الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الروم/(1) من قوله تعالى {الم} الآية 1 إلى قوله تعالى {أولم يتفكروا في أنفسهم} الآية 8
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {الم} الآية 1 إلى قوله تعالى {أولم يتفكروا في أنفسهم} الآية 8

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الروم

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ :  أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم:1-8]

– الشيخ : إلى هنا يا أخي

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، هذه سورةُ الرومِ سُمِّيَتْ بهذا الاسمِ؛ لأنَّها افتُتِحَتْ بذكرِ الروم، والرومُ معروفون، صنفٌ من الناس معروفون، جنسٌ مثلُ التركِ، التركُ والرومُ والفرسُ، والغالبُ عليهم في ديانتِهم هي النصرانيَّةُ، وكانُوا كثير منهم في الشامِ.

{غُلِبَتِ الرُّومُ} كانَ بينَ الرومِ وبينَ الفرسِ يعني حروبٌ، وممَّا حصلَ أنَّهم في إحدى السنين غلبَتِ الفرس الروم، وكانَ المسلمون يسرُّهم انتصارُ الرومِ على الفرسِ؛ لأنَّ الرومَ نصارى أهلُ كتابٍ، وهم أقربُ إليهم من الفرسِ عبّادُ الأوثانِ، والمشركون من قريشٍ وما أشبهَهم يحبّون انتصارَ الفرسِ على الرومِ.

فلمَّا حدثَ أنَّ الرومَ غُلِبَتْ فرحَ المشركونَ بذلك، وأنزلَ اللهُ: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} وعدٌ، هذا وعدٌ بأنَّه ستدورُ الدائرةُ وتكونُ لهم الدولةُ والجولةُ، تكونُ لهم الجولةُ في المرَّةِ الأخرى.

فلمَّا فرحَ المشركون بغلبةِ الفرسِ للرومِ يعني أخبرَ الرسولُ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بهذا الخبرِ وصارَ أبو بكرٍ -رضي الله عنه- يقولُ للمشركين: إنَّ الرومَ سيغلبونَ، وراهنَهم في ذلكَ وقالَ: إنَّهم سيغلبون بعدَ كذا وكذا من السنين؛ لأنَّ اللهَ قالَ: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} والبضعُ: هو من الثلاثةِ إلى التسعةِ، هذا، ثمَّ مضتْ سنواتٌ ولم يحصلْ هذا، فقالَ المشركون لأبي بكرٍ ها، مضَت السنينُ ولم يحصلْ، فأبو بكرٍ ذكرَ هذا للرسولِ فقالَ: زدْهم، زدْهم ثلاثاً، هم سيغلبون ولابدَّ لكن يمكن أبو بكرٍ يعني تقاصرَ في عددِ السنين، قالَ لهم خمسٌ ولكنَّها كانتْ أكثرَ من ذلك سبع.

{غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} قالَ اللهُ: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} الأمرُ للهِ، الأمرُ للهِ {يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ} يعني: يومَ ينتصرُ الرومُ على الفرسِ يفرحُ المؤمنون بنصرِ اللهِ.

{وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} ثمَّ قالَ تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} يعني: هذا تأكيدٌ للخبرِ تأكيدٌ للوعدِ، يعني ما أخبرَ اللهُ به مِن أنَّ الرومَ سيغلبون في الجولةِ الثانيةِ معَ الفرسِ، هذا وعدٌ محقَّقٌ لا يتخلَّفُ؛ لأنَّه وعدٌ من اللهِ واللهُ يخلفُ الميعادَ.

{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} لا يعلمون عواقبَ الأمورِ ولا يعلمون أنَّ الأمرَ كلُّه لله، وأنَّه تعالى لا يخلفُ الميعادَ، لكنَّ أكثرَ الناسِ إنَّما يعلمون يعني هذه الدنيا، مظاهرُ الدنيا وأهواؤُها وشهواتها، هذا علمُ أكثرِ الناسِ، أكثرُ الناسِ إنَّما يتعلَّقُ بالحياةِ الدنيا ومتاعِها ولذَّاتِها، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} نعم يا محمَّد.

