الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الروم/(4) من قوله تعالى {ومن آياته أن خلقكم من تراب} الآية 20 إلى قوله تعالى {ومن آياته خلق السماوات} الآية 22

(4) من قوله تعالى {ومن آياته أن خلقكم من تراب} الآية 20 إلى قوله تعالى {ومن آياته خلق السماوات} الآية 22

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الروم

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم:20-22]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا الله عنك

– الشيخ : الحمد لله، لا إله إلا الله، سبحان الله، يُعدِّدُ -سبحانه و-تعالى– على عبادِه أنواعَ الآيات الكونية، كلُّ شيءٍ في هذا الوجود آيةٌ من آياتِه، لكنَّ الله –تعالى– يَلْفِتُ انتباهَ العباد ونظرِهم إلى آياتٍ معينةٍ، والآيةُ في اللغة: العلامةُ، وهذه المخلوقات كلُّها علاماتٌ على وجود صانِعها، وعلى قدرتِه، وعلى علمِه.

فيقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}، والمرادُ: آدمُ، وخلقُ الأصلِ خلقٌ للفَرع، فنحن مخلوقونَ من ترابٍ، {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:5]، ترابٌ وخُلِطَ بالماء صار طيناً، وبعد ذلك صار حمأً، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحِجر:26]

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}، خلقَ من ترابٍ واحدٍ، خلقَ إنساناً واحداً، وبَشراً واحداً، ثم صار هذا البَشَرُ أمماً، صار أمماً.

{ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} لعله يوضح هذا قوله –تعالى–: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا}، بَثَّ مِنْهُمَا، نشرَ، نشر منهما {رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء:1]، لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

فهذه آيةٌ عظيمةٌ خَلْقُ هذا الإنسانِ بهيئتِه وتكوينِه وأعضائِه وقِواهُ صار، الله أكبر! {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر:29]، فهذه من آياتِ الله، {ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}.

نعم، ونوعٌ آخر، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، هذا نوعٌ آخر من آيات الله، وهو أنه خلقَ للرجالِ أزواجاً من جنسِهم، من عُنْصرِهم، فالمرأة إنسانٌ كالرجل، {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} من بعضكم، {أَزْوَاجًا} يعني: زوجات، {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، فالمرأة سَكَنٌ للرجل، يسكُنُ إليها ويستريح، سبحان الله!

وأولُّ هذا النوع أمُّنا التي خلقَها الله من آدم، من بعضِ بدنِه، خلقها الله من بعضِ بدنِه، من ضِلَعِ، من ضِلَعِ آدم، {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1]،{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف:189] هذه أُولى هذا النَّوع.

{خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، يعني: بينَ الزوجين المودَّةِ والأُلفةِ والرحمةِ ما ليس بين غيرِهما، جعلَ بينَهم، {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.

ثم أكَّدَ ذلك بقولِه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، المرأة تنتقلُ إلى زوجِها فترتبطُ به ارتباطاً أعظم من ارتباطها بوالديها، وحقُّ الزوج عليها أعظمُ من حقِّ والديها من وجهٍ، ولهذا هي تكون تابعةً له، هذه آيةٌ من آياتِ الله!

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وهذا فيه نَدْبٌ لنا أن نتفكرَ في هذه الأحوال، امرأةٌ تنتقل إلى زوجها وهي غريبة، غريبة ليستْ من قبيلِه ولا من بلدِه، فتنتقلُ إليه ويكون بينهما ما ذكر الله، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}

نوعٌ آخر: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، هذه آيات مشاهدَةٌ عظيمةٌ! كثيراً ما يذكِّر الله العباد بها، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190]، الله أكبر!

خلقُ السمواتِ والأرض، هذه السمواتُ الأجرام العلويّة الثابتة، {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر:41]، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج:65] سبحان الله!

وهذه الأرضُ المبسوطةُ، {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:22]، {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

ونوعٌ آخر أيضاً في نفسِ الآية هذه: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}، هذه من الآيات، هذه البشرية يتكلَّمون، كلُّهم يتكلَّمون، لكن بألسنٍ ولغاتٍ كثيرة بالمئات، واللغةُ الواحدةُ فيها لَهَجَاتٌ، اختلافُ الألسن، اللغة الفلانية، واللغة الفلانية، واللغة الفلانية، وهات، وكلُّها يعني أدواتُ النُّطقِ واحدةٌ.

{وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}، اختلافُ الألوانِ، الأسودُ، والأبيضُ، والأحمرُ، واللي كذا واللي كذا، ألوانٌ مختلفةٌ، وصورٌ مختلفة، يعني لا تَجِدُ اثنين على صورةٍ واحدةٍ من كلِّ وجهٍ، لكن يكون بينهم اشتباهٌ وتقاربٌ كثير، لكن أبداً، {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} هو آية، يعني هذا من آياتِ الله: اختلافُ الألسنِ واللغاتِ، واختلافُ الألوانِ.

ثم أكَّدَ ذلك بقوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}، يعني لأهلِ العلم؛ لأنَّهم هم الذين يَعْلَمُونَ ما في هذه المخلوقاتِ من الفوارقِ، وبينَهما من تقاربٍ، أو بينهمَا من اشتراكٍ، يَعْلَمُونَ فيتفكَّرونَ ويتدبَّرونَ وينتفعونَ، واختلافُ اللغاتِ يُدركُها أهلُ العلمِ بها، سبحان الله العظيم!

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}، وهذه الصيغةُ -صيغةُ عالِمين- لم تأتِ إلا في هذا الموضع، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}، وجاءت: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43]، فهذه الصيغة لم تأتِ إلا في آيتينِ، في موضعين، في موضع منصوب وفي موضع مرفوع.

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعدي -رحمَه اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ -تعالى-:

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}الآيات.

هذا شروعٌ في تَعدادِ آياتِه الدالةِ على انفرادِه بالإلهيةِ وكمالِ عظمتِه، ونفوذِ مشيئتِه، وقوةِ اقتدارِهِ، وجميلِ صنعِهِ وسعةِ رحمتِه وإحسانِه فقالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} وذلكَ بخلقِ أصلِ النَّسلِ آدمَ -عليه السلام- {ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} أيْ: الذيْ خلقَكُم مِنْ أصلٍ واحدٍ ومادةٍ واحدةٍ وبَثَّكُمْ في أقطارِ الأرضِ وأرجائِها ففي ذلكَ آياتٌ على أنَّ الذي أنشأكُم مِن هذا الأصلِ وبَثَّكُم في أقطارِ الأرضِ هو الربُّ المعبودُ الـمَلِكُ المحمودُ والرحيمُ الودودُ الذي سيعيدُكم بالبعثِ بعدَ الموتِ.

{وَمِنْ آيَاتِهِ} الدالَّةِ على رحمتِه وعنايتِه بعبادِه وحكمتِه العظيمةِ وعلمِه المحيطِ، {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} تناسبُكم وتناسبونَهُنَّ، وتشاكلُكُم وتشاكلُونَهُنَّ {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} بما رتَّبَ على الزواجِ من الأسبابِ الجالبةِ للمودةِ والرحمةِ.

فحصَلَ بالزوجةِ الاستمتاعُ واللَّذةُ والمنفعةُ بوجودِ الأولادِ وتربيتِهم، والسكونُ إليها، فلا تجدُ بينَ أحدٍ في الغالِبِ مِثل

– الشيخ : وهذا الارتباطُ وهذه، سببٌ لاستمرار الجنس البشري، سبب لاستمرار الجنسِ البشريّ إلى الأجل المعلوم، لا إله إلا الله، أجيال، أجيال تظهر و، تجدُ الرجلَ الواحد هذا شخصٌ واحدٌ تجدُه إذا طال عمُرُه ما يموت إلا وقد نَشَرَ بشراً، أولاد وأولادهم جاء لهم أولاد وصار، يعني صار الواحد مئة! مئة! الله أكبر! الله أكبر! ويموتون، كثيرٌ منهم يموتون قبلَه، يَدفِنُ من أولادِه وأحفادِه وهو موجودٌ، الله أكبر! سبحان الله!

