَهم.

– القارئ : فكذَّبُوهُ فأخذَهم {الرَّجفةُ} عذابُ اللهِ {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}

– الشيخ : نعم في أرضِهم يعني في أرضِهم وبلادِهم.

– القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} الآيات.

أي: وكذلكَ ما فعلْنا بعادٍ وثمودٍ، وقد علمْتَ قصصَهم، وتبيَّنَ لكم بشيءٍ تشاهدونَهُ

– الشيخ : وتبيَّنَ لكم من مساكنِهم

– القارئ : بشيءٍ تشاهدونَهُ بأبصارِكم مِن مساكنِهم وآثارِهم الَّتي بانُوا عنها، وقد جاءَتْهم رسلُهم بالآياتِ البيِّناتِ، المفيدةِ للبصيرةِ، فكذَّبُوهُم وجادلُوهم.

{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} حتَّى ظنُّوا أنَّهُ أفضلُ ممَّا جاءَتْهم بهِ الرُّسلُ.

كذلكَ قارونُ، وفرعونُ، وهامانُ، حينَ بعثَ اللهُ إليهم موسى بنَ عمرانَ، بالآياتِ البيِّناتِ، والبراهينِ السَّاطعاتِ، فلم ينقادوا، واستكبرُوا في الأرضِ، على عبادِ اللهِ فأذلُّوهُم، وعلى الحقِّ فردُّوهُ فلم يقدروا على النَّجاةِ حينَ نزلَتْ بهم العقوبةُ {وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} اللهَ، ولا فائتينَ، بل سلمُوا واستسلمُوا.

{فَكُلَّاً} مِن هؤلاءِ الأممِ المكذِّبةِ {أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} على قدرِهِ، وبعقوبةٍ مناسبةٍ لهُ، {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} أي: عذاباً يحصبُهم، كقومِ عادٍ، حينَ أرسلَ اللهُ عليهم الرَّيحَ العقيمَ، و {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}

{وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} كقومِ صالحٍ، {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ} كقارونَ، {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} كفرعونَ وهامانَ وجنودِهما.

{وَمَا كَانَ اللَّهُ} أي: ما ينبغي ولا يليقُ بهِ تعالى أنْ يظلمَهم لكمالِ عدلِهِ، وغناهِ التَّامِّ عن جميعِ الخلقِ. {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} منعُوها حقَّها الَّتي هيَ بصددِهِ، فإنَّها مخلوقةٌ لعبادةِ اللهِ وحدَهُ، فهؤلاءِ وضعُوها في غيرِ موضعِها، وشغلُوها بالشَّهواتِ والمعاصي.

– الشيخ : أعوذُ بالله أعوذُ بالله، استُعمِلُوا أنفسَهم في غيرِ ما خُلِقُوا له، نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ بالله، نسألُ الله أن يستعملَنا وإيَّاكم في طاعتِه، اللَّهم استعملْنا في طاعتك، اللَّهم استعملنا في طاعتك.

 

– القارئ : فضرُّوها غايةَ الضَّررِ، مِن حيثُ ظنُّوا أنَّهم ينفعونَها. قالَ اللهُ تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا}

– الشيخ : إلى آخره انتهى.

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكم

– الشيخ : موقف، مقطع موقف، نعم، لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، الحمد لله الحمد لله.