 

"تفسيرُ السَّعديِّ"

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

تفسيرُ سورةِ الرُّومِ وهيَ مكِّيَّةٌ، قالَ اللهُ تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} الآياتُ.

كانَتِ الفرسُ والرُّومُ في ذلكَ الوقتِ مِن أقوى دولِ الأرضِ، وكانَ يكونُ بينَهما مِن الحروبِ والقتالِ ما يكونُ بينَ الدُّولِ المتوازنةِ

– الشيخ : أي: المتقاربة يعني في القوَّةِ.

– القارئ : وكانَتِ الفرسُ مشركينَ يعبدونَ النَّارَ، وكانَتِ الرُّومُ أهلَ كتابٍ ينتسبونَ إلى التَّوراةِ والإنجيلِ وهم أقربُ إلى المسلمينَ مِن الفرسِ فكانَ المؤمنونَ يحبُّونَ غلبتَهم وظهورَهم على الفرسِ، وكانَ المشركونَ -لاشتراكِهم والفرسِ في الشِّركِ- يحبُّونَ ظهورَ الفرسِ على الرَّومِ.

فظهرَ الفرسُ على الرُّومِ فغلبُوهم غلباً لم يحطْ بملكِهم بل بأدنى أرضِهم، ففرحَ بذلكَ مشركو مكَّةَ وحزنَ المسلمونَ، فأخبرَهم اللهُ ووعدَهم أنَّ الرُّومَ ستغلبُ الفرسَ.

{فِي بِضْعِ سِنِينَ} تسعٍ أو ثمانٍ ونحوِ ذلكَ ممَّا لا يزيدُ على العشرِ، ولا ينقصُ عن الثَّلاثِ، وأنَّ غلبةَ الفرسِ للرُّومِ ثمَّ غلبةَ الرُّومِ للفرسِ كلُّ ذلكَ بمشيئتِهِ وقدرتِهِ

– الشيخ : {لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}

– القارئ : ولهذا قالَ: {لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} فليسَ الغلبةُ والنَّصرُ لمجرَّدِ وجودِ الأسبابِ، وإنَّما هي لا بدَّ أنْ يقترنَ بها القضاءُ والقدرُ.

{وَيَوْمَئِذٍ} أي: يومَ يغلبُ الرُّومُ الفرسَ ويقهرونَهم {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} أي: يفرحونَ بانتصارِهم على الفرسِ وإنْ كانَ الجميعُ كفَّاراً ولكنَّ بعضَ الشَّرِّ أهونُ مِن بعضٍ ويحزنُ يومئذٍ المشركونَ.

{وَهُوَ الْعَزِيزُ} الَّذي لهُ العزَّةُ الَّتي قهرَ بها الخلائقَ

– الشيخ : ولهذا يعني على، والأمرُ متشابهٌ إلى اليومِ، مثلاً المؤمنون لو صارَ بينَ الشيوعيَّةِ والنصرانيَّةِ -الدول النصرانيّة- يعني حربٌ كانَ المفضَّلُ أو الأحبُّ إلى المسلمينَ انتصارَ النصارى على […..]، نفس نفس يعني القصَّة، نفس القصَّة، وإنْ كانَ الجميعُ كفاراً، هؤلاء ينتسبونَ إلى شيءٍ من الأديانِ الرساليَّةِ الأديان والرسل، ينتسبون انتساباً وإن لم يكنْ يعني صحيحاً منجيَّاً لهم لكنَّهم وهذا راجعٌ إلى الحكمةِ في أنَّ الأمورَ يعني لا يُسوَّى بينَ المختلفات، فاليهودُ أشدُّ عداوةً والنصارى أقربُ، بنصِّ القرآنِ {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:82].

 

– القارئ : الَّذي لهُ العزَّةُ الَّتي قهرَ بها الخلائقَ أجمعينَ يُؤتي الملكَ مَن يشاءُ وينزعُ الملكَ ممَّن يشاءُ ويُعزُّ مَن يشاءُ ويُذلُّ مَن يشاءُ. {الرَّحيمُ} بعبادِهِ

– الشيخ : وينصرُ من يشاءُ ويخذلُ من يشاءُ، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ} [آل عمران:160].

