بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الروم
الدَّرس: الثَّالث
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم:12-19]
– الشيخ : أحسنتَ، الحمدُ لله، الساعةُ اسمٌ من أسماءِ القيامةِ، قامتِ القيامة، وقامتِ الساعةُ، وتقومُ الساعة، وهو حدثٌ عظيمٌ، قيام الساعة حدثٌ عظيمٌ، له مقدِّمات، مقدِّمات تسبِقُه كثيراً وهي أشراطُ الساعةِ، أشراطُ الساعة يعني: علاماتُ الساعة، علامات قربِ الساعة، سبحان الله! وهي قريبةٌ وتقتربُ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر:1]، وأعظمُ أشراط الساعة بِعثةُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه خاتَمُ النَّبيين، معناه أنَّ الدنيا أوشكتْ على الانقضاءِ، خاتَمُ الأنبياءِ والمرسلين، لا إله إلا الله.
وقد طَوَى اللهُ علمَ الساعة عن الخلقِ كلِّهم {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:187]، فَلَا يَعْلَمُهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:63]، {عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ}، فهِيَ إحدى الخمسِ التي اختصَّ اللهُ واستأثَرَ بعلمِها، {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34]
ولما سألَ جبريلُ النبيَّ عن الساعةِ: "متى الساعةُ؟" قال: (ما المسؤولُ عنها بأعلمَ من السائلِ).
ويترتبُ على قيامِ الساعةِ أحداثٌ في الأرضِ وفي السماءِ، أحداثٌ عظيمةٌ ذكرَها الله في كتابِه كما في الحاقّة والواقعة وسورةِ القيامةِ أحداث، والجبال، {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا، وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} [الطور:9-10]
يقول سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ}، تَقُومُ السَّاعَةُ فيُبعث الناسُ من القبورِ ويُحشرون ويُجمعون من أقطار الأرض، سبحان الله! يُجمعون الأموات الذين هنا وهناك في أقطار الدنيا كلُّهم يُجمعون، يُحشرون يَقومون من القبور، لا إله إلا الله.
(يَقومون حُفَاةً عُراةً غُرلاً)، قالتْ عائشةُ: يا رسولَ الله، الرجالُ والنِّساءُ ينظرُ بعضُهم إلى بعضٍ؟ قال: (يا عائشةُ، الأمرُ أعظمُ مِنْ أنْ يَهُمَّهُمْ ذلكَ) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
ما يلتفتْ أحدٌ، هولٌ، هولٌ عظيمٌ!
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} يُبْلِسُونَ: يَيْئَسُونَ، يحصلُ لهم اليأسُ، يحصلُ لهمُ اليأسُ من النَّجاةِ. {يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ}.
{وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء} شركائُهم الذين كانوا يعبدُونهم من دونِ الله، لم يكنْ لهم شفعاءُ منهم، ) {وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} يكفرونَ بشركائِهم ويُنكرُونَهم، وينكرون عبادتَهم ويتبرءونَ منهم، تبرّأ الجميع التابِعون والمتبوعُون، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة:166]، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14]، كلُّهم المعبودونَ يتبرؤون من العابدين، والعابدون يتبرؤون من المعبودين.{وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ}. هذا شيءٌ مما يكونُ يومَ القيامةِ.
وأيضاً يقول تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}، بعد الحَشْرِ والجَمْعِ، جمعِ البشرية من آدمَ إلى آخر نَسَمَةٍ يخلقُها الله، بعدَ الحشرِ، بعد البعثِ والنشورِ والجمعِ والحشرِ يحاسَبُ العبادَ كيف شاءَ اللهُ، ثمَّ ينقسمونَ ويتفرَّقون، {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} [الزلزلة:6]، يعني: متفرِّقين يَصْدُرُوْنَ من موقفِ القيامةِ أشتاتاً، وهنا يقول: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}، يَتَفَرَّقُونَ إلى قسمينِ فريقيِن:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}، في روضاتِ الجناتِ يُنعَّمُونَ ويُسرُّونَ، هذا فريقٌ.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}، فذكرَ السَبَبَ والـمُسَبَّبَ، السَبب والجزاء، وفي آيةٍ أخرى: يقول -تعالى-: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]، هؤلاء اللي تفرَّقوا يتفرَّقون، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} يَذهب فريقٌ إلى الجنةِ، وهم الذين قالَ اللهُ لهم: فِي رَوْضَةٍ، وفريق يُذهبُ بهم إلى النَّار، {وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}، لا إله إلا الله.
