الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة العنكبوت/(9) من قوله تعالى {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه} الآية 50 إلى قوله تعالى {يوم يغشاهم العذاب} الآية 55

(9) من قوله تعالى {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه} الآية 50 إلى قوله تعالى {يوم يغشاهم العذاب} الآية 55

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة العنكبوت

الدَّرس: التَّاسع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت:55]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، يقولُ تعالى، ويقولون؟

– القارئ : {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ}

– الشيخ : {وَقَالُوا} يعني الكفَّارُ المشركون يقترحون آياتٍ، يقولون: هات آيات يعني خوارق، {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ} تارةً يقولون: آيات وتارةً يقترحون آيةً: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [يونس:20] {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} نعم اقرأْ.

– القارئ : {قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ}

– الشيخ : {قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} الآياتُ عندَ اللهِ ينزلُها إذا شاءَ، إنَّي أنا ليسَ لي مِن الأمرِ شيءٌ، أنا نذيرٌ فقط، {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ} {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} يعني ما أنا إلَّا نذيرٌ، أنا لا أملكُ مِن الأمرِ شيئاً، الآياتُ عندَ اللهِ.

ثمَّ قالَ سبحانه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} يعني: أولم يكفِهم آيةً ودليلاً على صدقِك وصدقِ ما جئْتَ به، أولم يكفهم أنا أنزلْنا عليك الكتابَ،{أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} هذا القرآنُ فيه رحمةٌ للمؤمنين الَّذين آمنُوا به، يكونُ لهم رحمةً، تكونُ لهم به النجاةُ والفلاحُ والحياةُ الطيِّبةُ والسعادةُ الدائمةُ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

فالقرآنُ هو الآيةُ الكبرى على صدقِ محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم- جاءَهم بهذا القرآنِ وهو أميٌّ لا يقرأُ ولا يكتبُ ولا خالطَ أهلَ الكتابِ ولا تلقَّى منهم، {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:48-49] {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} اللهُ شهيدٌ عليَّ وعليكم وكفى باللهِ شهيداً، قلْ كفى باللهِ شهيداً بيني وبينَكم.

{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يعلمُ ما أنا عليهِ ويعلمُ صدقي، {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} آمنُوا بالباطلِ هو ما يدعون من دونِ اللهِ هي الباطلُ، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62] فالَّذين آمنُوا بالباطلِ، آمنُوا بالأوثانِ وبالآلهةِ الباطلةِ، {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ} فلم يوحِّدوه، فلم يخلصوا له العبادةَ، فهؤلاء هم الخاسرون، {وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}

ثمَّ يقولُ تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} هؤلاءِ الكفَّارُ يستعجلون النبيَّ بالعذاب، يقولون: هات، ائتِنا، وهذه سنَّةُ أعداءِ الرسلِ، يقولون: هات، ائتِنا بما تعدُنا، ائتِنا بما تعدُنا إنْ كنْتَ مِن الصادقين، وهذا معنى قولِه تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} يقولون: ائتِنا به هاته، وهذا من عتوِّهم وطغيانهم وإصرارِهم على الباطلِ على الكفرِ.

{وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ} لولا أنَّ اللهَ جعلَ للعذابِ وقتاً قدَّرَه سبحانه وتعالى في علمِه وكتابِه جعلَ لهذا العذابِ أجلاً لا يتقدَّمُ عنه، لا يتقدَّمُه ولا يتأخَّرُ عنه، {لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] لولا أنَّ اللهَ جعلَ لهذا العذابِ أجلاً لجاءَ العذابُ، لكنَّ وعدَ اللهِ لا يخلفُ اللهُ وعدَه، اللهُ جعلَ للعذابِ الموعودِ إنْ كانَ يومُ القيامةِ فله وقتٌ معلومٌ مقدَّرٌ في علمِ اللهِ وفي كتابِه.

{وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ} خبرٌ، خبرٌ مؤكَّدٌ، خبرٌ مؤكّدٌ بالقسمِ، {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ففي هذا تهديدٌ للكفَّارِ بأنَّ العذابَ آتٍ، آتٍ العذابُ الَّذي هم يستعجلونَ بهِ، له أجلٌ وسيأتي، وهذا الأجلُ غيرُ معلومٍ، غيرُ معلومٍ لأحدٍ مِن الخلقِ.

ثمَّ قالَ تعالى: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} جهنمُ دارُ الشقاءِ، أعوذُ باللهِ، دارُ الشقاءِ الدائمِ الَّتي أعدَّها اللهُ للكافرين، يقولُ فيها: أُعِدَّتْ للكافرين، {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} ثمَّ يوضِّحُ هذه الإحاطةَ: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}  أعوذُ بالله، يا سلام، أعوذُ بالله من النارِ، سبحان الله، {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:41] {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ} يقولُ اللهُ لهم موبخاً: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} نسألُ اللهَ العافيةَ، نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ بالله من عذابِ الله، حقيقٌ بمن آمنَ بآياتِ اللهِ وآمنَ بوعدِ الله ووعيدِه أن يضرعَ إلى اللهِ دائماً بسؤالِ النجاةِ من عذابِ اللهِ، قالَ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إذا تشهَّدَ أحدُكم فليستعذْ باللهِ مِن أربعٍ، يقولُ: اللَّهم إنِّي أعوُذ بكَ مِن عذابِ جهنمَ، ومِن عذابِ القبرِ، ومِن فتنةِ المحيا والمماتِ، ومِن فتنةِ المسيحِ الدَّجالِ".

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن ربِّهِ} الآيات.

أي: واعترضَ هؤلاءِ الظَّالمونَ المكذِّبونَ للرَّسولِ ولما جاءَ بهِ، واقترحُوا عليهِ نزولَ آياتٍ عيَّنُوها، كما قالَ اللهُ تعالى عنهم: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء:90] الآيات. فتعيينُ الآياتِ ليسَ عندَهم، ولا عندَ الرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.

– الشيخ : تعيينُ كذا عندك؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، كأنَّ المناسبَ تنزيلُ الآياتِ؛ لأنَّهم اقترحوا تنزيلَ آياتٍ، {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} نعم، تنزيل.

– القارئ : فإنَّ في ذلكَ تدبيراً معَ اللهِ، وأنَّه لو كانَ كذلكَ، وينبغي أنْ يكونَ كذلكَ، وليسَ لأحدٍ مِن الأمرِ شيءٌ.

ولهذا قالَ: {قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} إنْ شاءَ أنزلَها أو منعَها {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} وليسَ لي مرتبةٌ فوقَ هذهِ المرتبةِ.

وإذا كانَ القصدُ بيانُ الحقِّ مِن الباطلِ، فإذا حصلَ المقصودُ -بأيِّ طريقٍ- كانَ اقتراحُ الآياتِ المعيَّناتِ على ذلكَ ظلماً وجوراً، وتكبُّراً على اللهِ وعلى الحقِّ.

بل لو قُدِّرَ أنْ تنزلَ تلكَ الآياتُ، ويكونَ في قلوبِهم أنَّهم لا يؤمنونَ بالحقِّ إلَّا بها، كانَ ذلكَ ليسَ بإيمانٍ، وإنَّما ذلكَ شيءٌ وافقَ أهواءَهم، فآمنُوا، لا لأنَّهُ حقٌّ، بلْ لتلكَ الآياتِ. فأيُّ فائدةٍ حصلَتْ في إنزالِها على التَّقديرِ الفرضيِّ؟

ولمَّا كانَ المقصودُ بيانَ الحقِّ، ذكرَ تعالى طريقَهُ، فقالَ: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} في علمِهم بصدقِكَ وصدقِ ما جئْتَ بهِ {أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} وهذا كلامٌ مختصرٌ جامعٌ، فيهِ مِن الآياتِ البيِّناتِ والدَّلالاتِ الباهراتِ شيءٌ كثيرٌ، فإنَّهُ كما تقدَّمَ إتيانُ الرَّسولِ بهِ بمجرَّدِهِ وهوَ أمّيٌّ، مِن أكبرِ الآياتِ على صدقِهِ.