– القارئ : {الرَّحيمُ} بعبادِهِ المؤمنينَ حيثُ قيَّضَ لهم مِن الأسبابِ الَّتي تسعدُهم وتنصرُهم ما لا يدخلُ في الحسابِ.

{وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} فتيقَّنُوا ذلكَ واجزمُوا بهِ واعلمُوا أنَّه لا بدَّ مِن وقوعِهِ.

فلمَّا نزلَتْ هذهِ الآياتُ الَّتي فيها هذا الوعدُ صدَّقَ بها المسلمونَ، وكفرَ بها المشركونَ حتَّى تراهنَ بعضُ المسلمينَ وبعضُ المشركينَ على عدَّةِ سنينَ عيَّنُوها، فلمَّا جاءَ الأجلُ الَّذي ضربَهُ اللهُ انتصرَ الرُّومُ على الفرسِ وأجلَوهم مِن بلادِهم الَّتي أخذُوها منهم وتحقَّقَ وعدُ اللهِ.

وهذا مِن الأمورِ الغيبيَّةِ الَّتي أخبرَ بها اللهُ قبلَ وقوعِها ووُجِدَتْ في زمانِ مَن أخبرَهم اللهُ بها مِن المسلمينَ والمشركينَ. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أنَّ ما وعدَ اللهُ بهِ حقٌّ فلذلكَ يوجدُ فريقٌ منهم يُكذِّبونَ بوعدِهِ، ويُكذِّبونَ آياتِهِ.

وهؤلاءِ الَّذينَ لا يعلمونَ أي: لا يعلمونَ بواطنَ الأشياءِ وعواقبَها. وإنَّما {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فينظرونَ إلى الأسبابِ ويجزمونَ بوقوعِ الأمرِ الَّذي في رأيِهم انعقدَتْ أسبابُ وجودِهِ ويتيقَّنونَ عدمَ الأمرِ الَّذي لم يشاهدوا لهُ مِن الأسبابِ المقتضيةِ لوجودِهِ شيئاً، فهم واقفونَ معَ الأسبابِ غيرُ ناظرينَ إلى مُسبِّبها المتصرِّفِ فيها.

{وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} قد توجَّهَتْ قلوبُهم وأهواؤُهم وإراداتُهم إلى الدُّنيا وشهواتِها وحطامِها فعملَتْ لها وسعَتْ وأقبلَتْ بها وأدبرَتْ وغفلَتْ عن الآخرةِ، فلا الجنَّةُ تشتاقُ إليها ولا النَّارُ تخافُها وتخشاها

– الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ، اللَّهم لكَ الحمدُ، الحمدُ للهِ على نعمةِ الإسلامِ، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] نسألُ اللهَ الثباتَ، نسأل الله الثبات، نسأل الله أنْ يثبِّتَنا وإيَّاكم على الهدى.

 

– القارئ : ولا المقامُ بينَ يدي اللهِ ولقائِهِ يروعُها ويزعجُها وهذا علامةُ الشَّقاءِ وعنوانُهُ الغفلةُ عن الآخرةِ.

ومِن العجبِ أنَّ هذا القسمَ مِن النَّاسِ قد بلغَتْ بكثيرٍ منهم الفطنةُ والذَّكاءُ في ظاهرِ الدُّنيا إلى أمرٍ يحيرُ العقولَ ويدهشُ الألبابَ.

وأظهرُوا مِن العجائبِ الذَّريَّةِ والكهربائيَّةِ والمراكبِ البريَّةِ والبحريَّةِ والهوائيَّةِ

– الشيخ : أعد أعد شوي

– القارئ : ومِن العجبِ أنَّ هذا القسمَ مِن النَّاسِ

– الشيخ : هؤلاءِ الغافلونَ عن الآخرةِ.

– القارئ : قد بلغَتْ بكثيرٍ منهم الفطنةُ والذَّكاءُ في ظاهرِ الدُّنيا إلى أمرٍ يحيرُ العقولَ ويدهشُ الألبابَ.