ثم يُسَبِّحُ الله نفسَهُ ويُعلِّمُنَا أنْ نُسَبِّحَهُ، ويُذَكِّرُنَا ويُعلِّمُنَا وقتَ التسبيح، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}، هذا يشبِهُ قوله –تعالى-: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}[غافر:55]، {بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}، في آياتٍ كثيرةٍ، {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130]، في آيةٍ أخرى: {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39]، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40]
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}، يعني في الصباحِ والمساءِ {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}، {لَهُ الْحَمْدُ} يعني: فِي السَّمَاوَاتِ وفي وَالْأَرْضِ وفي كلِّ وقتٍ، له الحمدُ في كلِّ مكانٍ، وله الحمدُ في كلِّ زمانٍ، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}.
وقد منَّ الله على المؤمنين على هذه الأمَّةِ بصلواتٍ مرتَّبَةٍ موقتةٍ بأوقاتٍ، صلاةُ الفجرِ، الله أكبر، الله أكبر، صلاةُ الفجرِ، المؤمنون ينهضونَ من فُرُشِهِم؛ استجابةً لداعي الحقِّ، وداعي الهدى، وداعي الفلاح.
سبحان الله! كيف تطيبُ النفوسُ للاستقرارِ والإخلادِ!؟ "حي على الفلاح"! "حي على الصلاة"!
ومن حكمةِ الشريعةِ أنْ جعلَ في أذانِ الفجرِ زيادةَ جملةٍ، "الصلاةُ خير من النوم"، لا إله إلا الله.
وتجيك صلاة الظهر، يا لها من نِعم! الصلواتُ هذه نِعَمٌ عظيمةٌ! لا إله إلا الله.
ولكن أحوال الناسِ فيها تتفاضلُ، أحوالُ الناسِ في الصلواتِ تتفاضلُ تفاضلاً عظيماً كثيراً، واقرأوا ما كتبَه وذكرَه ابنُ القيم في "الوابلِ الصَّيِّب" عن هذا الجانبِ في شأنِ تفاوتِ الناسِ أو تفاوتِ الصلاةِ بحسبِ أحوالِ العاملينَ، بحسَبِ أحوالِ العاملينَ.
{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}، له الحمدُ في الدنيا والآخرة، له الحمدُ في كلِّ مكانٍ، له الحمدُ في كلِّ زمانٍ -سبحانه وتعالى-؛ لأنه الموصوفُ بجميعِ صفاتِ الكمالِ، بجميعِ المحامدِ، فَلَهُ الحمدُ كلُّهُ، الحمد، الحمد كلُّه له، مِلْأَ السموات ومِلْأَ الأرض ومِلْأَ ما بينهما ومِلْأَ ما شاء -سبحانه وتعالى- بعد، نعم يا محمد.
(تفسير السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعدي -رحمَه اللهُ تعالى-:
ولهذا ذكرَ جزاءَ أهلِ الشَّرِ ثمَّ جزاءَ أهلِ الخيرِ
– الشيخ : لا هو فيه خلاف الترتيب، ثم ذكرَ جزاءَ أهلِ الخيرِ ثمَّ جزاءَ، كما في الآيةِ التي بعدَها، قَدِّمْ وأَخِّرْ بس [فقط].
– القارئ : نعم
– الشيخ : ثم ذكرَ
– القارئ : ولهذا ذكرَ جزاءَ أهلِ الخيرِ ثمَّ جزاءَ أهلِ الشرِّ، فقالَ:
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} ويقومُ الناسُ لربِّ العالمينَ ويَرِدُوْنَ القيامةَ عَيَانَاً، يومئذٍ {يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} أي: ييأسونَ مِنْ كلِّ خيرٍ؛ وذلكَ أنَّهم ما قدَّموا لذلكَ اليومِ إلا الإجرامَ وهِيَ: الذنوبُ، مِن كفرٍ وشركٍ ومعاصٍ، فلمَّا قدَّموا أسبابَ العقابِ ولمْ يخلطُوها بشيءٍ مِن أسبابِ الثوابِ، أَيْسوا وأبْلسوا وأفلَسوا وضَلَّ عنهمْ ما كانوا يفترونَه، من نفعِ شركائِهم وأنَّهم يشفعونَ لهمْ، ولهذا قالَ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ} التي عبدُوها معَ اللهِ {شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} تبرَّأَ المشركونَ ممَّنْ أشركُوهم معَ اللهِ وتبرَّأَ المعبودونَ وقالوا: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}.