ثمَّ عجزُهم عن معارضتِهِ، وتحديهِ إيَّاهم آيةٌ أخرى، ثمَّ ظهورُهُ، وبروزُهُ جهاراً علانيةً، يُتلَى عليهم، ويُقالُ: هوَ مِن عندِ اللهِ، قد أظهرَهُ الرَّسولُ، وهوَ في وقتٍ قلَّ فيهِ أنصارُهُ، وكثرَ مخالفوهُ وأعداؤُهُ، فلم يخفْهُ، ولم يثنِ ذلكَ عزمَهُ، بل صرَّحَ بهِ على رؤوسِ الأشهادِ، ونادى بهِ بينَ الحاضرِ والبادِ، بأنَّ هذا كلامُ ربِّي، فهل أحدٌ يقدرُ على معارضتِهِ، أو ينطقُ بمباراتِهِ أو يستطيعُ مجاراتَهُ؟

ثمَّ إخبارُهُ عن قصصِ الأوَّلينَ، وأنباءِ السَّابقينَ  والغيوبِ المتقدِّمةِ والمتأخِّرةِ، معَ مطابقتِهِ للواقعِ.

ثمَّ هيمنتُهُ على الكتبِ المتقدِّمةِ، وتصحيحُهُ للصَّحيحِ، ونَفْيُ ما أُدخِلَ فيها مِن التَّحريفِ والتَّبديلِ، ثمَّ هدايتُهُ لسواءِ السَّبيلِ، في أمرِهِ ونهيِهِ، فما أمرَ بشيءٍ فقالَ العاقلُ "ليتَهُ لم يأمرْ بهِ" ولا نهى عن شيءٍ فقالَ العاقلُ: "ليتَهُ لم ينهَ عنهُ" بل هوَ مطابقٌ للعدلِ والميزانِ، والحكمةِ المعقولةِ لذوي البصائرِ والعقولِ ثمَّ مسايرةُ إرشاداتِهِ وهداياتِهِ وأحكامِهِ لكلِّ حالٍ وكلِّ زمانٍ بحيثُ لا تصلحُ الأمورُ إلَّا بهِ.

فجميعُ ذلكَ يكفي مَن أرادَ تصديقَ الحقِّ، وعملَ على.

– الشيخ : {وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] نسألُ اللهَ العافيةَ، سبحانَ الله، سبحان الله، يا سلام سلِّمْ، كفرَ به قومُه قريش، وكفرَ به كثيرون، وما آمنَ إلَّا القليلُ وعبرَ القرونِ هكذا، المؤمنُ بالرسولِ وبالقرآنِ قليلٌ، والأكثرون هم الكافرون، لا إله إلَّا الله، آمْنتُ باللهِ ورسولِه، آمنَّا بالله آمنَّا بالله، لا إله إلَّا الله، ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يؤمنون، ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يشكرون، ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] يا الله يا الله، سبحان الله.

 

– القارئ : فجميعُ ذلكَ يكفي مَن أرادَ تصديقَ الحقِّ، وعملَ على طلبِ الحقِّ، فلا كفى اللهُ مَن لم يكفِهِ القرآنُ، ولا شفى اللهُ مَن لم يشفِهِ الفرقانُ، ومَن اهتدى بهِ واكتفى، فإنَّهُ رحمةٌ لهُ وخيرٌ، فلذلكَ قالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وذلكَ لما يُحصِّلونَ فيهِ مِن العلمِ الكثيرِ، والخيرِ الغزيرِ، وتزكيةِ القلوبِ والأرواحِ، وتطهيرِ العقائدِ، وتكميلِ الأخلاقِ، والفتوحاتِ الإلهيَّةِ، والأسرارِ الرَّبَّانيَّةِ.