وأظهرُوا مِن العجائبِ الذَّريَّةِ والكهربائيَّةِ والمراكبِ البريَّةِ والبحريَّةِ والهوائيَّةِ ما فاقُوا بهِ وبرزُوا وأعجبُوا بعقولِهم ورأَوا غيرَهم عاجزاً عمَّا أقدرَهم اللهُ عليهِ، فنظرُوا إليهم بعينِ الاحتقارِ والازدراءِ وهم معَ ذلكَ أبلدُ النَّاسِ في أمرِ دينِهم وأشدُّهم غفلةً عن آخرتِهم وأقلُّهم معرفةً بالعواقبِ، قد رآهم أهلُ البصائرِ النافذةِ في جهلِهم يتخبَّطونَ.

– الشيخ : الحمدُ لله، الحمدُ لله، نعم هذه الأممُ الكافرةُ، هذه الأممُ -وللهِ الحمدُ- نراهم أنَّهم في انحطاطٍ ليسوا في تقدُّمٍ أو رقيٍّ أو، إنَّ هذا الرقيَّ الماديَّ هذا لا هذا ذاهبٌ ومضمحلٌّ، يزدادوا به كفراً وطغياناً، فهم طائفتان، الأممُ الكافرةُ هذه المتحضِّرةُ هذه الأممُ المتحضِّرةُ طائفتان أو طبقتان: طبقةُ السادةِ والكبارِ والكبراءِ والرؤساءِ فهؤلاء -والعياذ بالله- مجتمعٌ فيهم الجهلُ المطبقُ، فهم لا يعرفون مبدأً ولا معاداً ولا ربَّاً، لا يعرفون إلَّا شؤونهم المتَّصلة بسلطانهم، شؤونهم السياسيَّة، والخطبُ الَّتي يتسلَّطون بها على الخلقِ، فاجتمعَ فيهم الجهلُ العظيمُ والكبرُ الشديدُ والطغيانُ والظلمُ، هذه حالُ كبرائهم، هذه حالُ كبرائهم، معَ ما يشاركون فيه شعوبَهم من الشهواتِ البهيميَّةِ من الفجورِ والزنا والخبثِ، حتَّى بلغَ بهم الأمرُ إلى أن يشرِّعوا، أرقى دولةٍ في زعمِهم وفي ظنِّهم تشرِّعُ الشذوذَ الجنسيَّ الخبثَ اللواطَ، أبعدَ هذا انحطاطٌ؟! لعنةُ اللهِ عليهم.

والطبقةُ الثانيةُ طبقةُ الشعوبِ الَّتي هم أشبهُ بالبهائم، يأكلون ويشربون وينكحون و… ويشتغلونَ للحياة الدنيا، اللهُ أكبرُ، لا إله إلَّا الله، كلُّهم يعني هممُهم دائرةٌ على الشهوات، الشهواتُ البهيميَّةُ أو الشهواتُ التسلُّطيَّةُ، شهواتُ الظلمِ والبغي والعدوان، فينبغي للمسلمِ أن يتدبَّر حالَ هؤلاء ويتدبَّرَ هذه النعمةَ، نعمةَ الإسلامِ فيحمدُ اللهَ عليها.

والمسلمون يعني مصيبتُهم التقصيرُ، التقصيرُ في دينِهم، التفريطُ في جنبِ اللهِ، هذه مصيبتُهم، وإلَّا فقد أنعمَ اللهُ عليهم نعمةً عظيمة، أمَّا ما فاتهم من التقدُّمِ الماديِّ فهذا لا يضرُّهم، لا يضرُّهم، ما قصَّرُوا فيه هم، ما قصَّروا ممَّا يستطيعون ممَّا يحتاجون إليهِ وممَّا يُستعانُ به على الخيرِ هذا من جملةِ التقصير الَّذي يُذَمُّ فاعلُه، التقصيرُ في الواجب والتقصير في المستحبِّ هذا يُلامُ صاحبُه.