– الشيخ : يا سلام! أعوذ بالله.
– القارئ : وَتَعَنَّتُوا وَابْتَعَدُوا، وفي ذلكَ اليومِ يَفْتَرِقُ أهلُ الخيرِ والشَّرِ
– الشيخ : أيش؟ وَتَعَنَّوا؟ كذا؟
– القارئ : نعم
– طالب: والْتَعَنُوا
– الشيخ : الْتَعَنُوا؟ أي تلاعَنُوا يعني: تلاعَنُوا
– القارئ : عندي "وتعنَّوا" ما في "أل"
– الشيخ : لا، لا، يمكن، يمكن تلاعَنُوا، يلعنُ بعضُهم بَعضَاً، الْتَعَنُوا لكن لو جاءت تلاعَنُوا كان أوضحَ، نعم بعده.
– القارئ : وفي ذلكَ اليومِ يَفْتَرِقُ أهلُ الخيرِ والشَّرِ كمَا افترقتْ أعمالُهم في الدنيا.
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
– الشيخ : لا إله إلا الله، وش بعد والْتَعَنُوا؟ بعد الْتَعَنُوا، قل العبارة.
– القارئ : وفي ذلكَ اليومِ يَفْتَرِقُ أهلُ الخيرِ والشَّرِ كمَا افترقتْ أعمالُهم في الدنيا.
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} آمنوا بقلوبِهم وصدَّقوا ذلكَ بالأعمالِ الصالحةِ {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ} فيها سائرُ أنواعِ النباتِ وأصنافِ الـمُشْتَهَيَاتِ، {يُحْبَرُونَ} أي: يُسرُّونَ ويُنَعَّمُونَ بالمآكِلِ اللذيذةِ والأشربةِ والحورِ الحِسانِ والخَدمِ والوِلْدانِ والأصواتِ الـمُطرِبَاتِ والسَّماعِ الـمُبْهِجِ والمناظرِ العجيبةِ والروائحِ الطيبةِ والفرحِ والسرورِ واللَّذةِ والحُبوِر ممَّا لا يَقدرُ أحدٌ أنْ يَصفَهُ.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} وجحدُوا نعمَهُ وقابلوهَا بالكفرِ {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} التي جاءتْهم بها رسلُنا {فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} فيه، قدْ أحاطتْ بهمْ جهنَّمُ من جميعِ جهاتِهم واطَّلَعَ العذابُ الأليمُ على أفئدَتِهم وشَوَى الحميمُ وجوهَهم وقَطَّعَ أمعاءَهم، فأينَ الفرقُ بينَ الفريقينِ؟ وأينَ التساويْ بينَ الـمُنَعَّمِيْنَ والـمُعَذَّبِيْنَ؟
قال الله -تعالى-: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ..} الآيات.
هذا إخبارٌ عن تَنَزُّهِهِ عنِ السُّوءِ والنَّقصِ وتَقَدُّسِهِ عَن أنْ يماثِلَهُ
– الشيخ : لأنَّ هذا فيه جانبين: جانبٌ من الله، اللهِ يُسبِّحُ نفسَه ويُنَزِّهُ نفسَه.
وفيه إرشادٌ للعباد أن يُسبِّحوه في هذه الأوقاتِ، وهذا الجانبُ هو الأظهرُ؛ لأنَّ الله جعلَ له أوقاتاً، وإلا فتسبيحُ الله لنفسِه هذا دائماً الله -تعالى- مُنَزِّهٌ نفسَه، لكن هذا فيه، مثل قوله تعالى: {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ} [الفاتحة:2] هذا كلامُه، {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ} هذا كلامٌ من الله، هو يحمدُ نفسَه، وفي نفسِ الوقت هو تعليمٌ للعباد، فإذا المسلم قرأ الفاتحةَ {الحَمْدُ لِلَّهِ} فيها جانبين:
جانبُ تلاوةٍ، تلاوةٍ لكلامِ الله {الحَمْدُ لِلَّهِ}.
وجانبُ إنشاءٍ، إنشاءِ الحمد منه لربِّه، فهو يتلو كلامَ ربِّه وحمدَهُ لنفسِه وفي نفسِ الوقتِ في ضمن هذا الكلام يثني على ربِّه ويحمده.
وهكذا {اهْدِنَا الصِّرَاْطَ الـمُسْتَقِيْمَ} [الفاتحة:6]، فيها جانبُ التلاوةِ، وجانبُ دعاءٍ.