{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} فإنَّهُ قد استشهدْتُهُ، فإنْ كنْتُ كاذباً، أَحَلَّ بي ما بهِ تعتبرونَ، وإنْ كانَ إنَّما يؤيِّدُني وينصرُني وييسِّرُ لي الأمورَ، فلتكفِكم هذهِ الشَّهادةُ الجليلةُ مِن اللهِ، فإنْ وقعَ في قلوبِكم أنَّ شهادتَهُ -وأنتم لم تسمعُوهُ ولم ترَوهُ- لا تكفي دليلاً فإنَّهُ {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}

ومِن جملةِ معلوماتِهِ حالي وحالُكم، ومقالي لكم فلو كنْتُ متقوِّلاً عليهِ، معَ علمِهِ بذلكَ، وقدرتِهِ على عقوبتي، لكانَ قدحاً في علمِهِ وقدرتِهِ وحكمتِهِ كما قالَ تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:44-46]

{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} حيثُ خسرُوا الإيمانَ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ، وحيثُ فاتَهم النَّعيمُ المقيمُ، وحيثُ حصلَ لهم في مقابلةِ الحقِّ الصَّحيحِ كلَّ باطلٍ قبيحٍ، وفي مقابلةِ النَّعيمِ كلَّ عذابٍ أليمٍ، فخسرُوا أنفسَهم وأهليهم يومَ القيامةِ.

قالَ اللهُ تعالى: {ويستعجلونَكَ بالعذابِ} الآيات.

يُخبِرُ تعالى عن جهلِ المُكذِّبينَ للرَّسولِ وما جاءَ بهِ، وأنَّهم يقولونَ -استعجالاً للعذابِ، وزيادةَ تكذيبٍ- {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؟

يقولُ تعالى: {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى} مضروبٌ لنزولِهِ، ولم يأتِ بعدُ، {لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} بسببِ تعجيزِهم لنا وتكذيبِهم الحقَّ، فلو آخذْناهم بجهلِهم، لكانَ كلامُهم أسرعَ لبلائِهم وعقوبتِهم، ولكانَ -معَ ذلكَ- فلا يستبطئونَ نزولَهُ، فإنَّهُ سيأتيهم.

{وليأتينهم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} فوقعَ كما أخبرَ اللهُ تعالى، لمَّا قدمُوا لـ "بدرٍ" بَطِرينَ مفاخرينَ، ظانِّينَ

أنَّهم قادرونَ على مقصودِهم، فأهانَهم اللهُ، وقتلَ كبارَهم، واستوعبَ جملةَ أشرارِهم، ولم يبقَ منهم بيتٌ إلَّا أصابَتْهُ تلكَ المصيبةُ، فأتاهم العذابُ.

– الشيخ : هذا بعضُ ما يعني بعضُ العذابِ الموعودِ وإلَّا عذابُ الكفَّارِ واسعٌ وكثيرٌ، العذابُ يومَ بدرٍ والقتل اللي صار أصابَ جماعةً منهم جماعة، صناديدُ وأعيانُ المشركين من قريشٍ ومن لفَّ لفَّهم.

 

– القارئ : فأتاهم العذابُ مِن حيثُ لم يحتسبُوا، ونزلَ بهم وهم لا يشعرونَ.

هذا، ولم ينزلْ عليهم العذابُ الدُّنيويُّ، فإنَّ أمامَهم العذابُ الأخرويُّ، الَّذي لا يخلصُ منهم أحدٌ منهُ، سواءٌ عُوجِلَ بعذابِ الدُّنيا أو أُمهِلَ. {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} ليسَ لهم عنها معدلٌ ولا متصرّفٌ، قد أحاطَتْ بهم مِن كلِّ جانبٍ، كما أحاطَتْ بهم ذنوبُهم وسيِّئاتُهم وكفرُهم، وذلكَ العذابُ، هوَ العذابُ الشَّديدُ.

{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فإنَّ أعمالَكم انقلبَتْ عليكم عذاباً، وشملَكم العذابُ كما شملَكم الكفرُ والذنوبُ، انتهى.

– الشيخ : آمنَّا بالله، أعوذُ باللهِ من عذابِ الله، نسألُ اللهَ العافيةَ، اللَّهم سلِّم سلِّم، أعوذُ بالله، نعم يا، نسألُ اللهَ العافيةَ.