فالمسلمون معَ ما ابتلوا به من ما ابتلوا به من يعني النقصِ والتقصير وتسلُّطِ الغيرِ عليهم هم خيرٌ من هذه الأممِ، هم خيرٌ منهم، يجبُ يجبُ هذه العقيدةُ وهي أنَّ المسلمين خيرٌ من أولئك، إلَّا من كانَ من المسلمين منافقاً فهو ملتحقٌ بأولئك الكفَّارِ بل هو شرٌّ منهم، {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145] أمَّا من معَه أصلُ الإسلامِ، من سلمَ له أصلٌ الإسلامِ وعملَ بما تيسَّرَ له فهو في خيرٍ، نسألُ الله العافية، يا سلام سلِّم، لا إله إلَّا الله.

الذي سلمَ له أصلُ الإسلامِ هو الَّذي قد شهدَ ألَّا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّداً رسولُ اللهِ ولم يأتِ بناقضٍ ولم يرتكبْ ناقضاً من نواقضِ الإسلامِ، أمَّا من ارتكبَ ناقضاً وهو يعلمُ فإنَّه يلتحقُ بأممِ الكفرِ، يلتحقُ بهم، وسبيلُه سبيلُهم، نعم، نعم يا محمَّد.

 

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكم، وأشدُّهم غفلةً عن آخرتِهم و..

– الشيخ : الشيخُ يذكرُ يعني أنَّ هؤلاء الَّذين بلغُوا غايةً في الذكاءِ والفطنةِ في شؤونِ الدُّنيا هم أشدُّ الناسِ غفلةً وجهلاً ممَّا خُلِقُوا له وبما أمامهم، بما خُلِقُوا له وبما أمامهم، اللهُ المستعان، الحمدُ لله، لا إله إلَّا الله.

– القارئ : وأقلُّهم معرفةً بالعواقبِ، قد رآهم أهلُ البصائرِ النافذةِ في جهلِهم يتخبَّطونَ وفي ضلالِهم يعمهونَ وفي باطلِهم يتردَّدونَ نسَوا اللهَ فأنساهُم أنفسَهم أولئكَ هم الفاسقونَ.

ثمَّ نظرُوا إلى ما أعطاهم اللهُ وأقدرَهم عليهِ مِن الأفكارِ الدَّقيقةِ في الدُّنيا وظاهرِها وما حُرِمُوا مِن العقلِ العالي فعرفُوا أنَّ الأمرَ للهِ والحكمَ لهُ في عبادِهِ وإنْ هو إلَّا توفيقُهُ أو خذلانُهُ

– الشيخ : يا الله التوفيق، الله أكبرُ.

– القارئ : فخافُوا ربَّهم وسألُوهُ أنْ يتمَّ لهم ما وهبَهم مِن نورِ العقولِ والإيمانِ حتَّى يصلُوا إليهِ، ويحلُّوا بساحتِهِ وهذهِ الأمورُ لو قارنَها الإيمانُ وبُنِيَتْ عليهِ لأثمرَتْ الرُّقِيَّ العاليَ والحياةَ الطَّيِّبةَ، ولكنَّها لمَّا بُنِيَ كثيرٌ منها على الإلحادِ لم تثمرْ إلَّا هبوطَ الأخلاقِ وأسبابَ الفناءِ والتَّدميرِ.

أولم يتفكَّرُوا في أنفسِهم

– الشيخ : أسألُ اللهَ العافيةَ، الحمدُ للهِ لا إله إلَّا الله، الإعجابُ بالكفَّارِ من المصائبِ العظيمةِ، إنَّ إعجابَ المسلمِ بالكفَّارِ هذه مصيبةٌ يدلُّ على ضعفِ الإيمانِ ونقصِ البصيرةِ نقصِ العلمِ، سبحانَ الله، اللهُ المستعانُ، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا} [الأعراف:179] يعني: البصرُ النافعُ التفكيرُ النافعُ، {وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7-8]

فليتدبَّر المسلمُ هذا البيانَ وهذا الوصفَ، القرآنُ فيه وصفُ حالةِ السعداءِ والأشقياءِ في الدنيا والآخرة، فيها وصفُ حالتي السعداءِ والأشقياءِ في الدنيا والآخرة.