ويُوضِّحُ الفرقَ بين الجانبين في اللفظِ الواحدِ أنَّ الإنسانَ لا يجوز لَه أنْ يتلوَ القرآنَ وهو ساجدٌ، فلا يجوز له أن يقصدَ التلاوةَ فيقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]، هذا ما يجوز أنه يتلو هذه الآية، لكن يَقصدُ الدعاء فقط، يَقصد الدعاء ولا يَقصد التلاوة، فهو مأمورٌ بالدعاء، والدعاء جائزٌ، والتلاوةُ حرامٌ في السجود؛ لقولِه -عليه الصلاة والسلام-: (إني نُهِيْتُ أنْ أقرأَ القرآنَ راكعاً أو ساجداً)، فسبحان الله! بعده.
– القارئ : هذا إخبارٌ عن تَنَزُّهِهِ عنِ السُّوءِ والنَّقصِ وتَقَدُّسِهِ عَن أنْ يماثِلَهُ أحدٌ من الخلقِ، وأَمْرٌ للعبادِ أنْ يسبِّحُوهُ حينَ يُمْسونَ وحين يُصْبحونَ ووقتَ العَشِيِّ ووقتَ الظهيرةِ.
فهذهِ الأوقاتُ الخمسةُ أوقاتَ الصلواتِ الخمسِ
– الشيخ : الله أكبر! {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}، عَشِيًّا يشمل كأنه يشمَلُ المغربَ والعشاءَ، لا إله إلا الله، أو يشمَلُ، {عَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}.
أما {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}، أما {حِينَ تُصْبِحُونَ} فهذهِ صلاةُ الفجرِ قَطعاً.
وأمَّا {تُمْسُونَ} فهِيَ تشمَلُ يمكن العصر والمغرب.
يمكن التقابُلُ، التقابُلُ بينَ تُمْسُونَ وتُصْبِحُونَ، تكون {حِينَ تُمْسُونَ} تكون المغرب، {تُصْبِحُونَ} الفجر، {وَعَشِيًّا} تشمل: المغربَ والعشاءَ، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} هذه الظهيرة صريحة، الظهرُ صريحة، فلفظُ العَشِيِّ يبدأ من المساءِ، من زوالِ الشمس، نعم بعده.
– القارئ : أمرَ اللهُ عبادَه بالتسبيحِ فيها والحمدِ، ويدخلُ في ذلكَ الواجبِ منهُ كالمشتمِلَةِ عليهِ الصلواتُ الخمسُ، والمستحبِّ كأذكارِ الصباحِ والمساءِ، وأدبارِ الصلواتِ، وما يقترنُ بها مِنَ النوافلِ؛ لأنَّ هذه الأوقاتُ التي اختارَها اللهُ لأوقاتِ المفروضاتِ هِيَ أفضلُ الأوقاتِ، فالتسبيحُ والتحميدُ فيها والعبادةُ فيها أفضلُ من غيرِها، بلِ العبادةُ وإنْ لمْ تشتملْ على قولِ "سبحانَ اللهِ" فإنَّ الإخلاصَ فيها تنزيهٌ للهِ بالفعلِ أنْ يكونَ لَهُ شريكٌ في العبادةِ أو أنْ يستحقَّ أحدٌ من الخلقِ ما يستحقُهُ من الإخلاصِ والإنابةِ.
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} كمَا يُخرِجُ النباتَ من الأرضِ الميتةِ، والسُّنبلةَ مِنَ الحَبَّةِ، والشجرةَ مِنَ النَّواةِ، والفرخَ مِنَ البيضةِ، والمؤمنَ مِنَ الكافرِ، ونحوِ ذلكَ.
{وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} بعكسِ المذكورِ.
{وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} فَيُنَزِّلُ عليها المطرَ وهِيَ ميتةٌ هامدةٌ فإذا أنزلَ عليها الماءَ اهتزتْ وَرَبَتْ وأنبتَتْ من كلِّ زوجٍ بهيجٍ {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} مِن قبورِكُمْ.
فهذا دليلٌ قاطعٌ وبرهانٌ ساطعٌ أنَّ الذيْ أحيا الأرضَ بعدَ موتِها يُحيي الأمواتَ، فلا فرقَ في نظرِ العاقلِ بينَ الأمرينِ ولا مُوجِبَ لاستبعادِ أحدِهِما معَ مشاهدةِ الآخرِ. قال الله تعالى..
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : أحسن الله إليك.
– الشيخ : لا إله إلا الله، سبحان الله! سبحان الله! {سُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ}.