 

– القارئ : فلا تجدُ بينَ أحدٍ في الغالِبِ مِثل ما بينَ الزوجينِ مِنَ المودَّةِ والرحمةِ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

– الشيخ : وهذا ما يكون بينَهما من المودَّةِ والرحمةِ هي علاقة، أصلُها علاقةُ منفعةٍ، أصلُ العلاقة الزوجية أصلها علاقة منفعة، علاقةُ استمتاعٍ، وما يتبع ذلكَ من حصولِ الإنفاق، وما يحصل من الذريَّة، وكما قال الشيخ.

أما محبةُ الوالدين لولدِهما ما أظنُّ فوقهما، خصوصاً محبةُ الأم، محبةُ الأم هذه ما يدانيها شيء من المحبَّة التي تكون المحبَّة الطبيعية أعني، المحبة الطبيعة محبَّةُ الأم للولد وشفقتُها عليه وحنانِها من طفولِته إلى أن تموتَ، إلى أن تموتَ؛ ولهذا من حكمة الربِّ أن وصَّى بحقِّهما، وصَّى بحقِّهما، بالوالدين وخَصَّ الأم، وخصَّ الأم في آيات، لا إله إلا الله.

 

– القارئ : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} يُعمِلُونَ أفكارَهم ويتدبَّرون آياتِ اللهِ وينتقلونَ مِنْ شيءٍ إلى شيءٍ.

قالَ اللهُ تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) الآية.

والعَالِمُونَ همْ أهلُ العلمِ الذينَ يَفهمونَ العِبَرَ ويتدبَّرونَ الآياتِ، وآياتُ اللهِ في ذلكَ كثيرةٌ: فمِنْ آياتِ خلقِ السماواتِ والأرضِ وما فيهِما، أنَّ ذلكَ دالٌ على عظمةِ سلطانِ اللهِ وكمالِ اقتدارِه الذي أوجدَ هذهِ المخلوقاتِ العظيمةِ، وكمالِ حكمتِه؛ لما فيها من الإتقانِ وسعةِ علمِه؛ لأنَّ الخالقَ لا بدَّ أنْ يعلمَ ما خلقَهُ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} وعمومِ رحمتِه وفضلِه لما في ذلكَ من المنافعِ الجليلةِ.

– الشيخ : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [بالبقرة:29]، فهو خلق الأرضَ للعبادِ، فراش، {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} [البقرة:22] وجعلها مهاداً، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات:47-48]، الله أكبر! يتقلَّبُ فيها الناسُ ويتنقلون ويذهبون، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} [الملك:15]، مثل الذَّلول، مُذَلَّلَةً.

 

– القارئ : لما في ذلكَ من المنافعِ الجليلةِ، وأنَّهُ المريدُ الذي يختارُ ما يشاءُ لما فيها من التخصيصاتِ والمزايا، وأنَّهُ وحدَه الذي يستحقُّ أنْ يُعبدَ ويُوَحَّدَ؛ لأنَّهُ المنفردُ بالخلقِ فيجبُ أنْ يُفرَدَ بالعبادةِ، فكلُّ هذهِ أدلةٌ عقليةٌ نَبَّهَ اللهُ العقولَ إليها وأمرَها بالتفكرِ واستخراجِ العِبْرَةِ منها.

{و} كذلكَ في {اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} على كثرتِكم وتباينِكم معَ أنَّ الأصلَ واحدٌ ومخارجُ الحروفِ واحدةٌ، ومعَ ذلكَ لا تَجِدُ صوتينِ متفقينِ مِنْ كلِّ وجهٍ، ولا لونينِ متشابهينِ مِنْ كلِّ وجهٍ، إلا وتجدُ مِنَ الفَرْقِ بينَ ذلكَ مَا بِهِ يحصلُ التمييزُ.

{إن في ذلك لآيات للعالمين} أي: إنَّ هذا دالٌّ على كمالِ قدرتِهِ، ونفوذِ مشيئتِهِ.

ومِنْ عنايتِه بعبادِه ورحمتِه بهمْ أنْ قَدَّرَ ذلكَ الاختلافَ لئلَّا يقعَ التشابُهُ فيحصلُ الاضطرابُ ويفوتُ كثيرٌ من المقاصدِ والمطالبِ.

قال الله -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].

– القارئ : أحسن الله إليك.